التوحيد أولاً


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتفرد بالإلهية على جميع خلقه، والمختص بنعوت الكمال وصفات الجلال والجمال بلا شبيه ولا مثال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، وأمره أن يقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وعلى آله وصحبه أهل العدل والتوحيد، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فمن نافلة القول، ومكرور الكلام أن يقال: إن التوحيد هو أساس الإسلام، وإنه أصل أصوله، وإن التوحيد من الإسلام بمكان الذروة والسنام، فذلك أمرٌ اتفقت عليه دعوة الرسل أجمعين من لدُنْ آدم إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فما من الرسل أحد إلا افتتح دعوته بقوله: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [هود:50].

فالتوحيد هو زبدة الرسالات الإلهية وغايتها، وقطب رحاها وعمدتها، ترتكز كلها عليه، وتستند في وجودها إليه، تبتدئ منه وتنتهي إليه، ولا عجب! فهو يقوم على إفراد الله عز وجل بما هو محض حقه من أنواع العبادة وصورها، وإخلاص القصد والإرادة له في أدائها، واعتراف الإنسان على نفسه وعلى غيره من المخلوقات بوجوب العبودية لله في سائر الحالات. فالله وحده هو ربهم، ومليكهم، والقاهر فوقهم، والمتصرف فيهم بما يشاء، لا رادّ لحكمه، ولا دافع لقضائه، وهم جميعاً المرذولون المقهورون الفقراء المحدثون الضعفاء، الذين لا غنى لهم عنه طرفة عين، ولا قيام لهم بدونه لحظة من الزمان.

فلم يرسل الله عز وجل نبياً ولا رسولاً إلى قومه إلا وجعل مفتاح دعوته أن يقول لهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [هود:50]، فهذا الأصل هو أصل الأصول في دين الإسلام.

بطلان قول من قال إن أصل الأصول هو تأليف القلوب

لقد نشأت في هذا الزمان أفكار كثيرة، واختلفت كثير من الاتجاهات، فانحرف بعض الناس في تحديد أصل الأصول، وأهم المهم من قضايا الإسلام، فرأينا من يقول: إن أصل الأصول هو تأليف القلوب. كما هو معروف عند بعض الجماعات!! فلو قلنا: إن هذا هو أصل الأصول فإنه ينبغي أن يُقدّم على غيره عند التعارض، فمثلاً: إذا رأوا رجلاً يقع في الشرك بالله، أو في الطواف بالقبور، أو غير ذلك من صور الشرك، فيقولون: أصل الأصول هو تأليف القلوب. فنقدم تأليف القلوب على إنكار هذا المنكر حتى لو كان شركاً؛ لكي تتألف القلوب ولا تتفرق!! فإن إثارة هذه القضايا وإنكارها على من يفعلها مما ينافي أصل الأصول. فيبتدعون هذا الأصل، ويتحاكمون إليه بدل أن يتحاكموا إلى أصل الأصول الذي هو توحيد الله عز وجل.

