الإسلام بين جهل أبنائه وكيد أعدائه [2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فمن مجالات كيد أعداء الإسلام: الإعلام.

أهمية الإعلام وخطورته

فالإعلام يعتبر في عالم الغرب السلطة الرابعة في الدولة، وهو مهم جداً في صياغة عقليات الناس، فالإعلام يمكن أن يروج الباطل حتى ينطلي على الناس، فيعلموا أنه هو الحق ويقتنعوا به، فكل من كرر عليه أمر كثيراً وسمعه كثيراً، وسمعه بلغات مختلفة أو بأساليب مختلفة في لغة واحدة، وتكررت سماعه له من فئات من الناس لا بد أن يجد في قلبه مقراً ولو يسيراً، فلذلك كان الإعلام من هذا الوجه وسيلة من وسائل صياغة الرأي العام، فلذلك وضع للإعلام برامج كثيرة متنوعة، وكثير منها لا تبدو مصلحته لنا، فالآن من المسلَّم لدى كثير من الناس أو لدى جمهورهم أنه لا يمكن أن توجد إذاعة تبث ما ينفع فقط، وتنقطع عما لا يفيد من البرامج غير النافعة، ولا أن توجد محطة تلفزيون تبث ما ينفع الناس فقط ولا تبث تلك السموم.

إذاً ارتبط في أذهان الناس أن وسائل الإعلام لا بد أن يكون فيها شر لا بد منه، ولذلك يقول بعض العقلاء: إنه لا يمكن الاقتصار على ما يفيد منه دون ما لا يفيد، وهذا انخداع للإعلام نفسه، فالإعلام هو الذي كون هذا الرأي العام لدى الناس، ولذلك تجدون أن الصنعة الإعلامية أصبح تخصص ذا دراسات معمقة، يصاغ الشخص فيه صياغة تأثير، معناه: كيف تختار العناوين المؤثرة التي تجلب الناس للاستماع إلى خبر رغم كل مشاغلهم، فالناس غارقون في المشاغل والهموم، وكل شخص منهم لديه من الواجبات ما هو أكثر من الأوقات، ولكن مع ذلك كل المشاغل لا تشغلهم عن الاستماع إلى الإعلام؛ لأن هذا الإعلام صيغ صياغة مبهرجة متناسبة مع أذواق الناس، ويقصد بها جلبهم وأخذ جزءٍ من أوقاتهم عن طريق القرصنة والسطو عليها، فينتزع من أوقات الناس وقت لو صرفوه في عبادة أو صرفوه في درهمٍ للمعاش أو صرفوه حتى في تدبر، أو صرفوه حتى في راحة بدن أو اكتساب علم دنيوي لنفعهم، ومع ذلك لو سألت شخصاً: هل لديك وقت لنذهب فيه إلى صلة رحم أو إلى عيادة مريض أو إلى زيارة المقبرة، أو إلى الذهاب إلى المسجد لنقمه، هل لدينا وقت الآن يمكن أن نقمّ فيه هذا المسجد، وأن نخدمه وأن تعطي من كل شهرٍ ساعةً واحدة من جهودنا جميعاً لخدمة المسجد؟ ومن الملاحظ أن الساعة التي يمكن أن نجلسها لاستماع درسٍ هذه الساعة ما استطعنا الجلوس فيها إلا من أجل الإعلام وللإعلانات وللدعاية، فهي التي جعلتنا نستطيع أن ننتزع هذه الساعة من أنفسنا، وإلا فلو اتفقنا فيما بيننا على أن نخصص ساعة واحدة من كل سنة لخدمة بيت من بيوت الله، لكان المسجد قد توسع كثيراً، وشمل الصفوف التي تصلي في الشمس؛ لأن ساعة واحدة من جهود هذا الملأ من البشر كفيلة بتحصيل مال طائل، وبتحصيل جهدٍ جهيد، ولكن الإعلام هو الذي يحول دون هذا، فلو قمنا بالدعاية لهذا لوجدنا كثيراً من المستجيبين له.

