شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [8]


الحلقة مفرغة

شرح حديث عائشة: ( أن النبي قبّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ )

قال المصنف رحمه الله: [ باب: ما جاء في تَرك الوضوء من القبلة.

حدثنا قتيبة وهناد وأبو كريب وأحمد بن منيع ومحمود بن غيلان وأبو عمار الحسين بن حريث قالوا: حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، قال: قلت: من هي إلا أنت؟ قال: فضحكت).

قال أبو عيسى: وقد روي نحو هذا عن غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، قالوا: ليس في القبلة وضوء.

وقال مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق: في القبلة وضوء، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ].

قلت: لأن القبلة مس، فالقبلة بالفم مس للمرأة، وفاعل ذلك ينتقض وضوؤه عند الشافعية والحنابلة، وكذلك ينتقض وضوؤه إذا كان عن شهوة، والمعروف أن القبلة إنما تكون عن شهوة، والصواب أن المس لا ينقض الوضوء، سواء أكان عن شهوة أم عن غير شهوة، إلا إذا خرج منه شيء فإنه ينتقض الوضوء، وأما قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43] فالمراد به الجماع.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا لأنه لا يصح عندهم؛ لحال الإسناد ].

قال صاحب (تحفة الأحوذي): فهو ضعيف، لكن قال الشوكاني في (النيل): الضعيف منجبر بكثرة رواياته، وبحديث لمس عائشة رضي الله عنها لبطن قدم النبي صلى الله عليه وسلم، والاعتذار عن حديث عائشة في لمسها لقدمه بما ذكره ابن حجر في (الفتح) من أن اللمس يحتمل أنه كان بحائل، أو أن ذلك خاص به تكلف ومخالفة للظاهر. انتهى كلامه.

وهذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة .

قال صاحب (تحفة الأحوذي): قوله: (عن عروة) قال الحافظ الزيلعي في (نصب الراية): لم ينسب الترمذي عروة في هذا الحديث أصلاً، وأما ابن ماجة فإنه نسبه فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير عن عائشة فذكره، وكذلك رواه الدارقطني ، ورجال هذا السند كلهم ثقات. انتهى

وكذلك قال الحافظ ابن حجر ، وقال: وأيضاً فالسؤال الذي في رواية أبي داود ظاهر في أنه ابن الزبير ؛ لأن المزني -يعني عروة المزني - لا يجسر أن يقول ذلك الكلام لـعائشة . انتهى كلام الحافظ .

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا؛ لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد، قال: وسمعت أبا بكر العطار البصري يذكر عن علي بن المديني قال: ضعف يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث جداً، وقال: هو شبه لا شيء، قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث، وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة ].

قال صاحب (تحفة الأحوذي): قوله: (وقال: هو شبه لا شيء) يعني أنه ضعيف، والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة .

قال ابن أبي حاتم في كتاب (المراسيل): ذكر أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال: لم يسمع حبيب بن أبي ثابت عن عروة ، وكذلك قال أحمد : لم يسمع من عروة . انتهى.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقد روي عن إبراهيم التيمي عن عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ)، وهذا لا يصح أيضاً، ولا نعرف لـإبراهيم التيمي سماعاً من عائشة ، وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء ].

قلت: حبيب بن أبي ثابت ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس، كما في (التقريب).

وقد اختلف في عروة هذا هل هو ابن الزبير أو المزني ، والصواب أنه عروة بن الزبير ؛ لأن عروة المزني لا يجرؤ على أن يسأل عائشة هذا السؤال.

وقال أبو داود : ولقد ثبت في أحاديث أخر أن حبيب بن أبي ثابت يروي عن عروة بن الزبير.

قال المصنف رحمه الله: [ باب: ما جاء في تَرك الوضوء من القبلة.

حدثنا قتيبة وهناد وأبو كريب وأحمد بن منيع ومحمود بن غيلان وأبو عمار الحسين بن حريث قالوا: حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، قال: قلت: من هي إلا أنت؟ قال: فضحكت).

