خطب ومحاضرات
معرفة الله
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد من الله علينا بإكمال شرح نظم الشيخ المتعلق بالعقائد، وقد ترك الشيخ حفظه الله تعالى التفصيل في بعض المسائل اعتماداً على تفصيل ذكره في نظمه لجامع خليل ، فإن أصل الكتاب كان نظماً لمختصر خليل في الفقه المالكي، وكذلك نظم في آخره الجامع لـخليل نفسه.
هذا الجامع كتاب يجمع العقائد والآداب والأخلاق الشرعية، وكثيراً من الأحكام المتعلقة بالسلوك عموماً، قد نظمه الشيخ في حوالي خمسمائة بيت، والمبحث العقدي منه بين أيدينا اليوم، وهو أبيات قليلة تضيف بعض التفصيلات لما سبق، ومع هذا فقد تقيد الشيخ في أغلبها بترتيب خليل، فليست العهدة الكاملة فيما يذكر هنا على الشيخ بل العهدة مشتركة، فمنها ما هو على خليل بن إسحاق المالكي مؤلف المختصر للتوضيح وغيرهما.
يقول الشيخ حفظه الله:
فيلزم القاصد نهج الجنه لكي تسير النفس مطمئنه
أن يمعن النظر في الدلائل ويستدل لوجود الفاعل
بفعله ليحصل اليقين له أن له رباً كريماً عدّله
بين في هذه الأبيات فائدة دراسة هذا العلم، فكل عمل لا يعرف الإنسان هدفه لا يمكن أن يقومه.
ومن هنا فدراستنا لأي علم من العلوم لابد أن نحدد لها هدفاً حتى نستطيع تقييمها ومدى استفادتنا منها، وهل وصلنا إلى النتيجة المرضية المطلوبة أو لم نستفد ولم نصل إلى تلك النتيجة؟
فهدف دراسة علم العقائد هو معرفة الله سبحانه وتعالى وحصول اليقين في قلب المؤمن، أي: زيادة إيمانه وثباته واستقراره، وهذا اليقين الذي يحتاج إليه الإنسان في كل أموره تطلب زيادته في المجال العقدي أكثر من زيادته في غيره، ومنطلقه من البحث على الدلائل: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ[البقرة:111] ، هذا مبدأ اليقين كله.
فمبدأ اليقين أن يبحث الإنسان عن الدليل في كل أمر حتى لا ينطلق من مجرد الخلط والجهل وحتى يكون على بصيرة من أمره في كل ما يعتقد أو يقول.
ومن هنا قال: (فيلزم القاصد نهج الجنه)، أي: يجب على السالك طريق الجنة، أي: المؤمن الذي يريد رضوان الله سبحانه وتعالى وجنته.
(لكي تسير النفس مطمئنه) معناه: لكي يختم له بحسنى فتكون نفسه وقت الممات من النفوس التي تخاطب فيقال لها: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي[الفجر:27-29].
(لكي تسير النفس) معناه: تخرج من هذه الدنيا -وهي سائرة لا محالة، (مطمئنة) أي: لتكون كذلك، والنفوس ثلاثة أقسام:
الأول: النفس المطمئنة، وهي التي حصل لها اليقين واستقر فيها الإيمان وثبت.
الثاني: النفس اللوامة، وهي التي آمنت ولكنها لم يكتمل فيها اليقين بعد.
الثالث: النفس الأمارة بالسوء، وهي التي تنتاب صاحبها الشكوك والأوهام، وكل هذه النفوس للمؤمن، وللكافر تقسيمات أخرى.