إذاً هذا الإعلام ذو خطورة بالغة في حياة الناس، ولذلك اختير له أهل الفساد، فهم الذين يُجعلون على رءوس المؤسسات الإعلامية، فكل مؤسسة إعلامية يختار لها ثعلب من ثعالب الشر فيوضع عليها، وهو يعرف المكائد وينتقي الأشخاص الذين يحيطون به، ويعرف كيف يؤثر في المجتمع وكيف يختار البرامج؟ ومع ذلك لا يرضون عن أدائهم، ففي كل فترة يأتي تغيير البرامج وإعداد مسطرة جديدة لوسائل الإعلام كلها.

الدعايات الإعلامية وأنواعها

وكذلك توجد هذه الدعايات المغرضة في الإعلام المقروء، كالجرائد والمجلات والنشرات والدعايات المختلفة، حتى إن هذا الإعلام الذي ينبغي أن يكون وسيلة جماهيرية في كثير من الأحيان ينصرف عن ذلك حتى تجد لدى المؤسسات الرسمية أو المؤسسات الشعبية إعلاماً مختصاً بها، فتجد في المؤسسة الواحدة نشرات للدعاية لأنشطتها ولما تزاوله داخل المجتمع، ومن هذا القبيل ما اهتدى إليه دعاة التنصير، والذين يتسترون بعباءة الأعمال الإغاثية الخيرية، فاستطاعوا أن يستغلوا الإعلام استغلالاً بالغاً، فالنشرات التي يوزعونها والكتيبات الصغيرة المطبوعة التي يوزعونها، وأيضاً المقابلات الصحفية، والنشرات التي تنشر في الجرائد والمجلات كلها استطاعت أن تصل إلى تحقيق بعض أهدافها، وإن كانت لم تصل إلى المستوى الأعلى الذي يرضون عنه؛ لأنهم لا يمكن أن يرضوا إلا إذا كفر المجتمع، فلذلك قال الله تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، فهم لا يرضون عن أدائهم، ولذلك تجدون في نشرة تقويمية قد أصدرتها كنيسة نواكشوط في فترة من الفترات، قد رأيناها يقولون: إن هذه الصحراء صحراء قاحلة يصعب فيها فن الزراعة، ولكنها بدأت فيها شجيرات تنمو لتصل إلى المستوى المطلوب، ما معنى هذا التقويم؟ معناه أنهم يقولون: إن الشعب بيئة قاحلة بالنسبة للعمل الكنسي، فالشعب مؤمن بطبعه، شعب يكره النصارى ويكره اليهود، ويكره الكنائس، ولكن مع ذلك وجدوا فيه بذرات خرجت فكانت شجيرات، ومعناه أشخاص استجابوا لهم وذلك في الخفاء فأثروا فيهم، واستجابوا لمطالبهم فصاروا نعوذ بالله من الذين باعوا دينهم بعرض من الدنيا.

الدعاية للكفر

هذه الدعاية الإعلامية تجدون أنها تنقسم إلى أقسام، بعضها دعاية للكفر، مثل: النشرات التي تحدثنا عنها، ومثل: الكتيبات الخضراء التي توزعها الكنيسة هذه الأيام هنا في نواكشوط، والتي يقوم على توزيعها بعض العاملين في السفارات الموجودة في نواكشوط، فالكتيبات الخضراء التي ترونها توزع في المساجد، كل كتيب منها من تسعة وأربعين صفحة، وهذا الرقم مخصوص، وهو تسعة وأربعون، رقم يرمز إلى مستوىً معين من التطور في خطة الكنيسة المقصودة هنا، وهي كتب طبعت في الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك مطبوع في الصفحة الأخيرة منها في الخلف (USA)، و(USA) معناها رمز للولايات المتحدة الأمريكية، فهم يوزعون هذه ويبذلون فيها الأموال الطائلة؛ من أجل أن تغزو البيوت، وقد كتب على أحد الكتيبات محبة الله، وعلى الآخر (كيف تعرف الله) وهي توزع بين المسلمين لينخدعوا بهذه الشعارات، وهذا نظيره كثير جداً، وهذا في المسجد في بيت من بيوت الله، في يوم الجمعة الأخيرة من رمضان، يوم وصل إلى صفوف المصلين بين ظهرانيكم، فما بال أهل الفساد إذا كان لديهم.

