شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [15]


الحلقة مفرغة

شرح حديث حذيفة وأبي هريرة في عدم نجاسة المسلم الجنب

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجنب يصافح.

حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن مسعر عن واصل عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فأهوى إليه، فقال: إني جنب. فقال: إن المسلم ليس بنجس).

حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى وبشر عن حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وأنا جنب، فاختنست فذهبت فاغتسلت ثم جئت، فقال: أين كنت يا أبا هريرة ؟! قال: قلت: إني كنت جنباً فكرهت أن أجالسك على غير طهارة. قال: سبحان الله! إن المسلم لا ينجس).

قال: وفي حديث بشر قال: حدثنا حميد قال: حدثني بكر ].

هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي وابن ماجة ، وهو دليل على أن المسلم طاهر الأعضاء والجسم والعرق واللعاب والثياب، وهذا الحديث أصل في طهارة المسلم حياً وميتاً.

والكافر نجاسته معنوية لا حسية؛ ولهذا يجوز للمسلم أن يتزوج الكتابية اليهودية أو النصرانية كما قال الله: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [المائدة:5] يعني: حل لكم، ومعلوم أنه إذا تزوجها فإنه سيمسها أو يصيبه عرق منها، ولا يجب عليه أن يغسل يديه منها.

في هذا الحديث دليل على جواز تأخير الغسل، وهذا يدل على ضعف ما حسنه بعض العلماء في الحديث السابق: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب)، وحمله بعضهم على المتهاون في الاغتسال، والواجب أنه إذا جاء وقت الصلاة يغتسل، فـأبو هريرة وحذيفة أخرا غسل الجنابة ولم ينكر عليهما النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه لا بأس بتأخير الغسل.

وقوله: [ وفي حديث بشر قال: حدثنا حميد قال: حدثني بكر ] مقصوده أنه صرح حميد بالتحديث هنا، وقد عنعن في السند السابق، فمقصود المؤلف أن يبين تصريح حميد وبشر بالتحديث.

وهذا الحديث فيه دليل على أنه لا بأس بمصافحة الجنب كما بوب المؤلف رحمه الله، فمصافحته ومماسته والسلام عليه لا بأس بها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجنب يصافح.

حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن مسعر عن واصل عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فأهوى إليه، فقال: إني جنب. فقال: إن المسلم ليس بنجس).

حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى وبشر عن حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وأنا جنب، فاختنست فذهبت فاغتسلت ثم جئت، فقال: أين كنت يا أبا هريرة ؟! قال: قلت: إني كنت جنباً فكرهت أن أجالسك على غير طهارة. قال: سبحان الله! إن المسلم لا ينجس).

قال: وفي حديث بشر قال: حدثنا حميد قال: حدثني بكر ].

هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي وابن ماجة ، وهو دليل على أن المسلم طاهر الأعضاء والجسم والعرق واللعاب والثياب، وهذا الحديث أصل في طهارة المسلم حياً وميتاً.

والكافر نجاسته معنوية لا حسية؛ ولهذا يجوز للمسلم أن يتزوج الكتابية اليهودية أو النصرانية كما قال الله: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [المائدة:5] يعني: حل لكم، ومعلوم أنه إذا تزوجها فإنه سيمسها أو يصيبه عرق منها، ولا يجب عليه أن يغسل يديه منها.

في هذا الحديث دليل على جواز تأخير الغسل، وهذا يدل على ضعف ما حسنه بعض العلماء في الحديث السابق: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب)، وحمله بعضهم على المتهاون في الاغتسال، والواجب أنه إذا جاء وقت الصلاة يغتسل، فـأبو هريرة وحذيفة أخرا غسل الجنابة ولم ينكر عليهما النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه لا بأس بتأخير الغسل.

وقوله: [ وفي حديث بشر قال: حدثنا حميد قال: حدثني بكر ] مقصوده أنه صرح حميد بالتحديث هنا، وقد عنعن في السند السابق، فمقصود المؤلف أن يبين تصريح حميد وبشر بالتحديث.