ويجب على الإنسان أن يطلب أعلى المراتب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتم فاسألوه الفردوس الأعلى من الجنة) ، ونهى أن يسأل بوجه الله الكريم إلا الفردوس الأعلى من الجنة، فلا ينبغي للمسلم أن يرضى بالدون، بل معرفة الله تعالى تقتضي من الإنسان أن يكون ذا همة عالية تسمو به إلى المراتب العلية فيتعلق بما عند الله سبحانه وتعالى، ويتدرج في درجات الإيمان، ويحاول زيادة الاطمئنان كلما تقدم به العمر إلى أن يكون خير عمره آخره، فحينئذٍ يبلغ المستوى المطلوب، ويقدم على الله سبحانه وتعالى وهو عنه راضٍ، وهذا هو الهدف المطلوب من التعرف عليه.
فنحن محتاجون إلى أن نعرف ربنا لنحبه ونتعلق به ونطلب ما عنده، ونثبت إيماننا وطمأنينتنا ويقيننا، ولهذا فإن إبراهيم عليه السلام الذي وصل إلى مقام الخلد، قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْييِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي[البقرة:260] ، وهذا امتحان امتحنه الله به، ( أولم تؤمن )، فهو قد طلب وقد حدد هدفه في مطلبه، لكن الله امتحنه فقال: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ[البقرة:260] ، وهو يعلم أنه قد آمن، فنجح إبراهيم في هذا الامتحان كغيره من الامتحانات، ولذلك قال الله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ[البقرة:124] ، ولهذا استحق الإمامة، قال: قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا[البقرة:124] ، ولذلك يقول العلماء: إذا جمع المرء بين الصبر واليقين نال الإمامة في الدين، لقول الله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ[السجدة:24] .
والمرء أحوج ما يكون إلى اليقين في حالين:
الموطن الأول: حالة الفتنة
الحال الأول: حال الفتنة والشبهة، فعندما يأتي ليل الفتن وسيلها الجارف يحتاج المؤمن إلى ما يثبته، وهو هذا اليقين الذي يجعله لا ينجرف وراء الفتن ولا يذهب وراء كل ناعق، ويمسك بالمحجة البيضاء لا يميل عنها يميناً ولا شمالاً ولا يسلك بنيات الطريق ولا أبواباً مفتحة.
وهذا الحال يذكرنا بحالنا اليوم، فالفتن تزداد في آخر الزمان، وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه الفتن فقال: (يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا) ، فكم شاهدنا من الناس من نرى بحسب الظاهر -والسرائر علمها إلى الله- أنه يبيع دينه بعرض من الدنيا.
هذا من هذه الفتن التي حذرنا منها الرسول صلى الله عليه وسلم، فلذلك يجب على المسلم أن يستمسك باليقين، فإذا عرض عليه بيع دينه بأي ثمن تذكر أن هذا الدين هو هو، وأن بيعه له خسارة في الدنيا والآخرة، وأنه إن لم يسلك طريق إبراهيم فقد سفه نفسه كما شهد الله وهو عليم بذلك: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ[البقرة:130] .
ومن هنا فعليه أن يثبت وأن يعلم أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وأن ما كتب له لابد أن يناله، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وليتذكر هذا عند كل الصدمات والأزمات، وإنما الصبر عند الصدمة الأولى.
فإذا جاءت أية نازلة وأية فتنة فإن أهل الإيمان يثبتون ويراجعون أنفسهم ويتذكرون أول ما يتذكرون اللجوء إلى الله والعلاقة به، ومن هنا لا يستفزون بهذه الفتنة فينجون منها: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ[إبراهيم:27] .
الموطن الثاني: وقت الموت
الحال الثاني الذي يحتاج فيه إلى اليقين: هو وقت الإدبار عن هذه الدنيا والإقبال على الآخرة، عندما تخور الجوارح وتضعف، فذلك مدعاة لضعف العقل والتصور، والإنسان في ذلك الوقت محتاج إلى ما يثبته وهو أحوج أحواله إلى اللطف، ولذلك قال خليل رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه هذا: (ونسألك اللطف والإعانة في جميع الأحوال وحال حلول الإنسان في رمسه.