قال أبو عيسى: وقد روي نحو هذا عن غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، قالوا: ليس في القبلة وضوء.

وقال مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق: في القبلة وضوء، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ].

قلت: لأن القبلة مس، فالقبلة بالفم مس للمرأة، وفاعل ذلك ينتقض وضوؤه عند الشافعية والحنابلة، وكذلك ينتقض وضوؤه إذا كان عن شهوة، والمعروف أن القبلة إنما تكون عن شهوة، والصواب أن المس لا ينقض الوضوء، سواء أكان عن شهوة أم عن غير شهوة، إلا إذا خرج منه شيء فإنه ينتقض الوضوء، وأما قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43] فالمراد به الجماع.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا لأنه لا يصح عندهم؛ لحال الإسناد ].

قال صاحب (تحفة الأحوذي): فهو ضعيف، لكن قال الشوكاني في (النيل): الضعيف منجبر بكثرة رواياته، وبحديث لمس عائشة رضي الله عنها لبطن قدم النبي صلى الله عليه وسلم، والاعتذار عن حديث عائشة في لمسها لقدمه بما ذكره ابن حجر في (الفتح) من أن اللمس يحتمل أنه كان بحائل، أو أن ذلك خاص به تكلف ومخالفة للظاهر. انتهى كلامه.

وهذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة .

قال صاحب (تحفة الأحوذي): قوله: (عن عروة) قال الحافظ الزيلعي في (نصب الراية): لم ينسب الترمذي عروة في هذا الحديث أصلاً، وأما ابن ماجة فإنه نسبه فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير عن عائشة فذكره، وكذلك رواه الدارقطني ، ورجال هذا السند كلهم ثقات. انتهى

وكذلك قال الحافظ ابن حجر ، وقال: وأيضاً فالسؤال الذي في رواية أبي داود ظاهر في أنه ابن الزبير ؛ لأن المزني -يعني عروة المزني - لا يجسر أن يقول ذلك الكلام لـعائشة . انتهى كلام الحافظ .

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا؛ لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد، قال: وسمعت أبا بكر العطار البصري يذكر عن علي بن المديني قال: ضعف يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث جداً، وقال: هو شبه لا شيء، قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث، وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة ].

قال صاحب (تحفة الأحوذي): قوله: (وقال: هو شبه لا شيء) يعني أنه ضعيف، والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة .

قال ابن أبي حاتم في كتاب (المراسيل): ذكر أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال: لم يسمع حبيب بن أبي ثابت عن عروة ، وكذلك قال أحمد : لم يسمع من عروة . انتهى.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقد روي عن إبراهيم التيمي عن عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ)، وهذا لا يصح أيضاً، ولا نعرف لـإبراهيم التيمي سماعاً من عائشة ، وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء ].

قلت: حبيب بن أبي ثابت ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس، كما في (التقريب).

وقد اختلف في عروة هذا هل هو ابن الزبير أو المزني ، والصواب أنه عروة بن الزبير ؛ لأن عروة المزني لا يجرؤ على أن يسأل عائشة هذا السؤال.

وقال أبو داود : ولقد ثبت في أحاديث أخر أن حبيب بن أبي ثابت يروي عن عروة بن الزبير.

شرح حديث: (قاء فأفطر فتوضأ ....)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف.

حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر -وهو أحمد بن عبد الله الهمداني الكوفي- وإسحاق بن منصور -قال أبو عبيدة : حدثنا وقال إسحاق: أخبرنا- عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يعيش بن الوليد المخزومي عن أبيه عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر فتوضأ، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له، فقال: صدق، أنا صببت له وضوءه) ].

قال أبو عيسى : وقال إسحاق بن منصور : معدان بن طلحة .

قال أبو عيسى : وابن أبي طلحة أصح ].

قال أبو عيسى : وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين الوضوء من القيء والرعاف، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق .

وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرعاف وضوء، وهو قول مالك والشافعي.