وهذا الحديث فيه دليل على أنه لا بأس بمصافحة الجنب كما بوب المؤلف رحمه الله، فمصافحته ومماسته والسلام عليه لا بأس بها.

شرح حديث: ( لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجنب يدخل المسجد.

حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا أفلت بن خليفة حدثتني جسرة بنت دجاجة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئاً؛ رجاء أن ينزل فيهم رخصة، فخرج إليهم بعدُ فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد؛ فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب).

قال أبو داود : هو فليت العامري ].

هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله لبيان حكم دخول الجنب المسجد، ومثله الحائض والنفساء؛ لأنهما في معناه.

ذكر في هذا الحديث حديث عائشة رضي الله عنها وفي سنده جسرة بنت دجاجة قال عنها في التقريب : مقبولة، يعني إذا توبع حديثها كان حسناً لغيره.

وفليت العامري لا بأس به، وقد تكلم فيه بعضهم ولا بأس به.

والحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن توجه البيوت الشارعة في المسجد، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يفتحون أبواباً صغاراً يسمى الواحد منها الخوخة على المسجد؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في آخر حياته: (لا تبقى خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر رضي الله عنه)؛ وفي هذا الحديث دليل على أنه هو الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استدل به الصحابة على ذلك.

ومن الأدلة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه على الصلاة في مرض موته عليه الصلاة والسلام.

وكأن هذه البيوت كانت موجهة إلى المسجد، وكأنها هي الأبواب الرئيسية التي كانوا يخرجون منها إلى المسجد، ويكون المسجد طريقاً؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تصرف إلى جهة أخرى.

والحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)، والحديث وإن كان في سنده بعض الشيء إلا أن الآية الكريمة واضحة في هذا، وهي قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43]، فدلت الآية الكريمة على أنه لا يجوز للجنب أن يدخل المسجد إلا إذا كان عابر سبيل، ومثله الحائض والنفساء، فكلاهما ليس لها أن تمكث في المسجد، والجنب كذلك ليس له أن يمكث في المسجد، وإنما يجوز العبور، فيعبر المسجد ويخرج من باب ويدخل من باب، وكذلك المرأة الحائض تأخذ شيئاً إذا أمنت من تلويث المسجد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة كما سبق: (ناوليني الخمرة، قالت: إني حائض! قال: حيضتك ليست في يدك).

والعلماء اختلفوا في هذه المسألة، فمن العلماء من ذهب إلى ما دل عليه الحديث مع الآية الكريمة، وقال: لا يجوز للجنب أن يمكث في المسجد وكذلك الحائض والنفساء إلا إذا كان ذلك عبوراً، ومن العلماء جماعة أجازوه مطلقاً، ومن العلماء من قال: لا يجوز إلا ألا يجد بداً منه، والصواب ما دلت عليه الآية الكريمة والحديث، وهو أنه لا يجوز للجنب أن يمكث في المسجد إلا إذا كان عابراً، وكذلك الحائض والنفساء كأن تأخذ وتتناول منه شيئاً.

واختلف العلماء فيما إذا توضأ الجنب هل يجوز له أن يمكث في المسجد أو ليس له ذلك؟

من العلماء من منع من ذلك، وذهب الإمام أحمد وجماعة إلى جواز المكث في المسجد للجنب إذا توضأ؛ لما رواه سعيد بن منصور في سننه عن عطاء بن يسار أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يجلسون في المسجد وهم جنب إذا توضئوا وضوء الصلاة، قال الحافظ ابن كثير : إسناده صحيح على شرط مسلم ؛ ولهذا ذهب الإمام أحمد وجماعة إلى أنه لا بأس حينئذٍ بالمكث؛ لأنه إذا توضأ خفت جنابته، ويجوز في حقه أحكام ليست للجنب الذي لم يتوضأ، من ذلك: أن الجنب إذا توضأ فإنه يأكل ويشرب وينام بلا كراهة، ففي حديث عمر رضي الله عنه في البخاري وغيره أنه قال: (يا رسول الله! أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ)، فإذا توضأ خفت الجنابة، وجاز له الوضوء، وجاز له النوم، وجاز له الأكل والشرب، وكذلك المكث في المسجد؛ بلا كراهة لهذه الآثار عن الصحابة، والصحابة أعلم الناس بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي آثار جيدة لا بأس بها.

