خطب ومحاضرات
الأسماء والكنى والألقاب (الألقاب)
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وحبيبه وخليله وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فالليلة ليلة الإثنين الخامس عشر من شهر شعبان لعام 1410 للهجرة وفي هذه الليلة ينعقد الدرس الخامس من سلسلة الدروس العامة وهو الجزء الثالث من الكلام عن الأسماء والألقاب والكُنى, وهذه الليلة خصصتها للكلام عن الألقاب ما يحسن منها, وما يقبح, وما يجوز منها, وما لا يجوز.
والألقاب المقصود بها: ما يطلق على الإنسان على سبيل المدح أو الذم غالباً, فهي ألقاب تطلق على الناس إما بقصد مدحهم في صفة من الصفات, أو ذمهم بها, وقد ورد ذكر الألقاب في القرآن الكريم في قوله تعالى: وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ [الحجرات:11].
بسبب صفة جسمية
عن الأحنف بن قيس التميمي الشجاع, البطل, الحليم، الذي كان يضرب به المثل في الحلم فيقال: (أحلم من الأحنف) وله في ذلك قصص عجيبة منها: أنه كان يوماً جالساً مع قوم, فجاءت الجارية بطعام حار لتضعه، فسقط من يدها على بعض أولاده فأصابه, فغضب عليها غضباً شديداً, فقالت له: [[(وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) فسكت وقال: قد كظمت غيظي، فقالت: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) فقال: قد عفوتُ عنكِ، فقالت: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فقال: أنتِ حرة لوجه الله تعالى]].
وقيل له يوماً من الأيام: [[ما حِلْمُك؟ قال: والله إني لأجد مثل ما تجدون, ولكنني أصبر نفسي]] فهو يجد من الألم مثل ما يجد غيره لكنه عود نفسه الصبر حتى صبر, وسمي الأحنف لحَنَفٍ ومَيْلٍ في رِجْلِه, وكانت أمُّه تُرَقِّصُهُ وهو صبي صغير, وتقول:
والله لولا حَنَفٌ برجله وقلةٌُ أخافها من نسله ما كان في فتيانكم من مثله |
فهذا لقبٌ لهُ -الأحنف- لهذا الحنف والميل الذي كان في رجله.
ومثله: الأشج: وهو لقب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ورحمه الله، أشج بني مروان, وأشج بني أمية, سقط من على فرسه فشج وجهه وأصابه دم, فكان أبوه يمسح الدم عن وجهه ويقول له: والله إن كنت أشج بني مروان إنك إذاً لسعيد, وذلك لأنه ورد أنه في بعض كتب أهل الكتاب السابقين أن رجلاً يقال له الأشج يحكم هذه الأمة ويَعْدِل فيها, وفيه البشارة بخروجه, وكان أبوه يمسح الدم عن وجهه ويقول: والله إن كنت أشج بني مروان إنك إذاً لسعيد.
فهذه الألقاب لهؤلاء بأوصاف جسمية فيهم، ومثله قال الله عز وجل: أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ) [عبس:2] وهو عبد الله بن أم مكتوم, وكان قد وُلِدَ أعمى, أو عمي في أول عُمُرِه كما سبق تقريره في الدرس الماضي, وكذلك اشتهر عند المترجمين والرواة والمؤرخين ألقاب كثيرة مثل (الأعرج، الطويل، القصير، البطين، الأحول...) إلى غيرها من الألقاب المتعلقة بصفات خلقيه لهؤلاء الملقبين.
بسبب صفة خُلُقية
الفاروق عمر رضي الله عنه فإنه كان قوياً في الحق يفرق بين الحق والباطل, وكذلك كان الشيطان يفرق من ظله -يعني: يخاف ويهرب- كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـعمر:{ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك} يعني طريقاً غير طريقك, فسمي بذلك.
