معوقات على طريق سعادة الأسرة


الحلقة مفرغة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛؛

الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وأسعد الله أوقاتكم في الدنيا والآخرة، وجمعنا الله وإياكم في الدنيا على طاعته، وفي الآخرة في دار كرامته ومستقر رحمته.

في البداية: أشكر مكتب الدعوة والإرشاد بمدينة الرياض على هذا النشاط من الدعوة، وعلى هذا الأسلوب الفريد، والذي يحصل به التجديد، وتحصل به المصلحة والفائدة، حينما يعيش المسلم يوماً إسلامياً متكاملاً يعايش فيه إخوانه، ويتعرف فيه على أحبائه، في أقدس البقاع، وفي أحب الأماكن إلى الله عز وجل، وليأخذ أنموذجاً من الحياة الإسلامية المتكاملة من بداية النهار إلى نهايته، لا ليعيش هذا اليوم فقط، ثم يرجع إلى حياته الأولى، حياة اللهو والعبث واللعب، ولكن ليقضي حياته الجديدة بعد ذلك اليوم بمثل ما قضاها في مثل هذا اليوم، طبعاً بإضافة العمل، لا نريد أن يُفهم من هذا أن يجلس الإنسان في المسجد طول حياته؛ لكن نقدم في يوم الإجازة أنموذجاً بكيف يُستغَل الوقت فيما ينفع، وفي أيام العمل نضيف ساعات العمل الرسمي أو ساعات الكسب المعيشي إلى برنامجنا، ونحن بهذا أيضاً نعبد الله عز وجل. فأشكرهم، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك في جهودهم، وأن يجعل ثوابها في موازين حسناتهم.

ولما كان الموضوع متعلقاً بالأسرة، والمعوقات في طريق سعادتها، فإن هذا هو الموضوع المختار للحديث عنه.

فالأسرة هي الخلية الأولى في البناء الاجتماعي، وهي العش الهادئ الذي ينعم بالعيش فيه جميع أفراد الأسرة، والمكونة من الأم، والأب، والأبناء، والبنات، وحينما تظلل تعاليمُ الإسلام هذه الأسرة فإنها تعيش في سعادة ورفاهية، مواجهة مصاعب الحياة ومشاكلها بالطرق الوقائية، وبالأساليب الشرعية، ذات الحلول الإيجابية.

مسئولية الوالدين عن الأسرة

إن ما نلاحظه في زماننا هذا، وفي كل زمان من التمزق الأُسَري، ومن الفشل العائلي، ومن تشرد الأبناء والبنات، وضياعهم، وإهمالهم، حتى يقضوا حياتهم في غاية البؤس والضياع والفشل والسقوط، وما نشاهده هو نتيجة لجهل الأبوين، وهما قطبا الأسرة، مع نوع من الأفضلية، فالأب: هو المدير العام لشركة الأسرة، والأم: هي نائبة للمدير العام، والأولاد والبنات: هم العاملون في هذه الشركة، والله عز وجل يقول في مسئولية الأسرة: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34] ويقول في قضية الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ... [البقرة:228] ثم قال: (...وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228].

لا تعني هذه الدرجة بأنها أفضلية، وإنما درجة مسئولية، ولا يعني في أي إدارة أنك إذا وجدتً مديراً ونائبه، أن المدير أفضل من نائبه، فربما النائب في قدراته وإمكانياته ودينه أفضل من مائة مدير؛ لكن شاء الله أن يكون هذا مديراً، وهذا يكون نائباً للمدير، وكذلك شاء الله أن يكون مدير الأسرة هو الزوج، ونائبه هي الزوجة، ولا يمكن أن تتدخل في صلاحياته، هو الذي يضع لها صلاحيات، ويحدد لها واجبات على ضوء التكاليف الشرعية، والأوامر الربانية، فإذا جهل الأب وجهلت الأم بالطرق الشرعية لتربية أبنائهما، وأهملا هذا الأمر العظيم الذي هو من أوجب الواجبات باعتباره مسئولية كبيرة فسيواجهون السؤال عنها يوم الوقوف بين يدي الله؛ فيُسأل الإنسان عن أولاده، عن فلذة كبده، عن أمانته؛ أحفظها أم ضيعها؟ يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (كلكم راعٍ، وكل راعٍ مسئول عن رعيته، فالرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته) فهذا الحديث إذا مر علينا فإنا نأخذه بمأخذ السطحية، لا نغوص في أعماق النص، ونعرف ما معنى المسئولية؟

المسئولية تعني: أن الإنسان مسئول وموقوف بين يدي الله، فيسألك الله عن ولدك هذا: لماذا لم تعلمه دين الله؟ لماذا لم تربه على منهج الله؟ لماذا لم تكن له قدوة؟

بعض الناس تكون عنده رغبة في أن يكون ولده صالحاً؛ لكن هو نفسه لم يأخذ نفسه بالصلاح، فيعكس عدم صلاحه على ولده، ويأتي ولده فاسداً، وعندما يُسأل يوم القيامة هل يقول: إنه بنفسه؟ لا. ليس بنفسه، بل أنت الذي أفسدته بسلوكك، وبعدم التزامك فانعكست هذه الأخلاقيات والسلوكيات السلبية على ولدك، ولو كنت صالحاً لأصلح الله عز وجل ولدك.

ويقول عليه الصلاة والسلام في بقية الحديث: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها) وهذه الرعاية تقتضي الاهتمام بكل ما من شأنه المساس بمصلحة هذه الأسرة، في الكبير والصغير، والدقيق والجليل، في الدنيا والآخرة .. في الاجتماع.. في الاقتصاد .. في كل شئون الأسرة، مسئولة عنها، ولكنها تعني أول ما تعني: الاهتمام بالجانب المهم في حياة الأسرة، ألا وهو: جانب الإيمان..جانب الدين..جانب العقيدة والسلوك والأخلاق، ويوم أن يحصر الناس اهتماماتهم في تأمين الطعام والشراب، والكساء والسكن والسيارة، وتُهمل تلك الجوانب المهمة، فإن الأمة تنعكس وتنتكس وتتردى، وتعيش حياة البؤس والشقاء، فكم وجدنا من أسر تعيش في قصور عالية، وتركب سيارات فارهة، وتلبس ملابس عظيمة، وتأكل الأصناف المتعددة؛ لكن الجهل يخيم على هذه الأسرة، والفُسق يسيطر عليها، والشقاق والنفاق -والعياذ بالله- والتمزق العائلي! لماذا؟ لغياب الشريعة، ولغياب دين الله عز وجل في الهيمنة، وكم رأينا أسراً تعيش في أكواخ، وتلبس أسمالاً بالية، وتأكل طعاماً ناشفاً، وتمشي على أقدام حافية، ولكن بالإيمان والدين تكون الرابطة بين الزوجين وبين الأولاد والبنات قوية، وتظللهم السعادة في الدنيا قبل السعادة في الآخرة.

