أرشيف المقالات

القبائل والقراءات

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
للأستاذ عبد الستار أحمد فراج - 7 - من المستحسن بعد أن قدمت في المقال السابق نبذة عن أربع قبائل أن أستقصي خصائص كل قبيلة على حدة مشيراً إلى ما تشارك فيه غيرها أو أحقق ما ينسب إليها وهو بغيرها أحق. 1 - إذا أضيف الاسم المقصور إلى ياء المتكلم ظل على حاله من بقاء الألف كما هي فيقال فتاي وعصاي، أما إذا كان قبل ياء المتكلم ألف من حروف الجر (إلى وعلى) أو من الظرف (لدى) فإن الألف تدغم في ياء المتكلم فيقال إلىَّ وعلىَّ ولدىَّ.
هذا هو الشائع المستعمل في القبائل العربية ماعدا هذيلاً فإنها تستعمل الجميع استعمالاً واحداً وهو بالإدغام فيقولون فتىَّ وعصىَّ مثل: إلىَّ وعلىَّ.
قال شاعرهم: سبقوا هوىَّ وأعنقوا لهواهمو ...
فتحزموا ولكل جنب مصرع وقد قرأ عبد الله بن أبي إسحق وعاصم الجحدري (قال هي عصي أَتوكأ عليها) كما قرآهما وعيسى بن عمر (فمن تبع هدىَّ فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وما شابه ذلك من المقصور المضاف إلى ياء المتكلم قرء به على لغة هذيل، اما قراءة الجمهور فهي على اللغة المشهورة. 2 - (لمَّا) يدل في المشهور على الحين أو الشرط إذا كان قبل الفعل الماضي كقوله تعالى: (ولمَّا فتحوا متاعهم وجدُوا بضاعتهم رُدَّت إليهم) أو يدل على النفي مع الجزم للمضارع إذا سبقه كقوله تعالى: (كلا لما يقض ما أمرَه) أما لغة هذيل فيستعمل فيها بمعنى إلا الاستثنائية تقول أقسمت عليك لمَّا فعلت كذا أي إلا فعلت كذا.
وقد قرأ عاصم وابن عامر وحمزة وأبو جعفر (إن كل نفس لمَّا عليها حافظ) بتشديد الميم بمعنى إلا (وإن) في هذه الآية على قراءتهم نافية أي ما كل نفس إلا عليها حافظ.
كما جاءت لمَّا بمعنى إلا في قراءات صحيحة في سور أخرى. 3 - ما كان اسماً على وزن فَعْلَة مفتوح الفاء وبعده واو ساكنة أو ياء ساكنة فإنه في اللغة المشهورة يجمع جمع مؤنث سالماً على فَعْلات بإسكان العين بعد الفاء المفتوحة يقال في جمع بيضة وعورة (بيضات وعوْرات) لكن هذيلاً تحرك حرف العلة بالفتح تبعاً لفاء الكلمة يقولون بيضات وعوَرات بفتح الياء والواو.
وذكر في تفسير البحر أن الأعمش قرأ (ثلاث عوَرات لكم.

أو الطفل الذين لم يظروا على عوَرات النساء) بفتح الواو على لغة هذيل.
أما الجمهور فقرءوا بالإسكان لكن صاحب البحر نقل نسبة هذا الفتح إلى هذيل وبني تميم.
.
ونحن نعلم أن تميماً مبدؤها الغالب إسكان الوسط المتحرك تخفيفاً كما أنه ليس هناك علاقة مجاورة بين القبيلتين حتى تشتركا في ظاهرة قوية كهذه، ويرجع هذا الخلط إلى أن ابن خالويه في كتاب شواذ القراءات قال: إن بني تميم يقولون روَضات وجوَزات وعوَرات بتحريك الواو بالفتح وسائر العرب بالإسكان.
لكن المشهور في كتب النحو والصرف أن تحريك الواو والياء في مثل جوزات وبيضات هو لغة هذيل بن مدركة وهو ما أرجح صحته لما سبق أن قدمته، والفراء نسبة إلى هذيل فحسب وقد روى عليه: أبو بيَضات رائج متاوب ...
رفيق بمسح المنكبين سبوح 4 - الفعل أو الاسم المنتهي آخره بياء مكسور ما قبلها تشبع حركته وهي الكسرة في وصل الكلام ووقفه تقول يقضي والقاضي.

الخ أما هذيل فإنها في وصل الكلام تجتزئ بالكسرة عن الياء ولهذا عند الوقف يسكن ما قبل الياء فتضيع وقد أنشد على لغتهم: كفاك كف ما تُليق درهما ...
جوداً وأخرى (تعط) بالسيف الدما وجاء في قراءة سبعية كثيرة.

ذلك ما كنا نبِغ.