وقد جود حسين المعلم هذا الحديث، وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب، وروى معمر هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير فأخطأ فيه فقال: عن يعيش بن الوليد عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء، ولم يذكر فيه الأوزاعي، وقال: عن خالد بن معدان ، وإنما هو معدان بن أبي طلحة ].

وهذا -إن صح- محمول على تعمد القيء، وأنه قد يكون مريضاً، والمريض له أن يتقيأ إن كان مضطراً حتى يزول ما يحس به من التعب والألم، أما إن عصر بطنه، أو أدخل أصابعه في حلقه فتقيأ متعمداً فهذا يفطر.

وأما إذا غلبه القيء وذرعه فلا يفطر، وفي الحديث: (من استقاء عمداً فليقض، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه).

قال الشارح رحمه الله تعالى: وأورده الحافظ في التلخيص بهذا اللفظ، حيث قال: حديث أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر رواه أحمد وأصحاب السنن الثلاثة وابن الجارود وابن حبان والدارقطني والبيهقي والطبراني وابن منده والحاكم من حديث معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر.

قال معدان: فلقيت ثوبان في مسجد دمشق ... إلخ، ورواه الطحاوي بهذا اللفظ في شرح الآثار.

فمن يروم الاستدلال بحديث الباب على أن القيء ناقض للوضوء لا بد له من أن يثبت أن لفظ (توضأ) بعد لفظ (قاء) محفوظ، فما لم يثبت هذان الأمران لا يتم الاستدلال.

وقال الشارح: قلت: الاستدلال بحديث الباب موقوف على أمرين: الأول: أن تكون الفاء في (فتوضأ) للسببية، وهو ممنوع كما عرفت، والثاني: أن يكون لفظ (فتوضأ) بعد لفظ (قاء) محفوظاً، وهو محل تأمل، فإنه روى أبو داود هذا الحديث بلفظ (قاء فأفطر)، وبهذا اللفظ ذكر الترمذي في كتاب الصيام حيث قال: وروي عن أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر.

قال: وإنما معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صائماً فقاء، فضعف (فأفطر) لذلك ].

إذاً: المحفوظ في الصيام بلفظ قاء فأفطر، أما (فتوضأ) ففي ثبوتها نظر، ويحتمل أنه توضأ بعد ذلك لسبب آخر غير القيء، وقد تكون فاء (فتوضأ) للسببية، أي: قاء فتوضأ من أجل القيء، فإذا ثبت أن الفاء سببية صار القيء يوجب الوضوء، وفي ثبوتها نظر، لكن في الصيام يحمل على أنه تقيأ متعمداً فأفطر، أما وجوب الوضوء ففيه نظر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف.

حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر -وهو أحمد بن عبد الله الهمداني الكوفي- وإسحاق بن منصور -قال أبو عبيدة : حدثنا وقال إسحاق: أخبرنا- عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يعيش بن الوليد المخزومي عن أبيه عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر فتوضأ، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له، فقال: صدق، أنا صببت له وضوءه) ].

قال أبو عيسى : وقال إسحاق بن منصور : معدان بن طلحة .

قال أبو عيسى : وابن أبي طلحة أصح ].

قال أبو عيسى : وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين الوضوء من القيء والرعاف، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق .

وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرعاف وضوء، وهو قول مالك والشافعي.

وقد جود حسين المعلم هذا الحديث، وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب، وروى معمر هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير فأخطأ فيه فقال: عن يعيش بن الوليد عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء، ولم يذكر فيه الأوزاعي، وقال: عن خالد بن معدان ، وإنما هو معدان بن أبي طلحة ].

وهذا -إن صح- محمول على تعمد القيء، وأنه قد يكون مريضاً، والمريض له أن يتقيأ إن كان مضطراً حتى يزول ما يحس به من التعب والألم، أما إن عصر بطنه، أو أدخل أصابعه في حلقه فتقيأ متعمداً فهذا يفطر.

وأما إذا غلبه القيء وذرعه فلا يفطر، وفي الحديث: (من استقاء عمداً فليقض، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه).