ومثله: الصديق لأنه كثير الصدق، كثير التصديق, ما بلَّغه النبي صلى الله عليه وسلم بأمر إلا صَدَّقَه, ولما كانت حادثة الإسراء والمعراج كََذَّبَ الناسُ وصَدَّقَ أبو بكر رضي الله عنه, صدَّق أبو بكر فسُمِّي الصديق, وفى صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قصة عجيبة فيها نطق بعض الحيوانات وكلامها فقال عليه الصلاة والسلام: {أما إني أؤمن بهذا أنا و
ولعل منه أيضاً: لقب حيدرة وهذا لقب يطلق على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان يقول وهو في معركة خيبر يقاتل اليهود ويقول:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة أكيلكم بالصاع كيل السندرة |
فسمته أمه حيدرة, وحيدرة هو: الأسد, يقولون إن للأسد سبعين اسماً في لغة العرب، أحدها حيدرة, فسمي علي رضي الله عنه بـحيدرة تفاؤلاً، وهكذا رضي الله عنه كان من أشجع الشجعان, وأقوى الفرسان, وله في ذلك قصص ومواقف عجيبة ومشهورة, منها قصته في معركة فتح خيبر, فلقب بذلك لشجاعته وبسالته رضي الله عنه.
ومنه: الفياض طلحة بن عبيد الله، لُقِّب بـالفياض لكثرة فيضه وجوده وكرمه رضي الله عنه, وكان غنياً جواداً سمحاً باذلاً للمال, فسمي بـالفياض.
يقول علماء الحديث ومن ذلك: أن محمد بن عبد الرحيم، أحد الرواة كان يسمى صاعقة, هذا لقب له، نـزل منزلة الاسم له بدلاً من أن يقولوا: محمد بن عبد الرحيم يقولون: صاعقة, وذلك لأنه كان قوي الحفظ جداً، ما إن يسمع شيئاً حتى يحفظه, فسمي بـصاعقة لفرط ذكائه وقوة حفظه.
ومنه أيضاً: شيخ الإمام مالك، ربيعة بن عبد الرحمن، أو ربيعة بن فروخ, كان يسمى ربيعة الرأي, وهو إمام فقيه عالم حتى أن الإمام مالكاً رحمه الله لما مات ربيعة, قال ذهبت لذة الفقه بعد ربيعة، سمي ربيعة هذا بـربيعة الرأي لأنه كان بصيراً بالقياس والرأي والتعليم فلقب بذلك.
ومثله أشياء كثيرة تتعلق بأوصاف الملقبين الخُلُقية.
بسبب حادثة عرضت له
القصة التي ذكرتها فيما مضى: قصة ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، فإنها لقبت به وهذا لقبٌ يعتبر من جهة، وإن كان يدخل في الكنى من جهة أخرى.
لقب لأنه مدح, سميت ذات النطاقين لأنها في حادثة الهجرة شقت نطاقها وهو الشيء الذي تتحزم به المرأة في وسطها, فاعتجرت بواحد وحزمت القربة بواحد فسميت بـذات النطاقين.
وكذلك يشبهه قصة الصحابي: الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم ذا البجادين واسمه عبد الله بن عبد نهم, وقد ذكر العلماء في ترجمته كما ذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة وغيره من طرق عديدة وكثيرة جداً أن عبد الله هذا كان يتيماً نشأ في حجر عمه فكان عمه يحسن إليه إحساناً كثيراً ويجود عليه بالمال, فعلم عمه أن عبد الله هذا قد أسلم, فقطع عنه كل شيء حتى إنه خلع عنه الثوب الذي كان يلبسه, ليضيق عليه لعله يرتد عن دينه, فجاء إلى أمه فأعطته ثوباً فشقه نصفين جعل النصف الأول إزاراً, والنصف الثاني رداءاً له, ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه وكان يكون حاجباً لباب النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا,ً ومن عجيب وطريف ما وقع له ما ذكره ابن مسعود رضي الله عنه، وورد هذا عنه من طرق عديدة أنه لما كان النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قال ابن مسعود: { استيقظت في وسط الليل فوجدت شعلة في المعسكر فقمت فذهبت فوجدت النبي صلى الله عليه وسلم و
ومثله: ذو النورين عثمان رضي الله عنه؛ لأنه تزوج بنتين من بنات المصطفى عليه الصلاة والسلام رقية, وأم كلثوم, فسمي ذو النورين.
ومثله سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنما سمي سفينة, لأنهم كانوا يحملون متاعاً فكانوا يحملون شيئاً، أما هو رضي الله عنه فقد حمل شيئا كثيراً, وضع على كتفه هذا شيئاً, وعلى كتفه هذا شيئاً, وفى يده شيئاً, وفى يده الأخرى شيئاً, وحمل أشياء كثيرة, وضم بين يديه شيئاً, فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سفينة لكثرة ما حمل من المتاع يومئذ, وهكذا يعرف في الروايات الكثيرة أنه سفينة.
