مسائل فقهية في الزكاة
مدة
قراءة المادة :
19 دقائق
.
مسائل فقهية في الزكاةالأولى: من كلام سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله قال:
الأصحُّ من أقوال العلماء جوازُ دَفْع الزكاة من العُروض، كالْحَبِّ والدقيق والكسوة إذا كانتْ أنفعَ للفقير؛ خشية أنْ يُنْفِق الدراهم إذا سُلِّمَتْ إليه في أشياءَ لا تنفعه؛ انتهى.
الثانية: إذا اشترى شخصٌ أرضًا بنيَّة التجارة ومَضَى عليها الحول، وجَبَتْ فيها الزكاة إذا بلغتْ قيمتها نصابًا، فإذا تَمَّ الحول نَظَر في قيمة الأرض، فإنْ كانت القيمة تبلغ نصابًا فأكثر، زكَّى قيمتها، والعِبرة بالقيمة ما تساويه وقتَ إخراج الزكاة، لا وقت شرائها.
الثالثة: وهكذا أسهمُ الأراضي في المساهمات؛ فإنها من عُروض التجارة، تجب فيها الزكاة إذا مَضَى عليها الحول، فتُقوَّم الحصة المملوكة بموجب المساهمة بما تساوي وقتَ إخراج الزكاة، فيزكِّي القيمة؛ فإنَّ الأصلَ في زكاة الحصة هو ما تبلغُه قيمتها عند تمام الحول من غير نظرٍ إلى قيمتها وقتَ الشراء.
الرابعة: ما أُعِدَّ للاستعمال من الأموال، كالسيارة والبيت، والأثاث والملابس، وحُلِي النساء - في قول الجمهور - والسلاح ونحو ذلك مما يُقْتَنى للحاجة، فليس فيه زكاة؛ فإن أموال القِنْيَة مشغولة بالحاجة الأصليَّة وليستْ نامِيَة، وكلٌّ منهما مانعٌ من وجوب الزكاة؛ فقد ثبَتَ في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ليس على المسلم في عبده ولا في فَرسه صدقة"[1].
قال النووي رحمه الله تعالى: هذا الحديث أصلٌ في أن أموال القِنْيَة لا زكاة فيها، وهو قول العلماء من السلف والخلف، إلاَّ أبا حنيفة رحمه الله في الخيل، والحديث حُجَّة عليه.
وقال ابن هُبَيْرة رحمه الله: أجمعوا على أنَّه ليس في دور السكنى، وثياب البذلة، وأثاث المنزل، ودواب الخدمة، وسلاح الاستعمال؛ زكاةٌ.
الخامسة: ما يُؤجِّره الشخصُ؛ من أرضٍ أو منزل أو عمارة، أو سيارة أو دكان أو آلة ونحوها، فليس في هذه الأشياء ذاتها زكاة؛ لكونها أُعِدَّتْ للأجرة لا للبيع، وإنما تجبُ الزكاة في أجرتها إذا بلغتْ نصابًا ومَضَى عليها الحول قبل أن تُنْفَق؛ سواء كانتْ مُدَّخَرة للنفقة أو للزواج أو لشراء عقار، أو لقضاء دَينٍ أو لغير ذلك من المقاصد؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في مال المسلم إذا بلَغَ نصابًا أو أكثر ومَضَى عليه الحول، والواجب فيه رُبع العُشر، وقَدره اثنان ونصف في المائة، أما ما أنْفَقَه المؤجِّر في حاجته قبل الحول، فلا زكاة فيه.
السادسة: زكاة أموال اليتامى والمجانين:
تجبُ الزكاة في أموال اليتامى والمجانين، ومن بلغوا سنَّ التخريف ونحوهم من المسلمين، إذا كانوا أحرارًا تَامِّي المُلْكِ عند جمهور العلماء، فيُخْرجها عنهم أولياؤهم وأوصياؤهم، وهو قول علي وابن عمر وجابر، وعائشة والحسن بن علي رضي الله عنهم إذا بلغتْ نصابًا وحال عليها الحول؛ لِعُموم الأدلَّة، مثل: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث معاذ رضي الله عنه في الصحيحين حين بعَثَه إلى اليمن: "فأعْلِمهم أنَّ الله افترض عليهم صَدَقة في أموالهم، تُؤخَذ من أغنيائهم، وتُردُّ في فقرائهم"[2].