ويوم أن يحصر الناس اهتماماتهم فقط في المأكل والمشرب فإن الأسر تتردى، وتعيش حياة البؤس والشقاء، وتنتشر المشاكل والمآسي، وهو ما نلاحظه اليوم في كثير من المجتمعات في هذا الزمان.

فضل حِلَق الذكر

حتى تعيش الأسر في سعادة وراحة وأمن واطمئنان، فإن هناك أسباباً، ووسائل، وأيضاً هناك موانع ومعوقات تحول دون تحقيق السعادة لهذه الأسر، وتؤدي إلى تحطيم كيانها، وزعزعة سعادتها، وهي كثيرة جداً، ولكن الإخوة المشرفين على هذه الندوة، وعلى هذا اليوم الإسلامي المبارك، الذي تقطفون فيه من الحسنات منذ أن دخلتم من الساعة السادسة إلى الساعة الثامنة -بإذن الله- ما يُسجَّل على واحد منكم سيئة واحدة في ديوان السيئات -بإذن الله عزَّ وجلَّ- إذْ كيف يُسجل عليك سيئات وأنت جالس مع الله! تذكر الله .. تأكل باسم الله .. تقوم إلى الصلاة .. تسمع العلم .. يدخل في رأسك كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم؟! ومن أين تأتيك المعاصي؟! ما نظرتَ إلى حرام! وما سمعتَ حراماً! وما تكلمت بحرام! وما آذيتَ مسلماً! فأنت في روضة من رياض الجنة، والملائكة منذ أن دخلتَ وهي تصلي عليك وتقول: اللهم اغفر له .. اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، وتخرج وأنت (مليونير) في الحسنات، هذه نعمة أم ليست بنعمة يا إخوان؟!

وكثير من الناس يقضي مثل هذا اليوم؛ لكنه يقضيه في معصية، وفي لعنة، وفي غضب -والعياذ بالله- يذهب إلى الوديان، وإلى الجبال، ولا مانع من أن يذهب إذا كان في أمرٍ حلال؛ لكن يذهب ومعه المنكرات والمعاصي، والدخان والشِّيشة، والأفلام والتبرج -والعياذ بالله- وضياع الصلوات، واللعن والسب، والكلام الساقط، ويرجع وهو (مليونير) في السيئات، متوج بغضب الله ولعنته والعياذ بالله.

أنت في يوم وهو في يوم، لكن شتان ما بين اليومين مثل ما بين السماء والأرض، يوم معك فيه الملائكة، يوم يباهي بك الله عز وجل في الملأ الأعلى؛ لأنك جالس في مجلس ذكر، والحديث في صحيح البخاري: يقول عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سَوَّاحة -متجولـة- تطوف حلق الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله حفوهم إلى عنان السماء، ثم يصعدون إلى الله عز وجل، فيسألهم وهو أعلم: كيف وجدتُم عبادي؟ قالوا: وجدناهم يهللونك ويسبحونك ويقدسونك، فيقول الله: فما وجدتموهم يسألونني؟ فيقولون: وجدناهم يسألونك الجنة؟ فيقول الله: وهل رأوها؟ قالوا: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ قالوا: لازدادوا لها طلباً وفيها رغبة، فيقول الله عز وجل: فما وجدتموهم يستعيذون بي؟ -اللهم إنا نستعيذ بك من عذابك ومن النار- فيقولون: وجدناهم يستعيذون بك من النار، فيقول الله: وهل رأوها؟ قالوا: لا، فيقول الله: فكيف لو رأوها؟ قالوا: لازدادوا منها هرباً وخوفاً، فيقول الله: أشهدكم أني قد غفرتُ لهم)

اللهم إنا نسألك من فضلك في هذه الساعة يا ربي أن تغفر ذنوبنا، وأن تستر عيوبنا، وأن تغفر ذنوب آبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا، وزوجاتنا وجيراننا وجميع إخواننا المسلمين.

ودائماً -يا أخي!- إذا دعوتَ فكبِّر الدعوة، لا تجعلها صغيرة، إذا دعوت فادعُ لك، ولوالدَيك ولإخوانك، ولزوجاتك ولذرياتك، ولجيرانك ولجميع المسلمين، وقد تقول: إنها كثيرة، لكن ما عند الله أكثر، ليس كثيراً على الله، اطلب فإنك تطلب غنياً، يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي في صحيح مسلم عن أبي ذر الغفاري: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني، فأعطيتُ كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) إذا أدخلتَ إبرة الخياطة في البحر وأخرجتها هل تنقص البحر؟ اذهب وقس طرف البحر وانظر كم نقَّصت الإبرة، لا إله إلا الله! وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [لقمان:27] غني عظيم، ولذا إذا طلبت الغني فكثِّر واطلب، والله عز وجل يحب العبد الملحاح، ويحب الذي يُكثر الدعاء؛ لأنه غني تبارك وتعالى، نسأل الله أن يدخلنا في واسع رحمته.

- المعوقات التي تحطم كيان الأسرة :-

إن هناك معوقات كثيرة، اختار الإخوة المشرفون على المجلس وعلى اليوم الإسلامي منها ثلاثة فقط، وهي:

أولاً: المخدرات.

ثانياً: الأفلام.

ثالثاً: الأصدقاء.

هذه قنابل على الأسرة، هذه معاول في هدم كيان الأسر وسعادة الأسر: المخدرات..الأفلام.. والأصدقاء.

إن ما نلاحظه في زماننا هذا، وفي كل زمان من التمزق الأُسَري، ومن الفشل العائلي، ومن تشرد الأبناء والبنات، وضياعهم، وإهمالهم، حتى يقضوا حياتهم في غاية البؤس والضياع والفشل والسقوط، وما نشاهده هو نتيجة لجهل الأبوين، وهما قطبا الأسرة، مع نوع من الأفضلية، فالأب: هو المدير العام لشركة الأسرة، والأم: هي نائبة للمدير العام، والأولاد والبنات: هم العاملون في هذه الشركة، والله عز وجل يقول في مسئولية الأسرة: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34] ويقول في قضية الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ... [البقرة:228] ثم قال: (...وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228].

