النفخ في الصور


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

وبعد:

يحتاج المسلم وهو يسير في هذه الحياة ويقطع مراحلها ويشهد تقلباتها .. يحتاج إلى غذاء وزاد، وما هذه الجلسات الإيمانية والدروس العلمية التي يحرص عليها المؤمن إلا زاداً يزيد المسلم والمؤمن قوة، ويمده بتأييد وعون حتى يستطيع مواصلة السير في ثبات وقوة وأمان واستقرار؛ لأن العوائق والموانع كثيرة، والمثبطات والمؤثرات كثيرة جداً، وما لم يتولاك الله برعايته ويحميك بعنايته بعد أن تقبل عليه، وتبحث عن أسباب النجاة بين يديه، وتعود وتعاود، وتكرر الجلوس في بيوته، وإلا فإن الإنسان عرضة للانزلاق وللخطر والهلاك في هذا الزمان الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بغربة الدين في آخر الزمان، ولكن بالمداومة على مجالس الذكر وبسماع العلم ينشط القلب ويستمر في السير؛ ولذا فإن من أهم ومن ضروريات حياة المؤمن أن يحرص على هذه المجالس، وهي لا تشكل مشكلة من فضل الله، وما هي إلا وقت بسيط ويسير بين المغرب والعشاء مرة أو مرتين أو ثلاثاً في الأسبوع، لو قست ساعات الجلوس فيها على ساعات الأسبوع كاملة لكانت النسبة ضئيلة، ولكن فيها بركة وخير تستطيع بها -إن شاء الله- أن تثبت على الطريق وأن تسير على خطا قوية ثابتة تعرف كيف تعبد الله وتسير إلى إليه وتتجنب المخاطر والمعاطب والمعوقات حتى تصل إلى الله بسلام.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يثبتنا وإياكم على السير في هذا الطريق، وأن يحمينا وإياكم من المعوقات حتى نلقاه وهو راض عنا إنه على كل شيء قدير.

موضوع اليوم سيكون عن (النفخ في الصور) بعد أن تكلمنا في الأسبوع الماضي عن (أسماء يوم القيامة) وذكرنا أن لها أسماءً كثيرة استطعنا أن نتحدث عن اثنين -أو ثلاثة- وعشرين اسماً من أسمائها، وقلنا: إن تعدد الأسماء للشيء يدل على عظمته، فعظمة الساعة وشدة هولها جعلت لها مسميات كثيرة، هذه المسميات بمدلولاتها تبين جزءاً من عظمة هذه الأهوال التي تكون يوم القيامة: الحاقة.. الصاخة.. الطامة.. الواقعة.. كل هذه أسماء كثيرة جداً تقرع القلوب، وتهز النفوس، وتبين عظمة الأحداث التي سوف تكون في ذلك اليوم.

بداية يوم القيامة

يبدأ أول حدث من أحداث يوم القيامة وهي الفترة الانتقالية الفاصلة بين عالم الدنيا وعالم الآخرة بالنفخ في الصور، ولذا فهذا الحدث له ما بعده، وله أهميته، فالكون العجيب الذي نعيش فيه يعج بالحياة والأحياء الذين نشاهدهم والذين لا نشاهدهم، فإن ما غيب الله عز وجل عن أبصارنا أعظم مما أبدى لنا، ولهذا يقول الله عز وجل: فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الحاقة:38-43] فما أبصرنا وما كشف الله لنا في عالم المشاهدة ليس إلا شيئاً يسيراً مما أخفاه الله من العوالم الأخرى التي لا نراها؛ ولذا فقد وصف الله عز وجل أهل الإيمان بأن من أبرز صفاتهم ومن أهم علاماتهم الإيمان بالغيب فقال: ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:1-3] هذه أول صفاتهم، فما غيب الله عن أبصارنا أكثر مما أظهر لنا .. والعالم المشاهد ليس إلا نماذج بسيطة من العالم المغيب عن الأبصار.

وهذه العوالم ما كان منها في عالم الغيب أو عالم الشهادة فإنها في حركة دائبة لا تتوقف ولا تهدأ، وستبقى على هذا الحال في حركتها إلى أن يأتي اليوم الذي يأذن الله تبارك وتعالى بفناء العالم وهلاك من على وجه الأرض حين يقول: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27] ويقول عز وجل: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88] وهذا الحدث سيكون عندما يأمر الله عز وجل بالنفخ في الصور فتنتهي الحياة في الأرض وفي السماء .. وتنتهي جميع عوالم الأرض والسماء المشاهدة وغير المشاهدة، يقول عز وجل: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ [الزمر:68-70].