بطلان قول من قال إن أصل الأصول هو إقامة الحكومة الإسلامية

كذلك وجدنا كثيراً من الدعاة بل والمجاهدين في سبيل هذه الدعوة المباركة قد نشأ لديهم تصور انعكس منهم على قطاع عريض من الشباب المسلم، وقد فهم كثير من الشباب من كلام هؤلاء الدعاة أن أصل الأصول هو: إقامة الحكومة الإسلامية!! فيجعلون إقامة الحكومة الإسلامية هو غاية إرسال الرسل؛ بل إن من الدعاة الكبار وأهل الخير والفضل من جعل في بعض كتبه أن الغاية الأساسية من دعوة الرسل: إقامة الحكم الإسلامي، أو: إقامة الحكومة الإلهية أو الحكومة الإسلامية!! بل ويذهب إلى أن أصل الأصول وغاية الرسل هي إقامة الحكومة الإلهية، فيزعم أن الأنبياء انقسموا: فمنهم من استطاع أن يقيم الحكومة الإسلامية، ونجح في دعوته!! وذكر منهم محمداً صلى الله عليه وسلم، وموسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ومنهم من لم ينجح في تحقيق أصل الأصول، وهو الحكومة الإسلامية، وربما حاول التمهيد لإحداث انقلاب سياسي في الأمم من بعده!! ويذكر أمثلة كإبراهيم ونوح وغيرهما من الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام. مثل هذا الكلام ينبغي أن يراجع وأن يمحص في ضوء الكتاب والسنة، وأن نبين أين موقع قضية الحاكمية أو قضية السياسة بالنسبة لأصل الأصول الذي هو توحيد الله عز وجل. الله عز وجل يقول: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173]، هذا وعد من الله سبحانه وتعالى أن كل الأنبياء وأتباعهم منتصرون، فلم ينهزم نبي، ولم يفشل في أن يحقق الهدف الذي بعثه الله به، قال الله عز وجل: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ [الصافات:171-172]، فالله لا يخلف وعده، فلابد أن الأنبياء انتصروا، ولابد أن جند الله غَلَبوا، ولابد أنهم حققوا الهدف الذي بعثهم الله من أجله، وهو أصل الأصول في هذا الدين، حتى نوح عليه السلام الذي مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ويأتي من يّدعي أن نوحاً لم يحقق هدفه من رسالته! وأنه فشل في تحقيق الهدف الأسمى، وهو الحكومة الإسلامية أو الدولة الإلهية! حتى نوح يقول الله عز وجل حاكياً عنه: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10]، وانتصر الله له، ونصره على الكافرين، وانتصر نوح، ولا شك في ذلك. فهذا التعبير إنما نشأ عن غلبة الاتجاه السياسي والمفاهيم السياسية، ومحاولة حشرها وإعطائها الحجم الأكبر من قضايا الإسلام، بحيث يكون هو في تصور كثير من الشباب أصل الأصول، وقطب الرحى، وعمود هذا الدين.

أصل الأصول معلوم في الكتاب والسنة ولا يحتاج إلى اجتهاد لمعرفته

أصل الأصول لن نجيب نحن عنه؛ ولكن الذي يملك الحق في تحديد هذا الأصل هو الله سبحانه وتعالى، فإن الله عز وجل ما خلق هذا الخلق عبثاً؛ بل لحكمة عظيمة بيّنها الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد، يقول عز وجل: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الدخان:38-39]، ويقول سبحانه وتعالى: مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف:3]، والله عز وجل هو صاحب الحق الوحيد في أن يرينا الإجابة عن هذا السؤال: لماذا خلقنا الله؟ لماذا بعث الله الرسل؟ لماذا خلق هذا الكون؟ لماذا خلق الجنة والنار؟ وعلى أي أساس قسّم الناس إلى: متقين وفجار، ومؤمنين وكفار؟ فهو جل وعلا يقول: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، ويقول الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، هذا أسلوب حصر، حصر الحكمة والهدف من الخلق في أصل الأصول وهو عبادة الله وحده؛ لأن المقصود: (إلا ليعبدون) أي: ليعبدوني وحدي، ولا يعبدوا معي غيري، وهو توحيد الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58]، وقال عز وجل: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116]، ويقول عز وجل: أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36]، ويقول عز وجل: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:1-2].

بطلان قول من قال: إن أصل الأصول هو تأليف القلوب

لقد نشأت في هذا الزمان أفكار كثيرة، واختلفت كثير من الاتجاهات، فانحرف بعض الناس في تحديد أصل الأصول، وأهم المهم من قضايا الإسلام، فرأينا من يقول: إن أصل الأصول هو تأليف القلوب. كما هو معروف عند بعض الجماعات!!

فلو قلنا: إن هذا هو أصل الأصول فإنه ينبغي أن يُقدّم على غيره عند التعارض، فمثلاً: إذا رأوا رجلاً يقع في الشرك بالله، أو في الطواف بالقبور، أو غير ذلك من صور الشرك، فيقولون: أصل الأصول هو تأليف القلوب. فنقدم تأليف القلوب على إنكار هذا المنكر حتى لو كان شركاً؛ لكي تتألف القلوب ولا تتفرق!! فإن إثارة هذه القضايا وإنكارها على من يفعلها مما ينافي أصل الأصول.

فيبتدعون هذا الأصل، ويتحاكمون إليه بدل أن يتحاكموا إلى أصل الأصول الذي هو توحيد الله عز وجل.