وجسرة بنت دجاجة بكسر الدال، روت عن أبي ذر وعلي وعائشة وأم سلمة ، وهي معدودة في أهل الكوفة، روى عنها: غيلان بن عبد الله العامري وأفلت بن خليفة ، قال العجلي : ثقة، لكن توثيقه لا يعتبر، وقد ورد ما يدل على أن لحديثها شواهد، فأخرج ابن مندة بسند عال عن خزامة عن جسرة قالت: أتانا آت يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأشرف على الجبل فقال: يا أهل الوادي انحرف الدين (ثلاث مرات)، وعلى كل حال حديثها هذا يوافق ما دلت عليه الآية.

والآثار السابقة جاءت في الجنب لا الحائض؛ لأن الحائض يخشى أن تلوث المسجد، فيقتصر على ما جاء في الآثار.

والطواف يعتبر لبثاً طويلاً، فقد يطوف الإنسان في الزحام لمدة ساعة أو ساعتين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجنب يدخل المسجد.

حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا أفلت بن خليفة حدثتني جسرة بنت دجاجة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئاً؛ رجاء أن ينزل فيهم رخصة، فخرج إليهم بعدُ فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد؛ فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب).

قال أبو داود : هو فليت العامري ].

هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله لبيان حكم دخول الجنب المسجد، ومثله الحائض والنفساء؛ لأنهما في معناه.

ذكر في هذا الحديث حديث عائشة رضي الله عنها وفي سنده جسرة بنت دجاجة قال عنها في التقريب : مقبولة، يعني إذا توبع حديثها كان حسناً لغيره.

وفليت العامري لا بأس به، وقد تكلم فيه بعضهم ولا بأس به.

والحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن توجه البيوت الشارعة في المسجد، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يفتحون أبواباً صغاراً يسمى الواحد منها الخوخة على المسجد؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في آخر حياته: (لا تبقى خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر رضي الله عنه)؛ وفي هذا الحديث دليل على أنه هو الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استدل به الصحابة على ذلك.

ومن الأدلة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه على الصلاة في مرض موته عليه الصلاة والسلام.

وكأن هذه البيوت كانت موجهة إلى المسجد، وكأنها هي الأبواب الرئيسية التي كانوا يخرجون منها إلى المسجد، ويكون المسجد طريقاً؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تصرف إلى جهة أخرى.

والحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)، والحديث وإن كان في سنده بعض الشيء إلا أن الآية الكريمة واضحة في هذا، وهي قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43]، فدلت الآية الكريمة على أنه لا يجوز للجنب أن يدخل المسجد إلا إذا كان عابر سبيل، ومثله الحائض والنفساء، فكلاهما ليس لها أن تمكث في المسجد، والجنب كذلك ليس له أن يمكث في المسجد، وإنما يجوز العبور، فيعبر المسجد ويخرج من باب ويدخل من باب، وكذلك المرأة الحائض تأخذ شيئاً إذا أمنت من تلويث المسجد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة كما سبق: (ناوليني الخمرة، قالت: إني حائض! قال: حيضتك ليست في يدك).

والعلماء اختلفوا في هذه المسألة، فمن العلماء من ذهب إلى ما دل عليه الحديث مع الآية الكريمة، وقال: لا يجوز للجنب أن يمكث في المسجد وكذلك الحائض والنفساء إلا إذا كان ذلك عبوراً، ومن العلماء جماعة أجازوه مطلقاً، ومن العلماء من قال: لا يجوز إلا ألا يجد بداً منه، والصواب ما دلت عليه الآية الكريمة والحديث، وهو أنه لا يجوز للجنب أن يمكث في المسجد إلا إذا كان عابراً، وكذلك الحائض والنفساء كأن تأخذ وتتناول منه شيئاً.

