رحلة الحياة


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الأحبة في الله: يلقى هذا الدرس في مسجد الشوربتلي بمدينة جدة بعد مغرب يوم السبت الموافق (29) من شهر محرم من عام 1417 للهجرة، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام, وهو ضمن سلسلة التأملات القرآنية وعنوانه: رحلة الحياة.

وتأملات هذه الليلة في آيات كريمة جاءت في كتاب الله تضمنت رحلة الإنسان منذ أن يوضع نطفة في رحم أمه إلى أن يستقر قراره إما إلى الجنة أو النار, رحلة مضنية وشاقة, رحلة لم يؤخذ للإنسان فيها رأي, فهو يخلق دون رأيه, ويموت دون رغبته, ويبعث رغم أنفه, ثم يحاسب ويجازى على سلوكه في هذه الحياة, ثم يوجه في النهاية إما إلى الجنة إن كان من أهل الإيمان -نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم- أو يوجه ويسحب على وجهه إلى النار إن كان من أهل الكفر والفسوق والعصيان -أعاذنا الله جميعاً منهم-.

هذه الآيات جاءت في سورة المؤمنون يقول الله عز وجل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون:12-16] هذه الآيات تضمنت مراحل خلق للإنسان, ومراحل سفره, بدأت أول مرحلة يوم خلق الله عز وجل آدم من طين, ثم جعل هذا الطين في سلالته وذريته, يتم عن طريق النطفة -الحيوان المنوي- وهذه الرحلة الطويلة تتم عبر خمس مراحل:

المرحلة الأولى: عالم الأجنة في الأرحام.

المرحلة الثانية: عالم الحياة الدنيا.

المرحلة الثالثة: عالم البرزخ في القبر.

المرحلة الرابعة: عالم القيامة.

المرحلة الخامسة والأخيرة: الجنة أو النار.

هذه خمس مراحل من يستطيع أن يفلت منها؟ من يستطيع أن يقول: أنا لا أريد أن أموت أريد أن أجلس في هذه الدنيا إلى آخر شيء؟ هل يطاع في طلبه هذا؟ لا. زرت في مرة من المرات ثرياً من الأثرياء في مكة لأعرض عليه مشروعاً من مشاريع الخير, وبعد أن وعظته قال لي: لا بد من البعث؟! -يعني: لا مناص من البعث؟!-

قلت: لا بد أن تبعث.

قال: والذي يريد أن يموت ولا يريد أن يبعث.

قلت: الذي لا يريد أن يبعث فليدفع عن نفسه الموت، حتى لا يبعث، إذا أتاه ملك الموت فليقل: لا أريد أن أموت, أريد أن أبقى هنا.

قال: ولكن ملك الموت لن يوافق.

قلت: وكذلك يوم القيامة تبعث رغماً عن أنفك، فكما تموت تبعث؛ فحقائق الخلق والموت والبعث جاءت في هذه الآيات متلازمة مترابطة: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون:12] هذا بداية الخلق, ثم بعدها مراحل الخلق المختلفة, ثم بعد ذلك ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ [المؤمنون:15] واللام هنا تسمى لام التأكيد, يعني: هذا شيء لا بد منه, وتأمل في واقعنا اليوم هل يستطيع أحد أن يفلت من الموت؟ لا. بل يموت الكبير والصغير، والملك والمملوك، والأمير والمأمور، والغني والفقير، والراعي والرعية، والذكر والأنثى، كل الناس يموتون، والله تعالى يقول: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [الأنبياء:34-35].

ثم بعد الموت قال الله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون:16] ثلاث حقائق مترابطة يلزم من وقوع الأولى وقوع التي تليها, فما دام أنك خلقت إذاً لا بد أن تموت, وما دام أنك مت إذاً لا بد أن تبعث, ولو افترضنا أن رجلاً خلق نفسه ثم قال: أنا لن أموت، لقلنا: إذاً يمكنك ألا تُبعث؛ لأنك استطعت أن تمتنع من الموت، ولكن ما استطعت أن تمتنع من الخلق بل خلقك الله رغماً عنك ولا استطعت أن تمتنع من الموت بل تموت رغماً عنك, ولن تستطيع أن تمتنع من البعث بل سيبعثك الله عز وجل رضيت ذلك أم أبيت, ولهذا لما جاء العاص بن وائل أحد صناديد كفار مكة ، مر على المقبرة وأخذ عظماً قد رمّ، وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفتّه بين يديه وقال: يا محمد! تزعم أننا سوف نعود بعد أن نكون عظاماً؟! فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم في منطق الواثق بربه الذي لا تزعزعه الشبهات, ولا تهزه الكلمات قال: (نعم ويدخلك الله النار) وفعلاً تحققت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم ومات هذا الرجل كافراً وسوف يدخل الله العاص بن وائل النار؛ لأنه مات على الكفر وكذب بالبعث, ونزل الوحي من السماء في آخر سورة (يس) يبين هذه الحادثة يقول الله عز وجل: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ [يس:78] ضرب لنا مثلاً بالعظم ونسي التأمل في حال خلقه حينما كان تراباً قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس:78] من يحيها وهي رميم؟ قال الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وسلم: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس:79] الذي خلقها أول مرة أيعجزه أن يردها مرة أخرى؟ سبحان الله! أين عقل الإنسان؟!! قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:79].