قال الشارح رحمه الله تعالى: وأورده الحافظ في التلخيص بهذا اللفظ، حيث قال: حديث أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر رواه أحمد وأصحاب السنن الثلاثة وابن الجارود وابن حبان والدارقطني والبيهقي والطبراني وابن منده والحاكم من حديث معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر.

قال معدان: فلقيت ثوبان في مسجد دمشق ... إلخ، ورواه الطحاوي بهذا اللفظ في شرح الآثار.

فمن يروم الاستدلال بحديث الباب على أن القيء ناقض للوضوء لا بد له من أن يثبت أن لفظ (توضأ) بعد لفظ (قاء) محفوظ، فما لم يثبت هذان الأمران لا يتم الاستدلال.

وقال الشارح: قلت: الاستدلال بحديث الباب موقوف على أمرين: الأول: أن تكون الفاء في (فتوضأ) للسببية، وهو ممنوع كما عرفت، والثاني: أن يكون لفظ (فتوضأ) بعد لفظ (قاء) محفوظاً، وهو محل تأمل، فإنه روى أبو داود هذا الحديث بلفظ (قاء فأفطر)، وبهذا اللفظ ذكر الترمذي في كتاب الصيام حيث قال: وروي عن أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر.

قال: وإنما معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صائماً فقاء، فضعف (فأفطر) لذلك ].

إذاً: المحفوظ في الصيام بلفظ قاء فأفطر، أما (فتوضأ) ففي ثبوتها نظر، ويحتمل أنه توضأ بعد ذلك لسبب آخر غير القيء، وقد تكون فاء (فتوضأ) للسببية، أي: قاء فتوضأ من أجل القيء، فإذا ثبت أن الفاء سببية صار القيء يوجب الوضوء، وفي ثبوتها نظر، لكن في الصيام يحمل على أنه تقيأ متعمداً فأفطر، أما وجوب الوضوء ففيه نظر.

شرح حديث الوضوء بالنبيذ

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الوضوء بالنبيذ:

حدثنا هناد حدثنا شريك عن أبي فزارة عن أبي زيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (سألني النبي صلى الله عليه وسلم: ما في إداوتك؟ فقلت: نبيذ، فقال: تمرة طيبة وماء طهور، قال: فتوضأ منه).

قال أبو عيسى: وإنما روي هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم.

و أبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث لا تعرف له رواية غير هذا الحديث ].

هذا حديث ضعيف رواه الإمام أحمد أيضاً في المسند، وقال: لا يعمل به ولا يصح العمل به، والنبيذ هو العصير، والعصير لا يتوضأ به؛ لأنه ليس ماءً مطلقاً، وإنما هو مقيد، والله تعالى يقول: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، ويقال له: ماء نبيذ، والماء المقيد يسلب عنه اسم الماء المطلق إذا كان معصوراً مع بعض الأشجار، أو الفواكه، أو كان فيه لبن أو ما أشبه ذلك فتغير اسمه، أي: سلب الاسم بسب اختلاطه بشيء آخر، فلا يصح الوضوء به.

والسند فيه أبو زيد، وهو مجهول، وشريك، وهو شريك القاضي ساء حفظه لما تولى القضاء.

أقوال العلماء في الوضوء بالنبيذ

قال الشارح رحمه الله تعالى: وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ، منهم: سفيان الثوري وغيره.

وهذا ضعيف، وأظنه مذهب الأحناف.

قال: وقال بعض أهل العلم: لا يتوضأ بالنبيذ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق.

قلت: وهو الصواب؛ لأنه ليس ماءً مطلقاً وإنما هو ماء مقيد، ولا يتوضأ إلا بالماء المطلق، أما المقيد -كعصير الأشجار وعصير الفواكه، والماء الذي اختلط باللبن أو صب فيه حبر فتغير، وصار لا يسمى ماءً إلا بالقيد- فلا يتوضأ به.

قال: وقال إسحاق : إن ابتلي رجل بهذا فتوضأ بالنبيذ وتيمم أحب إلي.

قلت: لأنه مشكوك فيه، أي: توضأ بالنبيذ ثم تيمم لأنه شاك؛ فيتيمم من باب الاحتياط؛ لاحتمال أنه لا يجوز الوضوء به فيجمع بين الأمرين.