فحال الانقطاع عن الدنيا والإقبال على الآخرة يحتاج فيه الإنسان إلى اليقين والثبات، ولذلك قال أحد سلفنا الصالح:
أأرجع بعدما رجفت عظامي وكان الموت أقرب ما يليني
هذا وقت الثبات.
فما يدل لنا منهاج جهم بمنهاج ابن آمنة الأمين
فالثبات على ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وعدم تبديله وتحريفه بأي شيء يحتاج إليه الإنسان في وقت ضعفه وكبره وعجزه وانقطاعه عن الدنيا وإقباله على الآخرة.
أأرجع بعدما رجفت عظامي وكان الموت أقرب ما يليني
الحال الأول: حال الفتنة والشبهة، فعندما يأتي ليل الفتن وسيلها الجارف يحتاج المؤمن إلى ما يثبته، وهو هذا اليقين الذي يجعله لا ينجرف وراء الفتن ولا يذهب وراء كل ناعق، ويمسك بالمحجة البيضاء لا يميل عنها يميناً ولا شمالاً ولا يسلك بنيات الطريق ولا أبواباً مفتحة.
وهذا الحال يذكرنا بحالنا اليوم، فالفتن تزداد في آخر الزمان، وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه الفتن فقال: (يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا) ، فكم شاهدنا من الناس من نرى بحسب الظاهر -والسرائر علمها إلى الله- أنه يبيع دينه بعرض من الدنيا.
هذا من هذه الفتن التي حذرنا منها الرسول صلى الله عليه وسلم، فلذلك يجب على المسلم أن يستمسك باليقين، فإذا عرض عليه بيع دينه بأي ثمن تذكر أن هذا الدين هو هو، وأن بيعه له خسارة في الدنيا والآخرة، وأنه إن لم يسلك طريق إبراهيم فقد سفه نفسه كما شهد الله وهو عليم بذلك: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ[البقرة:130] .
ومن هنا فعليه أن يثبت وأن يعلم أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وأن ما كتب له لابد أن يناله، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وليتذكر هذا عند كل الصدمات والأزمات، وإنما الصبر عند الصدمة الأولى.
فإذا جاءت أية نازلة وأية فتنة فإن أهل الإيمان يثبتون ويراجعون أنفسهم ويتذكرون أول ما يتذكرون اللجوء إلى الله والعلاقة به، ومن هنا لا يستفزون بهذه الفتنة فينجون منها: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ[إبراهيم:27] .
الحال الثاني الذي يحتاج فيه إلى اليقين: هو وقت الإدبار عن هذه الدنيا والإقبال على الآخرة، عندما تخور الجوارح وتضعف، فذلك مدعاة لضعف العقل والتصور، والإنسان في ذلك الوقت محتاج إلى ما يثبته وهو أحوج أحواله إلى اللطف، ولذلك قال خليل رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه هذا: (ونسألك اللطف والإعانة في جميع الأحوال وحال حلول الإنسان في رمسه.
فحال الانقطاع عن الدنيا والإقبال على الآخرة يحتاج فيه الإنسان إلى اليقين والثبات، ولذلك قال أحد سلفنا الصالح:
أأرجع بعدما رجفت عظامي وكان الموت أقرب ما يليني
هذا وقت الثبات.
فما يدل لنا منهاج جهم بمنهاج ابن آمنة الأمين
فالثبات على ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وعدم تبديله وتحريفه بأي شيء يحتاج إليه الإنسان في وقت ضعفه وكبره وعجزه وانقطاعه عن الدنيا وإقباله على الآخرة.
أأرجع بعدما رجفت عظامي وكان الموت أقرب ما يليني
فلذلك قال: (لكي تسير النفس مطمئنه)
ماذا يلزمه؟
أن يمعن النظر في الدلائل، وإنما يحصل اليقين بأمرين:
الأمر الأول: نظري.
والأمر الثاني: عملي.