وسنتناول -أيها الإخوة- المحطات الخمس بالتفصيل.

أول محطة تسافر فيها -أيها الإنسان- وتستقر فيها هي: عالم الأجنة في الأرحام ثم عالم الطفولة.

مراحل تكوين الجنين في بطن أمه

ومدة الرحلة تسعة أشهر في الغالب, تبدأ باللقاء بين الرجل والمرأة, حين يفرز الرجل هذه الحيوانات المنوية وتفرز المرأة بويضة, والبويضة هذه تفرز على مدى الدورة الشهرية، في كل دورة شهرية تفرز بويضة واحدة, ويكون هناك فترة للإخصاب يعني: تكون المرأة قابلة للحمل, وتكون البويضة حية, يأتي الرجل امرأته الحلال وتتسابق تلك الحيوانات المنوية إلى تلك البويضة المستقرة في أعلى قناة يسمونها: قناة فالوب ، وهي ليست قناة فالوب إنما الله هو الذي خلقها ولكن فالوب هو الذي اكتشفها, وتعلق بهذه البويضة القناة وسماها الله: قراراً مكيناً ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المؤمنون:13] يعني: محمي محفوظ, يقذف الرجل في الدفقة الواحدة أعداداً هائلة من الحيوانات المنوية، قد تصل في بعض الأحيان إلى 400 مليون حيوان منوي, يموت معظم هذه الملايين في الطريق ولا يصل إلا القوي, فإذا وصل أول واحد عند البويضة أغلقت عليه, وتأتي البقية تدور حولها فلا تلقى مكاناً فتموت بعد ربع ساعة إلا الذي دخل البويضة فإن الله يكتب له الحياة.

ويختلط هذا الحيوان المنوي مع تلك البويضة ويبدأ التشكيل الإنساني يقول الله عز وجل: هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ [الإنسان:1] (هل) هنا ليست استفهامية ولكنها تقريرية بمعنى: قد أتى لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً [الإنسان:1] فأنت عمرك الآن ثلاثون سنة, اسأل نفسك قبل ثلاثين سنة: ماذا كنت؟ لم تكن شيئاً مذكوراً, وبعدها كيف جئت؟ قال الله عز وجل: إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:2] أمشاج: أخلاط, نبتليه: نختبره.

بعد ما يحصل هذا الاختلاط والامتزاج بين النطفة والبويضة تستمر أربعين يوماً وهي على حالتها لا تتغير, بعد أربعين يوماً تتطور وتنتقل من مرحلة النطفة إلى مرحلة العلقة فتصير لحمة على شكل علقة, والعلقة: دابة تعيش في المياه الراكدة, يعرفها أهل القرى، وسميت علقة؛ لأنها تعلق في ألسنة المواشي والبقر إذا شربت من الماء, ولقد رأيتها بعيني مثل تلك العلقة بالضبط التي أخبر الله عنها, وقد رُصدت حركة تكون الجنين منذ كونه نطفة إلى أن يخرج من بطن أمه، وتقرر وتبين بالعلم الحديث أن خلق الإنسان يتم بتلك الخطوات التي جاءت في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوة خطوة, مما يدل على أن هذا كلام الله, وأن هذا الرسول رسول من عند الله حقاً.