ولِمَا ورَدَ في خُصوص ذلك في غير الصحيحين، كما روى الدارقطني مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن وَلِي مالَ يتيمٍ، فليتَّجِر به، ولا يتركه حتى تأكلَه الصدقة"[3].
ولِمَا روى مالك في الموطأ عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه أنه قال: كانتْ عائشة رضي الله عنها تَليني وأخًا لي يتيمين في حِجْرها، فكانتْ تُخرِج من أموالنا الزكاة[4].
السابعة: زكاة الراتب الشهري:
الشخص الذي يُوفِّر من دَخْله الشهري قَدرًا معيَّنًا، فيحفظه في صندوقه، أو يُودِعه لدى شخصٍ أو جهة حاليَّة، فإنَّه يتعيَّن عليه إخراجُ الزكاة عن كلِّ قدر يَمضي عليه الحول إذا كان نصابًا، أو يَضمُّه إلى القَدر الذي يَلِيه، والأوْلَى أن يجعلَ له وقتًا مُعَيَّنًا من السَّنة، كرمضان مثلاً، فيخرج فيه زكاة الجميع؛ ما مَضَى عليه الحول على وجْهه، وما لَم يَمضِ عليه الحول يكون من باب تعجيل الزكاة قبل حولها، وذلك ثابتٌ بالسُّنة، وفي ذلك من براءة الذِّمَّة، والاحتياط للدِّين، واغتنام شرف الزمان، ما لا يَخفى.
الثامنة: هل على الغني المدين زكاة؟
كون الإنسان عليه ديون لا يُسقِط الزكاة عنه فيما بين يديه من أموال في أصحِّ أقوال أهل العلم، لكن لو سدَّدَ مَن عليه الديون ديونَه من ماله الذي بين يديه قبل تمام الحول، فلا زكاة عليه فيما صَرَف من المال لقضاء دينه، وإنما تجبُ الزكاة فيما بَقِي بين يديه من مالٍ بعد قَضاء الدَّين إذا كان نصابًا وتَمَّ حوله، وكان عثمان رضي الله عنه يأمرُ مَن عليه دينٌ أنْ يُسَدِّد دينَه قبل حلول الزكاة.
التاسعة: زكاة الديون:
وهي ما يكون للشخص في ذِمم الناس، وفيها تفصيل:
أ- فما كان منها على أغنياء يوفون، وجبَتْ زكاته عند تمام الحول، ولو كان في ذِممهم؛ لأنَّه كالمال الذي في الصندوق، فإذا قبَضَه يزكِّيه عمَّا مَضَى عليه؛ سواء مَضَى عليه سنة أو أكثر، وإن زكَّاه قبل قَبْضِه، فهو حَسَنٌ؛ لِمَا فيه من الإسراع ببراءة الذِّمة والمواساة للفقراء.
ب- ما كان من الدَّيْن على مُعسِرٍ، أو غائب منقطع خبرُه، أو مُماطل يَصْعُب استخراجه منه، لكن يؤمّل تحصيلُ المال ولو بعد سنين، فلا زكاة على هذا الدَّيْن؛ حتى يَقبِضَه صاحبُه، فإذا قَبضَه زكَّاه عن سنة واحدة فقط، وهي سنة قَبْضه، وليس عليه فيما قبلها من السنين على الصحيح.
ت- أمَّا الدَّيْن الذي لا يُؤمّل تحصيلُه - كالمسروق والمغصوب والمجحود - فأقرب للصواب أنه لا زكاةَ فيه؛ لأنه غير مقدورٍ على الانتفاع به، والزكاة لا تجبُ في أموال لا يُدْرَى هل تحصَّل أو لا.
العاشرة: أقوى الروايتين في المذهب - مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى وهو الراجح من حيث الدليل - أنَّ الدَّيْن لا يمنع زكاة الأموال الظاهرة، كالزروع والثمار، والماشية والبضائع ونحوها؛ وذلك لأنه لَم يَرِدْ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمَرَ عُمَّاله بأنْ يستفسروا من أهل الأموال الظاهرة ممَّن تجبُ عليه الزكاة: هل عليهم ديونٌ تُنقص نصابَها؟ وكذا لَم يَرِدْ عن عُمَّاله رضي الله عنهم الاستفسارُ من أهل الزكاة عن ذلك.