إذاً هذا النوع من الدعايات المغرضة هدفه واضح، وهو مكيدة من المكايد التي يقوم بها أعداء هذا الدين، لأن يجدوا موطئ قدمٍ في قلوب المسلمين، وهذا بلغة عربية وبأسلوبٍ مبسط، وهذا الكتيب الصغير جاء فيه كل شيء حتى أحكام الطلاق، بدأ أولاً بالعقيدة، وهذا العنوان محبة الله، ثم بعده بدأ بكثير من العنوانين الأخرى، مثلاً هنا -نعوذ بالله- أن المسيح عيسى بن مريم نسبوه إلى أنه ابن الله، كتبوا يسوع ابن الله، وهكذا في كل هذه.. إلى أن وصلوا إلى هذا العنوان مثلاً، ذكروا فيه أمور الطلاق، يقولون: الله يكلمنا عن الطلاق، فماذا قالوا؟ قالوا: وأما أنا فأقول لكم: إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني، وأن كل من طلق امرأته وتزوج بأخرى فإنه يزني.. وهكذا، فهذا أمر بسيط جداً من مكايدهم، ومما أقدموا عليه داخل صفوفنا، فهذا إذاً دعاية إعلامية للكفر الصريح.

الدعاية للإباحية والربا

لكن لدينا أنواعاً من الدعاية الإعلامية ليس للكفر الصريح، ولكن للكفر الملبس، فمثلاً: الدعاية للإباحية، الدعاية للربا، الدعاية للمحافل الراقصة، الدعاية لانتخاب ملكة الجمال، الدعاية لهذه الليالي التي يسمونها ليالينا، أو يسمونها المحفل الليلي، أو يسمونها المرقص أو نحو ذلك، هي دعاية لمعاقرة الخمور، ودعاية لإباحة ذلك وتعويد الشباب عليه، حتى إن أحدهم في مدينة نواذيبو هنا، وهو أب في الكنيسة أخذ مجموعة من الشباب فجعل لهم برنامجاً للتعليم، هذا البرنامج ما هو؟ فيه دروس في أمور تفيدهم يخدعهم بها، دروس في الحساب، ودروس في أمور تفيدهم في الميكانيك، لكن بعدها دروس أيضاً في ممارسة الجنس، معناه في اللواط في الانحلال، هذه الدروس يعلمهم إياها.

ونظير هذا كثير جداً، فأنا في هذه السنة قد لقيت رجلاً قد شاب من أفراد هذا المجتمع في ولاية تكانت، فحدثني عن رجلٍ من الألمان يعمل هناك في أوساط البدو، يقول لي: أقسم بالله إن كان المحسنون موجودين فهو أحدهم، فقلت: لماذا؟ قال: ما رأيته أتاه أحد إلا ذهب بحاجته أو بنصفها، هذا المطلوب، فالمطلوب فقط الأمور المادية التي صارت هي المعيار، معيار الإحسان معيار الفضل عند الله أصبح فقط إذا أتاه أحد ذهب بحاجته أو بنصفها.

إذاً هذا من الدعاية الإعلامية المغرضة، والدعاية إلى الكفر الملبس؛ لأن مجرد ولاء الكفار ومحبتهم والركون إليهم كفر، ولكن لو دعوا أمثال هذا الشيخ الكبير السن إلى الكفر الصريح، مثل الموجود في هذا الكتيب لما استجاب، ولكنهم يدعونه فقط إلى ولائهم أو إلى محبتهم.

شخص آخر في نواديفو يقول لبعض كبار السن الذين دأبوا ودربوا على الجهل ولا يصلون الصلاة بطهارة، وإنما تعودوا على هيئة للتيمم، ومن كان التيمم حكمه لا تجزئه هذه الصورة التي يعملونها، ويعلقون كثيراً من التمائم التي لا يعرفون ما فيها، دعاهم هذا الرجل فوزع عليهم مالاً، وقال: أنتم أهل الإسلام الحقيقي الذي عرفناه وأدركناه عند آبائنا، ولستم مثل هؤلاء الذين يتصفون بالصقالة والنظافة. كأن النظافة والصقالة معادية للإسلام، يريد أن يبعث في نفوس هؤلاء حزازةً وبغضاً للذين يدعون إلى المنهج الصحيح، وإلى الحق وإلى الصواب والعدل.