العلم الحديث يقرر ما ذكره القرآن عن مراحل تكوين الجنين

في مؤتمر الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة الذي عقد قبل سنوات في القاهرة، دعي إلى هذا المؤتمر أكبر عالم على وجه الأرض في علم الأجنة، علماً أن هذا العالم ليس مسلماً ليلقي محاضرة عن تكون الجنين -وطبعاً يتكلم عن علم- ولما انتهى من محاضرته قام أحد علماء المسلمين وقال له: إن ما ذكرت من الحقائق العلمية قد جاء بها كتاب الله وجاءت بها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم ذكر له الآيات التي في سورة المؤمنون, وذكر له حديث البخاري ومسلم: (إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة, ثم يكون علقة مثل ذلك, ثم يكون مضغة مثل ذلك...) الحديث, ولما انتهى قال: أهذا عندكم في الكتاب والسنة؟ قال: نعم. قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. والله ما أخبر نبيكم بهذه الحقائق إلا الله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم بهذه الحقائق قبل وجود الجامعات، ومراكز البحث العلمي، وأجهزة الرصد والتصوير التلفزيوني، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف شيئاً عن تلك الحقائق، فقد كان يعيش في البادية لا يقرأ ولا يكتب، بل حتى الحرف لا يعرفه صلوات الله وسلامه عليه, ثم يخبر بحقائق علمية ما اكتشفت إلا في القرن العشرين في عصر العلم وعصر الذرة وعصر الأجهزة مما يدلل على أن هذا الكتاب الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].

بعد أربعين يوماً أخرى تنتقل العلقة إلى مضغة وسميت مضغة؛ لأنها أشبه ما تكون بلقمة وضعت تحت الأضراس ثم مضغت، وقد رأيتها -أيضاً- بعيني كأنها لقمة مضغت, وهذه المضغة هي بداية تكون سلسلة العمود الفقري للإنسان, وبعد أربعين يوماً تتحول هذه المضغة إلى عظام, يركب الهيكل العظمي للإنسان كاملاً حتى الأضلاع، وقد رأيتها كأنها دبابيس مشكلة، كل عظم مع الثاني وكل مفصل مع الثاني، وبعد ذلك تكس هذه العظام باللحم ثم ينشئه الله خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.

ولو قمت بمقارنة بين تلك النطفة المنوية وبين ذلك الإنسان، لوجدت أنه لا نسبة ولا تناسب بينهما، ولكن كما قال الله تبارك وتعالى: ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14].

يهيأ لهذا المخلوق الجديد في بطن أمه ويزود بإمكانات لاستقبال هذه الحياة, فيخلق له رغم أنه لا يمشي بهما في بطن أمه, وتركب له اليدان وهو لا يستعملهما, ويعطى عينان وهو لا ينظربهما؛ لأنه ليس في بطن أمه نور, بل يخلق الجنين في ظلمات ثلاث يقول الله عز وجل: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [الزمر:6] يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ أي: مراحل فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ظلمة الرحم, وظلمة البطن, وظلمة المشيمة, لكن مع ذلك الجنين له عينان لماذا العينان في الظلام؟ من أجل أن يستخدمهما إذا خرج من بطن أمه, وتخلق له أذنان بالرغم أنه ليس هناك أصوات في عالم الأرحام, وأيضاً يخلق له جهازاً تنفسياً كاملاً من الأنف إلى الرئة كما أوجد الله له جهازاً هضمياً من البلعوم إلى المريء، وتتم عملية تنفس الجنين وتغذيته عن طريق الحبل السري, المتصل ببطن الجنين مع أحشاء الأم حيث يتم إمداد الجنين بثلاثة أشياء عبر الحبل السري وهي: الطعام, والهواء, والماء, سبحان الله الذي لا إله إلا هو!! وبعد أن يصبح جاهزاً يخرج إلى الحياة.

من الذي أخرجه؟ إنه الله سبحانه وتعالى يقول الله عز وجل: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ [عبس:20] يكون وضعية الجنين في بطن أمه على هيئة الجالس, وجعل الله عز وجل وجهه من جهة العمود الفقري لأمه, لماذا؟ لأن البطن قد يتعرض لكدمات أو لضغط أو لضربة أو شيء ما يصيبك شيء تصيبك في النقرة, لكن بطنك وفمك وعينيك من جهة عظام أمك محمي, لأنك في القرار المكين ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المؤمنون:13] وجالس متكئ هنا الطحال ومن هناك الكبد, ويعيش في راحة إلى أن تأتي ساعة الخروج فيقلبه الله عز وجل, فهذا المخاض -الطلق- الذي تعانيه المرأة هو: عملية قلب الجنين من أجل أن يخرج رأسه أولاً, وإذا خرجت رجلاه أو يداه أولاً تعسرت الولادة, ولا يخرج إلا بعملية تفتح فيها بطن الأم, ولكن الله يقلبه وينزل رأسه ويخرج هذا الجنين.

