كيف ننصر الله ورسوله


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، ومن استن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأحمد الله سبحانه وتعالى على إتاحة هذه الفرصة مرة أخرى للقاء بهذه الوجوه الخيرة النيرة، التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها جميعاً من الوجوه الناضرة الناظرة إلى وجه الله الكريم، وأحمده سبحانه وتعالى كذلك على إتاحة الرجوع إلى هذا المكان المبارك الطيب، الذي نحن فيه بقلوبنا أينما كنا وحيثما كنا، ونعلم كذلك أن أهله يعتقدون أننا معهم في كل الأوقات وفي كل الظروف، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة.

لا شك أن من أولى الموضوعات بالحديث مناقشة موضوع التكليف الذي من أجله خلق هذا البشر، فالله سبحانه وتعالى غني عن عباده ولو شاء ما خلقهم، وهو سبحانه وتعالى الغني الحميد، وكل صفات ذاته وما اتصف به من الكمال والجلال والجمال كان متصفاً به قبل أن يخلق خلقه، وعندما خلقهم فإنه لم يعطل خلقهم عن حكمة، وإنما خلقهم من أجل حكمة بالغة، وهذه الحكمة ما يختص منها بخلق الإنسان ينقسم إلى قسمين:

إلى حكمة مختصة بهذا الجنس البشري، وهي حكمة الاستخلاف في الأرض، وقد أخبر الله بها ملائكته وآدم منجدل في طينته؛ فقال: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً[البقرة:30].

وإلى حكمة تجمع هذا الجنس البشري والجن كذلك وهي حكمة العبادة؛ فقد قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات:56]، وعلى هذا فكل واحد منا مخلوق لوظيفتين:

الوظيفة الأولى هي: الاستخلاف في الأرض ونصرة الحق وإعلاء كلمة الله، والسعي لتمكين دين الله سبحانه وتعالى في هذه الأرض.

والحكمة الثانية هي: العبادة لله جل جلاله.

وكثير من الناس يستشعر الحكمة الثانية؛ فيصلي لله ويسجد ويعبد ويقرأ القرآن ويذكر ويتصدق ويصوم، ولكنه لا يستحضر الحكمة الأولى التي هي مختصة بجنس البشر، وهي حكمة الاستخلاف ونصرة الحق؛ فكثير من الناس يظنون أنهم ليس عليهم واجب تجاه هذا الدين وليس عليهم واجب تجاه هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فلا يرون أن نصرة الحق من واجباتهم ولا من أولوياتهم؛ ولذلك لا تخطر على بال كثير منهم؛ فيعيشون أعمارهم على وجه هذه الأرض دون أن تكون لهم مواقف مشرفة في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي نصرة الحق، مع أن الله تعالى جعل هذه الدار مسرحاً للصراع بين حزبين هما:

حزب الله وحزب الشيطان، فحزب الله يسعى لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه والتمكين لهذا الدين في هذه الأرض، يسعى لأن يسود منهج الله سبحانه وتعالى على أرضه، وحزب الشيطان يسعى لإغواء البشرية عن طريق الله، فحزب الشيطان يريد تحقيق يمين إبليس التي أقسمها بعزة الله ليغوين أكثر الناس، وقد أخبر الله أن هذه اليمين تحققت في أكثر الناس؛ فقد قال الله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ[سبأ:20]، وحزب الله يسعى لإعلاء كلمة الله بما يقتضيه ذلك من العلم والعمل والعبادة وإعلاء كلمة الله تعالى عالية فوق كل ما سوى ذلك، ولا شك أن هذا عمل مكلف وجهد جهيد؛ فلذلك شق على كثير من الناس ولم يجعلوه من أولياتهم، وقد أخبر الله بذلك إذ قال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ المَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ[النساء:77-78].

