محاسنُ سننِ ابن ماجه وفوائده...!
مدة
قراءة المادة :
14 دقائق
.
لم يكن معدودا في ( الكتب الستة ) حتى جاء ابن طاهر المقدسي رحمه الله فضمه لكثرة زوائده عليهم، فقد صنف وزاد، وأجاد ورتب، وسبق بمقدمة لطيفة جميلة عن السنة وفضلها...
نعم هو الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه الربَعي القَزويني الحافظ رحمه الله (٢٧٣)هـ .
( وماجه) لقب لوالده وتُكتب بالهاء وصلا ووقفا مثل: سِيده ومَنده، وهذا اختيار العلامة ابن خَلّكان رحمه الله، وجوّز بعضهم التاء فيها..
وهنا ملامح وتنبيهات :
١/ المقدمة النفيسة : قال العلامة السيوطي رحمه الله في شرح سنن ابن ماجه : ( وهذا أحسن بالترتيب حيث بدأ بأبواب اتباع السنة، إشارة إلى أن التصنيف في جمع السنن، أمر لا بد منه، وتنبيها للطالب على أن الأخذ بهذه السنن من الواجبات الدينية، ثم عقب هذه الأبواب، أبواب العقائد من الإيمان والقدر، لأنها أول الواجبات على المكلف، ثم عقب بفضائل الصحابة لأنهم مبلغوا السنن إلينا فما لم يثبت عدالتهم لا يتم لنا العلم بالسنن والأحكام..).
وهي حرية بالشرح والتعليق من مشايخ الحديث .
٢/ حسن الترتيب : قال ابن طاهر رحمه الله : ( ولعمري إن كتاب أبي عبد الله ابن ماجه، من نظر فيه علم مزية الرجل من حسن الترتيب، وغزارة الأبواب، وقلة الأحاديث، وترك التكرار، ولا يوجد فيه من النوازل والمقاطيع والمراسيل والرواية عن المجروحين ، إلا قدر ما أشار إليه أبو زرعة، وهذا الكتاب وإن لم يشتهر عند أكثر الفقهاء، فإن له بالري وماوالاها شأن عظيم، عليه اعتمادهم، وله عندهم طرق كثيرة...).
٣/ جامع جيد: قال ابن حجر رحمه الله : ( وكتابه السنن جامع جيد كثير الأبواب والغرائب ) .
وقال ابن كثير : ( صاحب السنن المشهورة ، وهي دالة على علمه وعمله , وتبحره وإطلاعه ، وإتباعه للسنة في الأصول والفروع , ويشتمل على (٣٢) كتاباً ، وعلى (١٥٠٠ ) باب ، وعلى (٤٠٠٠ ) حديث كلها جياد، سوى اليسيرة..).
٤/ مفاريده : قال الحافظ رحمه الله:( كتابه في السنن جامع جيد , كثير الأبواب والغرائب , وفيه أحاديث ضعيفة جداً حتى بلغني أن المزي كان يقول : مهما انفرد بخبر فيه هو ضعيف غالباً .
وليس الأمر على إطلاقه باستقرائي , وفي الجملة ففيه أحاديث منكرة ، والله تعالى المستعان ،ثم وجدت بخط الحافظ شمس الدين محمد بن علي الحسيني ما لفظه ، سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول: كل ما انفرد به ابن ماجة فهو ضعيف، يعني بذلك ما انفرد به من الحديث عن الائمة الخمسة انتهى ما وجدته بخطه..
ولهو القائل يعني وكلامه هو ظاهر كلام شيخه، لكن حمله على الرجال أولى، وأما حمله على أحاديث فلا يصح..).
ومن مفاريده الصحيحة :( لا يزال الله يغرس لهذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته ).
وحديث ( طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم ).
أي مما لا يسع المسلم جهله، وحديث : ( أقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم ).
وحديث: ( الْمَهْدِيُّ مِنَّا - أَهْلَ الْبَيْتِ - يُصْلِحُهُ اللَّهُ فِي لَيْلَةٍ ) .
وغيرها ويعدها بعضهم بالمئات...!