لو استطعنا أن نتحدث مع هذا الجنين قبل أن يغادر عالم الأرحام وقبل أن يخرج إلى الحياة, وقلنا له: أيها الجنين! سوف تخرج من هذا الرحم ومن هذه الظلمات ومن هذا الضيق إلى دنيا واسعة فيها سماوات وأرض وشمس وقمر وجبال وأنهار وبحار وأشجار وعمارات وطائرات وسيارات.. إذا حدثناه بهذا الكلام هل يصدق؟

سيقول لنا: أنتم تعيشون على الخرافات, أنتم رجعيون تؤمنون بالخرافة, سماوات! أرض! شمس! قمر! أين هي..؟! وينظر إلى بطن أمه فلا يرى إلا الطحال والكبد ويقول: ليس هناك شيء إلا بطن أمي, ولا يؤمن بأي شيء آخر؛ لأنه لم ير شيئاً.

قلنا له: شكراً هذه معلوماتك، وأنهينا الحديث معه, وخرج إلى الدنيا، وبعد أن عاش أربعين أو عشرين سنة جئنا وقلنا له: يا فلان!

قال: نعم.

قلنا: أجرينا معك محادثة وأنت في رحم أمك وقلنا لك: بأنك سوف تخرج إلى الدنيا هذه واسمع كلامك, ولما سمع كلامه قال: لقد كنت مخطئاً, فلمَ أنكرت؟

قال: لأني قست الدنيا على عالم أمي, وكنت أظن أن ما في الدنيا إلا بطن أمي, ثم تبين لي أن هناك دنيا واسعة ومعلوماتي كانت غلط.

كذلك أيها الإخوة! حينما نحدث الناس عن الجنة والنار، والبعث، والصراط، والحوض، وعن الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وعن الحقائق الإيمانية في الآخرة إذا حدثناهم بها فعليهم أن يعرفوا أنهم لن يستطيعوا أن يدركوها كما لم يستطع ذلك الطفل أن يدرك هذه الحياة؛ لأن نسبة عالم الدنيا إلى عالم الآخرة كنسبة عالم الرحم إلى عالم الدنيا, ولكن عليهم أن يؤمنوا بها، والذي يكذب ويقول: أين الجنة وأين النار؟ مثل ذلك الطفل الذي يقول: أين السماوات والأرض؟ ولكن لما رآها آمن بها، وكذلك الإنسان يوم يموت يرى الجنة ويرى النار، ويتمنى أن يرجع إلى الدنيا من أجل أن يصحح الوضع مع الله, ومن أجل أن يعبد الله، ولكن لا يجاب, ولذلك يقول الله عز وجل: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا [السجدة:12] -نظرنا كل شيء- فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12] وقال سبحانه في سورة الأنعام: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:27-28].

ومدة الرحلة تسعة أشهر في الغالب, تبدأ باللقاء بين الرجل والمرأة, حين يفرز الرجل هذه الحيوانات المنوية وتفرز المرأة بويضة, والبويضة هذه تفرز على مدى الدورة الشهرية، في كل دورة شهرية تفرز بويضة واحدة, ويكون هناك فترة للإخصاب يعني: تكون المرأة قابلة للحمل, وتكون البويضة حية, يأتي الرجل امرأته الحلال وتتسابق تلك الحيوانات المنوية إلى تلك البويضة المستقرة في أعلى قناة يسمونها: قناة فالوب ، وهي ليست قناة فالوب إنما الله هو الذي خلقها ولكن فالوب هو الذي اكتشفها, وتعلق بهذه البويضة القناة وسماها الله: قراراً مكيناً ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المؤمنون:13] يعني: محمي محفوظ, يقذف الرجل في الدفقة الواحدة أعداداً هائلة من الحيوانات المنوية، قد تصل في بعض الأحيان إلى 400 مليون حيوان منوي, يموت معظم هذه الملايين في الطريق ولا يصل إلا القوي, فإذا وصل أول واحد عند البويضة أغلقت عليه, وتأتي البقية تدور حولها فلا تلقى مكاناً فتموت بعد ربع ساعة إلا الذي دخل البويضة فإن الله يكتب له الحياة.

ويختلط هذا الحيوان المنوي مع تلك البويضة ويبدأ التشكيل الإنساني يقول الله عز وجل: هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ [الإنسان:1] (هل) هنا ليست استفهامية ولكنها تقريرية بمعنى: قد أتى لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً [الإنسان:1] فأنت عمرك الآن ثلاثون سنة, اسأل نفسك قبل ثلاثين سنة: ماذا كنت؟ لم تكن شيئاً مذكوراً, وبعدها كيف جئت؟ قال الله عز وجل: إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:2] أمشاج: أخلاط, نبتليه: نختبره.