فالأمر النظري: هو استعمال الدلائل؛ ولذلك قال إبراهيم عليه السلام: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى[البقرة:260] .
والأمر العملي هو زيادة التقرب إلى الله تعالى لتأتي مواهبه التي وعد بها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا[الأنفال:29] .
فالإنسان محتاج إلى هذين الأمرين، ولذلك فالعلم كله ينقسم إلى علمين:
- علم مكتسب، وهو: العلم الصادر عن طريق الدلائل.
- وعلم لدني، أي: موهوب من عند الله سبحانه وتعالى، وهذا نتيجة العمل، فيوازي الإنسان بين هذين الجانبين، ويزيد علمه بالعمل فيتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، ويكثر من النوافل فيفتح الله له فتوحاً نافعة.
وكذلك يزيد علمه بالاستطلاع والدلائل ويهتم بهذا الجانب النظري أيضاً فلا يتكل على أحد الجانبين وحده بل يسير في خطين متوازيين لابد من اجتماعهما؛ لأن الإيمان قول وعمل، قول يشمل الاعتقاد، وعمل يشمل عمل القلب وعمل الجوارح، فلابد من إمعان النظر في الدلائل.
والدلائل جمع دليل، والدليل في اللغة يطلق على المرشد، ومنه قول الشاعر:
إذا حل دين اليحصبي فقل له تزود بزاد واستعن بدليل
سيصبح فقيع أكتم الريش واقعاً بقال قلا أو من وراء دبيل
فقوله: (واستعن بدليل)، أي: بمرشد في المتاهات والمسافات الشاسعة.
ويطلق كذلك على الأمارة، ومنه قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا[الفرقان:45-46]، أي: جعلنا الشمس عليه علامة، فإذا وجدت الشمس وجد الظل وإذا غربت عدم الظل.
وهو في الاصطلاح: ما يثبت الشيء، وللأصوليين والمناطقة اصطلاحات في تعريف الدليل، فالأصوليون يقولون: الدليل هو ما يحصل بصحيح النظر فيه العلم بمطلوب الخبر، وبعضهم يقول: ما يؤدي صحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري، والفرق بين التعريفين: أن التعريف الأول يقتضي أن الدليل هو ما أدى إلى القطع فقط، وغيرها لا تسمى دلائل وإنما تسمى أمارات، وهذا اصطلاح لبعض المتكلمين، فتقيد به بعض الأصوليين.
والقول الثاني أرجح وهو: أن الدليل هو ما يؤدي صحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري سواء كان ذلك باليقين أو بالظن.
وقولنا: (ما يؤدي)، أي: بعد الأخذ به، فالدليل سابق على المدلول، فإذا كنت تريد معرفة حكم شرعي، فاعلم أن الآية قد نزلت، وأن الله سبحانه وتعالى قد أمر بهذا، فأمر الله المنزل من عنده هو الدليل، وهو سابق على المدلول وهو معرفتك أنت بالحكم الذي طلب منك.
فمثلاً: وجوب الوضوء مطلوب خبري، والمطلوب معناه: ما يتعلق به الطلب، وهو الذي يكون قبل الاستدلال دعوى ووقت الاستدلال مطلوباً وبعد الاستدلال نتيجة؛ لأنه نتيجة الدليل، فله ثلاثة أحوال:
قبل الاستدلال.
ووقت الاستدلال.
وبعد الاستدلال.
فهذا هو الذي يسمى مطلوباً، وهو إما أن يكون إنشائياً وإما أن يكون خبرياً، فالإنشائي تنطلق فيه من نفسك ولا تحتاج فيه إلى غيرك؛ لأنه إيقاع توقعه مثل: بعت واشتريت وأعتقت.