قال الناظم:وبالغ المزيُّ فيما انفردا / وضعّف الكل وما ترددا
والحق حملُه على الرجالِ/ والغرس والمهديُّ كالمثالِوفِي إحصاء لبعض المعاصرين أفاد :
- أن ابن ماجه رحمه الله تعالى قد انفرد بـ (١٣٣٩) حديثاً
- الصحيح منها (٤٢٨) حديثاً
- والحسن (١٩٩) حديثاً
- أما الضعيف فبلغ (٦١٣) حديثاً
- والواهي والمنكر والموضوع (٩٩) حديثاً ، والله أعلم .
٥/ النفع الفقهي : قال العلامة ابن الأثير رحمه الله :( كتابه ، كتاب مفيد قوي النفع في الفقه ، لكن فيه أحاديث ضعيفة جدا ، بل منكرة ).
فيستفيد الطالب منه المهارة الفقهية، وفن التبويب الباعث على التفقه، ودقة الاستنباط ولذلك أمثلة منها:
مثلا: قوله في كتاب (الصيد ) (باب قَتْلُ الْكِلَابِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ)
وساق حديث عبدالله بن مغفل رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، ثُمَّ قَالَ : " مَا لَهُمْ وَلِلْكِلَابِ ".
ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ.
وكأنه بهذا يجيب على حديث عنده وعند أبي داود ( لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ، لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا كُلِّهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ ).
ونحو: باب إذا أُذن وأنت في المسجد فلا تخرج في كتاب (الأذان والسنة فيها ).
وساق حديث ( أَبِي الشَّعْثَاءِ ، قَالَ : كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يَمْشِي ، فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
وفِي كتاب التجارات ( باب من كره أن يسعّر ) وساق حديث أنس رضي الله عنه : غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ غَلَا السِّعْرُ، فَسَعِّرْ لَنَا.
فَقَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ، الرَّازِقُ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ ) .
وفِي كتاب المناسك ( باب من قال كان فسخ الحج لهم خاصة )
وساق حديث أبي ذر رضي الله عنه قَالَ : ( كَانَتِ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً )
مشيرا بذلك إلى الخلاف القوي في المسألة .
٦/ مزاياه : علاوة على مقدمته الرائعة تلحظ فيه :
• حسن ترتيبه.
• اختصاره الأحاديث .
• تجريده في المرفوعات فقط.
• أسانيده العالية .
• كثرة التبويب .
• كثرة زوائده على الخمسة، وهو ما قدمه على موطأ مالك رحم الله الجميع .
٧/ منهجه في الكتاب: هو سنن أفرده في ( الأحكام ) قسّم الكتاب ك كتابه سبعة وثلاثين كتاباً عدا المقدمة، وبلغ عدد أبوابه ألفاً وخمسمائة وخمسة عشر باباً، وأما عدد الأحاديث فبلغ أربعة آلاف وثلاثمائة وواحد وأربعين حديثاً.
وطريقته جارية على الاختصار في المتون والتبويب لها، وتراجمه غالبا ظاهرة، وتعليقاته شحيحة، والموقوفات عزيزة عنده ، وقد يعلل احيانا أو يفسر الغريب، ولكنه قليل، ولَم يصنع صنيع الترمذي مثلا، في الحكم على الأحاديث ونقل كلام المحتجين بها .
٨/ تعداده : بلغت أحاديث ابن ماجه (٤٣٤١) حديثاً، منها(٣٠٠٢) أخرجها باقي أصحاب الكتب الستة كلهم أو بعضهم.
ومنها(١٣٣٩) تفرد بها ابن ماجه عن باقي أصحاب الكتب الستة وهي زوائده .
وهذه الزوائد فيها الصحيح والحسن والضعيف والمنكر والموضوع، وقيل كل زوائده ضعيفة، والقول الأول أصح.
وقد اعتنى بزوائده الحافظ شهاب الدين البوصيري في كتاب مصباح الزجاجة على زوائد ابن ماجه..!
وافتتح الكتاب بالتقدمة كما أسلفنا، ثم تلاها : ( كتاب الطهارة وسننها ) باب ( ما جاء في مقدار الماء من الوضوء ) وساق حديث سفينة المدني-مولى رسول الله- رضي الله عنه قَالَ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بالمد، ويغتسل بالصاع ).