بعد ما يحصل هذا الاختلاط والامتزاج بين النطفة والبويضة تستمر أربعين يوماً وهي على حالتها لا تتغير, بعد أربعين يوماً تتطور وتنتقل من مرحلة النطفة إلى مرحلة العلقة فتصير لحمة على شكل علقة, والعلقة: دابة تعيش في المياه الراكدة, يعرفها أهل القرى، وسميت علقة؛ لأنها تعلق في ألسنة المواشي والبقر إذا شربت من الماء, ولقد رأيتها بعيني مثل تلك العلقة بالضبط التي أخبر الله عنها, وقد رُصدت حركة تكون الجنين منذ كونه نطفة إلى أن يخرج من بطن أمه، وتقرر وتبين بالعلم الحديث أن خلق الإنسان يتم بتلك الخطوات التي جاءت في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوة خطوة, مما يدل على أن هذا كلام الله, وأن هذا الرسول رسول من عند الله حقاً.

في مؤتمر الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة الذي عقد قبل سنوات في القاهرة، دعي إلى هذا المؤتمر أكبر عالم على وجه الأرض في علم الأجنة، علماً أن هذا العالم ليس مسلماً ليلقي محاضرة عن تكون الجنين -وطبعاً يتكلم عن علم- ولما انتهى من محاضرته قام أحد علماء المسلمين وقال له: إن ما ذكرت من الحقائق العلمية قد جاء بها كتاب الله وجاءت بها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم ذكر له الآيات التي في سورة المؤمنون, وذكر له حديث البخاري ومسلم: (إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة, ثم يكون علقة مثل ذلك, ثم يكون مضغة مثل ذلك...) الحديث, ولما انتهى قال: أهذا عندكم في الكتاب والسنة؟ قال: نعم. قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. والله ما أخبر نبيكم بهذه الحقائق إلا الله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم بهذه الحقائق قبل وجود الجامعات، ومراكز البحث العلمي، وأجهزة الرصد والتصوير التلفزيوني، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف شيئاً عن تلك الحقائق، فقد كان يعيش في البادية لا يقرأ ولا يكتب، بل حتى الحرف لا يعرفه صلوات الله وسلامه عليه, ثم يخبر بحقائق علمية ما اكتشفت إلا في القرن العشرين في عصر العلم وعصر الذرة وعصر الأجهزة مما يدلل على أن هذا الكتاب الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].

بعد أربعين يوماً أخرى تنتقل العلقة إلى مضغة وسميت مضغة؛ لأنها أشبه ما تكون بلقمة وضعت تحت الأضراس ثم مضغت، وقد رأيتها -أيضاً- بعيني كأنها لقمة مضغت, وهذه المضغة هي بداية تكون سلسلة العمود الفقري للإنسان, وبعد أربعين يوماً تتحول هذه المضغة إلى عظام, يركب الهيكل العظمي للإنسان كاملاً حتى الأضلاع، وقد رأيتها كأنها دبابيس مشكلة، كل عظم مع الثاني وكل مفصل مع الثاني، وبعد ذلك تكس هذه العظام باللحم ثم ينشئه الله خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.

ولو قمت بمقارنة بين تلك النطفة المنوية وبين ذلك الإنسان، لوجدت أنه لا نسبة ولا تناسب بينهما، ولكن كما قال الله تبارك وتعالى: ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14].

يهيأ لهذا المخلوق الجديد في بطن أمه ويزود بإمكانات لاستقبال هذه الحياة, فيخلق له رغم أنه لا يمشي بهما في بطن أمه, وتركب له اليدان وهو لا يستعملهما, ويعطى عينان وهو لا ينظربهما؛ لأنه ليس في بطن أمه نور, بل يخلق الجنين في ظلمات ثلاث يقول الله عز وجل: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [الزمر:6] يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ أي: مراحل فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ظلمة الرحم, وظلمة البطن, وظلمة المشيمة, لكن مع ذلك الجنين له عينان لماذا العينان في الظلام؟ من أجل أن يستخدمهما إذا خرج من بطن أمه, وتخلق له أذنان بالرغم أنه ليس هناك أصوات في عالم الأرحام, وأيضاً يخلق له جهازاً تنفسياً كاملاً من الأنف إلى الرئة كما أوجد الله له جهازاً هضمياً من البلعوم إلى المريء، وتتم عملية تنفس الجنين وتغذيته عن طريق الحبل السري, المتصل ببطن الجنين مع أحشاء الأم حيث يتم إمداد الجنين بثلاثة أشياء عبر الحبل السري وهي: الطعام, والهواء, والماء, سبحان الله الذي لا إله إلا هو!! وبعد أن يصبح جاهزاً يخرج إلى الحياة.