كذلك نجد بعض وسائل الإعلام تروج لبعض الأمور التي هي أقل ضرراً مما سبق، إلا أنه بالتدريج تتكامل هذه الوسائل كلها، بالتدريج إذا سمعنا الترويج لبعض الصفقات المربحة التي هي رباً محض، وتحركت غريزة الذين يحبون الدنيا ويتكالبون عليها وسال لعابهم من أجل تلك الصفقات المربحة، فإن ذلك عمل في داخل أوساط المجتمع للدعوة إلى إظهار الربا وتقوية أمره داخل المجتمع.

ونظير هذا إخراج المسرحيات الماجنة، والدعايات المغرضة التي فيها في كثير من الأحيان السخرية من الدين، والسخرية من أهله، والسخرية من الالتزام حتى من الأخلاق الطيبة، ويوجد في كثير من النشرات أو من الجرائد الساخرة، السخرية حتى من بعض القيم التي يتفق المؤمنون والكفار على أهميتها لحياة الناس، كالالتزام بالمواعيد أو كالالتزام بقول الحق، وتجدون الترويج لما يسمونه بالرأي العام لتبتيب، تبتيب معناه: كل ما هو مخالف للالتزام بالشرع وبالأخلاق وبالآداب الشرعية هذا يطلقون عليه هذه الأسماء الفضفاضة التي لا تدل على أي مدلول، فيشيعونه بين الناس.

دعاية الخداع والتلبيس

ونظير هذا تركيز كثير من وسائل الإعلام في كثيرٍ من برامجها على بعض الأشخاص الذين يلمعون، ويبرزون على أنهم يمكن أن يتقبل منهم، وأن يسمع إلى كلامهم على أنهم علماء أو على الأقل على أنهم دعاة، أو على أقل من ذلك على أنهم مثقفون، فيأتون بفتاوي مخالفة لشرع الله تعالى، أو على الأقل بأمور تنافي الأخلاق والآداب الشرعية، فيسمعها ضعاف العقول وينخدعون لها؛ لأنهم لا يميزون في كثيرٍ من الأحيان بين أهل الحق وأهل الباطل، ولذلك توجد وسائل الإعلام التي تطلق الألقاب الفضفاضة الكبيرة على أشخاص لا يستحقونها، فأنتم تسمعون كثيراً من العلامات في وسائل الإعلام، ومع ذلك هذا الاسم كبير جداً إذا اتصف به شخص واحد أو شخصان فقط في بلادنا كلها فهذا شرف عظيم لنا.

فهذا الوصف وهذه الدعايات كلها تخدع كثيراً من الناس عن الرجوع إلى الحق، وتجعل لدى كثيرٍ منهم انفصاماً في الشخصية، فيسمع هذا يقول هذا الحكم، وهذا يقول خلافه، وهذا يقول وسطاً بين هذا، فيضيع مذبذباً لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ لأنه قد تعارضت عليه الفتاوي المتضاربة، وتعارضت عليها الأقوال المختلفة، فيظن أن معناه أن الإسلام غير منضبط، أو أن العلم الشرعي مدعاة للخلاف والتطاحن والتنافر بين الناس، وهذا خلاف الواقع، فكان هذا نتيجة للإعلام السيئ، إذاً هذا جانب من جانب المكايد.

فالإعلام يعتبر في عالم الغرب السلطة الرابعة في الدولة، وهو مهم جداً في صياغة عقليات الناس، فالإعلام يمكن أن يروج الباطل حتى ينطلي على الناس، فيعلموا أنه هو الحق ويقتنعوا به، فكل من كرر عليه أمر كثيراً وسمعه كثيراً، وسمعه بلغات مختلفة أو بأساليب مختلفة في لغة واحدة، وتكررت سماعه له من فئات من الناس لا بد أن يجد في قلبه مقراً ولو يسيراً، فلذلك كان الإعلام من هذا الوجه وسيلة من وسائل صياغة الرأي العام، فلذلك وضع للإعلام برامج كثيرة متنوعة، وكثير منها لا تبدو مصلحته لنا، فالآن من المسلَّم لدى كثير من الناس أو لدى جمهورهم أنه لا يمكن أن توجد إذاعة تبث ما ينفع فقط، وتنقطع عما لا يفيد من البرامج غير النافعة، ولا أن توجد محطة تلفزيون تبث ما ينفع الناس فقط ولا تبث تلك السموم.