وختم ( بكتاب الزهد ) باب صفة الجنة وحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه(٤٣٤١) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم : ( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا لَهُ مَنْزِلَانِ : منزل فِي الجنة، وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَإِذَا مَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ وَرِثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { { أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} } ) .
٩/ ثلاثياته : وهي أسانيده العالية
وعددها خمسة (٥) ، وكلها رويت من طريق شيخه (جُبارة بن مغلِّس : ٢٤١هـ) قال الذهبي وابن حجر في تعديله : ضعيف ) ، ولولا ضعف شيخه جبارة لارتفعت منزلة سننه بهذه الثلاثيات ، ولكنها صحت لوردوها من طرق أخرى
١٠/ موضوعاته : قال أبو زرعة لإبن ماجه: ( لعله لايكون فيه تمام ثلاثين حديثاً مما في إسناده ضعف ) ، وقال الذهبي معلقاً في السير : ( قول أبي زرعة إن صح، فإنما عنى بالثلاثين الأحاديث المطروحة الساقطة، وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة فكثيرة، لعلها نحو الألف ) .
وقال الدكتور محمد مطر الزهراني في كتابه تدوين السنة : ( سنن ابن ماجه انحطت رتبته عن الخمسة لتساهله في أحاديث قوم من المجاهيل والمتهمين، بل وفيهم بعض الكذابين ..).
وقد تقدم إحصاؤها من قبل بعض المعاصرين وهو الاستاذ محمد فؤاد عبد الباقي وأوصلها إلى (٩٩) حديثا ، ومنها:
• حديث فضل قَزوين ( ٢٧٨٠) : عَنْ أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمُ الْآفَاقُ، وَسَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مَدِينَةٌ يُقَالُ لَهَا : قَزْوِينُ ؛ مَنْ رَابَطَ فِيهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً كَانَ لَهُ فِي الْجَنَّةِ عَمُودٌ مِنْ ذَهَبٍ، عَلَيْهِ زَبَرْجَدَةٌ خَضْرَاءُ ، عَلَيْهَا قُبَّةٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مِصْرَاعٍ مِنْ ذَهَبٍ، عَلَى كُلِّ مِصْرَاعٍ زَوْجَةٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ) .
قال ابن الجوزي رحمه الله في ( الموضوعات ): هذا الحديث موضوع لا شك فيه، ولا أتهم بوضع هذا الحديث غير يزيد بن أبان...
والعجب من ابن ماجه، مع علمه كيف استحل أن يذكر هذا الحديث في كتاب السنن ولا يتكلم عليه..؟!
• وحديث عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ، وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ ).
قَالَ أَبُو الصَّلْتِ : لَوْ قُرِئَ هَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى مَجْنُونٍ لَبَرَأَ.
وآفته من أبي الصلت هذا، كذبه النسائي والدارقطني وغيرهما، ولَم يغن عنه صلاحه في الرواية، وتعليقه من عجائب الصالحين .
• وحديث عائشة رضي الله عنها في الخل ( اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي الْخَلِّ ؛ فَإِنَّهُ كَانَ إِدَامَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي، وَلَمْ يَفْتَقِرْ بَيْتٌ فِيهِ خَلٌّ ).
موضوع أيضا .
• وحديث ابن عباس مرفوعا : ( فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ) وقد جزم الشيخ الألباني وحمه الله بوضعه .
وغيرها من المرويات الموضوعة المنكرة .
١١/ شروحه : لم يخدم كما ينبغي، وأشهر ذلك حاشيتان خفيفتان جدا هما، كان المعول عليها قديما بين طلاب العلم :
• مصباح الزجاجة للسيوطي.
• كفاية الحاجة للسندي رحمهما الله .
• ثم طبع مؤخرا شرح علاء الدين مُغَلْطاي الحنفي رحمه الله في (٥) مجلدات سنة( ١٤١٩) هـ ، طباعة نزار الباز بمكة المكرمة .
واسمه( الإعلام بسنته عليه الصلاة والسلام ).
• إهداء الديباجة في (٥ ) مجلدات : للشيخ صفاء العدوي، وضمنه أحكام المحدث الألباني، من منشورات دار اليقين .
• مشارق الأنوار الوهاجة للشيخ محمد علي الإتيوبي في(٤) مجلدات ، وهما معاصران .