الحادية عشرة: هل يسقط الدَّيْن عن المعسِر واحتسابه من الزكاة؟
إذا كان لك دَيْنٌ على شخصٍ قد تأخَّر عن تسديده حتى استيئَسْتَ منه:
1- فذَهَب جماعة من أهل العلم - وهو الراجح إنْ شاء الله - إلى أنه لا يجوز لك أن تسقطَه عنه، وتحتسبَه من زكاتك؛ وذلك:
أ- لأن في ذلك وقاية لمالِكَ؛ حيث اتخذتَ إسقاط هذا الدَّيْن الذي لَم تُحَصِّله ذريعة لمنْع ما يجب عليك إخراجُه من مالك، لكن لو أُعْطِي الفقير نصيبَه من الزكاة فردَّه على مَن أعطاها إيَّاه وفاءً لدَيْنه، جازَ ذلك.
ب- ولأنَّ الزكاة مالٌ يُدْفَع للفقراء لفَقْرهم وحاجتهم الحاضرة، وإسقاط الدَّيْن لا يحصل به مواساتهم في الحاجة القائمة الحاضرة.
ج- ولأن الزكاة شعيرة تظهر بالأخْذ والإعطاء، قال تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾ [التوبة: 103]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث معاذ: "إنَّ الله افترضَ عليهم صدقة تؤخَذ من أغنيائهم، فتردُّ في فقرائهم"[5]، وإسقاط الدَّيْن ليس أخذًا ولا إعطاء ولا ردًّا، فلا يحصل به إظهارُ الشعيرة.
د- ولأنَّ الدَّيْنَ أقلُّ في النفس من الحاضر وأدْنَى، فيُشْبه أن يكون أداؤه كأداء الرديء من المال بدلاً عن الجيِّد؛ فإن ما في ذِمَّة الغير دَينٌ غائبٌ لا يتصرَّف فيه، فلا يجزئ عن مال حاضر يُمكن التصرُّف فيه والانتفاع به وقتَ الحاجة.
2- وذَهَب بعضُ أهل العلم إلى أنَّ للدائن أنْ يُسقِطَ ما أمكن من الدَّيْن عن المدِين ويَحسبه من الزكاة؛ لِمَا فيه من نفْع المدين بإبراء ذِمَّته ورَفْع الْحَرَج عنه.
الثانية عشرة: متى تؤخَذ الزكاة من ذكور البهائم؟
حيث ذُكرتِ الشاة في أنصبة زكاة بهيمة الأنعام، فالمراد بها الأنثى من الضأْن والْ-مَعز، ويُجزئ من الضأْن الْجَذعة، وهي ما لها ستة أشهر ودخلتْ في السابع، ومن الْمَعز الثنيَّة، وهي ما تمَّ لها سنة ودخلتْ في الثانية، ولا يجزئ إخراجُ الذَّكَر في زكاة الغنم والإبل إلا في موضعين:
أحدهما: إذا كان النصاب كلُّه ذكورًا.
الثاني: إجزاء ابن اللبون، وكذا الْحِقُّ والْجَذع عن بنت مَخَاض.
الثالثة عشرة: الخلطة في المال:
الخلطة في الماشية التي تُصيِّر المالَيْن كالمال الواحد في الزكاة هي خلطة الأعيان، ويُشْترط لها - إضافةً إلى شروط وجوب الزكاة - مُضِيُّ الحول على الخلطة، واتِّحاد المراح والمسرَح، والمشرَب والْمحْلَب، والراعي والفَحْل.
الرابعة عشرة: هل تُؤخَذ الزكاة من جنس الأموال الزكوية أو تؤخذ القيمة؟
زكاة الزروع والثمار والماشية ونحوها من الأموال الظاهرة تؤخَذ من جِنْسها، ولا يجوز إخراج القيمة عنها؛ لأن أخْذَ الجنس:
أ- هو السُّنة الثابتة المستفيضة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - التي كان يأمر بها عُمَّاله، وروى أبو داود وغيره أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ: "خُذ الْحَبَّ من الْحَبِّ، والشاة من الغَنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر"[6]، والحجَّة في عمل النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ب- وهو الذي دَرَج عليه المسلمون خلفًا عن سلف، وذلك شرْعٌ وفرْضٌ بلا ريب.
ج- أنَّ أخْذ القيمة - مع كونه ليس له مستندٌ من الأثر - يُفضِي إلى أن تكون الزكاة شبه الْجِزْيَة والضرائب، وأنْ تُنسَى المقادير الشرعية والزكوات النبويَّة، وبذلك تخفى تلك الشعيرة العظيمة.