بطلان قول من قال: إن أصل الأصول هو إقامة الحكومة الإسلامية

كذلك وجدنا كثيراً من الدعاة بل والمجاهدين في سبيل هذه الدعوة المباركة قد نشأ لديهم تصور انعكس منهم على قطاع عريض من الشباب المسلم، وقد فهم كثير من الشباب من كلام هؤلاء الدعاة أن أصل الأصول هو: إقامة الحكومة الإسلامية!! فيجعلون إقامة الحكومة الإسلامية هو غاية إرسال الرسل؛ بل إن من الدعاة الكبار وأهل الخير والفضل من جعل في بعض كتبه أن الغاية الأساسية من دعوة الرسل: إقامة الحكم الإسلامي، أو: إقامة الحكومة الإلهية أو الحكومة الإسلامية!! بل ويذهب إلى أن أصل الأصول وغاية الرسل هي إقامة الحكومة الإلهية، فيزعم أن الأنبياء انقسموا: فمنهم من استطاع أن يقيم الحكومة الإسلامية، ونجح في دعوته!! وذكر منهم محمداً صلى الله عليه وسلم، وموسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ومنهم من لم ينجح في تحقيق أصل الأصول، وهو الحكومة الإسلامية، وربما حاول التمهيد لإحداث انقلاب سياسي في الأمم من بعده!! ويذكر أمثلة كإبراهيم ونوح وغيرهما من الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.

مثل هذا الكلام ينبغي أن يراجع وأن يمحص في ضوء الكتاب والسنة، وأن نبين أين موقع قضية الحاكمية أو قضية السياسة بالنسبة لأصل الأصول الذي هو توحيد الله عز وجل.

الله عز وجل يقول: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173]، هذا وعد من الله سبحانه وتعالى أن كل الأنبياء وأتباعهم منتصرون، فلم ينهزم نبي، ولم يفشل في أن يحقق الهدف الذي بعثه الله به، قال الله عز وجل: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ [الصافات:171-172]، فالله لا يخلف وعده، فلابد أن الأنبياء انتصروا، ولابد أن جند الله غَلَبوا، ولابد أنهم حققوا الهدف الذي بعثهم الله من أجله، وهو أصل الأصول في هذا الدين، حتى نوح عليه السلام الذي مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ويأتي من يّدعي أن نوحاً لم يحقق هدفه من رسالته! وأنه فشل في تحقيق الهدف الأسمى، وهو الحكومة الإسلامية أو الدولة الإلهية! حتى نوح يقول الله عز وجل حاكياً عنه: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10]، وانتصر الله له، ونصره على الكافرين، وانتصر نوح، ولا شك في ذلك.

فهذا التعبير إنما نشأ عن غلبة الاتجاه السياسي والمفاهيم السياسية، ومحاولة حشرها وإعطائها الحجم الأكبر من قضايا الإسلام، بحيث يكون هو في تصور كثير من الشباب أصل الأصول، وقطب الرحى، وعمود هذا الدين.

لقد نشأت في هذا الزمان أفكار كثيرة، واختلفت كثير من الاتجاهات، فانحرف بعض الناس في تحديد أصل الأصول، وأهم المهم من قضايا الإسلام، فرأينا من يقول: إن أصل الأصول هو تأليف القلوب. كما هو معروف عند بعض الجماعات!! فلو قلنا: إن هذا هو أصل الأصول فإنه ينبغي أن يُقدّم على غيره عند التعارض، فمثلاً: إذا رأوا رجلاً يقع في الشرك بالله، أو في الطواف بالقبور، أو غير ذلك من صور الشرك، فيقولون: أصل الأصول هو تأليف القلوب. فنقدم تأليف القلوب على إنكار هذا المنكر حتى لو كان شركاً؛ لكي تتألف القلوب ولا تتفرق!! فإن إثارة هذه القضايا وإنكارها على من يفعلها مما ينافي أصل الأصول. فيبتدعون هذا الأصل، ويتحاكمون إليه بدل أن يتحاكموا إلى أصل الأصول الذي هو توحيد الله عز وجل.