ومثله في مجال الحديث والمحدثين: غندر، وهو: محمد بن جعفر الهذلي مولاهم فإن غندراً هذا لا يعرف في الروايات كما في الصحيح وغيره إلا بـغندر، وأحياناً يقولون: حدثنا محمد بن جعفر, وإنما سمي بـغندر لأنه أكثر من الأسئلة في مجلس ابن جريج كان كل قليل يقوم ويسأل ابن جريج سؤالاً, ثم يسأله, ثم يسأله, حتى ألحفه بالسؤال, فقال له: (يا غندر) فمِن يومِئذٍ أصبح يُعرف بهذا اللقب.
ومثله أيضاً: عند المحدثين: مُطيّن، محمد بن عبد الله الحضرمي: اسم محمد بن عبد الله الحضرمي وإنما سمي مطيناًً لأنه كان في طفولته يلعب مع الصبيان, فأخذوا طيناً فيه ماء وبدأوا يضعونه على ظهره، يطيِّنون ظهره, فمن يومئذ أصبح يسمى مطيناً, واشتهر عند المحدثين بهذا الاسم.
وتجده في التراجم: مثلاً في تقريب التهذيب, وفي تهذيب التهذيب وفي غيرها من الكتب, يقولون لك: مطيناً هو محمد بن عبد الله الحضرمي، وإذا رجعت إلى الفصل الخاص بالألقاب قالوا لك مطيناً محمد بن عبد الله الحضرمي.
بسبب إحسانه لعمل معين
سعد القرظ أو القَرظ بفتح القاف, هذا هو مؤذن من مؤذني المسجد المكي مسجد الكعبة, وإنما سمي بـسعد القرظ لأنه كان يبيع القرظ التي تدبغ به الجلود كما قال عليه السلام: {يطهره الماء والقرظ} فكان يبيع بها حتى ربح من ورائها, وعُرِف بها فصار يُسمي بـسعد القرظ وليس كما يتوهم بعضهم أنه منسوب إلى بني قريظة, كلا، فهو مكي.
ومثله زكريا بن يحي السجزي السجستاني , زكريا هذا كان يسمي بـخياط السنة, هل تدرون لماذا كان يسمى بـخياط السنة؟ هذا لقب معبر خياط السنة.
قيل لأنه كان يخيط فيشترط أن يكون الثوب وفق السنة, فوق الكعبين, هذا تعليل جيد, لكن العلماء ذكروا أنه سمي بـخياط السنة, لأنه كان تخصص في خياطة أكفان أهل السنة, يعني إذا مات رجل من أهل السنة كان يخيط كفنه, أما إذا مات مبتدع رافضي أو قدري أو جهمي أو غير ذلك, فإنه يرفض أن يخيط له ويتركه، فمن ذلك سمي بـخياط السنة.
وأمثال ذلك كثير ممن نسبوا إلى أعمال أو مهن قاموا بها كما يقال الخياط، الحناذ، الحناط, القصار، الوراق, إلى غير ذلك.
بسبب منصب معين
فهذه من الألقاب التي أطلقت عليهم بحكم المنصب، ويدخل في هذا في عصرنا الحاضر بعض الألقاب المتعلقة مثلاً بالمناصب سواء كانت مناصب إدارية, أم عسكرية, أم علمية, يطلق على أصحابها ألقاب معينة, كما يطلق مثلاً في مجال الدراسات الجامعية، يطلق عليه (دكتور) مثلاً، وإن كان في هذه التسمية ملاحظة سوف أذكرها بعد قليل, إنما المقصود أنه قد يلقب الإنسان بلقب بالنظر إلى الوظيفة أو المنصب الذي شغله, سواءً أكان منصباً مدنياً أم عسكرياً, علمياً أم عملياً, إلى غير ذلك.
بسبب أدنى ملابسة تعرض له
ولعل من طريف ما ورد في ذلك: النحام, نعيم بن عبد الله النحام, نعيم النحام هذا إنما سمي بـالنحام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إنني دخلت الجنة فسمعت نحمة
وأيضاً من طريق ما يروى في ذلك أن أهل التراجم والسير ذكروا في ترجمة مسدّد, أن هذا لقب له, وليس اسماً, وترجمه عدد من العلماء ممن ذكر قصة طريفة له, منهم: الإمام العجلي صاحب كتاب الثقات وغيره، يقول العجلي: إنه جاء إلى مسدّد هذا فجلس عنده يملي عليه الحديث, مسدّد يملي الحديث, والعجلي يكتب, قال: فكتبت عنه حديثاً كثيراً حتى ضجرت -مَلَّ من كثرة الكتابة- قال: فقال لي: يا أبا الحسين اكتب اكتب، فأمْلَى عليَّ بعدما ضجرت خمسين حديثاً, يمليها عليَّ بأسانيدها قال: ثم خرجت من عنده, فرجعت إليه مرة أخرى في الرحلة الثانية, فوجدت زحاماً على بابه شديداً, حتى لم أستطع الخلوص إليه قال: فقلت: قد أخذتُ حظي منك, قد أخذتُ حظي منك، يعني في المرة الأولى أخذت الحديث منك ما فيه الكفاية.