واختلف العلماء فيما إذا توضأ الجنب هل يجوز له أن يمكث في المسجد أو ليس له ذلك؟

من العلماء من منع من ذلك، وذهب الإمام أحمد وجماعة إلى جواز المكث في المسجد للجنب إذا توضأ؛ لما رواه سعيد بن منصور في سننه عن عطاء بن يسار أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يجلسون في المسجد وهم جنب إذا توضئوا وضوء الصلاة، قال الحافظ ابن كثير : إسناده صحيح على شرط مسلم ؛ ولهذا ذهب الإمام أحمد وجماعة إلى أنه لا بأس حينئذٍ بالمكث؛ لأنه إذا توضأ خفت جنابته، ويجوز في حقه أحكام ليست للجنب الذي لم يتوضأ، من ذلك: أن الجنب إذا توضأ فإنه يأكل ويشرب وينام بلا كراهة، ففي حديث عمر رضي الله عنه في البخاري وغيره أنه قال: (يا رسول الله! أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ)، فإذا توضأ خفت الجنابة، وجاز له الوضوء، وجاز له النوم، وجاز له الأكل والشرب، وكذلك المكث في المسجد؛ بلا كراهة لهذه الآثار عن الصحابة، والصحابة أعلم الناس بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي آثار جيدة لا بأس بها.

وجسرة بنت دجاجة بكسر الدال، روت عن أبي ذر وعلي وعائشة وأم سلمة ، وهي معدودة في أهل الكوفة، روى عنها: غيلان بن عبد الله العامري وأفلت بن خليفة ، قال العجلي : ثقة، لكن توثيقه لا يعتبر، وقد ورد ما يدل على أن لحديثها شواهد، فأخرج ابن مندة بسند عال عن خزامة عن جسرة قالت: أتانا آت يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأشرف على الجبل فقال: يا أهل الوادي انحرف الدين (ثلاث مرات)، وعلى كل حال حديثها هذا يوافق ما دلت عليه الآية.

والآثار السابقة جاءت في الجنب لا الحائض؛ لأن الحائض يخشى أن تلوث المسجد، فيقتصر على ما جاء في الآثار.

والطواف يعتبر لبثاً طويلاً، فقد يطوف الإنسان في الزحام لمدة ساعة أو ساعتين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فأومأ بيده: أن مكانكم، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم) .

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة بإسناده ومعناه، وقال في أوله: (فكبر)، وقال في آخره: (فلما قضى الصلاة قال: إنما أنا بشر، وإني كنت جنباً).

قال أبو داود : رواه الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (فلما قام في مصلاه وانتظرناه أن يكبر انصرف ثم قال: كما أنتم).

ورواه أيوب وابن عون وهشام عن محمد -يعني ابن سيرين - مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فكبر ثم أومأ بيده إلى القوم أن اجلسوا، فذهب فاغتسل).

وكذلك رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عطاء بن يسار قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة) .

قال أبو داود : وكذلك حدثناه مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا أبان عن يحيى عن الربيع بن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر.

حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي حدثنا محمد بن حرب حدثنا الزبيدي ح وحدثنا عياش بن الأزرق أخبرنا ابن وهب عن يونس ح وحدثنا مخلد بن خالد حدثنا إبراهيم بن خالد إمام مسجد صنعاء حدثنا رباح عن معمر ح وحدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا الوليد عن الأوزاعي ؛ كلهم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أقيمت الصلاة وصف الناس صفوفهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسل، فقال للناس: مكانكم، ثم رجع إلى بيته فخرج علينا ينطف رأسه قد اغتسل ونحن صفوف)، وهذا لفظ ابن حرب .

وقال عياش في حديثه: (فلم نزل قياماً ننتظره حتى خرج علينا وقد اغتسل) ].

هذه الترجمة معقودة للجنب إذا صلى بالناس وهو ناس للجنابة، والحديث المسند الأخير أخرجه الشيخان والنسائي ، وهو صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل في الصلاة، وإنما أراد أن يكبر ثم تذكر، فذهب واغتسل، ورجع وصلى بالناس.