والصواب أنه إذا لم يجد ماء تيمم، فإن كان عنده عصير فواكه ولم يجد ماء فلا يتوضأ من العصير، بل يتيمم.

قال رحمه الله تعالى: [ قال أبو عيسى : وقول من يقول: لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب وأشبه؛ لأن الله تعالى قال: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43] ].

والحديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة.

قال الشارح رحمه الله تعالى: قوله: (وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ، منهم سفيان وغيره) ومنهم أبو حنيفة، قال في شرح الوقاية: فإن عدم الماء إلا نبيذ التمر، قال أبو حنيفة بالوضوء به فقط، وأبو يوسف بالتيمم فحسب، ومحمد بهما، انتهى.

واستدل لهم بحديث عبد الله بن مسعود المذكور في الباب، وقد عرفت أنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج، وروي أن الإمام أبا حنيفة رجع إلى قول أبي يوسف ، قال القاري في المرقاة: وفي (خزانة الأكمل) قال: التوضؤ بنبيذ التمر جائز من بين سائر الأشربة عند عدم الماء، ويتيمم معه عند أبي حنيفة، وبه أخذ محمد، وفي رواية عنه: يتوضأ ولا يتيمم، وفي رواية: يتيمم ولا يتوضأ. وبه أخذ أبو يوسف وروى نوح الجامع أن أبا حنيفة رجع إلى هذا القول، انتهى.

وقال العيني في شرح البخاري (ص849، ج1) ما لفظه: وفي أحكام القرآن لـأبي بكر الرازي عن أبي حنيفة في ذلك ثلاث روايات: إحداها: يتوضأ به ويشترط فيه النية ولا يتيمم، وهذه هي المشهورة.

قال قاضي خان : هو قوله الأول، وبه قال زفر ، والثانية: يتيمم ولا يتوضأ. رواها عنه نوح بن أبي مريم وأسد بن عمر والحسن بن زياد ، قال قاضي خان : وهو الصحيح عنه والذي رجع إليه، وبها قال أبو يوسف وأكثر العلماء، واختار الطحاوي هذا. والثالثة: روي عنه الجمع بينهما، وهذا قول محمد انتهى.

وقال بعض أهل العلم: لا يتوضأ بالنبيذ وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وبه قال أكثر العلماء وجمهورهم، ودليلهم أن النبيذ ليس بماء، قال الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43] وأجابوا عن حديث الباب بأنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج، وضعف الطحاوي -أيضاً- حديث عبد الله بن مسعود، واختار أنه لا يجوز بالنبيذ الوضوء في سفر ولا في حضر، وقال: إن حديث ابن مسعود روي من طرق لا تقوم بمثلها حجة، وقد قال عبد الله بن مسعود : إني لم أكن ليلة الجن مع النبي صلى الله عليه وسلم، ووددت أني كنت معه).

[ وقول من قال: لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب وأشبه؛ لأن الله تعالى قال: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43] أي: والنبيذ ليس بماء.

قال ابن العربي في العارضة: والماء يكون في تصفيته ولونه وطعمه، فإذا خرج عن إحداها لم يكن ماء. وقال: فلم يجعل بين الماء والتيمم واسطة، وهذه زيادة على ما في كتاب الله عز وجل، والزيادة عندهم على النص نسخ، ونسخ القرآن عندهم لا يجوز إلا بقرآن مثله أو بخبر متواتر، ولا ينسخ الخبر الواحد إذا صح، فكيف إذا كان ضعيفاً مطعوناً فيه؟! انتهى.

تنبيه: قال صاحب العرف الشذي: وأما قول: إنه يلزم الزيادة على القاطع بخبر الواحد، فالجواب أنه وإن كان الماء المنبذ مقيداً في بادئ الرأي إلا أن العرب يستعملون النبيذ موضع الماء المطلق، فلم يكن على طريق التفكه، بل يكون مثل الماء المخلوط بالثلج المستعمل في زماننا، فإنه لا يقول أحد بأنه ماء مقيد. انتهى.