يقول العجلي: (سألني أبو نعيم ما اسم مسدّد؟ -يعني: نسبه, سألني عن نسبه, فقلت له: مسدّد بن مسرهد بن مسربل بن مستورِد أو مستورَد, والبخاري أضاف بعد ذلك مرعبل -أن هذا اسم جده مرعبل، يقول: فقال لي أبو نعيم: يا أحمد ما أرى هذه إلا رُقْية العقرب, ما أرى هذا اسم إنسان, ما أراها إلا رُقْية العقرب!) وذلك لما في اسمه من الغرابة, والعجمة, فكلها أسماء غريبة وإن كان اسمه الأول مسدّد عربي ومعناه معروف من التسديد وهو التوفيق, هذه الأسباب التي تجعل الإنسان يُلَقَّب بلقبٍ ما.
والسبب الأول: قد يكون إطلاق اللقب على الإنسان لصفة جسمية فيه, مثل ما قيل مثلاً:
عن الأحنف بن قيس التميمي الشجاع, البطل, الحليم، الذي كان يضرب به المثل في الحلم فيقال: (أحلم من الأحنف) وله في ذلك قصص عجيبة منها: أنه كان يوماً جالساً مع قوم, فجاءت الجارية بطعام حار لتضعه، فسقط من يدها على بعض أولاده فأصابه, فغضب عليها غضباً شديداً, فقالت له: [[(وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) فسكت وقال: قد كظمت غيظي، فقالت: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) فقال: قد عفوتُ عنكِ، فقالت: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فقال: أنتِ حرة لوجه الله تعالى]].
وقيل له يوماً من الأيام: [[ما حِلْمُك؟ قال: والله إني لأجد مثل ما تجدون, ولكنني أصبر نفسي]] فهو يجد من الألم مثل ما يجد غيره لكنه عود نفسه الصبر حتى صبر, وسمي الأحنف لحَنَفٍ ومَيْلٍ في رِجْلِه, وكانت أمُّه تُرَقِّصُهُ وهو صبي صغير, وتقول:
والله لولا حَنَفٌ برجله وقلةٌُ أخافها من نسله ما كان في فتيانكم من مثله |
فهذا لقبٌ لهُ -الأحنف- لهذا الحنف والميل الذي كان في رجله.
ومثله: الأشج: وهو لقب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ورحمه الله، أشج بني مروان, وأشج بني أمية, سقط من على فرسه فشج وجهه وأصابه دم, فكان أبوه يمسح الدم عن وجهه ويقول له: والله إن كنت أشج بني مروان إنك إذاً لسعيد, وذلك لأنه ورد أنه في بعض كتب أهل الكتاب السابقين أن رجلاً يقال له الأشج يحكم هذه الأمة ويَعْدِل فيها, وفيه البشارة بخروجه, وكان أبوه يمسح الدم عن وجهه ويقول: والله إن كنت أشج بني مروان إنك إذاً لسعيد.
فهذه الألقاب لهؤلاء بأوصاف جسمية فيهم، ومثله قال الله عز وجل: أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ) [عبس:2] وهو عبد الله بن أم مكتوم, وكان قد وُلِدَ أعمى, أو عمي في أول عُمُرِه كما سبق تقريره في الدرس الماضي, وكذلك اشتهر عند المترجمين والرواة والمؤرخين ألقاب كثيرة مثل (الأعرج، الطويل، القصير، البطين، الأحول...) إلى غيرها من الألقاب المتعلقة بصفات خلقيه لهؤلاء الملقبين.
والسبب الثاني: في التلقيب أنه يعود إلى صفات خُلقية تتعلق بأخلاقهم, ولعل من ذلك:
الفاروق عمر رضي الله عنه فإنه كان قوياً في الحق يفرق بين الحق والباطل, وكذلك كان الشيطان يفرق من ظله -يعني: يخاف ويهرب- كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـعمر:{ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك} يعني طريقاً غير طريقك, فسمي بذلك.