أما الحديث الأول حديث أبي بكرة ففيه: (أنه صلى الله عليه وسلم دخل في الصلاة وكبر ثم تذكر ثم أومأ إليهم وقال: مكانكم)، ثم ذهب، واغتسل، وجاء، وأكمل بهم الصلاة، وهم قيام ينتظرونه، وذكر المؤلف رحمه الله رواية محمد بن سيرين وعطاء بن يسار والربيع بن محمد وكلها مرسلة تؤيد حديث أبي بكرة في أنه صلى الله عليه وسلم انصرف بعدما دخل في الصلاة وكبر، واختلف العلماء هل هما قصتان أو قصة واحدة؟

فمن العلماء من ذهب إلى أنهما قصة واحدة، وتأول حديث أبي بكرة في قوله: كبر، يعني كاد أن يكبر، وكذلك الأحاديث المرسلة تأولها على أنه كاد أن يكبر لتوافق الأحاديث الصحيحة؛ لأنها لو لم تتأول لكانت معارضة للأحاديث الصحيحة، والأحاديث الصحيحة المسندة مقدمة عليها.

ومن العلماء من قال: إنهما قصتان، وذهب إلى هذا النووي وقال: إنه الأظهر، وجزم بذلك ابن حبان وقال: إنهما واقعتان، وإذا كانا كذلك فلا إشكال، وإن كانت قصة واحدة فالتأويل بأن كاد أن يكبر فيه نوع تعسف، والعمدة على الحديث الصحيح.

إن الإمام إذا تذكر أن عليه جنابة فإن كان قبل أن يصلي بالناس فإنه يذهب ويغتسل، وهم ينتظرونه إن لم يشق عليهم، وإن شق عليهم قدموا من يصلي بهم، أما إذا كان قد دخل في الصلاة ثم تذكر، فهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من قال: إن صلاة المأمومين صحيحة وهم معذورون، وعلى هذا يدل حديث أبي بكرة والروايات المرسلة التي فيها أنه كبر وقال: (كما أنتم وأشار إليهم)، ثم ذهب واغتسل وصلى بهم، وأكملوا الصلاة، ولم يأمرهم بإعادة أول الصلاة، فدل على أن صلاة الجنب إذا صلى بالناس، أو صلى الإمام بالناس وهو على غير طهارة، ثم تذكر؛ فإن صلاتهم صحيحة ولا يعيدون، وإنما الإمام يغتسل أو يتوضأ ويعيد الصلاة وحده، ويؤيد هذا حديث أبي هريرة في صحيح البخاري : (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم). ويؤيد هذا ما ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه صلى بالناس الصبح، ثم غدا إلى أرضه في الجرف، فوجد في ثوبه احتلاماً. فقال: إنا لما أصبنا الودك لانت العروق، فاغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه، وأعاد صلاته، ولم يأمرهم بإعادة الصلاة، وكذلك ثبت أيضاً عن عثمان رضي الله عنه أنه صلى بالناس وهو جنب، فأعاد الصلاة، ولم يأمرهم بإعادة الصلاة؛ فدل هذا على أن الإمام إذا صلى بالناس وهو على غير طهارة، ثم تذكر بعد ذلك فإنه يعيد الصلاة، ولا يعيدون.

وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنهم يعيدون، قال أبو حنيفة وجماعة: يجب عليهم الإعادة، واستدلوا بحديث: (الإمام ضامن)، وقالوا: إن هذه الأحاديث مرسلة لا تقوم بها حجة.

وإذا تذكر في أثناء الصلاة فقد اختلف العلماء أيضاً في هذه المسألة، على قولين:

القول الأول: ذهب الحنابلة وجماعة إلى أنه يفرق بين ما إذا سبقه الحدث، وما إذا لم يسبقه الحدث، فإن تذكر وهو في أثناء الصلاة أنه على غير طهارة أو أحدث فإنه في هذه الحالة يقطع الصلاة، ويستأنفون صلاتهم من جديد.

أما إذا حس بأنه لا يستطيع الاستمرار، وهو على طهارة، فإنه يتأخر، ويقدم من يتم بهم الصلاة.