إذاً ارتبط في أذهان الناس أن وسائل الإعلام لا بد أن يكون فيها شر لا بد منه، ولذلك يقول بعض العقلاء: إنه لا يمكن الاقتصار على ما يفيد منه دون ما لا يفيد، وهذا انخداع للإعلام نفسه، فالإعلام هو الذي كون هذا الرأي العام لدى الناس، ولذلك تجدون أن الصنعة الإعلامية أصبح تخصص ذا دراسات معمقة، يصاغ الشخص فيه صياغة تأثير، معناه: كيف تختار العناوين المؤثرة التي تجلب الناس للاستماع إلى خبر رغم كل مشاغلهم، فالناس غارقون في المشاغل والهموم، وكل شخص منهم لديه من الواجبات ما هو أكثر من الأوقات، ولكن مع ذلك كل المشاغل لا تشغلهم عن الاستماع إلى الإعلام؛ لأن هذا الإعلام صيغ صياغة مبهرجة متناسبة مع أذواق الناس، ويقصد بها جلبهم وأخذ جزءٍ من أوقاتهم عن طريق القرصنة والسطو عليها، فينتزع من أوقات الناس وقت لو صرفوه في عبادة أو صرفوه في درهمٍ للمعاش أو صرفوه حتى في تدبر، أو صرفوه حتى في راحة بدن أو اكتساب علم دنيوي لنفعهم، ومع ذلك لو سألت شخصاً: هل لديك وقت لنذهب فيه إلى صلة رحم أو إلى عيادة مريض أو إلى زيارة المقبرة، أو إلى الذهاب إلى المسجد لنقمه، هل لدينا وقت الآن يمكن أن نقمّ فيه هذا المسجد، وأن نخدمه وأن تعطي من كل شهرٍ ساعةً واحدة من جهودنا جميعاً لخدمة المسجد؟ ومن الملاحظ أن الساعة التي يمكن أن نجلسها لاستماع درسٍ هذه الساعة ما استطعنا الجلوس فيها إلا من أجل الإعلام وللإعلانات وللدعاية، فهي التي جعلتنا نستطيع أن ننتزع هذه الساعة من أنفسنا، وإلا فلو اتفقنا فيما بيننا على أن نخصص ساعة واحدة من كل سنة لخدمة بيت من بيوت الله، لكان المسجد قد توسع كثيراً، وشمل الصفوف التي تصلي في الشمس؛ لأن ساعة واحدة من جهود هذا الملأ من البشر كفيلة بتحصيل مال طائل، وبتحصيل جهدٍ جهيد، ولكن الإعلام هو الذي يحول دون هذا، فلو قمنا بالدعاية لهذا لوجدنا كثيراً من المستجيبين له.

إذاً هذا الإعلام ذو خطورة بالغة في حياة الناس، ولذلك اختير له أهل الفساد، فهم الذين يُجعلون على رءوس المؤسسات الإعلامية، فكل مؤسسة إعلامية يختار لها ثعلب من ثعالب الشر فيوضع عليها، وهو يعرف المكائد وينتقي الأشخاص الذين يحيطون به، ويعرف كيف يؤثر في المجتمع وكيف يختار البرامج؟ ومع ذلك لا يرضون عن أدائهم، ففي كل فترة يأتي تغيير البرامج وإعداد مسطرة جديدة لوسائل الإعلام كلها.