ومثله: الصديق لأنه كثير الصدق، كثير التصديق, ما بلَّغه النبي صلى الله عليه وسلم بأمر إلا صَدَّقَه, ولما كانت حادثة الإسراء والمعراج كََذَّبَ الناسُ وصَدَّقَ أبو بكر رضي الله عنه, صدَّق أبو بكر فسُمِّي الصديق, وفى صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قصة عجيبة فيها نطق بعض الحيوانات وكلامها فقال عليه الصلاة والسلام: {أما إني أؤمن بهذا أنا و
ولعل منه أيضاً: لقب حيدرة وهذا لقب يطلق على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان يقول وهو في معركة خيبر يقاتل اليهود ويقول:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة أكيلكم بالصاع كيل السندرة |
فسمته أمه حيدرة, وحيدرة هو: الأسد, يقولون إن للأسد سبعين اسماً في لغة العرب، أحدها حيدرة, فسمي علي رضي الله عنه بـحيدرة تفاؤلاً، وهكذا رضي الله عنه كان من أشجع الشجعان, وأقوى الفرسان, وله في ذلك قصص ومواقف عجيبة ومشهورة, منها قصته في معركة فتح خيبر, فلقب بذلك لشجاعته وبسالته رضي الله عنه.
ومنه: الفياض طلحة بن عبيد الله، لُقِّب بـالفياض لكثرة فيضه وجوده وكرمه رضي الله عنه, وكان غنياً جواداً سمحاً باذلاً للمال, فسمي بـالفياض.
يقول علماء الحديث ومن ذلك: أن محمد بن عبد الرحيم، أحد الرواة كان يسمى صاعقة, هذا لقب له، نـزل منزلة الاسم له بدلاً من أن يقولوا: محمد بن عبد الرحيم يقولون: صاعقة, وذلك لأنه كان قوي الحفظ جداً، ما إن يسمع شيئاً حتى يحفظه, فسمي بـصاعقة لفرط ذكائه وقوة حفظه.
ومنه أيضاً: شيخ الإمام مالك، ربيعة بن عبد الرحمن، أو ربيعة بن فروخ, كان يسمى ربيعة الرأي, وهو إمام فقيه عالم حتى أن الإمام مالكاً رحمه الله لما مات ربيعة, قال ذهبت لذة الفقه بعد ربيعة، سمي ربيعة هذا بـربيعة الرأي لأنه كان بصيراً بالقياس والرأي والتعليم فلقب بذلك.
ومثله أشياء كثيرة تتعلق بأوصاف الملقبين الخُلُقية.
السبب الثالث: الذي قد يلقبون به أنه قد يلقب بلقب معين لحادثة من الحوادث عرضت له, ولعل من أشهر ما وقع في ذلك:
القصة التي ذكرتها فيما مضى: قصة ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، فإنها لقبت به وهذا لقبٌ يعتبر من جهة، وإن كان يدخل في الكنى من جهة أخرى.
لقب لأنه مدح, سميت ذات النطاقين لأنها في حادثة الهجرة شقت نطاقها وهو الشيء الذي تتحزم به المرأة في وسطها, فاعتجرت بواحد وحزمت القربة بواحد فسميت بـذات النطاقين.
وكذلك يشبهه قصة الصحابي: الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم ذا البجادين واسمه عبد الله بن عبد نهم, وقد ذكر العلماء في ترجمته كما ذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة وغيره من طرق عديدة وكثيرة جداً أن عبد الله هذا كان يتيماً نشأ في حجر عمه فكان عمه يحسن إليه إحساناً كثيراً ويجود عليه بالمال, فعلم عمه أن عبد الله هذا قد أسلم, فقطع عنه كل شيء حتى إنه خلع عنه الثوب الذي كان يلبسه, ليضيق عليه لعله يرتد عن دينه, فجاء إلى أمه فأعطته ثوباً فشقه نصفين جعل النصف الأول إزاراً, والنصف الثاني رداءاً له, ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه وكان يكون حاجباً لباب النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا,ً ومن عجيب وطريف ما وقع له ما ذكره ابن مسعود رضي الله عنه، وورد هذا عنه من طرق عديدة أنه لما كان النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قال ابن مسعود: { استيقظت في وسط الليل فوجدت شعلة في المعسكر فقمت فذهبت فوجدت النبي صلى الله عليه وسلم و
ومثله: ذو النورين عثمان رضي الله عنه؛ لأنه تزوج بنتين من بنات المصطفى عليه الصلاة والسلام رقية, وأم كلثوم, فسمي ذو النورين.