والخبري المنسوب إلى الخبر، والخبر هو ما يقبل الصدق والكذب لذاته، أي: يمكن أن يكون صادقاً ويمكن أن يكون كاذباً لذاته بخلاف الإنشاء، فهو لا يقبل الصدق والكذب لذاته ولا يسمى خبراً، لكن إن كان الخبر لا يقبل الصدق والكذب لكن لا لذاته بل للمتكلم به ككلام الله تعالى، والخبر من رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يقبل التكذيب أبداً بل هو صدق قطعاً؛ لكن عدم قبوله للكذب ليس راجعاً إلى ذات الخبر وإنما هو راجع إلى المتكلم به، وهكذا.
والدلائل تنقسم إلى قسمين:
- دلائل نقلية.
- ودلائل عقلية.
والدلائل العقلية مقدمة على الدلائل النقلية من ناحية التصور؛ لأن الإنسان قبل أن يصدق بالنقل لابد أن يعتمد على قناعة عقلية به، فمن لم يصدق بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالته لا يمكن أن يقتنع بالقرآن أو بالحديث، لكن إذا اقتنع عقلياً بالمعجزة وبصدق النبي صلى الله عليه وسلم يكون الدليل النقلي حينئذٍ مجبراً له، ومن هنا فالدليل العقلي مقدم على الدليل النقلي في التصور؛ لأنه لا يمكن أن ينطلق الإنسان من مجرد النقل دون أن يعتمد على عقل في إثبات أصل النقل؛ لأن النقل مبني على العقل.
والدلائل النقلية تشمل التفكر بالآيات المسطورة والأحاديث المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك عن أقوال الراسخين في العلم والمتفقهين فيه الذين كلامهم نور على نور يشرح ويبين مراد الله ومراد الرسول صلى الله عليه وسلم.
والدلائل العقلية هي: التفكر في آيات الله المنظورة كالنفس، والسماء والأرض وما بينهما، هذه آيات الله المنظورة: وَفِي أَنفُسِكُمْ[الذاريات:21] ، فأول ما يتفكر فيه الإنسان أن يتبصر في نفسه، ثم في السماوات والأرض وما بينهما: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ[يوسف:105-106].
ويروى أنه قيل لأعرابي: بما عرفت ربك؟
فقال: البعرة تدل على البعير، وأثر الأقدام يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدل على اللطيف الخبير؟!
فاستفاد هذا الأعرابي من الآيات المنظورة فهداه ذلك إلى القناعة بالآيات المذكورة، ولهذا قال: (أن يمعن النظر في الدلائل).
والنظر المقصود به: التفكر في المعقولات، فالنظر هو إعمال النفس، وإعمال النفس ينقسم إلى قسمين:
إما أن تعمل في الحسيات التي يدركها البصر أو السمع أو الذوق أو الشم أو اللمس، وهذا يسمى تخيلاً، أو أن يتعلق بالمعنويات وهي المعقولات التي يتعلق بها العقل ولا تتعلق بها الحواس، وهذا الذي يسمى فكراً، فهذا الفرق بين التفكر والتخيل، فالتخيل يقع في المحسوسات والتفكر في المعقولات.
أقسام النظر في الدلائل
والنظر ينقسم إلى قسمين إلى:
- نظر صحيح.
- ونظر فاسد.
فالنظر الصحيح هو ما تعلق بالشيء من جهة الاستدلال به، فإذا نظرت، وكنت تريد عملاً بخشبة، وتريد أن تعمل بها سريراً مثلاً، فمن أي وجه تنظر؟ هل تنظر في قدمها وبقائها أو في ملكها أو نحو ذلك؟
هذا النظر فاسد؛ لأنه في غير الوجه الذي ينفع، لكن إنما تنظر في ليونتها وقسوتها، وخشونتها وملوستها، واستقامتها واعوجاجها، وصلابتها وضعفها، لأن هذه هي الجهة التي تنفعك منها.