من الذي أخرجه؟ إنه الله سبحانه وتعالى يقول الله عز وجل: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ [عبس:20] يكون وضعية الجنين في بطن أمه على هيئة الجالس, وجعل الله عز وجل وجهه من جهة العمود الفقري لأمه, لماذا؟ لأن البطن قد يتعرض لكدمات أو لضغط أو لضربة أو شيء ما يصيبك شيء تصيبك في النقرة, لكن بطنك وفمك وعينيك من جهة عظام أمك محمي, لأنك في القرار المكين ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المؤمنون:13] وجالس متكئ هنا الطحال ومن هناك الكبد, ويعيش في راحة إلى أن تأتي ساعة الخروج فيقلبه الله عز وجل, فهذا المخاض -الطلق- الذي تعانيه المرأة هو: عملية قلب الجنين من أجل أن يخرج رأسه أولاً, وإذا خرجت رجلاه أو يداه أولاً تعسرت الولادة, ولا يخرج إلا بعملية تفتح فيها بطن الأم, ولكن الله يقلبه وينزل رأسه ويخرج هذا الجنين.

لو استطعنا أن نتحدث مع هذا الجنين قبل أن يغادر عالم الأرحام وقبل أن يخرج إلى الحياة, وقلنا له: أيها الجنين! سوف تخرج من هذا الرحم ومن هذه الظلمات ومن هذا الضيق إلى دنيا واسعة فيها سماوات وأرض وشمس وقمر وجبال وأنهار وبحار وأشجار وعمارات وطائرات وسيارات.. إذا حدثناه بهذا الكلام هل يصدق؟

سيقول لنا: أنتم تعيشون على الخرافات, أنتم رجعيون تؤمنون بالخرافة, سماوات! أرض! شمس! قمر! أين هي..؟! وينظر إلى بطن أمه فلا يرى إلا الطحال والكبد ويقول: ليس هناك شيء إلا بطن أمي, ولا يؤمن بأي شيء آخر؛ لأنه لم ير شيئاً.

قلنا له: شكراً هذه معلوماتك، وأنهينا الحديث معه, وخرج إلى الدنيا، وبعد أن عاش أربعين أو عشرين سنة جئنا وقلنا له: يا فلان!

قال: نعم.

قلنا: أجرينا معك محادثة وأنت في رحم أمك وقلنا لك: بأنك سوف تخرج إلى الدنيا هذه واسمع كلامك, ولما سمع كلامه قال: لقد كنت مخطئاً, فلمَ أنكرت؟

قال: لأني قست الدنيا على عالم أمي, وكنت أظن أن ما في الدنيا إلا بطن أمي, ثم تبين لي أن هناك دنيا واسعة ومعلوماتي كانت غلط.

كذلك أيها الإخوة! حينما نحدث الناس عن الجنة والنار، والبعث، والصراط، والحوض، وعن الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وعن الحقائق الإيمانية في الآخرة إذا حدثناهم بها فعليهم أن يعرفوا أنهم لن يستطيعوا أن يدركوها كما لم يستطع ذلك الطفل أن يدرك هذه الحياة؛ لأن نسبة عالم الدنيا إلى عالم الآخرة كنسبة عالم الرحم إلى عالم الدنيا, ولكن عليهم أن يؤمنوا بها، والذي يكذب ويقول: أين الجنة وأين النار؟ مثل ذلك الطفل الذي يقول: أين السماوات والأرض؟ ولكن لما رآها آمن بها، وكذلك الإنسان يوم يموت يرى الجنة ويرى النار، ويتمنى أن يرجع إلى الدنيا من أجل أن يصحح الوضع مع الله, ومن أجل أن يعبد الله، ولكن لا يجاب, ولذلك يقول الله عز وجل: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا [السجدة:12] -نظرنا كل شيء- فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12] وقال سبحانه في سورة الأنعام: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:27-28].

وبعد ذلك يخرج الجنين, ويلاحظ عند خروج الجنين ثلاثة أشياء:

ملاحظات في عالم الطفولة

أول شيء يخرج باكياً، ليس هناك طفل في الدنيا يخرج ضاحكاً, الأطفال جميعهم عربي وعجمي وسعودي وهندي وأمريكي إذا خرج إلى الدنيا فإنه يبكي, لماذا؟ قال العلماء: كان في بطن أمه في ضيق وخرج إلى السعة, كان في الظلمات وخرج إلى النور, المفروض أنه لما يخرج إلى السعة يضحك, لكن لماذا يبكي؟! لا يوجد مولود في الدنيا يخرج وهو لا يبكي, إلا عيسى عليه السلام فإنه خرج محفوظاً بأمر الله لم يقدر عليه الشيطان.