ومثله سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنما سمي سفينة, لأنهم كانوا يحملون متاعاً فكانوا يحملون شيئاً، أما هو رضي الله عنه فقد حمل شيئا كثيراً, وضع على كتفه هذا شيئاً, وعلى كتفه هذا شيئاً, وفى يده شيئاً, وفى يده الأخرى شيئاً, وحمل أشياء كثيرة, وضم بين يديه شيئاً, فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سفينة لكثرة ما حمل من المتاع يومئذ, وهكذا يعرف في الروايات الكثيرة أنه سفينة.
ومثله في مجال الحديث والمحدثين: غندر، وهو: محمد بن جعفر الهذلي مولاهم فإن غندراً هذا لا يعرف في الروايات كما في الصحيح وغيره إلا بـغندر، وأحياناً يقولون: حدثنا محمد بن جعفر, وإنما سمي بـغندر لأنه أكثر من الأسئلة في مجلس ابن جريج كان كل قليل يقوم ويسأل ابن جريج سؤالاً, ثم يسأله, ثم يسأله, حتى ألحفه بالسؤال, فقال له: (يا غندر) فمِن يومِئذٍ أصبح يُعرف بهذا اللقب.
ومثله أيضاً: عند المحدثين: مُطيّن، محمد بن عبد الله الحضرمي: اسم محمد بن عبد الله الحضرمي وإنما سمي مطيناًً لأنه كان في طفولته يلعب مع الصبيان, فأخذوا طيناً فيه ماء وبدأوا يضعونه على ظهره، يطيِّنون ظهره, فمن يومئذ أصبح يسمى مطيناً, واشتهر عند المحدثين بهذا الاسم.
وتجده في التراجم: مثلاً في تقريب التهذيب, وفي تهذيب التهذيب وفي غيرها من الكتب, يقولون لك: مطيناً هو محمد بن عبد الله الحضرمي، وإذا رجعت إلى الفصل الخاص بالألقاب قالوا لك مطيناً محمد بن عبد الله الحضرمي.
السبب الرابع: الذي قد يلقب به الإنسان أنه قد ينسب إلى عملٍ يحسنه, فمثلاً:
سعد القرظ أو القَرظ بفتح القاف, هذا هو مؤذن من مؤذني المسجد المكي مسجد الكعبة, وإنما سمي بـسعد القرظ لأنه كان يبيع القرظ التي تدبغ به الجلود كما قال عليه السلام: {يطهره الماء والقرظ} فكان يبيع بها حتى ربح من ورائها, وعُرِف بها فصار يُسمي بـسعد القرظ وليس كما يتوهم بعضهم أنه منسوب إلى بني قريظة, كلا، فهو مكي.
ومثله زكريا بن يحي السجزي السجستاني , زكريا هذا كان يسمي بـخياط السنة, هل تدرون لماذا كان يسمى بـخياط السنة؟ هذا لقب معبر خياط السنة.
قيل لأنه كان يخيط فيشترط أن يكون الثوب وفق السنة, فوق الكعبين, هذا تعليل جيد, لكن العلماء ذكروا أنه سمي بـخياط السنة, لأنه كان تخصص في خياطة أكفان أهل السنة, يعني إذا مات رجل من أهل السنة كان يخيط كفنه, أما إذا مات مبتدع رافضي أو قدري أو جهمي أو غير ذلك, فإنه يرفض أن يخيط له ويتركه، فمن ذلك سمي بـخياط السنة.
وأمثال ذلك كثير ممن نسبوا إلى أعمال أو مهن قاموا بها كما يقال الخياط، الحناذ، الحناط, القصار، الوراق, إلى غير ذلك.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحاديث موضوعة متداولة | 5118 استماع |
حديث الهجرة | 5007 استماع |
تلك الرسل | 4155 استماع |
الصومال الجريح | 4146 استماع |
مصير المترفين | 4123 استماع |
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة | 4052 استماع |
وقفات مع سورة ق | 3976 استماع |
مقياس الربح والخسارة | 3929 استماع |
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية | 3872 استماع |
التخريج بواسطة المعجم المفهرس | 3833 استماع |