والقول الثاني لأهل العلم: أنه لا فرق بين الصورتين، وأن الإمام إذا تذكر أنه على غير طهارة، ولو سبقه الحدث؛ فإنه يقدم من يتم بهم الصلاة، ويكون معذوراً في هذا، والدليل على هذا حديث الحسن عن أبي بكرة ، والحديث الأول الذي ذكره المؤلف رحمه الله، والآثار التي وردت في هذا، ففيها دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما كبر، ذهب واغتسل، ثم جاء وأتم بهم الصلاة، ولم يأمرهم بإعادة بقية الصلاة، ويؤيد هذا حديث البخاري : (يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم)، والأرجح أنه لا فرق بين الصورتين، وأن الإمام يستخلف من يتم بهم الصلاة سواء سبقه الحدث أو لم يسبقه.

والحديث الأول الذي ذكره المؤلف فيه رواية الحسن عن أبي بكرة ، وهو قد سمع منه، فهو حجة، وهو دليل على أن الإمام إذا صلى وهو جنب أو عليه حدث ولم يعلم إلا بعد انتهاء الصلاة، فإن صلاة المأمومين صحيحة، وإنما على الإمام أن يتوضأ أو يغتسل ويعيد الصلاة وحده.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: في الرجل يجد البلة في منامه.

حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد بن خالد الخياط حدثنا عبد الله العمري عن عبيد الله عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل، ولا يذكر احتلاماً؟ قال: يغتسل، وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل؟ قال: لا غسل عليه، فقالت أم سليم رضي الله عنها: المرأة ترى ذلك أعليها غسل؟ قال: نعم، إنما النساء شقائق الرجال) ].

هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة ، وفي سنده عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه، قال في التقريب: ضعيف عابد من السابعة، روى عن أخيه عبيد الله بالتصغير، وهو أحفظ من أخيه عبد الله المكبر.

والحديث فيه: أن النائم إذا وجد بللاً بعد اليقظة من النوم ولم يذكر احتلاماً فإنه يغتسل، أما إذا رأى أنه يجامع في الليل ولكنه لم ير احتلاماً فإنه لا يغتسل.

والحديث وإن كان فيه عبد الله بن عمر العمري إلا أنه يؤيده الحديث الآخر: (إنما الماء من الماء)، ويؤيده حديث أم سليم في الصحيحين أنها قالت: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق)، وهو الحديث الذي أتى به المؤلف رحمه الله بعد هذا، وفيه: قالت: (المرأة ترى ما يرى الرجل أعليها غسل؟ قال: نعم، إذا رأت الماء)، فإذا رأى الرجل في ثوبه بلة، وتحقق أنه احتلام، فإنه يجب عليه أن يغتسل، وكذلك المرأة إذا رأت الماء، فإنها تغتسل، أما إذا لم ير بللاً، فإنه لا يجب عليه الغسل، ولو رأى في النوم أنه يجامع، وكذلك المرأة إذا رأت أنها تجامع ولم تر بللاً، فلا يجب عليها الاغتسال، فالحكم معلق بوجود الماء.

قال في ترجمة الراوي: عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري روى عن أخيه عبيد الله ، وزيد بن أسلم وعنه ابنه عبد الرحمن وابن وهب ووكيع ، قال يعقوب بن شيبة : ثقة صدوق في حديثه اضطراب، وضعفه النسائي ، وقال ابن عدي : لا بأس به.

توفي سنة إحدى وسبعين ومائة.

وقوله: (إنما النساء شقائق الرجال) يعني: إن المرأة مثل الرجل في هذا، والأصل: أن النساء مثل الرجال في الأحكام إلا ما دل الدليل على الخصوصية.

وشقيق الرجل: هو أخوه لأبيه وأمه، والإخوة من الأب والأم يقال لهم: أشقاء، ويقال لهم: إخوة أعيان، وأما إذا كان أبو الإخوة واحداً وأمهاتهم شتى فيقال عنهم: إخوة علات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا معاشر الأنبياء إخوة لعلات، ديننا واحد وأمهاتنا شتى)، وإذا كانت الأم واحدة والآباء متعددون يقال عنهم: إخوة أخياف.

وفي هذا الحديث من الفوائد:

إثبات القياس، وإلحاق حكم النظير بالنظير؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قاس الرجال على النساء.

وفيه الرد على من أنكر القياس، كالظاهرية ومنهم ابن حزم وجماعة أنكروا القياس.