أما كل مولود فيخرج باكياً كما أوضح الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان ينزغ الإنسان في جنبه الأيسر إذا خرج) كأنه يعلمه ويشعره ببدء المعركة, فيبكي الطفل.

- أن الولد يخرج قابضاً كفه, لا يوجد أحد يخرج ويده مفتوحة, لماذا؟ قالوا: هذا يعبر عن حرصه على الدنيا وعن استعداده للصراع.

- أن القابلة أو الممرضة أول عمل تعمله بعد خروج الجنين, قطع الحبل السري بالمقص، أي: تقطع رزقه الذي أجراه الله له وعاش عليه تسعة أشهر, لكن الله لم يقطع رزقه، إذا قطعوا رزقه الذي كان يأتيه عن طريق الحبل السري من أمه نقل الله الطعام من الحبل السري إلى الثدي, فتجد الأم ثديها ناشفاً ولا يوجد فيه شيء, ولكن ما أن يضع الطفل الصغير فمه على هذا الثدي ويمصه حتى تحن عليه الأم وتشفق عليه وترحمه، ثم يترجم هذا الحنان وهذه الشفقة في لبن من أحسن هيئة وأحسن كيفية لا حار ولا بارد، ولا حلو ولا حامض, من أخرجه من بين الدم والعروق؟ إنه الله الذي لا إله إلا هو.

ولقد قال العلماء والأطباء: إن أفضل لبن يتغذى به الطفل هو لبن الأم؛ لأن الله خلقه وجعله دواءً له, وعدول الأم عن إرضاع ولدها من ثديها إلى الحليب الصناعي خطأ, ويترتب على ذلك مشاكل كثيرة تعاني منها الأم نفسها؛ لأن بعض الأمهات تقول: أنا لا أريد أن أرضع ابني أو ابنتي, لماذا؟ قالت: أريد أن أحافظ على رشاقتي, تريد أن تبقى رشيقة دائماً, ولكن أثبت الطب الحديث أن عدم إرضاع الطفل يسبب للمرأة أمراضاً منها سرطان الثدي، فسرطان الثدي عبارة عن خلل في نمو الخلايا الموجودة في الثدي، ويترتب عليه انتشار غير حميد يسمونه بالانتشار الخبيث، ثم يؤدي إلى استئصال الثدي كله بسبب عدم إرضاع الأم ولدها من ثديها.

أيضاً رابطة الحنان والحب والرحمة والشفقة بين الأم والابن تنعدم بسبب الإرضاع عن طريق الحليب الصناعي؛ لأنها إذا أرضعته وحنت عليه وضمته إلى صدرها وربته يمتلئ قلبها رحمة وحباً وتعلقاً به, وهو أيضاً يبادلها نفس هذه المشاعر وينعكس هذا على بره بها إذا كبر, فيصبح باراً لها قائماً بواجبه نحوها لماذا؟ لأنه يرد لها شيئاً من الجميل, ولكن من أول ما جاء المولود تركته وجعلته يرضع من الحليب الصناعي؛ ولذا تجد بعض الأولاد لا يحس أن أمه أمه, ولا يحن إليها ولا يرحمها ولا يحبها وهي أيضاً لا تحبه لهذا السبب, فلا بد أن ترضع الأم ابنها.

نداء للشباب قبل الزواج

الله تبارك وتعالى أمر بتهيئة هذا المولود وإعداده قبل الزواج ليقوم بالرسالة التي خلقه الله عز وجل لها وهي العبادة, فيوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم إذا أراد أن يتزوج أن يكون له هدف في الزواج: وهو أن يبحث عن ذات الدين يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في البخاري : (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك) وهذه دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم على من لم يوفق في ذات الدين, كأنه امتلأت يداه بالتراب, يعني: إذا لم يكن عنده ذات الدين، فليس عنده زوجة ما عنده إلا تراب، صحيح أن الإنسان يود أن تكون امرأته ذات دين ومعها شيء من الجوانب الأخرى هذا مطلوب مثل: أن تكون جميلة، وذات مال, وذات حسب ونسب, لكن أهم شيء أن تكون ذات دين، فإن حصلت على ذات الدين فقد جاءتك البركة من كل جانب ولو قصر عليها شيء من الجمال, أو قصر عليها شيء من الحسب, قال تعالى: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221] ولو كان ما عندها مال, لكن افرض أنها ذات مال أو ذات جمال أو ذات حسب وليس عندها دين والعياذ بالله فهذه لا خير فيها, مهما بلغت وكانت, إذاً عليك مسئولية وهي أن تتزوج ذات الدين، لكن من الذي يهيئ ذات الدين ويعدها؟ الآباء, ولهذا مسئولية إعداد البنات مسئولية الوالدين عندما يقول الشرع للشاب: لا تتزوج إلا ذات الدين.