قال الشارح: قلت: هذا الجواب واه جداً؛ فإن النبيذ لو كان مثل الماء المخلوط بالثلج لم يقع الاختلاف في جواز التوضؤ به عند عدم الماء.

قلت: الثلج هو ماء منعقد، وليس مثل النبيذ، بل الثلج ينعقد من الماء ويذوب فيكون ماء، فليس مثل النبيذ.

قال الشارح رحمه الله تعالى: والعجب كل العجب أنه كيف تفوه بأن النبيذ مثل الماء المخلوط بالثلج، ومعلوم أن الثلج نوع من أنواع من المياه الصرفة، فالماء المخلوط به ماء صرف، وأما النبيذ فليس بماء صرف، بل هو ماء اختلط به أجزاء ما ألقي فيه من التمر وغيره.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الوضوء بالنبيذ:

حدثنا هناد حدثنا شريك عن أبي فزارة عن أبي زيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (سألني النبي صلى الله عليه وسلم: ما في إداوتك؟ فقلت: نبيذ، فقال: تمرة طيبة وماء طهور، قال: فتوضأ منه).

قال أبو عيسى: وإنما روي هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم.

و أبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث لا تعرف له رواية غير هذا الحديث ].

هذا حديث ضعيف رواه الإمام أحمد أيضاً في المسند، وقال: لا يعمل به ولا يصح العمل به، والنبيذ هو العصير، والعصير لا يتوضأ به؛ لأنه ليس ماءً مطلقاً، وإنما هو مقيد، والله تعالى يقول: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، ويقال له: ماء نبيذ، والماء المقيد يسلب عنه اسم الماء المطلق إذا كان معصوراً مع بعض الأشجار، أو الفواكه، أو كان فيه لبن أو ما أشبه ذلك فتغير اسمه، أي: سلب الاسم بسب اختلاطه بشيء آخر، فلا يصح الوضوء به.

والسند فيه أبو زيد، وهو مجهول، وشريك، وهو شريك القاضي ساء حفظه لما تولى القضاء.

قال الشارح رحمه الله تعالى: وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ، منهم: سفيان الثوري وغيره.

وهذا ضعيف، وأظنه مذهب الأحناف.

قال: وقال بعض أهل العلم: لا يتوضأ بالنبيذ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق.

قلت: وهو الصواب؛ لأنه ليس ماءً مطلقاً وإنما هو ماء مقيد، ولا يتوضأ إلا بالماء المطلق، أما المقيد -كعصير الأشجار وعصير الفواكه، والماء الذي اختلط باللبن أو صب فيه حبر فتغير، وصار لا يسمى ماءً إلا بالقيد- فلا يتوضأ به.

قال: وقال إسحاق : إن ابتلي رجل بهذا فتوضأ بالنبيذ وتيمم أحب إلي.

قلت: لأنه مشكوك فيه، أي: توضأ بالنبيذ ثم تيمم لأنه شاك؛ فيتيمم من باب الاحتياط؛ لاحتمال أنه لا يجوز الوضوء به فيجمع بين الأمرين.

والصواب أنه إذا لم يجد ماء تيمم، فإن كان عنده عصير فواكه ولم يجد ماء فلا يتوضأ من العصير، بل يتيمم.

قال رحمه الله تعالى: [ قال أبو عيسى : وقول من يقول: لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب وأشبه؛ لأن الله تعالى قال: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43] ].

والحديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة.

قال الشارح رحمه الله تعالى: قوله: (وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ، منهم سفيان وغيره) ومنهم أبو حنيفة، قال في شرح الوقاية: فإن عدم الماء إلا نبيذ التمر، قال أبو حنيفة بالوضوء به فقط، وأبو يوسف بالتيمم فحسب، ومحمد بهما، انتهى.