وهذه النصرة التي تقتضي تمكيناً لهذا الدين هي عمل حزب الله، وحزب الله ليس الانتماء له ولا الانتساب له كالانتماء للأحزاب الأخرى بالاختيار، بل تنزل اللوائح من الله سبحانه وتعالى بالأسماء فلان بن فلان مستغل لإعلاء كلمة الله في حزب الله، وفلانة بنت فلان مستغلة لإعلاء كلمة الله في حزب الله، والعكس كذلك في حزب الشيطان، تنزل اللوائح من السماء فلان ابن فلان مستغل لنصرة حزب الشيطان، وفلانة بنت فلان مستغلة لنصرة حزب الشيطان، وهذه اللوائح ليس المرجع فيها إلى المستوى الثقافي ولا الاجتماعي، ولا إلى مستوى الإنسان العلمي؛ فإبليس الذي يقود حزب الشيطان هو من أعلم العلماء، ولكن الله أضله على علم وأغواه، وليس كذلك الأمر راجعاً إلى نسب؛ فأول من يأخذ كتابه بشماله يوم القيامة الأسود بن عبد الأسد وأول من يأخذ كتابه بيمينه شقيقه أبو سلمة بن عبد الأسد ، خرجا من بطن واحد، لكن أحدهما وفقه الله فكان من حزب الله الساعين لإعلاء كلمة الله ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني خذله الله فسلطه على نفسه فكان من حزب الشيطان، فالمرجع إذاً في انتماء الإنسان لحزب الله أو لحزب الشيطان هو سابقة القدر وما علمه الله من عبده؛ فالله غني عن الأنصار، وقد قال تعالى: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ[محمد:4].

فاحتاج الإنسان إذاً إلى أن يحقق مكانه ومحله من الإعراب، أين هو؟ هل هو في حزب الله أو في هو في حزب الشيطان؟ وإذا كان في حزب الله فهل هو محقق لما خلق من أجله؟ وهل أدى الحكمة التي افترض الله عليه؟ وهل هو قائم بحق الله وحق رسوله صلى الله عليه وسلم فعلاً؟ أو هو مجرد مدع يدعي ما ليس له؟ لا بد أن يحقق الإنسان ذلك بمراجعته لنفسه ومنهجه الذي يسلكه وتقويمه لسلوكه وعمله اليومي؛ فنحن نعلم أن الانتماء لحزب الله لا يكون إلا بعمل، فحزب الشيطان الانتماء له أسهل؛ لأن مجرد تعطيل الإنسان للعمل ينسلك به في حزب الشيطان، فإذا لم يعمل الإنسان لإعلاء كلمة الله كان تلقائياً من حزب الشيطان.

يحتاج الإنسان إلى تحقيق انتمائه لله ورسوله ولأن يكون من حزب الله، ولذلك عدد من الحوافز أهمها خمسة:

البيعة التي بيننا وبين ربنا جل جلاله

الحافز الأول منها: البيعة التي بيننا وبين ربنا جل جلاله؛ فنحن جميعاً مؤمنون، وقد أخذ الله علينا بيعة أكدها في التوراة والإنجيل والقرآن، وهذه البيعة نقرؤها في القرآن في صلاتنا وفي غيرها، ونؤمن بها ونعلم أنها الحق، ومن المعلوم أن العاقل الحكيم صاحب الدين والمروءة والأمانة إذا أخذ ديناً وتعهد بقضائه لغيره فإنه لا بد أن يسعى للوفاء بدينه، إذا أخذ الإنسان ديناً ولم يفكر يوماً من الأيام في قضائه؛ فهل يوصف بأنه صاحب دين وأمانة ونزاهة؟ أبداً! وأعظم دين تحمله الإنسان هو دين الله جل جلاله وبيعته؛ لأنها مؤكدة في التوراة والإنجيل والقرآن، ولا يستطيع الإنسان التخلص منها، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[التوبة:111]، فإذا كنت مقراً بهذه البيعة وكنت تعلم أن الله غني عنك، وأن عليك أن تفي له بها، وأنك المحتاج إلى الإنجاز والوفاء؛ فانظر إلى نفسك؟ ماذا بذلت من نفسك وماذا بذلت من مالك في سبيل نصرة الله ورسوله؟ حاسب نفسك يا أخي! قبل أن تحاسب، وأنت تعلم أن الناس في هذه البيعة ينقسمون إلى قسمين فقط:

إلى صادقين ومنافقين، فالصادقون هم الذين وفوا لله بما بايعوه عليه، والمنافقون هم الذين أخلفوا الله ما عاهدوه عليه، أخلفوا الله ما وعدوه، قال الله تعالى: مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ[الأحزاب:23-24]، وقال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ[التوبة:75-77]، فهذا كذب، فعندما لا يفي الإنسان لله بما عاهده عليه فهو كذاب، منافق، وهذا ما لا يرضى به المؤمن لنفسه، ولا أحد من المؤمنين يشرفه أن يوصف لدى الله بأنه كذاب منافق؛ فلذلك يحتاج الإنسان إلى الوفاء بهذه البيعة وأن يجعلها من أولوياته ومن أهم اهتماماته، وأن تأخذ حيزاً من تفكيره ومن برنامجه اليومي ومن عمله.

العلاقة برسول الله صلى الله عليه وسلم

الحافز الثاني هو: العلاقة برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم اختاره الله من الخلائق وشرفه وكرمه، وشرف به هذه الأمة حين أرسله إليها، وليس لدينا أي خير إلا من طريقه، فهو الذي دلنا على الله وهو الذي جاءنا بالأحكام من عند الله، وهو الذي نشهد شهادة الحق أنه رسول الله مع شهادتنا أن لا إله إلا الله، نؤذن بذكره ونتشهد بذكره في الصلاة في حياتنا الدنيا، وفي الممات نسأل عنه في قبورنا، وكل إنسان منا يسأل: ماذا كنت تقول في هذا الرجل؟ وهو كذلك الذي نرجو الدخول في شفاعته يوم القيامة، ونرجو الشرب من حوضه، لا يظمأ من شرب منه أبداً؛ فإذاً: علاقتنا به علاقة مركزية في علاقتنا، فلا بد من الحفاظ عليها.

الإنسان الذي يمكن أن تأخذ منه نفعاً، ويمكن أن يرفع عنك ضرراً، ولكن يمكن أن تستغني عنه لك عنه محيص أو محيد؛ فيمكن أن تقطع علاقاتك به، لكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليس لك عنه محيد، فلا يمكن أن تقطع علاقتك به أبداً؛ لحاجتك الماسة إليه في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة، فإذا كنت محتاجاً للعلاقة برسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أن حقه عليك الذي افترضه الله هو أن تنصره، وقد أرسله الله سبحانه وتعالى بالبينات والهدى، ومنذ بعثه الله سبحانه وتعالى افترق الناس، إذ كانوا طائفتين: طائفة رضيت بما جاء به من الأحكام ورضيت باتباعه فجعلته إماماً واقتدت به، وطائفة لم ترض بذلك ولم تأخذ به؛ فلذلك لا بد أن تجعل من أولوياتك نصرة هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأن تشهد هذا التفريق الذي جاء به بين الحق والباطل؛ فقد قال الله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ[البقرة:213]، فالناس كانوا أمة واحدة، أمة العولمة؛ لها نظامها الدنيوي الموحد، فأرسل الله الرسل ففرقوا بين الناس، اتبعتهم طائفة فنصرها الله وأيدها بالحق، وأعرضت عن منهجهم طائفة وكذبت؛ سلطها الله على أنفسها فخذلها الله سبحانه وتعالى.

هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من حقه علينا أن نتحمل أمانته، وقد أوصى إلينا وصية عظيمة أشهد عليها الله سبحانه وتعالى وهو واقف بعرفة، فقال: ( ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم فاشهد، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع )، وعهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبلغ عنه رسالات الله؛ فهو مرسل إلى هذه الأمة كلها؛ فكل رجل أو امرأة أو كبير أو صغير، في مشارق الأرض أو في مغاربها الآن مرسل إليه محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، لكن الله توفاه قبل أن يبلغ جميع الناس؛ لحكمة بالغة وهي امتحاننا به؛ فبقيت هذه الأمانة التي لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً لتحملها، بقيت في أعناقنا نحن، لو كان هو حياً الآن لم يترك مكاناً إلا بلغ إليه رسالات الله، ولبذل عمره وجهده في تبليغها؛ فأنتم تعلمون أنه عاش بعد بعثته ثلاثاً وعشرين سنة، وبذل فيها قصارى جهده في إعلاء كلمة الله، ولم يترك أي سبب يؤدي لإعلاء كلمة الله إلا فعله؛ فغزواته وسراياه خمس وسبعون ما بين غزوة وسرية، كلها لإعلاء كلمة الله، ليس في واحدة منها أي مطلب دنيوي ولا مطمع، لم يمر عليه شهر واحد منذ بعثه الله إلا وهو في السفر لإعلاء كلمة الله، ولم يمض عليه يوم واحد إلا وهو في بيان وتبليغ، لم يركن إلى هذه الحياة الدنيا ولم يرض بها، وبعد أن نقله الله إليه واختاره للرفيق الأعلى بقي تبليغ هذه الرسالة إلى الخلائق وإيصالها إليهم أمانة في أعناق الذين اقتنعوا أنه رسول الله؛ فيجب على كل إنسان منا أن يتحمل جزءاً من ميراث الرسول صلى الله عليه وسلم ومن وظيفته، وأن ينوب عنه في تبليغ رسالاته، والوقت الذي تنفقه بالنيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ رسالات الله هو أشرف أوقاتك وأكرمها، فالأوقات تضيع بجمع متاع الحياة الدنيا، أو بالتمتع بما جمع منها، أو بالإهمال في غير ذلك.

فنصف العمر تمحقه الليالي

ونصف النصف يذهب ليس يدري لغفلته يميناً من شمال

وباقي النصف آمال وحرص وشغل بالمكاسب والعيال

فهذا الضياع الذي يحصل في العمر، يقتضي أن يحرص الإنسان على تلك السويعات التي يبلغ فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه الساعات هي بمثابة زيادة في عمر الكريم صلى الله عليه وسلم؛ كأنك تهدي إليه جزءاً من عمرك فتجعله امتداداً لعمره وزيادة في وظيفته، ولا شك أن الإنسان إذا أهدى عمره فهذا تعبير عن الولاء والنصرة، (والجود بالنفس أسمى غاية الجود).

فلذلك علاقتنا بالرسول صلى الله عليه وسلم تقتضي منا نصرته، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[التوبة:38-40].

ونصرتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حق على جميع أفرادنا، على الذكر والأنثى، والكبير والصغير، والعالم والجاهل؛ فكل يجب عليه حق في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يتحمل ما يستطيع تحمله من هذه الأعباء.

الفرصة التي نعيشها الآن

والحافز الثالث هو: الفرصة التي نعيشها الآن؛ فهذا الوقت الذي نعيش فيه هو من الأوقات التي لم يمكن فيها للدين، ولم يرفع فيها لواء الدين، وقت تغلبت فيه دول الكفر على بلاد الإسلام، وأصبحت أمة الإسلام متخلفة في أعقاب الأمم، وأصبحت بلدان الإسلام نهباً لدى الكفار، ينتبهون ما فيها من الخيرات ويعتدون على سكانها؛ فيحتلون هذا البلد ويحتلون ذلك بعده، فهذا الوقت ليس وقت الفتح؛ فهو قبل الفتح، فلذلك يقتضي أن نصرة الله ورسوله في هذا الوقت أربح من غيره؛ لأن الله تعالى يقول: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا[الحديد:10]، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )، ولا شك أن الرغبة في الربح في التجارة من مقاصد العقلاء؛ فالعاقل التاجر إذا علم أنه إذا جاء اليوم بتجارته إلى السوق فسيربح أضعافاً مضاعفة، وإذا تأخر عن غروب شمس هذا اليوم لم تكن تجارته بذلك الربح، فهل سيبادر إلى السوق ليبيع تجارته أو لا؟ لا شك أنه سيبادر؛ فلذلك نحن الآن في وقت وجبة، في وقت غلاء؛ فالناصر فيه للدين ولو بمد شعير ولو بأقل شيء أفضل من الذي ينصره بمثل جبل أحد من الذهب بعد التمكين لدين الله، وهذا الربح الطائل لا ندري متى تنتهي فرصته، لكن نعلم أنها منتهية لا محالة؛ فيمكن أن يفتح للدين في هذه الليلة، ويمكن أن يفتح له في الليلة القادمة، وكل ليلة من ليالي الدنيا يمكن أن يمكن الله لهذا الدين فيها؛ فليلة فتح مكة لم يكن أهل مكة يظنون أنها ليلة التمكين لدين الله، ولما رأوا نيران رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه تساءلوا فقالوا: ما هذه النيران؟! فقالوا: تلك خزاعة حمستها الحرب، فقال أبو سفيان : (خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها).