لا تعني هذه الدرجة بأنها أفضلية، وإنما درجة مسئولية، ولا يعني في أي إدارة أنك إذا وجدتً مديراً ونائبه، أن المدير أفضل من نائبه، فربما النائب في قدراته وإمكانياته ودينه أفضل من مائة مدير؛ لكن شاء الله أن يكون هذا مديراً، وهذا يكون نائباً للمدير، وكذلك شاء الله أن يكون مدير الأسرة هو الزوج، ونائبه هي الزوجة، ولا يمكن أن تتدخل في صلاحياته، هو الذي يضع لها صلاحيات، ويحدد لها واجبات على ضوء التكاليف الشرعية، والأوامر الربانية، فإذا جهل الأب وجهلت الأم بالطرق الشرعية لتربية أبنائهما، وأهملا هذا الأمر العظيم الذي هو من أوجب الواجبات باعتباره مسئولية كبيرة فسيواجهون السؤال عنها يوم الوقوف بين يدي الله؛ فيُسأل الإنسان عن أولاده، عن فلذة كبده، عن أمانته؛ أحفظها أم ضيعها؟ يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (كلكم راعٍ، وكل راعٍ مسئول عن رعيته، فالرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته) فهذا الحديث إذا مر علينا فإنا نأخذه بمأخذ السطحية، لا نغوص في أعماق النص، ونعرف ما معنى المسئولية؟

المسئولية تعني: أن الإنسان مسئول وموقوف بين يدي الله، فيسألك الله عن ولدك هذا: لماذا لم تعلمه دين الله؟ لماذا لم تربه على منهج الله؟ لماذا لم تكن له قدوة؟

بعض الناس تكون عنده رغبة في أن يكون ولده صالحاً؛ لكن هو نفسه لم يأخذ نفسه بالصلاح، فيعكس عدم صلاحه على ولده، ويأتي ولده فاسداً، وعندما يُسأل يوم القيامة هل يقول: إنه بنفسه؟ لا. ليس بنفسه، بل أنت الذي أفسدته بسلوكك، وبعدم التزامك فانعكست هذه الأخلاقيات والسلوكيات السلبية على ولدك، ولو كنت صالحاً لأصلح الله عز وجل ولدك.

ويقول عليه الصلاة والسلام في بقية الحديث: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها) وهذه الرعاية تقتضي الاهتمام بكل ما من شأنه المساس بمصلحة هذه الأسرة، في الكبير والصغير، والدقيق والجليل، في الدنيا والآخرة .. في الاجتماع.. في الاقتصاد .. في كل شئون الأسرة، مسئولة عنها، ولكنها تعني أول ما تعني: الاهتمام بالجانب المهم في حياة الأسرة، ألا وهو: جانب الإيمان..جانب الدين..جانب العقيدة والسلوك والأخلاق، ويوم أن يحصر الناس اهتماماتهم في تأمين الطعام والشراب، والكساء والسكن والسيارة، وتُهمل تلك الجوانب المهمة، فإن الأمة تنعكس وتنتكس وتتردى، وتعيش حياة البؤس والشقاء، فكم وجدنا من أسر تعيش في قصور عالية، وتركب سيارات فارهة، وتلبس ملابس عظيمة، وتأكل الأصناف المتعددة؛ لكن الجهل يخيم على هذه الأسرة، والفُسق يسيطر عليها، والشقاق والنفاق -والعياذ بالله- والتمزق العائلي! لماذا؟ لغياب الشريعة، ولغياب دين الله عز وجل في الهيمنة، وكم رأينا أسراً تعيش في أكواخ، وتلبس أسمالاً بالية، وتأكل طعاماً ناشفاً، وتمشي على أقدام حافية، ولكن بالإيمان والدين تكون الرابطة بين الزوجين وبين الأولاد والبنات قوية، وتظللهم السعادة في الدنيا قبل السعادة في الآخرة.

ويوم أن يحصر الناس اهتماماتهم فقط في المأكل والمشرب فإن الأسر تتردى، وتعيش حياة البؤس والشقاء، وتنتشر المشاكل والمآسي، وهو ما نلاحظه اليوم في كثير من المجتمعات في هذا الزمان.

حتى تعيش الأسر في سعادة وراحة وأمن واطمئنان، فإن هناك أسباباً، ووسائل، وأيضاً هناك موانع ومعوقات تحول دون تحقيق السعادة لهذه الأسر، وتؤدي إلى تحطيم كيانها، وزعزعة سعادتها، وهي كثيرة جداً، ولكن الإخوة المشرفين على هذه الندوة، وعلى هذا اليوم الإسلامي المبارك، الذي تقطفون فيه من الحسنات منذ أن دخلتم من الساعة السادسة إلى الساعة الثامنة -بإذن الله- ما يُسجَّل على واحد منكم سيئة واحدة في ديوان السيئات -بإذن الله عزَّ وجلَّ- إذْ كيف يُسجل عليك سيئات وأنت جالس مع الله! تذكر الله .. تأكل باسم الله .. تقوم إلى الصلاة .. تسمع العلم .. يدخل في رأسك كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم؟! ومن أين تأتيك المعاصي؟! ما نظرتَ إلى حرام! وما سمعتَ حراماً! وما تكلمت بحرام! وما آذيتَ مسلماً! فأنت في روضة من رياض الجنة، والملائكة منذ أن دخلتَ وهي تصلي عليك وتقول: اللهم اغفر له .. اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، وتخرج وأنت (مليونير) في الحسنات، هذه نعمة أم ليست بنعمة يا إخوان؟!

وكثير من الناس يقضي مثل هذا اليوم؛ لكنه يقضيه في معصية، وفي لعنة، وفي غضب -والعياذ بالله- يذهب إلى الوديان، وإلى الجبال، ولا مانع من أن يذهب إذا كان في أمرٍ حلال؛ لكن يذهب ومعه المنكرات والمعاصي، والدخان والشِّيشة، والأفلام والتبرج -والعياذ بالله- وضياع الصلوات، واللعن والسب، والكلام الساقط، ويرجع وهو (مليونير) في السيئات، متوج بغضب الله ولعنته والعياذ بالله.

أنت في يوم وهو في يوم، لكن شتان ما بين اليومين مثل ما بين السماء والأرض، يوم معك فيه الملائكة، يوم يباهي بك الله عز وجل في الملأ الأعلى؛ لأنك جالس في مجلس ذكر، والحديث في صحيح البخاري: يقول عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سَوَّاحة -متجولـة- تطوف حلق الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله حفوهم إلى عنان السماء، ثم يصعدون إلى الله عز وجل، فيسألهم وهو أعلم: كيف وجدتُم عبادي؟ قالوا: وجدناهم يهللونك ويسبحونك ويقدسونك، فيقول الله: فما وجدتموهم يسألونني؟ فيقولون: وجدناهم يسألونك الجنة؟ فيقول الله: وهل رأوها؟ قالوا: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ قالوا: لازدادوا لها طلباً وفيها رغبة، فيقول الله عز وجل: فما وجدتموهم يستعيذون بي؟ -اللهم إنا نستعيذ بك من عذابك ومن النار- فيقولون: وجدناهم يستعيذون بك من النار، فيقول الله: وهل رأوها؟ قالوا: لا، فيقول الله: فكيف لو رأوها؟ قالوا: لازدادوا منها هرباً وخوفاً، فيقول الله: أشهدكم أني قد غفرتُ لهم)

اللهم إنا نسألك من فضلك في هذه الساعة يا ربي أن تغفر ذنوبنا، وأن تستر عيوبنا، وأن تغفر ذنوب آبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا، وزوجاتنا وجيراننا وجميع إخواننا المسلمين.