(يوم تاتِ.

والليل إذا يسر.

وهو الكبير المتعال.

الذين جابوا الصخر بالواد) فبعض القراء يسير على طريقة الهذليين في الوصل والوقف فيسكن ما قبل الياء ويجتزئ بالكسرة وصلا وبعضهم يسير على اللغة المشهورة فيقرءون المتعالي ويسري والوادي.

الخ في الوقف والوصل. 5 - ذكرت في مقالي سابق أن تميماً وقيساً وأسداً وربيعة يكسرون حرف المضارعة إذا كان الهمزة أو التاء أو النون أما قبيلة هذيل فإنها تكسر حرف المضارعة إذا كان ثاني فعله الماضي مكسوراً للإشارة إلى أنه في ماضيه مسكور وأن بعض قبيلة كلب من قضاعة يكسرون جميع أحرف المضارعة أما بهراء وهي من قضاعة فإنها تكسر ما كان أوله تاء فحسب ومع ذلك فإن بهراء هي التي سمي باسمها هذا الكسر فقيل (تلتلة بهراء) فأصبح كثير من الكتاب يخطئون فيحسبون كسر حرف المضارعة على إطلاقه من لهجة بهراء تأثراً بما اشتهر عن ذلك بأنه تلتلتها وبعضهم يخطئ فينسب بهراء إلى تميم وقد رأينا أن بهراء لا تكسر حرف المضارعة إلا إذا كان تاء وعلى العموم فإن القبائل الشمالية وبخاصة النجدية هي التي اشتهرت بكسر حرف المضارعة على التفصيل السابق ولم يشركهم في بعض هذا إلا هذيل التي تعتبر في دائرة الحجازيين فيما كان ثاني ماضيه مكسوراً. وقد رويت أبيات كثيرة في كتب النحو والمعاجم وفيها كسر حرف المضارعة من ذلك قول الشاعر: لو قلت ما في قومها - لم تِيثم - ...
يفضلها في حسب وميسم أراد لو قلت: ليس في قومها أحد يفضلها في الحسب والميسم لم تكن آثماً. وهذا البيت ينطق في بهراء وتميم وقيس وأسد وربيعة وكلب وهذيل بكسر حرف مضارعه لأن ثاني ماضيه مكسور (أثم).
ولأن أول مضارعه التاء ومثل هذا البيت قول لآخر: قلت لبواب لديه دارها ...
تِيذن؟ فإني حمؤها وجارها أراد: أتأذن؟ فحذف همزة الاستفهام وقد تقدم بعض ما قرء به في مقال سابق. 6 - نسب صاحب البحر إلى هذيل أنها تبدل الواو المكسورة المصدرة همزة وذلك عند تفسير قوله تعالى: (فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه) حيث قال (قرأ أبن جبير من إعاء أخيه بإبدال الواو المكسورة همزة كما قالوا إشاح وإسادة في وشاح ووسادة وذلك مطرد في لغة هذيل يبدلون الواو المكسورة الواقعة أولا همزة) وقال الصبان في حاشيته على الأشموني: وقرأ أبي ابن كعب وابن جبير الثقفي من إعاء أخيه.
ونقل عن المرادي: قوله (رأيت في بعض الكتب أنه لغة هذيل) اهـ ولعل بعض الكتب هو تفسير أبي حيان.
أما لسان العرب فقد نسب ذلك إلى قبيلة تميم حيث يقول: إقاط ووقاط جمع وقيط.
ولغة تميم في جمعه إقاط مثل إشاح يصيرون كل واو تجيء على هذا المثال ألفاً (ولعله أراد بهذا المثال) ما كان على وزن فِعال أو فِعالة حيث ورد وشاح وإشاح ووقاط وإقاط ووكاف وإكاف ووعاء وإعاء ووسادة وإسادة ووراثة وإراثة ووفادة وإفادة ووقاء وإقاء) وقد يكون أراد بهذا المثال ما كان واواً مكسورة في أول الكلمة وهو الأظهر فقد ورد (ورب وإرب وورث وإرث ووصر وإصر) حيث يوافق الصبان على الأشموني في إطلاقه على ما كان واواً مكسورة مصدرة. وقد نقل شارح القاموس أيضاً ما ذكره صاحب اللسان.
ويختلف اللغويون في جواز هذا الإبدال واطراده والقياس عليه أو أنه قاصر على السماع! فأبو عثمان المازني يرى أنه مقيس مطرد وغيره يقصره على السماع. ونحن حين نناقش هذا الإبدال ونريد الترجيح بين نسبته إلى القبيلتين وفي هذه الكتب نجد أنه بتميم ألصق وإليها أقرب وأن ما ذكره أبو حيان وما عزى إلى المرادي في حاشية الصبان سهو منهما أو خطأ فقد بينت في المقال الثاني أن هذيلا كالحجازيين لا ينبرون.