فلذلك علينا أن نبادر قبل أن يفوت الأوان، وبالأخص إذا علمنا أن المتأخرين والمتربصين يمكن أن يقال لهم ما قيل للمنافقين: فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ[التوبة:83]، إذا تأخر الإنسان فإن تأخره مضيعة للربح الكبير ومخاطرة بنفسه؛ لأنه لا يمكن أن يقبل منه الالتحاق بالمستقبل، ومثال هذا الأمر لو أن قوماً جاءوا إلى خيمة الإسلام وهي ساقطة يريدون إقامتها وبناءها، فجاء قوم يتفرجون وجلسوا يتنظرون حتى إذا قامت الخيمة جاءوا ليدخلوا في ظلالها، فهل هؤلاء أصحاب مروءة؟ فلذلك لا شك أن المبادرة بأن يكون الإنسان من الرعيل الأول، ومن الركب الذين يرفعون لواء الإسلام، ويرفعون خيمته أجره لا يمكن أن يلحق، والذين أسلموا يوم الفتح وهم من الصحابة الذين لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوا معه مستواهم في الإسلام ومقامهم فيه بعيد جداً من مقام السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فرق شاسع بين مستوى الطائفتين؛ ولذلك فإن: النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لما نزل بمسجد الخيل قسم المسجد إلى ثلاثة أقسام؛ فجعل صدر المسجد للمهاجرين والأنصار وجعل وسط المسجد لمسلمة الفتح وجعل مؤخرة المسجد للأعراب، ولا شك أن العاقل ينبغي أن يحرص على أن يكون من الصف الأولين، ومن السابقين الأولين، وأن لا يرضى أن يكون في آخر الركب؛ فقد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا دجانة رضي الله عنه على ألا يكون في الصف الأخير أبداً؛ ولذلك قال أبو دجانة رضي الله عنه:

أنا الذي بايعني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل

ألا أقوم الدهر بالكيول أضرب بسيف الله والرسول

ضرب غلام ماجد بهلولي

بذل المنافقين في سبيل باطلهم

والحافز الرابع هو: ما يبذله المنافقون من أولاد المسلمين في سبيل باطلهم؛ فلا شك أن العالم الإسلامي ظهر فيه كثير من الأيدولوجيات التي لم يأت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى، وقد ضحى أصحابها وبذلوا تضحيات جسيمة، ونحن لا نلومهم؛ فالإنسان العاقل إذا اقتنع قناعة فضحى من أجلها فهذه صفة مدح فيه، فهذه الأيدولوجيات التي ضحى أصحابها وبذلوا، هي أيديولوجيات منحرفة، مخالفة لمنهج الله، لم يأت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله، وهم يبذلون فيها أموراً جساماً، يتعرضون فيها لأنواع الأذى فيصبرون على ذلك، وقد شاهدنا الأكراد في ألمانيا لما اعتقل عبد الله أوجلان -وهو زعيمهم- يحرقون أنفسهم تضحية من أجل أوجلان ، ونشاهد في كل بلد تعرض الشيوعيين الوجوديين والقوميين وغيرهم من أصحاب الأيدولوجيات لكثير من الأذى، وأيضاً ما يبذلونه من أرواحهم وأفكارهم وأوقاتهم وما يبذلونه من علاقاتهم، وما يبذلونه من أموالهم في سبيل فكرتهم وما هم متبعون له، وهذا هو الذي يقتضي التشبث بالمبادئ ويقتضي ثبات الأفكار؛ لأن كل قناعة لم يصحبها عمل فهي ذاهبة، فإذا اقتنع الإنسان بأن عليه أن يكون عالماً من العلماء ولكنه لم يزاحم العلماء للركب، ولم يسهر الليالي على ضوء القنديل في قراءة الكتب، فهل سيكون عالماً؟ لا، فما فائدة القناعة؟ ليس لها أثر، وإذا اقتنع بأن عليه أن يكون غنياً من الأغنياء، ولكنه لم يباكر الصفق بالأسواق، بل جلس في بيته ينتظر الغنى، هل سيكون غنياً؟ لا، فما فائدة هذه القناعة؟ ليس لها قيمة؛ لأنها لم يصحبها عمل، فكل قناعة لم يصحبها عمل لا أثر لها، وأعظم قناعة ينبغي أن يصحبها العمل هي القناعة بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله.