ودائماً -يا أخي!- إذا دعوتَ فكبِّر الدعوة، لا تجعلها صغيرة، إذا دعوت فادعُ لك، ولوالدَيك ولإخوانك، ولزوجاتك ولذرياتك، ولجيرانك ولجميع المسلمين، وقد تقول: إنها كثيرة، لكن ما عند الله أكثر، ليس كثيراً على الله، اطلب فإنك تطلب غنياً، يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي في صحيح مسلم عن أبي ذر الغفاري: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني، فأعطيتُ كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) إذا أدخلتَ إبرة الخياطة في البحر وأخرجتها هل تنقص البحر؟ اذهب وقس طرف البحر وانظر كم نقَّصت الإبرة، لا إله إلا الله! وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [لقمان:27] غني عظيم، ولذا إذا طلبت الغني فكثِّر واطلب، والله عز وجل يحب العبد الملحاح، ويحب الذي يُكثر الدعاء؛ لأنه غني تبارك وتعالى، نسأل الله أن يدخلنا في واسع رحمته.

- المعوقات التي تحطم كيان الأسرة :-

إن هناك معوقات كثيرة، اختار الإخوة المشرفون على المجلس وعلى اليوم الإسلامي منها ثلاثة فقط، وهي:

أولاً: المخدرات.

ثانياً: الأفلام.

ثالثاً: الأصدقاء.

هذه قنابل على الأسرة، هذه معاول في هدم كيان الأسر وسعادة الأسر: المخدرات..الأفلام.. والأصدقاء.

المعوق الأول: وهو أخطرها، وأشدها فتكاً، وأعظمها تحطيماً للأسر والمجتمعات والدول والشعوب: آفة المخدرات:-

المخدرات هي التي لا يقف ضررها عند حد، بل يتجاوز كل حد، ولا يسلم من أثرها أحد؛ لأنها شرور لا يعلمها إلا الله.

إن الفرد، والمجتمع، والشعب، والدولة، بل العالم كله ليعاني الآن من آثارها، وأضرارها، حتى أجمعت الأمم كلها -كافرها ومسلمها، كبيرها وصغيرها- على محاربة المخدرات؛ لقناعتها بأن أضرارها بالغة لا تُقاس؛ في الدين، والصحة، والاجتماع، والأمن، والاقتصاد، ومن أجل ذلك تحارَب على كافة المستويات.

وكيف تُحَطَّم الأُسَر عن طريق المخدرات؟

تُحَطَّم الأُسَر يوم أن تُمارَس المخدرات عن طريق أول جُرعة، وقد جرِّب ذلك، وكثير من الناس وقعوا مع أول خطوة، وانتهوا عند أول حبة تناولوها، يجلس أحدهم في المقهى، وهي مساجد الشيطان، إذا أردتَ أن ترى مساجد إبليس فاذهب إلى المقاهي، سترى المؤذن، وهو: المغني، وترى المآذن، وهي: الشِّيَش، وفوقها النار، وترى المصلين وهم قابعون على الكراسي، وكل منهم مادٌّ رجله، والشيطان يلعنهم ويسخط عليهم، ويبول في آذانهم، ويوم القيامة يتبرأ منهم، ويقول لهم: وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ [إبراهيم:22] يقول: ما أخذتكم بحبل ولا بكتاب ولا غيرهما، هل يجد الشيطان أحدهم إلى القهوة؟ لا. إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم:22].

من الناس من يترك زوجته وأطفاله ويخرج من بعد العشاء ولا يرجع إلا الساعة الثانية عشرة ليلاً أو الواحدة ليلاًً، وأين هو؟ وهو يعبي جمراً أحمر -والعياذ بالله- ولا يطرب إلا لقرقرتها فوق رأسه، والشيطان يكبر ويهلل من عليها، يكبر تكبيرة شيطانية، تقرقر فوق رأسه فيحس لهذه القرقرة أنغاماً أعظم عنده من ترتيل القرآن، لا إله إلا الله! وبعد ذلك؟

أيضاً يمارس نوعاً آخر من العبادة، يلعب (الورق، وكبُّود، والدِّمنة، والكَيْرَم) ويضيع حياته -والعياذ بالله- ثم يتفل الشيطان في وجهه، ولا يعود إلى البيت إلا والشيطان فوق رقبته؛ لأن الشيطان الآن متطور، كان في السابق يمشي، أما الآن فأصبح يركب سيارات؛ لكنها ليست من حديد، وإنما سيارات بشرية، يقول الله: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ [المجادلة:19] استولى عليهم واستعمرهم، وقرطسهم ووضعهم في جيبه: فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المجادلة:19].

يأتي الرجل ويجلس في القهوة، وذاك يضحك وهو منبسط، فيسأله الرجل ويقول: ماذا بك يا أخي؟ فيقول: هناك شيء ليس عندك، فيقول: وما هو؟ فيقول: ذُق لترى، ذُق فقط، فيقول: وما هذا؟ فيقول: هذا يجعلك ترى مصر وأنت هنا، فيقول: هات ننظر، وأخذ حبة وبلعها، فيقول: بكم هذه الحبة؟ فيقول: بعشرة، أو بخمسين، أو بمائة، وبدأ في الانزلاق، فيجيء في اليوم الثاني فلا يستطيع أن يصبر! ولا بد من حبة، فيحرم أولاده من مصروف المدرسة؛ لكي يشتري حبة، ويجعل ولده وبنته في المدرسة بدون فُسحة، يشحذون من الأولاد: أعطني قطعة جبنة! أعطني قطعة (ساندويتش)! فيقال له: لماذا؟ فيقول: أبي لم يعطني شيئاً، فيقال له: لماذا؟ فيقول: ليس عنده نقود، وهو عنده نقود، ولكن اشترى بها مخدرات، وبعد ذلك تستمر الانزلاقة إلى أن يفتقر الرجل، ويصبح راتبه كله في المخدرات، ولا يعطي أولاده شيئاً، فيموتون جوعاً، لماذا؟ لأنه لا يستطيع، فتنتهي رواتبه، وإذا لم تكفه فإنه يذهب ليسرق، يسرق حلية زوجته، ويدخل على المرأة، ويقول: انظري! أنا متورط .. أنا زهقان .. هناك أزمة .. أسرعي .. أعطيني (بِنْجِرة) أو أعطيني خاتماً، أو أعطيني قطعة من حليك؛ لأنني محتاج محتاج (ومزنوق إلى رقبتي) وهو فعلاً كذلك ورطة إبليس -والعياذ بالله- في هذه المأساة، وما ظنك عندما تضيع الأسرة بهذا الزوج الفاشل، فالأولاد يضيعون؛ لأنه لا يعرف عنهم شيئاً، والبنات يضِعنَ، والزوجة إذا كانت بلا دين ربما تضيع، وتذهب لتشتغل، إما بعمل مهني، أو ربما تبيع عرضها من أجل أن تكسب شيئاً تقتات به هي وأولادها بسبب هذا الخبيث الذي تدهور في بؤرة وحفرة المخدرات.