واستدل لهم بحديث عبد الله بن مسعود المذكور في الباب، وقد عرفت أنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج، وروي أن الإمام أبا حنيفة رجع إلى قول أبي يوسف ، قال القاري في المرقاة: وفي (خزانة الأكمل) قال: التوضؤ بنبيذ التمر جائز من بين سائر الأشربة عند عدم الماء، ويتيمم معه عند أبي حنيفة، وبه أخذ محمد، وفي رواية عنه: يتوضأ ولا يتيمم، وفي رواية: يتيمم ولا يتوضأ. وبه أخذ أبو يوسف وروى نوح الجامع أن أبا حنيفة رجع إلى هذا القول، انتهى.

وقال العيني في شرح البخاري (ص849، ج1) ما لفظه: وفي أحكام القرآن لـأبي بكر الرازي عن أبي حنيفة في ذلك ثلاث روايات: إحداها: يتوضأ به ويشترط فيه النية ولا يتيمم، وهذه هي المشهورة.

قال قاضي خان : هو قوله الأول، وبه قال زفر ، والثانية: يتيمم ولا يتوضأ. رواها عنه نوح بن أبي مريم وأسد بن عمر والحسن بن زياد ، قال قاضي خان : وهو الصحيح عنه والذي رجع إليه، وبها قال أبو يوسف وأكثر العلماء، واختار الطحاوي هذا. والثالثة: روي عنه الجمع بينهما، وهذا قول محمد انتهى.

وقال بعض أهل العلم: لا يتوضأ بالنبيذ وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وبه قال أكثر العلماء وجمهورهم، ودليلهم أن النبيذ ليس بماء، قال الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43] وأجابوا عن حديث الباب بأنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج، وضعف الطحاوي -أيضاً- حديث عبد الله بن مسعود، واختار أنه لا يجوز بالنبيذ الوضوء في سفر ولا في حضر، وقال: إن حديث ابن مسعود روي من طرق لا تقوم بمثلها حجة، وقد قال عبد الله بن مسعود : إني لم أكن ليلة الجن مع النبي صلى الله عليه وسلم، ووددت أني كنت معه).

[ وقول من قال: لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب وأشبه؛ لأن الله تعالى قال: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43] أي: والنبيذ ليس بماء.

قال ابن العربي في العارضة: والماء يكون في تصفيته ولونه وطعمه، فإذا خرج عن إحداها لم يكن ماء. وقال: فلم يجعل بين الماء والتيمم واسطة، وهذه زيادة على ما في كتاب الله عز وجل، والزيادة عندهم على النص نسخ، ونسخ القرآن عندهم لا يجوز إلا بقرآن مثله أو بخبر متواتر، ولا ينسخ الخبر الواحد إذا صح، فكيف إذا كان ضعيفاً مطعوناً فيه؟! انتهى.

تنبيه: قال صاحب العرف الشذي: وأما قول: إنه يلزم الزيادة على القاطع بخبر الواحد، فالجواب أنه وإن كان الماء المنبذ مقيداً في بادئ الرأي إلا أن العرب يستعملون النبيذ موضع الماء المطلق، فلم يكن على طريق التفكه، بل يكون مثل الماء المخلوط بالثلج المستعمل في زماننا، فإنه لا يقول أحد بأنه ماء مقيد. انتهى.

قال الشارح: قلت: هذا الجواب واه جداً؛ فإن النبيذ لو كان مثل الماء المخلوط بالثلج لم يقع الاختلاف في جواز التوضؤ به عند عدم الماء.

قلت: الثلج هو ماء منعقد، وليس مثل النبيذ، بل الثلج ينعقد من الماء ويذوب فيكون ماء، فليس مثل النبيذ.

قال الشارح رحمه الله تعالى: والعجب كل العجب أنه كيف تفوه بأن النبيذ مثل الماء المخلوط بالثلج، ومعلوم أن الثلج نوع من أنواع من المياه الصرفة، فالماء المخلوط به ماء صرف، وأما النبيذ فليس بماء صرف، بل هو ماء اختلط به أجزاء ما ألقي فيه من التمر وغيره.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [4] 2784 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [15] 2449 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [1] 2037 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [7] 1958 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [2] 1832 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [6] 1661 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [5] 1578 استماع
شرح جامع الترمذي المقدمة 1464 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [9] 1457 استماع
شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [12] 1308 استماع