بذل الكفار في سبيل نصرة باطلهم

والحافز الخامس هو: ما يبذله الكفار في سبيل نصرة باطلهم؛ فاليهود مبنى دينهم على أن إسرائيل صرع الرب وخنقه حتى مد لسانه، فشرط عليه ألا يعذب أحداً من ذريته إلا أياماً معدودات، فهذا رب يصرع ويخنق، فلماذا يعبد؟ فإذاً: كل ما يبذله اليهود من السعي الحثيث ومن المؤتمرات والمؤامرات والبروتوكولات كله في سبيل هذه العقيدة الباطلة، وأنتم تعرفون رد عقائدهم في القرآن، وتقرءون قول الله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا[المائدة:64]، وتقرءون فيه قول الله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ[آل عمران:181]، فهؤلاء هم اليهود، يبذلون الآن من الجهود ما لا يتصوره أحد، ويكفي الإنسان أن يطلع على كتاب "بروتوكولات حكماء الصهيون" ليدرك ما فكروا فيه، وما بذلوه من أجل هدم بيت المقدس وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه.

والنصارى أصل ديانتهم ومبناها على أن الواحد ثلاثة وأن الثلاثة واحد، على أن الرب واحد وفي نفس الوقت هو ثلاثة، وأن الرب لما تكاثرت عليه ذنوب عباده أهبط إليهم ولده الوحيد؛ ليقتلوه ويصلبوه ليكون ذلك تطهيراً لهم من ذنوبهم، فهل هذا ينطلي على أضعف المجانين عقلاً أو أضعف الصبيان؟! لا يمكن أن يقتنع بهذا أحد، ومع ذلك يبذل النصارى في سبيله والتبشير به الجهود المضنية العجيبة، فما رأينا مكاناً في أنحاء العالم إلا وفيه الأوروبيات والأوروبيون، قد خرجوا من بيوتهم ومن أعين الدنيا، يتعرضون لأنواع الأذى والمصائب من أجل التبشير بهذا الدين الذي مبناه على هذه الأباطيل، والمجلس العالمي للكنائس ميزانيته أكبر من ميزانية دول الخليج مجتمعة، وتعرفون ما يبذلون من الجهود في كل مكان؛ فمثلاً المنظمات التنصيرية عندنا هنا في البلد كم عددها؟ المنظمات الكبرى ثمانية وسبعين منظمة، واحدة منها فقط وهي الرؤية العالمية لها من الفروع في بعض المقاطعات في نواكشوط مائتا فرع، الرؤية العالمية فقط! الكتب التي توزع بالأطنان، أناجيل محرفة، المبدل طبعاً، ليس الإنجيل المنزل من عند الله، مطبوع بالعربية يوزع حتى تحت الشجر وفي كل مكان، وهذا الذي يبذلونه هنا عندنا لا يساوي شيئاً مما يبذلونه في أماكن الجهل في أفريقيا، وفي كل مكان آخر من العالم.

إذا كان اليهود والنصارى وهم أصحاب باطل ودينهم لا يغني عنهم من الله شيئاً، وهو مخالف للعقل وللفطرة وللواقع، وهم يبذلون في سبيله هذه الجهود؛ فلماذا لا يبذل المسلمون نظيرها في سبيل نصرة دينهم الحق، الموافق للعقل والموافق للفطرة، والذي هو موافق للواقع كذلك وتقوم عليه الحجج في كل الأوقات؟!