أعراض إدمان المخدرات

هذه المخدرات، نعرف أعراضها، في كثيرٍ ممن يتعاطاها؛ لأنها ظاهرة، فمجرد أن تراه تعرف أنه من أهل المخدرات، كيف؟

- أولاً: الشعور بالخمول:-

خامل حتى في عمله، حتى في دوامه، يأتي الساعة التاسعة والنصف، وإذا جاء أرخى ظهره على الكرسي، فيقال له: ما بك؟ فيقول: أنا متعب، لا أدري ماذا بي، فيقال: ما الذي أتعبك؟ أين كنت؟ هل كنت تجاهد؟ فيقول: لا ولكن متعب لا أدري ماذا بي، أحس نفسي أنني لستُ بجيد؛ لأنها خَدَّرَتْكَ المخدرات، فالشعور بالخمول دائماً وباستمرار، فهو خامل لا يستطيع أن يأخذ حتى ورقة، حتى في العمل نفسه، فتقول له: اكتب المعاملة هذه، فيقول: حاضر، فيكتبها: سعادة مدير عام كذا وكذا، أو مدير كذا وكذا، مرفقة المعاملة المتعلقة بفلان، نأمل الاطلاع والإحاطة والتوجيه، فقط وتخلص منها؛ لكن هل درسها، وعرف مضمونها، والتي رأينا، والتي لها خيارات، الخيار الأول.. الخيار الثاني..يقدم معلومات، فيأتي المسئول يقرأها، هل هي كاملة من خلال المعاملة كلها أم لا؟ فهذه ليست موجودة، لماذا؟ لأنه كسلان..تعبان..مخدر..يشعر دائماً بالخمول والكسل والاكتئاب، ودائماً هو غضبان ومكتئب وأعضاؤه كلها مرتخية والعياذ بالله.

ثانياً: اتساع حدقة العينين:-

وأيضاً ظاهرة تراها فيه فتعرفها، وهي: اتساع حدقة العينين، عيونه موسَّعة، لماذا؟ نتيجة الاكتئاب والشد العضلي والنفسي فتتوسع عيناه؛ لأنه لا ينام، فتتوسع عيناه كأنها عينا سكران والعياذ بالله.

- ثالثاً: ارتفاع درجة الحرارة:-

عندما تلمسه تجد حرارته مرتفعة باستمرار، فتلتهب تأثير هذه الحبوب.

- رابعاً: الصداع:-

- خامساً: الدوار:-

- سادساً: تصلُّب المعدة:-

- سابعاً: الضعف العام في كل جسده:-

- ثامناً: جفاف الفم:-

- تاسعاً: الرغبة في النوم:-

فرغبته دائمة في النوم، يرقد ويرقد إلى أن يقوم وقد تقلبت عيونه، وانتفخت، وأصبحت عينه الواحدة مثل الساعة من كثرة النوم، وإذا جاء في الصباح ليلبس أحذيته، فإنه لا يدخل حتى رجله بأكملها، يدخل نصف رجله، ويسحبها في الشارع سحباً، ويرمي بـ(غترته) على كتفه، وحتى زراره الذي على رقبته لا يشده، فلا فراغ لديه لذلك؛ لأنه يراه متعباً له، فيقول: كيف أشد زراري ثم أفتحه فيما بعد؟! لا. أتركه مفتوحاً من الآن، لا إله إلا الله!!

ثم بعد ذلك يستمر في التدهور إلى درجة أنه لا يعرف من هو.

قال لي أحد المسئولين في إدارة المخدرات: إن هناك شخصاً من المتعاطين سئل وقيل له: ما اسمك؟ فقال: هاه؟! ماذا تقول؟ قيل: ما اسمك؟ قال: أنا؟! دعني أتذكر! مَن أنا؟! لستُ أدري!

لا إله إلا الله! هل هناك تحطيم أعظم من هذا التحطيم؟! من إنسان لا يعرف من هو؟! لا يعرف ما اسمه، أهو علي، أم عبد الله، أم سعيد، أم محمد؟! أي خير تأمله، أو أي شيء تريده من هذا الإنسان الذي لا يعرف من هو؟! أتريده أن يستمر في القيام بدوره في أسرته, أو في مجتمعه، أو في وطنه؟! كيف سيكون؟!

سيكون مسكيناً وكرة يلعب بها الشيطان، كما يلعب بها الصبيان، وهو ما تسعى إليه دول الكفر في أن تورِّد لنا هذه السموم حتى تقضي علينا، وأنتم تعرفون أن من يقرأ التاريخ، يعرف كيف استطاعت بريطانيا أن تحطم وتستعمر الصين عن طريق المخدرات، إلى أن أتى رئيسٌ لهم وقضى على المخدرات، وإذا بـالصين تنهض، وتصبح الدولة الخامسة العُظمى في العالم، وتفجر الذرة، وتكتشف القنبلة الذرية. هذا بعد ماذا؟ بعد تَحررها من رِبْقة المخدرات.

لقد أنعم الله على الإنسان بالعقل؛ ليكون مسئولاً عن تصرفاته، وليقوم بتكاليف الدين، ولذا فإن مناط التكليف العقل، يقـول عليه الصلاة والسلام: (رُفع القلم عن ثلاثة: ...) الحديث، وهذا من خصائص الدين الإسلامي، أنه إذا كان هناك عقل فإن هناك مؤاخذة، وإذا ارتفع العقل ارتفعت المؤاخذة، لماذا؟ لأن العقل هو الذي يضبط تصرفاتك: (رُفع القلم عن ثلاثة: ...) والمخدرات بأشكالها وأنواعها وجميع أصنافها المختلفة، تقوم بإفساد العقل، والقضاء عليه، وتعطيله عن القيام بدوره، وتحويل الإنسان من إنسان عاقل إلى إنسان مجنون، يقول ابن الوردي:

واترك الخمرة، لا تشربها     كيف يسعى لجنون من عقلْ

وقد نشأت المخدرات منذ القدم، عن طريق تعرف الإنسان على بعض النباتات والأعشاب، وتناولها، ثم الاستمرار عليها، حتى يحدث لديه الإدمان، وهو الاعتماد الجسدي والعقلي عليها، ولذا تفتح الدولة الآن مستشفيات، اسمها: مستشفيات الأمل؛ لأن صاحب المخدرات لا يستطيع أن يتركها من عنده، بل لا بد من علاج؛ لأن المخدرات أصبحت جزءاً من تركيبته الجسدية، وأصبحت جزءاً من تركيبة دماغه وعقله، بحيث أنه إذا لم يجدها فإنه لا يستطيع العيش؛ ألا ترون بعض المدمنين إذا لم يجد المخدرات كيف يتصلب، ويحرك يديه، ويصعد عينيه، ويتلوى، ويقع في الأرض، ويتقلب، ويمدد رجليه ويديه؟! لماذا؟ لأنه نقص عليه شيء، فلا يحاول أن يعود إلى وضعه إلا عن طريق المخدرات، فتصبح المخدرات بعد الإدمان جزءاً من التركيب الجسدي والنفسي.