د- أنَّ الذين جوَّزوا أخْذ القيمة عن الجنس من تلك الأموال الظاهرة جوَّزوه بشرط أنْ تكون المصلحة ظاهرة في ذلك لحظِّ مَن وجبتْ له، أو أن يكونَ في إلزام من وجبتْ عليه بالعين مشقَّة، مثل: أن يكونَ ما وجَبَ عليه ليس عنده، وذلك يعني أن تجويزَ القيمة - ممَّن جوَّز أخْذَها من أهل العلم - في أحوالٍ استثنائيَّة وقضايا معيَّنة، لا أنْ يكون شريعة عامَّة ومنهجًا مستمرًّا، ولا شك أنَّ الحجة في عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه خلفاؤه الراشدون، وفي الحديث: "دَعْ ما يَريبك إلى ما لا يَريبك"[7].
الخامسة عشرة: زكاة الأموال الموقوفة:
أ- إنْ كانتْ على أشخاص مُعيَّنين وبلَغَ نصيبُ الواحد منهم نصابًا، وجَبَتْ فيها الزكاة، يُخرجُها مالكُه أو يخرجها وليُّه بنيَّة الزكاة، ولا تُجزِئ من غير نيَّة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما الأعمال بالنيَّات"[8].
ب- وإنْ كانتْ على غير مُعيَّنين - كالموقوف على الفقراء أو على أعمال الخير، كبناء المساجد والمدارس الخيريَّة وما يوصِي به الميِّتُ من تَرِكَته، كالثُلث والرُّبع ونحوهما في وجوه البِرِّ - فلا زكاة في هذه الأموال؛ لانتفاء الْمِلْك فيها؛ لأنها وقْفٌ، ومصرفُها كلُّها في بِرٍّ وفِعل خيرٍ.
السادسة عشرة: حكم إعطاء الأقارب الزكاة:
أ- الزكاة تُدْفَع إلى أهلها الذين سَمَّاهم الله في قوله سبحانه: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ﴾ [التوبة: 60]، ولو كانوا من القرابة الذين لا تجب على المزكي نفقتهم؛ حيث إنَّهم ليسوا من أصوله ولا فروعه، أمَّا الوالدان والأجداد وإنْ علَوا، والأولاد ذكورًا وإناثًا وإنْ نزلوا، فإنها لا تُدْفَع إليهم الزكاة، ولو كانوا فقراء، بل يلزم الشخص أنْ يُنْفِقَ عليهم من ماله من غير الزكاة، فكل مَن يَرِثه المزكِّي بالفَرْض لا يجوز أن يَدْفَعَ إليهم زكاته من أصوله وفروعه.
ب- أمَّا سائر الأقارب الفقراء الذين لا يَرِثهم المزكِّي بالفرض - كالأخ الفقير، والأخت الفقيرة، والعم الفقير، والعمَّة الفقيرة - فيُعطيهم من زكاته إذا لَم يُمكن أنْ يواسيهم من ماله إذا كانتْ حاجتهم أشد من غيرهم، ولَم يكنْ في إعطائهم من الزكاة مُحَاباةٌ لهم، وتخصيصٌ لهم دون مَن هو أحقُّ منهم من الأباعد؛ فإنَّ الصدقة على القريب المحتاج الذي لا يَرِثه المزكِّي صدقة وصِلَة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الصدقة في المسكين صَدَقة، وعلى ذي الرَّحِم صدقة وصِلَة"[9].
السابعة عشرة: الاجتهاد في تحرِّي أهل الزكاة:
الزكاة لا تنفَع ولا تَبْرَأ بها الذِّمَّة؛ حتى توضَعَ في الموضع الذي وضَعَها الله فيه، مثل: ذَوِي الحاجة من الفقراء والمساكين، والغارمين الذين عليهم ديون أثْقلتْ كاهِلَهم ولا يستطيعون سدادَها، وإسعاف ابن السبيل المنقطِع؛ لنفادِ ماله أو أخْذه منه بسرقةٍ أو قَهْرٍ ونحو ذلك، فإنَّ هؤلاء من المكروبين والمعسِرين، وتنفيس كُربة المؤمن والتيسير على المسلم المعسِر له موقع عند الله تعالى وثوابه عليه سبحانه.
فينبغي تحرِّي أهلها بعناية واجتهاد؛ حتى تَقَع موقعها؛ فإنَّ الله تعالى قسم الصَّدَقات بنفسه في قوله: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].