كذلك وجدنا كثيراً من الدعاة بل والمجاهدين في سبيل هذه الدعوة المباركة قد نشأ لديهم تصور انعكس منهم على قطاع عريض من الشباب المسلم، وقد فهم كثير من الشباب من كلام هؤلاء الدعاة أن أصل الأصول هو: إقامة الحكومة الإسلامية!! فيجعلون إقامة الحكومة الإسلامية هو غاية إرسال الرسل؛ بل إن من الدعاة الكبار وأهل الخير والفضل من جعل في بعض كتبه أن الغاية الأساسية من دعوة الرسل: إقامة الحكم الإسلامي، أو: إقامة الحكومة الإلهية أو الحكومة الإسلامية!! بل ويذهب إلى أن أصل الأصول وغاية الرسل هي إقامة الحكومة الإلهية، فيزعم أن الأنبياء انقسموا: فمنهم من استطاع أن يقيم الحكومة الإسلامية، ونجح في دعوته!! وذكر منهم محمداً صلى الله عليه وسلم، وموسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ومنهم من لم ينجح في تحقيق أصل الأصول، وهو الحكومة الإسلامية، وربما حاول التمهيد لإحداث انقلاب سياسي في الأمم من بعده!! ويذكر أمثلة كإبراهيم ونوح وغيرهما من الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام. مثل هذا الكلام ينبغي أن يراجع وأن يمحص في ضوء الكتاب والسنة، وأن نبين أين موقع قضية الحاكمية أو قضية السياسة بالنسبة لأصل الأصول الذي هو توحيد الله عز وجل. الله عز وجل يقول: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173]، هذا وعد من الله سبحانه وتعالى أن كل الأنبياء وأتباعهم منتصرون، فلم ينهزم نبي، ولم يفشل في أن يحقق الهدف الذي بعثه الله به، قال الله عز وجل: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ [الصافات:171-172]، فالله لا يخلف وعده، فلابد أن الأنبياء انتصروا، ولابد أن جند الله غَلَبوا، ولابد أنهم حققوا الهدف الذي بعثهم الله من أجله، وهو أصل الأصول في هذا الدين، حتى نوح عليه السلام الذي مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ويأتي من يّدعي أن نوحاً لم يحقق هدفه من رسالته! وأنه فشل في تحقيق الهدف الأسمى، وهو الحكومة الإسلامية أو الدولة الإلهية! حتى نوح يقول الله عز وجل حاكياً عنه: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10]، وانتصر الله له، ونصره على الكافرين، وانتصر نوح، ولا شك في ذلك. فهذا التعبير إنما نشأ عن غلبة الاتجاه السياسي والمفاهيم السياسية، ومحاولة حشرها وإعطائها الحجم الأكبر من قضايا الإسلام، بحيث يكون هو في تصور كثير من الشباب أصل الأصول، وقطب الرحى، وعمود هذا الدين.

أصل الأصول لن نجيب نحن عنه؛ ولكن الذي يملك الحق في تحديد هذا الأصل هو الله سبحانه وتعالى، فإن الله عز وجل ما خلق هذا الخلق عبثاً؛ بل لحكمة عظيمة بيّنها الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد، يقول عز وجل: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الدخان:38-39]، ويقول سبحانه وتعالى: مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف:3]، والله عز وجل هو صاحب الحق الوحيد في أن يرينا الإجابة عن هذا السؤال: لماذا خلقنا الله؟ لماذا بعث الله الرسل؟ لماذا خلق هذا الكون؟ لماذا خلق الجنة والنار؟ وعلى أي أساس قسّم الناس إلى: متقين وفجار، ومؤمنين وكفار؟ فهو جل وعلا يقول: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، ويقول الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، هذا أسلوب حصر، حصر الحكمة والهدف من الخلق في أصل الأصول وهو عبادة الله وحده؛ لأن المقصود: (إلا ليعبدون) أي: ليعبدوني وحدي، ولا يعبدوا معي غيري، وهو توحيد الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58]، وقال عز وجل: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116]، ويقول عز وجل: أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36]، ويقول عز وجل: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:1-2].

لقد نشأت في هذا الزمان أفكار كثيرة، واختلفت كثير من الاتجاهات، فانحرف بعض الناس في تحديد أصل الأصول، وأهم المهم من قضايا الإسلام، فرأينا من يقول: إن أصل الأصول هو تأليف القلوب. كما هو معروف عند بعض الجماعات!!