إذاً: هو يبدأ بجرعة صغيرة، ثم ثانية، ثم ثالثة، ثم لا يلبث أن يقع فريسة للمخدر، ويعجز عن الإقلاع عنه، وإذا لم يتناوله تعرَّض للآلام والتشنجات.

نشأة المخدرات

وقد نشأت المخدرات منذ القدم، عن طريق تعرف الإنسان على بعض النباتات والأعشاب، وتناولها، ثم الاستمرار عليها، حتى يحدث لديه الإدمان، وهو الاعتماد الجسدي والعقلي عليها، ولذا تفتح الدولة الآن مستشفيات، اسمها: مستشفيات الأمل؛ لأن صاحب المخدرات لا يستطيع أن يتركها من عنده، بل لا بد من علاج؛ لأن المخدرات أصبحت جزءاً من تركيبته الجسدية، أصبحت جزءاً من تركيبة دماغه وعقله، بحيث أنه إذا لم يجدها فإنه لا يستطيع العيش؛ ألا ترون بعض المدمنين إذا ما وجد المخدرات كيف يتصلب، ويحرك يديه، ويصعد عينيه، ويتلوى، ويقع في الأرض، ويتقلب، ويمدد رجليه ويديه؟! لماذا؟ لأنه نقص عليه شيء، فلا يحاول أن يعود إلى وضعه إلا عن طريق المخدرات، فتصبح المخدرات بعد الإدمان جزءاً من التركيب الجسدي والنفسي.

إذاً: هو يبدأ بجرعة صغيرة، ثم ثانية، ثم ثالثة، ثم لا يلبث حتى يقع فريسة للمخدر، ويعجز عن الإقلاع عنه، وإذا لم يتناوله تعرَّض للآلام والتشنجات.

أسباب تعاطي المخدرات

وهناك أسباب تدفع الناس إلى الوقوع في المخدرات، سواءً كانوا رجالاً أو نساء أو أولاداً أو بناتاً.

فبعض الناس لا يقع فيها مباشرة من عنده، بل لا بد من شخص يغرر به، ويخدعه ويمكر به، ويقول له: أتريد أن أريك شيئاً ينفعك، ويفعل بك كذا، فيقول: نعم، فيقول: خذ. فيقع.

إذاً: ما هي هذه الأسباب؟

هذه الأسباب هي:

- السبب الأول: ضعف الوازع الديني، وعدم الخوف من الله:-

هذا أول سبب، إذ أن الذي يخاف من الله، وعنده إيمان، -فوالله- لا يتناولها، ولا يقرب منها، ولا يتعرف عليها؛ لكن البيئة الخصبة، والمجال الرحب لزرع وشيوع المخدرات هو ضعف الوازع الإيماني، وعدم المراقبة والخوف من الله عز وجل.

- السبب الثاني: مجاراة أصدقاء السوء، ورفقاء الباطل، والمجاملة لهم:-

فالدخان يبدأ بأول سيجارة، والخمر يبدأ بأول كأس، والمخدرات تبدأ بأول حبة عن طريق المجاملة، فبعض الناس يجلس مع هؤلاء الأصدقاء والرفقاء، فيفتح أحد الأصدقاء والرفقاء الباكِت، ويخرج منه السيجارة مثل المدفع، ويقول له: تفضل. يريد أن يكرمه، بل يريد أن ينسفه بمدفعه الشيطاني -والعياذ بالله- فيقول: شكراً، فيقول: لا يا شيخ! جرِّب..لا بأس..لا يهمك شيء، أنا عندي الكثير منه يظن أنه رفض؛ لأنه ظن أنه بخيل! (بينما هو) لا يريدها ولا يريد صاحبها.

أحد الناس وهو دكتور، كنت أنا وهو نتكلم في موضوع الدخان، وهو يعلمني بجميع أضراره، وبينما نحن نتكلم إذا به يدخل يده في جيبه من غير شعور وهو يتكلم معي، ويخرج الباكِت، ويخرج منه السيجارة، ثم يقدَّم لي، فقلتُ: لماذا هذا؟ انتبه! فقال: آسف.. آسف والله نسيت! فالعادة أصبحت (أوتوماتيكياً) تبعاً للشيطان، فيخرجها بدون شعور منه، والعياذ بالله.

- السبب الثالث: الاعتقاد بزيادة القدرة على السهر، وزيادة الإنتاج:-

وهذا اعتقاد باطل، فالبعض يعتقدون أن الذي يشرب المخدرات يستطيع أن ينتج أكثر، ويسهر أكثر، ولذا يشربها السائقون في أيام المواسم، مواسم الحج والأعياد، لا يريد أن ينام في ليل ولا في نهار، فيأخذ حبوباً، ثم يعود فينام نومة لا يقوم منها إلى يوم القيامة، يريد أن يسهر ساعات، فيرقد أياماً وليالي -والعياذ بالله- إما في حادث مروري، وإما أن يقع في السجن، وإما أن تحدث له نكبة؛ لأسباب تعاطيه هذه الحبوب التي يسمونها: ( حبوب الكونغو ).

- السبب الرابع: الاعتقاد الخاطئ بأن للمخدرات علاقة بالجنس:-

فيكون لدى المتعاطي ضعف جنسي، لا يستطيع أن يمارس عملية الجنس مع زوجته، فيقول له شخص: أتريد أن تكون قوياً، فيقول: نعم. فيقول: إذاً: خذ لك هذه الحبوب، فيبرُك ويتعطل، ولم يعد يقدر على فعل شيء بالمرة، لا -يا أخي- إذا أردت أن تكون كذلك، فأولاً عليك بالتحصن من الحرام، غُض بصرك عن الحرام، صُنْ سمعك عن الحرام، لا تنظر إلى الحرام؛ لأن النظر والسماع يصرف جزءاً من شهوتك؛ ولكن إذا أمسكت نفسك عن الحرام، وصرفته في الحلال، فستقوى، وأيضاً: كُلْ مما رزقك الله من الطيبات، كل من الشحم واللحم، والبر والسمن والعسل، والتمر، وهذا يجعلك رجلاً بدون مخدرات.

- السبب الخامس: الاعتقاد الخاطئ بأنها علاج للأرق والقلق:-

فبعض الناس لا يأتيه نوم في الليل، فيقول: كيف أنام؟ فيقال له: خذ لك حبوباً ونم. وهي في الحقيقة ليست منومة، وإنما هي مزعجة والعياذ بالله.

- السبب السادس: إيهام المتعاطي بأنها تنسيه مشاكله، وأنها تقضي على آلامه وأوضاعه:-

وهذا خطأ، وكما يقال: (دخِّن عليها تنجلي)، فالأصح: دخِّن عليها تضيق وتشتد، لا أنها تنجلي.