فإذا كانوا في المهموز يخففون همزته فكيف يهمزون ما ليس كذلك! وبينت أيضاً أن قبيلة تميم أحرص العرب على النبر كما أنها قد تلجأ في إبانة الحرف إلى ما هو أقوى منه وأوضح حتى تنتقل بالهمزة إلى العنعنة وبعضها ينتقل بالياء إلى الجيم في العجعجة.
أما القياس وعدمه فيحتاج إلى قرار يصدره المجمع اللغوي في جواز ذلك أو قصره على السماع. وهناك إبدال في الواو المضمونة المصدرة ولكن لم ينسب إلى قبيلة بعينها أو جهة بخصوصها وقد نقل صاحب لسان العرب عن المازني قوله: كل واو مضمومة في أول الكلمة فأنت بالخيار إن شئت تركتها على حالها وإن شئت قلبتها همزة فقلت وُعِد وأُعد ووُجوه وأجوه ووُورى وأُورى.
) وورد (وُقتت وأقتت) وذكر أبو حيان في تفسيره (قرأ الجمهور أقتت بالهمز وشد القاف وقرأ أبو الأشهب وعمرو بن عبيد وعيسى بن عمر وأبو عمرو بالواو وشد القاف قال عيسى وهي لغة سفلى مضر) اهـ.
وسفلى مضر هي القبائل التي تقارب النجديين أو هي النجديون أما عليا مضر فهي التي تقارب المدينة وما حولها ودنا منها فإما أن (وقتت) بخصوصها هي التي ينطقها سفلى مضر وإما أن يراد بسفلى مضر القبائل القريبة جداً من أهل الحجاز الذين لا ينبرون وهم بعض قيس المجاورون للحجازيين حيث إن الهمزة من خصائص النجديين وقلب الواو همزة وهي مضمومة بهم ألصق وبلهجتهم أنسب، وبخاصة التميميون وقد قيل تميم بن أد وأصله ود.
كما ورد في الواو المصدرة المفتوحة هذا الإبدال بقلة: ورخ وأرخ ووبخ وأبخ. ومما يؤيد كون قلب الواو المسكورة من خصائص تميم أن المزهر نسب الإكاف بالهمزة إلى تميم والوكاف بالواو إلى الحجازين وهذيل تجاورهم أشد المجاورة. 7 - (متى) اسم يدل على الاستفهام أو الشرط يفيد معنى الزمن في كليهما فمن الاستفهام قوله تعالى متى نصر الله ومن الشرط قول الشاعر: متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ...
تجد حطباً جزلاً وناراً تأججا أما لغة هذيل في (متى) فهي استعمالها حرفاً بمعنى (من) الجارة فتعمل عملها وبمعناها سمع من قولهم (أخرجها متى كمه) أي من كمه وروى: شربن بماء البحر ثم ترفعت ...
متى لجج خضر لهن نئيج أراد من لجج فخرجت في لغتهم عن الأسمية والاستفهام والشرطية.
والقرآن الكريم لم تقع (متى) فيه إلا استفهامية. 8 - (الأم) تنطقها القبائل بضم الهمزة ماعدا هذيلاً وهوازن فإنهما يكسران همزتها إذا سبقتها الياء أو الكسرة وقد قرأ بكسر الهمزة (فلإمه الثلث) حمزة والكسائي وقرأ الباقون بضمها. 9 - تقول هذيل أرجعته وغيرها يقول رجعته، وجمهور القراء قرءوا ما ورد في القرآن من الثلاثي: فإن رجعك الله.
فرجعناك إلى أمك.
ترجعونها.
يرجع بعضهم إلى بعض القول وحكي أبو زيد الأنصاري أن المفضل الضبي قرأ: أفلا يرون أن لا يُرجع إليهم قولا.
وقال رب أرجعون) من الرباعي على لغة هذيل. 10 - هذيل وعقيل وطئ يبنون اسم الموصول الدال على الجمع في حالة الرفع على الواو وفي حالة النصب والجر على الياء وقد جاء على لغتهم: نحن اللذون صبحوا الصباحا=يوم النخيل غارة ملحاحا 11 - اشتهر عن هذيل ما يسمى الفحفحة ويعرفونها بأنها قلب الحاء عيناً يقولون في حتى عتى، وذكر السيوطي في كتاب الاقتراح في أصول النحو أن فحفحة هذيل هي أن يجعلوا الهاء عيناً فيقولون في هل عل.