كذلك النظر لا يكون صحيحاً إلا إذا كان في الوجه الذي يؤدي إلى المقصود، فإن كان النظر في وجه لا يؤدي إلى المقصود كان نظراً فاسداً، وإعمال النظر يتفاوت الناس فيه بقدر ما آتاهم الله من الملكات والفهم، ولا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها، فكل إنسان مخاطب على مقتضى عقله لا على مقتضى عقول الآخرين، وما أداه إليه عقله فقد قامت الحجة به عليه، ولهذا قال: (أن يعمل النظر)، أي: نظره هو.
و( أل) هنا نابت عن الضمير فـ(أل) تخلف الضمير كثيراً، ومن ذلك: حكايته صلى الله عليه وسلم في حديث أم زرع : (زوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب)، معناه: مسه مس أرنب وريحه ريح زرنب، ولذلك جاز الإخبار بالمس عن الزوج، والخبر لابد أن يكون فيه رابط يربطه المبتدأ، ولو كانت (أل) هنا ليست في معنى الضمير لكان الخبر منفصلاً عن المبتدأ تماماً.
ما علاقة المبتدأ بالخبر في قولها: ( زوجي المس مس أرنب ).
لو لم تكن أل هنا بمعنى الضمير لكان الخبر منفصلاً عن المبتدأ.
فكذلك هنا (أن يمعن النظر في الدلائل) معناه: أن يمعن نظره الذي آتاه الله، ولا يجب عليه إعمال نظر الآخرين ولا تتبعهم فيما يتطرقون إليه من أنواع النظر، فكل يخاطب على قدر ما آتاه الله.
والنظر ينقسم إلى قسمين إلى:
- نظر صحيح.
- ونظر فاسد.
فالنظر الصحيح هو ما تعلق بالشيء من جهة الاستدلال به، فإذا نظرت، وكنت تريد عملاً بخشبة، وتريد أن تعمل بها سريراً مثلاً، فمن أي وجه تنظر؟ هل تنظر في قدمها وبقائها أو في ملكها أو نحو ذلك؟
هذا النظر فاسد؛ لأنه في غير الوجه الذي ينفع، لكن إنما تنظر في ليونتها وقسوتها، وخشونتها وملوستها، واستقامتها واعوجاجها، وصلابتها وضعفها، لأن هذه هي الجهة التي تنفعك منها.
كذلك النظر لا يكون صحيحاً إلا إذا كان في الوجه الذي يؤدي إلى المقصود، فإن كان النظر في وجه لا يؤدي إلى المقصود كان نظراً فاسداً، وإعمال النظر يتفاوت الناس فيه بقدر ما آتاهم الله من الملكات والفهم، ولا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها، فكل إنسان مخاطب على مقتضى عقله لا على مقتضى عقول الآخرين، وما أداه إليه عقله فقد قامت الحجة به عليه، ولهذا قال: (أن يعمل النظر)، أي: نظره هو.
و( أل) هنا نابت عن الضمير فـ(أل) تخلف الضمير كثيراً، ومن ذلك: حكايته صلى الله عليه وسلم في حديث أم زرع : (زوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب)، معناه: مسه مس أرنب وريحه ريح زرنب، ولذلك جاز الإخبار بالمس عن الزوج، والخبر لابد أن يكون فيه رابط يربطه المبتدأ، ولو كانت (أل) هنا ليست في معنى الضمير لكان الخبر منفصلاً عن المبتدأ تماماً.
ما علاقة المبتدأ بالخبر في قولها: ( زوجي المس مس أرنب ).
لو لم تكن أل هنا بمعنى الضمير لكان الخبر منفصلاً عن المبتدأ.
فكذلك هنا (أن يمعن النظر في الدلائل) معناه: أن يمعن نظره الذي آتاه الله، ولا يجب عليه إعمال نظر الآخرين ولا تتبعهم فيما يتطرقون إليه من أنواع النظر، فكل يخاطب على قدر ما آتاه الله.