الحافز الأول منها: البيعة التي بيننا وبين ربنا جل جلاله؛ فنحن جميعاً مؤمنون، وقد أخذ الله علينا بيعة أكدها في التوراة والإنجيل والقرآن، وهذه البيعة نقرؤها في القرآن في صلاتنا وفي غيرها، ونؤمن بها ونعلم أنها الحق، ومن المعلوم أن العاقل الحكيم صاحب الدين والمروءة والأمانة إذا أخذ ديناً وتعهد بقضائه لغيره فإنه لا بد أن يسعى للوفاء بدينه، إذا أخذ الإنسان ديناً ولم يفكر يوماً من الأيام في قضائه؛ فهل يوصف بأنه صاحب دين وأمانة ونزاهة؟ أبداً! وأعظم دين تحمله الإنسان هو دين الله جل جلاله وبيعته؛ لأنها مؤكدة في التوراة والإنجيل والقرآن، ولا يستطيع الإنسان التخلص منها، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[التوبة:111]، فإذا كنت مقراً بهذه البيعة وكنت تعلم أن الله غني عنك، وأن عليك أن تفي له بها، وأنك المحتاج إلى الإنجاز والوفاء؛ فانظر إلى نفسك؟ ماذا بذلت من نفسك وماذا بذلت من مالك في سبيل نصرة الله ورسوله؟ حاسب نفسك يا أخي! قبل أن تحاسب، وأنت تعلم أن الناس في هذه البيعة ينقسمون إلى قسمين فقط:

إلى صادقين ومنافقين، فالصادقون هم الذين وفوا لله بما بايعوه عليه، والمنافقون هم الذين أخلفوا الله ما عاهدوه عليه، أخلفوا الله ما وعدوه، قال الله تعالى: مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ[الأحزاب:23-24]، وقال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ[التوبة:75-77]، فهذا كذب، فعندما لا يفي الإنسان لله بما عاهده عليه فهو كذاب، منافق، وهذا ما لا يرضى به المؤمن لنفسه، ولا أحد من المؤمنين يشرفه أن يوصف لدى الله بأنه كذاب منافق؛ فلذلك يحتاج الإنسان إلى الوفاء بهذه البيعة وأن يجعلها من أولوياته ومن أهم اهتماماته، وأن تأخذ حيزاً من تفكيره ومن برنامجه اليومي ومن عمله.

الحافز الثاني هو: العلاقة برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم اختاره الله من الخلائق وشرفه وكرمه، وشرف به هذه الأمة حين أرسله إليها، وليس لدينا أي خير إلا من طريقه، فهو الذي دلنا على الله وهو الذي جاءنا بالأحكام من عند الله، وهو الذي نشهد شهادة الحق أنه رسول الله مع شهادتنا أن لا إله إلا الله، نؤذن بذكره ونتشهد بذكره في الصلاة في حياتنا الدنيا، وفي الممات نسأل عنه في قبورنا، وكل إنسان منا يسأل: ماذا كنت تقول في هذا الرجل؟ وهو كذلك الذي نرجو الدخول في شفاعته يوم القيامة، ونرجو الشرب من حوضه، لا يظمأ من شرب منه أبداً؛ فإذاً: علاقتنا به علاقة مركزية في علاقتنا، فلا بد من الحفاظ عليها.

الإنسان الذي يمكن أن تأخذ منه نفعاً، ويمكن أن يرفع عنك ضرراً، ولكن يمكن أن تستغني عنه لك عنه محيص أو محيد؛ فيمكن أن تقطع علاقاتك به، لكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليس لك عنه محيد، فلا يمكن أن تقطع علاقتك به أبداً؛ لحاجتك الماسة إليه في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة، فإذا كنت محتاجاً للعلاقة برسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أن حقه عليك الذي افترضه الله هو أن تنصره، وقد أرسله الله سبحانه وتعالى بالبينات والهدى، ومنذ بعثه الله سبحانه وتعالى افترق الناس، إذ كانوا طائفتين: طائفة رضيت بما جاء به من الأحكام ورضيت باتباعه فجعلته إماماً واقتدت به، وطائفة لم ترض بذلك ولم تأخذ به؛ فلذلك لا بد أن تجعل من أولوياتك نصرة هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأن تشهد هذا التفريق الذي جاء به بين الحق والباطل؛ فقد قال الله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ[البقرة:213]، فالناس كانوا أمة واحدة، أمة العولمة؛ لها نظامها الدنيوي الموحد، فأرسل الله الرسل ففرقوا بين الناس، اتبعتهم طائفة فنصرها الله وأيدها بالحق، وأعرضت عن منهجهم طائفة وكذبت؛ سلطها الله على أنفسها فخذلها الله سبحانه وتعالى.

هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من حقه علينا أن نتحمل أمانته، وقد أوصى إلينا وصية عظيمة أشهد عليها الله سبحانه وتعالى وهو واقف بعرفة، فقال: ( ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم فاشهد، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع )، وعهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبلغ عنه رسالات الله؛ فهو مرسل إلى هذه الأمة كلها؛ فكل رجل أو امرأة أو كبير أو صغير، في مشارق الأرض أو في مغاربها الآن مرسل إليه محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، لكن الله توفاه قبل أن يبلغ جميع الناس؛ لحكمة بالغة وهي امتحاننا به؛ فبقيت هذه الأمانة التي لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً لتحملها، بقيت في أعناقنا نحن، لو كان هو حياً الآن لم يترك مكاناً إلا بلغ إليه رسالات الله، ولبذل عمره وجهده في تبليغها؛ فأنتم تعلمون أنه عاش بعد بعثته ثلاثاً وعشرين سنة، وبذل فيها قصارى جهده في إعلاء كلمة الله، ولم يترك أي سبب يؤدي لإعلاء كلمة الله إلا فعله؛ فغزواته وسراياه خمس وسبعون ما بين غزوة وسرية، كلها لإعلاء كلمة الله، ليس في واحدة منها أي مطلب دنيوي ولا مطمع، لم يمر عليه شهر واحد منذ بعثه الله إلا وهو في السفر لإعلاء كلمة الله، ولم يمض عليه يوم واحد إلا وهو في بيان وتبليغ، لم يركن إلى هذه الحياة الدنيا ولم يرض بها، وبعد أن نقله الله إليه واختاره للرفيق الأعلى بقي تبليغ هذه الرسالة إلى الخلائق وإيصالها إليهم أمانة في أعناق الذين اقتنعوا أنه رسول الله؛ فيجب على كل إنسان منا أن يتحمل جزءاً من ميراث الرسول صلى الله عليه وسلم ومن وظيفته، وأن ينوب عنه في تبليغ رسالاته، والوقت الذي تنفقه بالنيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ رسالات الله هو أشرف أوقاتك وأكرمها، فالأوقات تضيع بجمع متاع الحياة الدنيا، أو بالتمتع بما جمع منها، أو بالإهمال في غير ذلك.

فنصف العمر تمحقه الليالي

ونصف النصف يذهب ليس يدري لغفلته يميناً من شمال

وباقي النصف آمال وحرص وشغل بالمكاسب والعيال

فهذا الضياع الذي يحصل في العمر، يقتضي أن يحرص الإنسان على تلك السويعات التي يبلغ فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه الساعات هي بمثابة زيادة في عمر الكريم صلى الله عليه وسلم؛ كأنك تهدي إليه جزءاً من عمرك فتجعله امتداداً لعمره وزيادة في وظيفته، ولا شك أن الإنسان إذا أهدى عمره فهذا تعبير عن الولاء والنصرة، (والجود بالنفس أسمى غاية الجود).

فلذلك علاقتنا بالرسول صلى الله عليه وسلم تقتضي منا نصرته، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[التوبة:38-40].

ونصرتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حق على جميع أفرادنا، على الذكر والأنثى، والكبير والصغير، والعالم والجاهل؛ فكل يجب عليه حق في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يتحمل ما يستطيع تحمله من هذه الأعباء.




استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4794 استماع
بشائر النصر 4281 استماع
أسئلة عامة [2] 4123 استماع
المسؤولية في الإسلام 4049 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 3987 استماع
نواقض الإيمان [2] 3941 استماع
اللغة العربية 3925 استماع
عداوة الشيطان 3924 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3897 استماع
القضاء في الإسلام 3885 استماع