- السبب السابع: وفرة المال:-

وخصوصاً عند الشباب الصغار الذين لا يبالي آباؤهم بالمبالغ التي في أيديهم.

إن الشباب والفراغ والجِدة      مفسدة للمرء أي مفسدة

فإذا كان عمر الشاب خمسة عشر عاماً أو عشرين عاماً، وأبوه يرمي بالأوراق المالية في جيبه، ولا يحاسبه، وهو لا يعرف قيمة المال، لأنه لم يتعب فيه، ويذهب فيشتري، وربما يتعاطى، فيقع -والعياذ بالله- وهو قليل التجربة، وأيضاً ناقص الأهلية، ولا يستطيع أن يميز بين الحق والباطل، وبين الشر والخير، فيقع في هذه البلية.

آثار المخدرات على صحة الإنسان

وللمخدرات -أيها الإخوة- آثارها العظيمة المدمرة على صحة الإنسان، وعلى بدنه، وعقله، فهي:

1- تؤثر تأثيراً قوياً على الجهاز العصبي.

2- تؤثر على الجهاز الهضمي.

3- تسبب هبوطاً في القلب.

4- تذهب العقل.

5- تفقد الوعي.

6- توهن الصحة.

7- تقلل من قدرة الإنسان على القيام بالواجبات، فيصبح شخصاً مهزوزاً.. كسولاً.. سطحياً.. متواكلاً.. مهملاً.. منحرف المزاج، تهتز صورته في المجتمع، وتضعف الثقة فيه، فتسيء الأمة الظن به.

آثار المخدرات على أمن الأمة

أما آثارها الأمنية، على الأمة، فهي:

1- أثبتت الدراسات الأمنية وجود رابطة قوية بين متعاطي المخدرات وأصحاب الجرائم؛ جرائم السلب، والقتل، والاغتصاب، والسطو، من أجل ماذا؟ من أجل الحصول على المخدرات، فإن كان المدمن لا يتورع عن السرقة، والنهب، ولا يتورع عن السلب والاغتصاب، من أجل الحصول على هذه المخدرات.

2- لا يتورع عن إفشاء أسرار بلاده لأعدائه؛ في سبيل أن يأخذ شيئاً من هذه المخدرات.

3- ثبت أن نسبة كبيرة من حوادث السير المرورية؛ يكون سببها تعاطي المخدرات عند السائقين الذين يتوهمون أنها تزيد من قدرتهم على السهر ومواصلة السفر.

آثار المخدرات على الاقتصاد

أما الآثار الاقتصادية فواضحة جداً؛ وهي:

1- تعاطيها يؤدي إلى الإدمان -كما أسلفنا- وهذا يتطلب صرف مبالغ طائلة، دون أي جدوى.

2- شيوع البطالة.

3- عدم قيام المدمنين بأعمالهم المنوطة بهم، فيتعطل الإنسان، وينخفض مستوى المعيشة، وتتدهور الأمة، وينتشر الفقر، ويتأثر الاقتصاد، وتحصل الويلات والنكبات، ولذا فإن الدول المتأخرة الآن والفقيرة، سواءً أكانت عربية أو غير عربية، إسلامية أو غير إسلامية، الداء الوبيل الذي يقضي عليها هو: المخدرات.

آثار المخدرات على المجتمع

أما أضرارها الاجتماعية، فإن انتشار المخدرات في أي مجتمع يؤدي إلى الآتي:

1- تدمير المدمنين.

2- وبالتدمير يحصل عجزهم عن القيام بواجباتهم الأسرية.

3- وبالعجز يحصل انتشار الفقر والجهل والمرض، وتتفشى الجرائم والفساد الخلقي وهتك الأعراض.

كل ذلك بأسباب هذا الداء الخطير.

والحمد لله ففي بلدنا ومجتمعنا، وفي ظل قادتنا -بارك الله فيهم- يُحارب هذا الداء محاربة شديدة، ويُضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه أن يسير فيه، سواءً أكان هذا تعاطياً، أو ترويجاً، أو تهريباً، أو بيعاً، كل هذه جرائم، ليس فيها إلا السيف الأبتر.

ولذا فإن مسئولية كل فرد فينا -أيها الإخوة- أن نكون عيناً على هذه الجريمة، ولو كان المجرم ولدك، فلا تتستر على من سمعت أو علمت أن عنده شيئاً من هذه المخدرات، والله إذا تسترت وسكت، ولو كنت لست مسئولاً فأنت مسئول عن هذه الأمة، كلكم مسئول، فإذا علمت أو سمعت عن زميل، أو قريب أو بعيد، أو ولد أو أب، أو زوجة أو بنت، أو أي إنسان في الدنيا مهما كانت صلتك به، إذا علمت أن عنده من هذه شبهة، فبلغ به رأساً سلطات الأمن، وإذا لم تبلغ وتسترت عليه فأنت -والله- خائن لله ولرسوله ولهذه الأمة، وربما تُبتلى أنت إذا سكت، فإنه ربما بعد سنوات ستجد المرض في ولدك، أو في ابنتك، أو زوجتك، أو فيك أنت، لماذا؟ لأنك رضيت بالمنكر، وهذه أمانة، أضعها ويضعها ولاة الأمر في عنق كل مسلم، كل منكم على ثغرة من ثغور الدين، فلا يؤتى الإسلام من قِبَله.

فالمسئولية ليست مسئولية رجال مكافحة المخدرات فقط، ولا رجال الأمن فقط، بل هي مسئوليتهم في الدرجة الأولى، وكذلك مسئوليتك أنت في الدرجة الثانية مثلهم، كمواطن وكمسلم، يهمك أمن هذه البلاد، ويهمك أمر سعادة الأسر، ويهمك أمر الأمة بشكل عام.

فعليك أن تكون عيناً على هذه الأمور، وما إن تسمع شيئاً إلا وتذهب إلى ولي الأمر، وتبلغ، وطبيعي أنه لن يُفشى اسمك، فتقول لهم: أنا بلغت، ولكن لا تقولوا: إنه قالها فلان. فطبيعي أنهم لن يقولوا: قالها فلان، وإنما سوف يقبضون على الجاني، ويقضون على المنكر -بإذن الله-، ويكون لك شرف أنك ساهمت في القضاء على هذه الجريمة، وهذه المعضلة الاجتماعية الخطيرة.