وكذلك توجد هذه الدعايات المغرضة في الإعلام المقروء، كالجرائد والمجلات والنشرات والدعايات المختلفة، حتى إن هذا الإعلام الذي ينبغي أن يكون وسيلة جماهيرية في كثير من الأحيان ينصرف عن ذلك حتى تجد لدى المؤسسات الرسمية أو المؤسسات الشعبية إعلاماً مختصاً بها، فتجد في المؤسسة الواحدة نشرات للدعاية لأنشطتها ولما تزاوله داخل المجتمع، ومن هذا القبيل ما اهتدى إليه دعاة التنصير، والذين يتسترون بعباءة الأعمال الإغاثية الخيرية، فاستطاعوا أن يستغلوا الإعلام استغلالاً بالغاً، فالنشرات التي يوزعونها والكتيبات الصغيرة المطبوعة التي يوزعونها، وأيضاً المقابلات الصحفية، والنشرات التي تنشر في الجرائد والمجلات كلها استطاعت أن تصل إلى تحقيق بعض أهدافها، وإن كانت لم تصل إلى المستوى الأعلى الذي يرضون عنه؛ لأنهم لا يمكن أن يرضوا إلا إذا كفر المجتمع، فلذلك قال الله تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، فهم لا يرضون عن أدائهم، ولذلك تجدون في نشرة تقويمية قد أصدرتها كنيسة نواكشوط في فترة من الفترات، قد رأيناها يقولون: إن هذه الصحراء صحراء قاحلة يصعب فيها فن الزراعة، ولكنها بدأت فيها شجيرات تنمو لتصل إلى المستوى المطلوب، ما معنى هذا التقويم؟ معناه أنهم يقولون: إن الشعب بيئة قاحلة بالنسبة للعمل الكنسي، فالشعب مؤمن بطبعه، شعب يكره النصارى ويكره اليهود، ويكره الكنائس، ولكن مع ذلك وجدوا فيه بذرات خرجت فكانت شجيرات، ومعناه أشخاص استجابوا لهم وذلك في الخفاء فأثروا فيهم، واستجابوا لمطالبهم فصاروا نعوذ بالله من الذين باعوا دينهم بعرض من الدنيا.

هذه الدعاية الإعلامية تجدون أنها تنقسم إلى أقسام، بعضها دعاية للكفر، مثل: النشرات التي تحدثنا عنها، ومثل: الكتيبات الخضراء التي توزعها الكنيسة هذه الأيام هنا في نواكشوط، والتي يقوم على توزيعها بعض العاملين في السفارات الموجودة في نواكشوط، فالكتيبات الخضراء التي ترونها توزع في المساجد، كل كتيب منها من تسعة وأربعين صفحة، وهذا الرقم مخصوص، وهو تسعة وأربعون، رقم يرمز إلى مستوىً معين من التطور في خطة الكنيسة المقصودة هنا، وهي كتب طبعت في الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك مطبوع في الصفحة الأخيرة منها في الخلف (USA)، و(USA) معناها رمز للولايات المتحدة الأمريكية، فهم يوزعون هذه ويبذلون فيها الأموال الطائلة؛ من أجل أن تغزو البيوت، وقد كتب على أحد الكتيبات محبة الله، وعلى الآخر (كيف تعرف الله) وهي توزع بين المسلمين لينخدعوا بهذه الشعارات، وهذا نظيره كثير جداً، وهذا في المسجد في بيت من بيوت الله، في يوم الجمعة الأخيرة من رمضان، يوم وصل إلى صفوف المصلين بين ظهرانيكم، فما بال أهل الفساد إذا كان لديهم.

إذاً هذا النوع من الدعايات المغرضة هدفه واضح، وهو مكيدة من المكايد التي يقوم بها أعداء هذا الدين، لأن يجدوا موطئ قدمٍ في قلوب المسلمين، وهذا بلغة عربية وبأسلوبٍ مبسط، وهذا الكتيب الصغير جاء فيه كل شيء حتى أحكام الطلاق، بدأ أولاً بالعقيدة، وهذا العنوان محبة الله، ثم بعده بدأ بكثير من العنوانين الأخرى، مثلاً هنا -نعوذ بالله- أن المسيح عيسى بن مريم نسبوه إلى أنه ابن الله، كتبوا يسوع ابن الله، وهكذا في كل هذه.. إلى أن وصلوا إلى هذا العنوان مثلاً، ذكروا فيه أمور الطلاق، يقولون: الله يكلمنا عن الطلاق، فماذا قالوا؟ قالوا: وأما أنا فأقول لكم: إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني، وأن كل من طلق امرأته وتزوج بأخرى فإنه يزني.. وهكذا، فهذا أمر بسيط جداً من مكايدهم، ومما أقدموا عليه داخل صفوفنا، فهذا إذاً دعاية إعلامية للكفر الصريح.