فلو قلنا: إن هذا هو أصل الأصول فإنه ينبغي أن يُقدّم على غيره عند التعارض، فمثلاً: إذا رأوا رجلاً يقع في الشرك بالله، أو في الطواف بالقبور، أو غير ذلك من صور الشرك، فيقولون: أصل الأصول هو تأليف القلوب. فنقدم تأليف القلوب على إنكار هذا المنكر حتى لو كان شركاً؛ لكي تتألف القلوب ولا تتفرق!! فإن إثارة هذه القضايا وإنكارها على من يفعلها مما ينافي أصل الأصول.

فيبتدعون هذا الأصل، ويتحاكمون إليه بدل أن يتحاكموا إلى أصل الأصول الذي هو توحيد الله عز وجل.

كذلك وجدنا كثيراً من الدعاة بل والمجاهدين في سبيل هذه الدعوة المباركة قد نشأ لديهم تصور انعكس منهم على قطاع عريض من الشباب المسلم، وقد فهم كثير من الشباب من كلام هؤلاء الدعاة أن أصل الأصول هو: إقامة الحكومة الإسلامية!! فيجعلون إقامة الحكومة الإسلامية هو غاية إرسال الرسل؛ بل إن من الدعاة الكبار وأهل الخير والفضل من جعل في بعض كتبه أن الغاية الأساسية من دعوة الرسل: إقامة الحكم الإسلامي، أو: إقامة الحكومة الإلهية أو الحكومة الإسلامية!! بل ويذهب إلى أن أصل الأصول وغاية الرسل هي إقامة الحكومة الإلهية، فيزعم أن الأنبياء انقسموا: فمنهم من استطاع أن يقيم الحكومة الإسلامية، ونجح في دعوته!! وذكر منهم محمداً صلى الله عليه وسلم، وموسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ومنهم من لم ينجح في تحقيق أصل الأصول، وهو الحكومة الإسلامية، وربما حاول التمهيد لإحداث انقلاب سياسي في الأمم من بعده!! ويذكر أمثلة كإبراهيم ونوح وغيرهما من الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.

مثل هذا الكلام ينبغي أن يراجع وأن يمحص في ضوء الكتاب والسنة، وأن نبين أين موقع قضية الحاكمية أو قضية السياسة بالنسبة لأصل الأصول الذي هو توحيد الله عز وجل.

الله عز وجل يقول: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173]، هذا وعد من الله سبحانه وتعالى أن كل الأنبياء وأتباعهم منتصرون، فلم ينهزم نبي، ولم يفشل في أن يحقق الهدف الذي بعثه الله به، قال الله عز وجل: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ [الصافات:171-172]، فالله لا يخلف وعده، فلابد أن الأنبياء انتصروا، ولابد أن جند الله غَلَبوا، ولابد أنهم حققوا الهدف الذي بعثهم الله من أجله، وهو أصل الأصول في هذا الدين، حتى نوح عليه السلام الذي مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ويأتي من يّدعي أن نوحاً لم يحقق هدفه من رسالته! وأنه فشل في تحقيق الهدف الأسمى، وهو الحكومة الإسلامية أو الدولة الإلهية! حتى نوح يقول الله عز وجل حاكياً عنه: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10]، وانتصر الله له، ونصره على الكافرين، وانتصر نوح، ولا شك في ذلك.

فهذا التعبير إنما نشأ عن غلبة الاتجاه السياسي والمفاهيم السياسية، ومحاولة حشرها وإعطائها الحجم الأكبر من قضايا الإسلام، بحيث يكون هو في تصور كثير من الشباب أصل الأصول، وقطب الرحى، وعمود هذا الدين.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة اسٌتمع
قصتنا مع اليهود 2627 استماع
دعوى الجاهلية 2562 استماع
شروط الحجاب الشرعي 2560 استماع
التجديد في الإسلام 2514 استماع
تكفير المعين وتكفير الجنس 2505 استماع
محنة فلسطين [2] 2466 استماع
انتحار أم استشهاد 2438 استماع
تفسير آية الكرسي 2404 استماع
وإن عدتم عدنا 2395 استماع
الموت خاتمتك أيها الإنسان 2394 استماع