قوله (ويستدل لوجود الفاعل)، فأول ما يتعلق به النظر: أن يستدل لوجود الفاعل، أي: لوجود الله سبحانه وتعالى، وكنى عنه هنا بالفاعل؛ لأنه هو الفاعل بالاختيار، والفاعل، أي: الذي يحدث فعلاً.
والفاعل من ناحية التقسيم العقلي ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
- الفاعل بالاختيار، وهو: الذي لا يتوقف فعله على وجود شرط ولا على انتفاء مانع، وهذا هو الله سبحانه وتعالى وحده لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فلا يتوقف فعله على الشروط ولا على انتفاء الموانع، يحدث الشيء دون سببه، ويمكن أن ينبت النبات دون مطر، يمكن أن يخلق إنساناً من غير أب ولا أم وأن يخلقه من غير أب، وأن يخلقه من غير أم وهكذا، إذاً: فعله لا يتوقف على الشروط ولا على انتفاء الموانع.
- النوع الثاني من أنواع الفاعل: الفاعل بالطبع، وهو الذي يتوقف فعله على الشروط وانتفاء الموانع، وذلك مثل فعل الإنسان في حركته وسكونه، ففعله يتعلق بالأسباب، فكل سبب يؤدي إلى شيء آخر وراءه كتحريك مقود السيارة الذي تمسكه بيدك وذلك يحرك شيئاً آخر، وذلك يحرك شيئاً آخر حتى تتحرك السيارة بكاملها، أو الضغط على البنزين فإنك لا تصبه مباشرة في مكان المناسب ولكنك تضغط على الذي يليك وذلك يضخ في مكان آخر وهكذا... حتى يصل الزيت إلى مكان النار.
فأفعالك إذاً مرتبطة بحصول الشروط وانتفاء الموانع، ومثل هذا الإحراق في النار شرطه الاتصال، فمثلاً: النار ما لم يلامسها الشيء لا تحرقه، وإذا كانت النار هناك وأنت هنا لا تحرقك قطعاً؛ لأن الشرط قد انتفى، وكذلك مقيد بعدم حصول الموانع، إذا كانت المادة نفسها غير قابلة للاحتراق فوضعت على النار فإنها لا تحترق، أو عزلت بعازل حراري فلا تحترق.
إذاً: الفاعل بالطبع مشروط بحصول الشروط وانتفاء الموانع.
- النوع الثالث: الفاعل للعلة، وهو الذي لا يتوقف فعله على الشروط ولا على انتفاء الموانع ولا على الاختيار، وإنما يرتبط فعله بفعل آخر كحركة الخاتم لحركة الأصبع، والخاتم في الأصبع كلما تحرك الأصبع لابد أن يتحرك الخاتم عقلاً، ولا يمكن أن يتصور العقل أن الأصبع يتحرك ولا يتحرك الخاتم، لكن الخاتم ما له اختيار الحركة، ولا تتوقف حركته هنا على شرط ولا على انتفاء مانع؛ لأنها تابعة لغيرها بالكلية.
فالاستدلال لوجود الله سبحانه وتعالى سابق على الاستدلال بغير ذلك من صفاته وعلى الاستدلال للنبوة، وعلى الاستدلال لصدق نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك سابق على الاستدلال على جزئيات ما جاء به من الشرع كالطهارة والصلاة والصيام وكترك المحرمات وغير ذلك، فكل هذه الأمور متدرجة.
استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
خطورة المتاجرة بكلمة الحق | 4830 استماع |
بشائر النصر | 4289 استماع |
أسئلة عامة [2] | 4133 استماع |
المسؤولية في الإسلام | 4060 استماع |
كيف نستقبل رمضان [1] | 4000 استماع |
نواقض الإيمان [2] | 3947 استماع |
عداوة الشيطان | 3934 استماع |
اللغة العربية | 3931 استماع |
المسابقة إلى الخيرات | 3908 استماع |
القضاء في الإسلام | 3897 استماع |