هذه المخدرات، نعرف أعراضها، في كثيرٍ ممن يتعاطاها؛ لأنها ظاهرة، فمجرد أن تراه تعرف أنه من أهل المخدرات، كيف؟

- أولاً: الشعور بالخمول:-

خامل حتى في عمله، حتى في دوامه، يأتي الساعة التاسعة والنصف، وإذا جاء أرخى ظهره على الكرسي، فيقال له: ما بك؟ فيقول: أنا متعب، لا أدري ماذا بي، فيقال: ما الذي أتعبك؟ أين كنت؟ هل كنت تجاهد؟ فيقول: لا ولكن متعب لا أدري ماذا بي، أحس نفسي أنني لستُ بجيد؛ لأنها خَدَّرَتْكَ المخدرات، فالشعور بالخمول دائماً وباستمرار، فهو خامل لا يستطيع أن يأخذ حتى ورقة، حتى في العمل نفسه، فتقول له: اكتب المعاملة هذه، فيقول: حاضر، فيكتبها: سعادة مدير عام كذا وكذا، أو مدير كذا وكذا، مرفقة المعاملة المتعلقة بفلان، نأمل الاطلاع والإحاطة والتوجيه، فقط وتخلص منها؛ لكن هل درسها، وعرف مضمونها، والتي رأينا، والتي لها خيارات، الخيار الأول.. الخيار الثاني..يقدم معلومات، فيأتي المسئول يقرأها، هل هي كاملة من خلال المعاملة كلها أم لا؟ فهذه ليست موجودة، لماذا؟ لأنه كسلان..تعبان..مخدر..يشعر دائماً بالخمول والكسل والاكتئاب، ودائماً هو غضبان ومكتئب وأعضاؤه كلها مرتخية والعياذ بالله.

ثانياً: اتساع حدقة العينين:-

وأيضاً ظاهرة تراها فيه فتعرفها، وهي: اتساع حدقة العينين، عيونه موسَّعة، لماذا؟ نتيجة الاكتئاب والشد العضلي والنفسي فتتوسع عيناه؛ لأنه لا ينام، فتتوسع عيناه كأنها عينا سكران والعياذ بالله.

- ثالثاً: ارتفاع درجة الحرارة:-

عندما تلمسه تجد حرارته مرتفعة باستمرار، فتلتهب تأثير هذه الحبوب.

- رابعاً: الصداع:-

- خامساً: الدوار:-

- سادساً: تصلُّب المعدة:-

- سابعاً: الضعف العام في كل جسده:-

- ثامناً: جفاف الفم:-

- تاسعاً: الرغبة في النوم:-

فرغبته دائمة في النوم، يرقد ويرقد إلى أن يقوم وقد تقلبت عيونه، وانتفخت، وأصبحت عينه الواحدة مثل الساعة من كثرة النوم، وإذا جاء في الصباح ليلبس أحذيته، فإنه لا يدخل حتى رجله بأكملها، يدخل نصف رجله، ويسحبها في الشارع سحباً، ويرمي بـ(غترته) على كتفه، وحتى زراره الذي على رقبته لا يشده، فلا فراغ لديه لذلك؛ لأنه يراه متعباً له، فيقول: كيف أشد زراري ثم أفتحه فيما بعد؟! لا. أتركه مفتوحاً من الآن، لا إله إلا الله!!

ثم بعد ذلك يستمر في التدهور إلى درجة أنه لا يعرف من هو.

قال لي أحد المسئولين في إدارة المخدرات: إن هناك شخصاً من المتعاطين سئل وقيل له: ما اسمك؟ فقال: هاه؟! ماذا تقول؟ قيل: ما اسمك؟ قال: أنا؟! دعني أتذكر! مَن أنا؟! لستُ أدري!

لا إله إلا الله! هل هناك تحطيم أعظم من هذا التحطيم؟! من إنسان لا يعرف من هو؟! لا يعرف ما اسمه، أهو علي، أم عبد الله، أم سعيد، أم محمد؟! أي خير تأمله، أو أي شيء تريده من هذا الإنسان الذي لا يعرف من هو؟! أتريده أن يستمر في القيام بدوره في أسرته, أو في مجتمعه، أو في وطنه؟! كيف سيكون؟!

سيكون مسكيناً وكرة يلعب بها الشيطان، كما يلعب بها الصبيان، وهو ما تسعى إليه دول الكفر في أن تورِّد لنا هذه السموم حتى تقضي علينا، وأنتم تعرفون أن من يقرأ التاريخ، يعرف كيف استطاعت بريطانيا أن تحطم وتستعمر الصين عن طريق المخدرات، إلى أن أتى رئيسٌ لهم وقضى على المخدرات، وإذا بـالصين تنهض، وتصبح الدولة الخامسة العُظمى في العالم، وتفجر الذرة، وتكتشف القنبلة الذرية. هذا بعد ماذا؟ بعد تَحررها من رِبْقة المخدرات.

لقد أنعم الله على الإنسان بالعقل؛ ليكون مسئولاً عن تصرفاته، وليقوم بتكاليف الدين، ولذا فإن مناط التكليف العقل، يقـول عليه الصلاة والسلام: (رُفع القلم عن ثلاثة: ...) الحديث، وهذا من خصائص الدين الإسلامي، أنه إذا كان هناك عقل فإن هناك مؤاخذة، وإذا ارتفع العقل ارتفعت المؤاخذة، لماذا؟ لأن العقل هو الذي يضبط تصرفاتك: (رُفع القلم عن ثلاثة: ...) والمخدرات بأشكالها وأنواعها وجميع أصنافها المختلفة، تقوم بإفساد العقل، والقضاء عليه، وتعطيله عن القيام بدوره، وتحويل الإنسان من إنسان عاقل إلى إنسان مجنون، يقول ابن الوردي:

واترك الخمرة، لا تشربها     كيف يسعى لجنون من عقلْ

وقد نشأت المخدرات منذ القدم، عن طريق تعرف الإنسان على بعض النباتات والأعشاب، وتناولها، ثم الاستمرار عليها، حتى يحدث لديه الإدمان، وهو الاعتماد الجسدي والعقلي عليها، ولذا تفتح الدولة الآن مستشفيات، اسمها: مستشفيات الأمل؛ لأن صاحب المخدرات لا يستطيع أن يتركها من عنده، بل لا بد من علاج؛ لأن المخدرات أصبحت جزءاً من تركيبته الجسدية، وأصبحت جزءاً من تركيبة دماغه وعقله، بحيث أنه إذا لم يجدها فإنه لا يستطيع العيش؛ ألا ترون بعض المدمنين إذا لم يجد المخدرات كيف يتصلب، ويحرك يديه، ويصعد عينيه، ويتلوى، ويقع في الأرض، ويتقلب، ويمدد رجليه ويديه؟! لماذا؟ لأنه نقص عليه شيء، فلا يحاول أن يعود إلى وضعه إلا عن طريق المخدرات، فتصبح المخدرات بعد الإدمان جزءاً من التركيب الجسدي والنفسي.

إذاً: هو يبدأ بجرعة صغيرة، ثم ثانية، ثم ثالثة، ثم لا يلبث أن يقع فريسة للمخدر، ويعجز عن الإقلاع عنه، وإذا لم يتناوله تعرَّض للآلام والتشنجات.


استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2930 استماع
كيف تنال محبة الله؟ 2929 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2805 استماع
أمن وإيمان 2678 استماع
حال الناس في القبور 2676 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2605 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2572 استماع
النهر الجاري 2478 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2468 استماع
مرحباً شهر الصيام 2403 استماع