ولست أدري من أين جاء بهذا الذي لم يقل به أحد، بل إن الحاء وإبدالها عيناً لم يذكروا لها إلا عتى في حتى مما يدل على أن قلبها إنما هو في هذه الكلمة بخصوصها ويؤيد ذلك ما يروى أن عبد الله بن مسعود قرأ: عتى حين، فلو كان الإبدال مطرداُ لقرأ: عتى عين.
والذي يبدو لي أن الهذليين يجهرون بالحاء إلى أن تقارب العين وظهر ذلك في (حتى) بوضوح فجلعها إلى العين اقرب ثم طال بها العهد فصارت في استعمالهم بخصوصها عتى. 12 - كذلك اشتهر عن هذيل والأزد وقيس وسعد بن بكر من قيس والأنصار ما يسمونه الاستنطاء وهو أن يجعلوا العين الساكنة قبل طاء نوناً يقولون أنطى في أعطى.
.
والحقيقة أن ما ورد من هذا الاستنطاء هو في أعطى وتصريفها فحسب، وهي التي استعملها الرسول قي بعض كتبه حيث قال وأنطوا الثبجة وقرء عليها إنا أنطيناك الكوثر، وروى الحديث لا منطي لما منعت ولا مانع لما أنطيت.
ولم يرد إلينا أنهم قالوا في أعطف وأعطب وأعطر وما شابه ذلك: أنطف وأنطب وانطر.
ويخيل إلي أيضاً أن العين في أعطى دخلها ما يشبه الغنة والإدغام فحولها الأنف إلى ما يشبه النون وبمضي الزمن ورثت على أنها نون وصارت لفظة أنطى مرادفة لأعطى كما أصبحت عتى مرادفة لحتى وليس كل عين ساكنة قبل طاء ينطقونها نوناً ولا كل حاء يبدلونها عيناً، أما الفحفحة التي ذكرها السيوطي في الاقتراح فلم أجد من ذكرها غيره وقد تكون الهاء فيها نالت من التقوية عند البدء بها ما جعلها تشبه العين.
ولم يرد غير: ألا لغة في هلا وأل لغة في هل ولم يقل أحد علا ولا عل. 13 - ذكر ابن الجزري في غاية النهاية أن هذيلا تكسر أول الماضي المبني للمجهول إذا كان مضعفاً فيقولون في رُدّ بالضم رِدَّ بالكسر، وأن عاصما قرأ: (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق) بكسر الراء.
ويروي أبو حيان أن هذا الكسر لغة بني ضبة، وهم بنو عمومة تميم حيث يقول: (قرأ علقمة ويحيى بن وثاب والأعمش) وجدوا بضاعتهم رِدت إليهم (بكسر الراء وهو لغة بني ضبة).
أما إتحاف البشر فقد نسب قراءة الكسر إلى الحسن فحسب، واكتفى بأن قال إنها لغة ولم ينسبها إلى قبيلة.
ولعل الكسر تشترك فيه القبيلتان. 14 - نِعمَ إذا اقترنت بها (ما) تنطقها هذيل بكسرتين في أولها.
أما غيرهم فبإسكان العين أو اختلاس الحركة وقرئ بذلك جميعاً.
وهذا وما ينسب إليهم أنهم يقولون المِرء بكسر الميم يقوي اشتراكهم مع ضبة. 15 - من ألفاظهم: السرحان والسَّيد بكسر السين معناهما الأسد.
الجمسة: النار.
انتعص الرجل: وتر فلم يطلب ثأره.
الجعسوس والجمعوس: النخل.
التكريم: التكثير.
الحساب: الجمع الكثير من الناس.
العنج: الرجل.
الشبج: الباب العالي البناء رجل عوَّق: جبان.
الهكع: السعال.
لدَّه عن الأمر: حبسه.
الفعفعاني: الجزار.
السنائع: الطرق في الجبال واحدتها سنيعة.
الخلوج من السحاب: المتفرق.
المعصوب: الجائع الذي كادت أمعاؤه تيبس جوعاً.
العبر: جماعة القوم.
ويقولون: البوع وغيرهم الباع.
ويقولون: السميج وغيرهم السمج.
ويقولون صلوته: أصبت صلاة أي ظهره وغيرهم: صليته.
وهم وبنو ضمرة يقولون اليازع وغيرهم الوازع.
وهم ومن والاهم من أزد السراة يقولون الخزومة ومعناها البقرة.
وهم يقولون في نجد: الساكن الوسط نجد بضمتين.
ويقولون: استراب به.
وغيرهم: رابه.
ويشاركون الحجازيين في أنهم لا ينبرون.
ويشاركون النجديين في أنهم يقولون الحج بكسر الحاء.
وتقول هذيل الضحضاح بمعنى الكثير.
واعثقت الأرض: أخصبت.
والليث معناه اللسن البليغ. عبد الستار أحمد فراج محرر بالمجمع اللغوي

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