لكن إذا اجتهَدَ الشخص في التحرِّي للأحقِّ بصَدَقته، ثم أعطاها شخصًا يغلبُ على ظنِّه أنه مستحقٌّ لها، فتبيَّن أنه فيما بعد غير مستحقٍّ، أجزأتْ عنه، والإثم على مَن أخَذَها، فالله خَصْمه يوم القيامة؛ حيث أخَذ ما لا يستحقُّ، وقطَعَ الطريق على مَن يستحقُّ.
الثامنة عشرة: نوع ما يخرج من الزكاة:
ينبغي للمزكِّي أنْ ينتقي من المال أحلَّه وأطيبه، وأجودَه وأحبَّه إليه؛ فإنَّ الله تعالى طيِّب لا يَقْبل إلا طيِّبًا، وقد قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 267]، وقال تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92].
ومما يُعينه على ذلك أن يتذكَّر أمرين:
أحدهما: حقُّ الله تعالى فيُعظِّمه بإخراج الطيِّب؛ تقرُّبًا إليه وطَمعًا في القَبول والمضاعَفة؛ فإنَّ الله تعالى إنما يتقبَّل من المتَّقِين.
الثاني: أنْ يعلمَ أن ما يقدِّمه من الصدقة سيجده يوم القيامة؛ فليقدِّم ما يَسرُّه وما يَطمع أنْ تَرْجَحَ به موازينُه؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 272].
التاسعة عشرة: الأحق بالزكاة:
ينبغي أنْ تُعطي زكاتك مَن يغلب على ظنِّك أنه أحوجُ من غيره وأفضلُ من أصناف أهل الزكاة، وتراعي في ذلك حقَّ الجار والرَّحِم، والفضْل في عِلْمٍ أو جهاد واستقامة ونحو ذلك، فكلَّما كانتِ الصدقة أعونَ على طاعة الله، كان ذلك أحرَى بزيادة الثواب وعِظَم الأجْر.
العشرون: نقْل الزكاة من بلدِ المال إلى بلدٍ آخرَ:
لا تُنقَل الزكاة من بلد المال إلى بلد آخرَ؛ فأهل البلدة من أصناف أهل الزكاة أحقُّ بزكاة بلدهم، ومن أدلَّة ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ وقد بعَثَه إلى اليمن: "فأخبرهم أنَّ الله افترضَ عليهم صدقة من أموالهم، تؤخَذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم"[10].
لكن لو كان غيرُهم أحوجَ منهم، فلا بأسَ بنقْلِها، وهكذا نقْلُها لبيت المال ونحو ذلك، لكن ينبغي ألاَّ تُنْقَل كلها - لو ترجَّح نقْلُها - فإنَّ الإنسان أعرفُ بأهل بلده، وإعطاؤها مَن يطمئن إلى حاجته أوْلَى، والبلد أيضًا لا تَخلو من ذي الرَّحِم والجار من الفقراء ونحوهم، وحقُّهما لا يَخفى، ولا سيَّما وهما ينتظران الحول؛ ليُصِيبا من زكاتك.
[1] سبق تخريجه.
[2] سبق تخريجه.
[3] أخرجه الترمذي (636)، وقال: وإنما رُوِي هذا الحديث من هذا الوجه وفي إسناده مَقَال؛ لأنَّ المثنَّى بن الصبَّاح يُضعف في الحديث.
ورُوي نحوه مرفوعًا عن يوسف بن مَاهَك، أخرجه البيهقي (4/ 107)، ويوسف تابعي لَم يُدْرِك النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأورده الهيثمي في المجمع (3/ 6)، وعزاه للطبراني عن أنس بن مالك، ونقل عن الزين العراقي تصحيحه.
[4] أخرجه مالك في الموطأ (1/ 251)، في الزكاة، باب زكاة أموال اليتامى والتجارة لهم فيها.
[5] سبق تخريجه.
[6] أخرجه أبو داود (1599)، وابن ماجه (1814).
[7] أخرجه أحمد في المسند (1/ 200)، والترمذي (2637)، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (8/ 327)، والدارمي (2/ 245)، وابن حِبَّان (512) وصحَّحه، والحاكم (2/ 13)، وصحَّحه، ووافَقه الذهبي، من حديث الحسن بن علي.
[8] أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1908) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[9] أخرجه أبو داود (2355) مختصرًا، والترمذي (695)، وابن ماجه (1699)، وأحمد في مسنده (4/ 18، 213)، قال الترمذي: حسن صحيح، وصحَّحه الحاكم على شرْط البخاري، ووافَقَه الذهبي.
[10] سبق تخريجه.