لكن لدينا أنواعاً من الدعاية الإعلامية ليس للكفر الصريح، ولكن للكفر الملبس، فمثلاً: الدعاية للإباحية، الدعاية للربا، الدعاية للمحافل الراقصة، الدعاية لانتخاب ملكة الجمال، الدعاية لهذه الليالي التي يسمونها ليالينا، أو يسمونها المحفل الليلي، أو يسمونها المرقص أو نحو ذلك، هي دعاية لمعاقرة الخمور، ودعاية لإباحة ذلك وتعويد الشباب عليه، حتى إن أحدهم في مدينة نواذيبو هنا، وهو أب في الكنيسة أخذ مجموعة من الشباب فجعل لهم برنامجاً للتعليم، هذا البرنامج ما هو؟ فيه دروس في أمور تفيدهم يخدعهم بها، دروس في الحساب، ودروس في أمور تفيدهم في الميكانيك، لكن بعدها دروس أيضاً في ممارسة الجنس، معناه في اللواط في الانحلال، هذه الدروس يعلمهم إياها.

ونظير هذا كثير جداً، فأنا في هذه السنة قد لقيت رجلاً قد شاب من أفراد هذا المجتمع في ولاية تكانت، فحدثني عن رجلٍ من الألمان يعمل هناك في أوساط البدو، يقول لي: أقسم بالله إن كان المحسنون موجودين فهو أحدهم، فقلت: لماذا؟ قال: ما رأيته أتاه أحد إلا ذهب بحاجته أو بنصفها، هذا المطلوب، فالمطلوب فقط الأمور المادية التي صارت هي المعيار، معيار الإحسان معيار الفضل عند الله أصبح فقط إذا أتاه أحد ذهب بحاجته أو بنصفها.

إذاً هذا من الدعاية الإعلامية المغرضة، والدعاية إلى الكفر الملبس؛ لأن مجرد ولاء الكفار ومحبتهم والركون إليهم كفر، ولكن لو دعوا أمثال هذا الشيخ الكبير السن إلى الكفر الصريح، مثل الموجود في هذا الكتيب لما استجاب، ولكنهم يدعونه فقط إلى ولائهم أو إلى محبتهم.

شخص آخر في نواديفو يقول لبعض كبار السن الذين دأبوا ودربوا على الجهل ولا يصلون الصلاة بطهارة، وإنما تعودوا على هيئة للتيمم، ومن كان التيمم حكمه لا تجزئه هذه الصورة التي يعملونها، ويعلقون كثيراً من التمائم التي لا يعرفون ما فيها، دعاهم هذا الرجل فوزع عليهم مالاً، وقال: أنتم أهل الإسلام الحقيقي الذي عرفناه وأدركناه عند آبائنا، ولستم مثل هؤلاء الذين يتصفون بالصقالة والنظافة. كأن النظافة والصقالة معادية للإسلام، يريد أن يبعث في نفوس هؤلاء حزازةً وبغضاً للذين يدعون إلى المنهج الصحيح، وإلى الحق وإلى الصواب والعدل.

كذلك نجد بعض وسائل الإعلام تروج لبعض الأمور التي هي أقل ضرراً مما سبق، إلا أنه بالتدريج تتكامل هذه الوسائل كلها، بالتدريج إذا سمعنا الترويج لبعض الصفقات المربحة التي هي رباً محض، وتحركت غريزة الذين يحبون الدنيا ويتكالبون عليها وسال لعابهم من أجل تلك الصفقات المربحة، فإن ذلك عمل في داخل أوساط المجتمع للدعوة إلى إظهار الربا وتقوية أمره داخل المجتمع.

ونظير هذا إخراج المسرحيات الماجنة، والدعايات المغرضة التي فيها في كثير من الأحيان السخرية من الدين، والسخرية من أهله، والسخرية من الالتزام حتى من الأخلاق الطيبة، ويوجد في كثير من النشرات أو من الجرائد الساخرة، السخرية حتى من بعض القيم التي يتفق المؤمنون والكفار على أهميتها لحياة الناس، كالالتزام بالمواعيد أو كالالتزام بقول الحق، وتجدون الترويج لما يسمونه بالرأي العام لتبتيب، تبتيب معناه: كل ما هو مخالف للالتزام بالشرع وبالأخلاق وبالآداب الشرعية هذا يطلقون عليه هذه الأسماء الفضفاضة التي لا تدل على أي مدلول، فيشيعونه بين الناس.