أقسام الناس يوم القيامة

ينقسم الناس بعد الحساب وبعدما يؤتي بالكتب وبالموازين ويفصل بين العباد إلى فريقين: فريق يساق إلى النار، وفريق يساق إلى الجنة، يقول عز وجل: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً [الزمر:71] أي: مجموعات، كل مجموعة مع من يشاكلها، وهذا فيه زيادة للعذاب، أي: يجمع الزناة سواء، فما يأتي زان أو اثنان، بل كل الزناة على وجه الأرض منذ خلقهم الله إلى يوم القيامة يأتون كلهم في شعب واحد وتسوقهم الزبانية إلى النار .. قال العلماء: إن في سوق كل أهل معصية سواء فيه تيئيس من الرحمة؛ لأن الزاني إذا رأى نفسه لوحده قال: يمكن أن أدخل في رحمة الله، لكن عندما يراهم ملء الوديان والشعاب يقول -وهؤلاء كلهم مثله-: إذاً ليس هناك أمل في النجاة، فالزناة سواء، واللوطة سواء، واللصوص سواء، والقتلة سواء، والملاحدة سواء.. وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً [الزمر:71] وهذا معنى قول الله عز وجل: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً [النبأ:18] أي: مجموعات، يفوج الناس ويجمعون ويقسمون ويفصلون بحيث يكون كل فوج وكل مجموعة مع ما يشاكلها من العمل.

وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ [الزمر:71]* قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر:72] نعوذ بالله جميعاً من هذا المصير!

وأما أهل الإيمان -جعلنا الله منهم- فيقول الله تعالى فيهم: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً [الزمر:73] أي: مجموعات، لتبدو رحمة الله عليهم..؛ الشهداء مع الشهداء، والنبيون مع النبيين، والصالحون مع الصالحين، الأولياء مع الأولياء، وأهل الصيام مع أهل الصيام، وأهل الزكاة المتخصصون الذين يبذلون أموالهم في سبيل الله سواء مع بعضهم؛ ليعرف الواحد أنه ليس لوحده في هذا المجال وليس لوحده في هذا الطريق، بل معه المجموعة الكبيرة من عباد الله، فيأنس ويفرح إن كان من هؤلاء الناجين -نسأل الله وإياكم من فضله-.

وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الزمر:73] الأمن والطمأنينة والسلام عليكم؛ لأنكم سلمتم من عذاب الله، فقد سالمتم الله في الدنيا، وما تعرضتم لمساخط الله، ولا اجترأتم على حرمات الله .. عشتم في الدنيا في سلام ومتم في سلام وبعثتم في سلام، فالسلام والأمن عليكم، طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر:73]؛ لأنكم كنتم طيبين في الدنيا، طابت أعمالكم، وأخلاقكم، وسلوككم، وعقائدكم، وعبادتكم، وحياتكم، وبيوتكم، وأسماعكم، وأبصاركم، وفروجكم .. كنتم طيبين لا تقعون إلا في الطيب (طِبْتُمْ) أي: في الدنيا، نسأل الله من فضله.. وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ [الزمر:74] يقول أهل الجنة هذه الكلمة بعد أن يبشروا بالجنة الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ [الزمر:74]؛ لأن المؤمن معه وعد من الله إلى الآن ولا يدري ماذا عليه، لا يدري هل يحقق الله له وعده بدخوله الجنة إذا سلم من الآفات، أم يردَّ عمله عليه بسبب منه وإن الله لا يظلم أحداً! الله لا يظلمك ذرة .. لكن قد يكون المانع منك أنت، فقد تعمل عملاً وتفسده، وقد تعمل عملاً تظن أنه صالحاً وهو غير صالح، ليس لوجه الله، ولكن اعمل واجتهد واجتنب أمرين: الشرك، وهو الرياء، فهو الذي يحبط العمل، والمخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، واجعل عملك خالصاً وصواباً، وثق بأن الله لن يضيع عملك؛ لأن الله تعالى يقول: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195].

وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [الزمر:74]* وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الزمر:75]، نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا وإياكم وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وزوجاتنا وذرياتنا وجميع إخواننا المسلمين من هذه الزمر الناجية التي تساق إلى الجنان سوق التكريم والتشريف مع عباد الله الصالحين، إنه على ذلك قدير.

يبدأ أول حدث من أحداث يوم القيامة وهي الفترة الانتقالية الفاصلة بين عالم الدنيا وعالم الآخرة بالنفخ في الصور، ولذا فهذا الحدث له ما بعده، وله أهميته، فالكون العجيب الذي نعيش فيه يعج بالحياة والأحياء الذين نشاهدهم والذين لا نشاهدهم، فإن ما غيب الله عز وجل عن أبصارنا أعظم مما أبدى لنا، ولهذا يقول الله عز وجل: فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الحاقة:38-43] فما أبصرنا وما كشف الله لنا في عالم المشاهدة ليس إلا شيئاً يسيراً مما أخفاه الله من العوالم الأخرى التي لا نراها؛ ولذا فقد وصف الله عز وجل أهل الإيمان بأن من أبرز صفاتهم ومن أهم علاماتهم الإيمان بالغيب فقال: ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:1-3] هذه أول صفاتهم، فما غيب الله عن أبصارنا أكثر مما أظهر لنا .. والعالم المشاهد ليس إلا نماذج بسيطة من العالم المغيب عن الأبصار.

وهذه العوالم ما كان منها في عالم الغيب أو عالم الشهادة فإنها في حركة دائبة لا تتوقف ولا تهدأ، وستبقى على هذا الحال في حركتها إلى أن يأتي اليوم الذي يأذن الله تبارك وتعالى بفناء العالم وهلاك من على وجه الأرض حين يقول: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27] ويقول عز وجل: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88] وهذا الحدث سيكون عندما يأمر الله عز وجل بالنفخ في الصور فتنتهي الحياة في الأرض وفي السماء .. وتنتهي جميع عوالم الأرض والسماء المشاهدة وغير المشاهدة، يقول عز وجل: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ [الزمر:68-70].

ينقسم الناس بعد الحساب وبعدما يؤتي بالكتب وبالموازين ويفصل بين العباد إلى فريقين: فريق يساق إلى النار، وفريق يساق إلى الجنة، يقول عز وجل: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً [الزمر:71] أي: مجموعات، كل مجموعة مع من يشاكلها، وهذا فيه زيادة للعذاب، أي: يجمع الزناة سواء، فما يأتي زان أو اثنان، بل كل الزناة على وجه الأرض منذ خلقهم الله إلى يوم القيامة يأتون كلهم في شعب واحد وتسوقهم الزبانية إلى النار .. قال العلماء: إن في سوق كل أهل معصية سواء فيه تيئيس من الرحمة؛ لأن الزاني إذا رأى نفسه لوحده قال: يمكن أن أدخل في رحمة الله، لكن عندما يراهم ملء الوديان والشعاب يقول -وهؤلاء كلهم مثله-: إذاً ليس هناك أمل في النجاة، فالزناة سواء، واللوطة سواء، واللصوص سواء، والقتلة سواء، والملاحدة سواء.. وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً [الزمر:71] وهذا معنى قول الله عز وجل: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً [النبأ:18] أي: مجموعات، يفوج الناس ويجمعون ويقسمون ويفصلون بحيث يكون كل فوج وكل مجموعة مع ما يشاكلها من العمل.

وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ [الزمر:71]* قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر:72] نعوذ بالله جميعاً من هذا المصير!

وأما أهل الإيمان -جعلنا الله منهم- فيقول الله تعالى فيهم: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً [الزمر:73] أي: مجموعات، لتبدو رحمة الله عليهم..؛ الشهداء مع الشهداء، والنبيون مع النبيين، والصالحون مع الصالحين، الأولياء مع الأولياء، وأهل الصيام مع أهل الصيام، وأهل الزكاة المتخصصون الذين يبذلون أموالهم في سبيل الله سواء مع بعضهم؛ ليعرف الواحد أنه ليس لوحده في هذا المجال وليس لوحده في هذا الطريق، بل معه المجموعة الكبيرة من عباد الله، فيأنس ويفرح إن كان من هؤلاء الناجين -نسأل الله وإياكم من فضله-.

وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الزمر:73] الأمن والطمأنينة والسلام عليكم؛ لأنكم سلمتم من عذاب الله، فقد سالمتم الله في الدنيا، وما تعرضتم لمساخط الله، ولا اجترأتم على حرمات الله .. عشتم في الدنيا في سلام ومتم في سلام وبعثتم في سلام، فالسلام والأمن عليكم، طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر:73]؛ لأنكم كنتم طيبين في الدنيا، طابت أعمالكم، وأخلاقكم، وسلوككم، وعقائدكم، وعبادتكم، وحياتكم، وبيوتكم، وأسماعكم، وأبصاركم، وفروجكم .. كنتم طيبين لا تقعون إلا في الطيب (طِبْتُمْ) أي: في الدنيا، نسأل الله من فضله.. وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ [الزمر:74] يقول أهل الجنة هذه الكلمة بعد أن يبشروا بالجنة الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ [الزمر:74]؛ لأن المؤمن معه وعد من الله إلى الآن ولا يدري ماذا عليه، لا يدري هل يحقق الله له وعده بدخوله الجنة إذا سلم من الآفات، أم يردَّ عمله عليه بسبب منه وإن الله لا يظلم أحداً! الله لا يظلمك ذرة .. لكن قد يكون المانع منك أنت، فقد تعمل عملاً وتفسده، وقد تعمل عملاً تظن أنه صالحاً وهو غير صالح، ليس لوجه الله، ولكن اعمل واجتهد واجتنب أمرين: الشرك، وهو الرياء، فهو الذي يحبط العمل، والمخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، واجعل عملك خالصاً وصواباً، وثق بأن الله لن يضيع عملك؛ لأن الله تعالى يقول: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195].

وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [الزمر:74]* وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الزمر:75]، نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا وإياكم وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وزوجاتنا وذرياتنا وجميع إخواننا المسلمين من هذه الزمر الناجية التي تساق إلى الجنان سوق التكريم والتشريف مع عباد الله الصالحين، إنه على ذلك قدير.


استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2930 استماع
كيف تنال محبة الله؟ 2929 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2805 استماع
أمن وإيمان 2678 استماع
حال الناس في القبور 2676 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2605 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2572 استماع
النهر الجاري 2478 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2468 استماع
مرحباً شهر الصيام 2403 استماع