مسئولية الوالدين في تربية البنات

أيها الآباء! ربوا بناتكم تربية دينية من أجل يتزوج بها صاحب الدين, لكن من أين يتزوج صاحب الدين إذا كانت البنات فاسدات؟! قد يضطر أن يتزوج بالفاسدة، وبالتالي تقوم الأسرة على أساس فاسد, ويأتي نسل وجيل فاسد تفسد معه الحياة, لكن الإسلام يقول لمن أراد الزواج: تزوج ذات الدين، ومعنى هذا: أيها الأب! رب ابنتك على الدين, وأنشئها نشأة إسلامية, وأيتها الأم ربي ابنتكِ على الصلاح والتقوى، فالدور الرئيسي في التربية للأم، فإذا كانت الأم صالحة كان الأبناء صالحين, وإذا كانت الأم فاسدة فالأبناء فاسدون, فالأم التي تكذب يكون أولادها كذابين, والأم التي لا تصلي فأولادها لا يصلون, والأم الخائنة يكون أولادها خونة, والأم الزانية يكن بناتها زانيات، لماذا؟ لأنهم يتخلقون بأخلاقها, من أين جاءنا خالد وعمار وصهيب؟ من أين جاءنا الأبطال؟ إلا من الأمهات الصالحات, ومن أين جاءنا الخنافس والحشرات الذين ملئوا الدنيا بالفساد إلا من الأمهات الفاسدات.

الأم مدرسة إذا أعددتها     أعددت شعباً طيب الأعراق

والرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: (فاظفر بذات الدين) حث على الدين بشكل أكبر لماذا؟ لأن دينها لها ولك ولأولادها.

إذاً مسئولية إعداد البنت مسئولية مشتركة بين الأب والأم, فالذي يربي بناته على الفسق والمعاصي يتسبب في إيجاد أمهات فاسدات وجيل فاسد، وعليه إثمه بين يدي الله, بل بعض الآباء الآن يضع لوحة فوق البيت ويقول للناس: لا تقربوا مني فبناتي لا يصلحن لكم -هذا لسان حاله- فالذي يركب (الدش) فوق بيته, هذا كأنه يرسل برقية ورسالة إلى الأزواج بفساد هذه الأسرة فإذا أراد أن يتزوج سأل: كيف بناته؟ قالوا: والله فوق بيته (دش)، قال: لا أريد بناته, لماذا؟ لأن فوق البيت (دش)، قد علمهم الفساد، فليس من فساد في الأرض إلا وقد أخذوه ودرسوه في الليالي الحمراء والسوداء, فما يأتي أحد يتزوج إلا واحد مثله, أما صاحب الدين فلا يأتيه, فإذا جاء السيئ وأعطيته ابنتك فقد قطعت رحمها, وسوف يريك النجوم في وسط النهار، يعني: سوف ترى منه كل ما تكره، لكن إذا ربيت ابنتك على الدين وحفظتها من مساوئ الأخلاق، وهيئتها بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اخترت لها صاحب الدين، وأخذها هذا الرجل إن أحبها أكرمها وإن كرهها لم يظلمها, فإذا قامت الخلية الأولى من خلايا المجتمع وهي الأسرة على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدت الحياة.

من آداب الإسلام في ليلة الزفاف

بعد ذلك إذا تزوج الرجل بذات الدين يعلمه الإسلام آداباً:

أول أدب في أول ليلة والتي يسمونها ليلة العمر -ليست القضية قضية شهوة ولا غرائز، لا. إنما قضية شرع ودين- أنك إذا دخلت عليها في غرفتها أن تضع يدك على ناصيتها وتقول: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه, وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه) كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تصلي لله ركعتين شكراً لله على هذه النعمة, وبعد ذلك إذا أردت أن تأتي أهلك فلا تنس أن تذكر الله قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يأتي أهله فيقول: باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، ثم رزق ولد لم يقربه شيطان) ولذلك ترون بعض الأولاد كالشياطين لربما نسي أبوه أن يسمي تلك الليلة, لذلك تجد الأب نفسه يقول: والله ولدي هذا شيطان. وتجد ولداً آخراً هادئ طيب صالح مهتدي، لا تأتِ وأنت كالبهيمة ما عندك دين، لا. أنت لك عقل أنت مسلم، تذكر اسم الله إذا أتيت أهلك، في تلك اللحظات يطغى على الإنسان جانب الشهوة والنزوة فينسى أن يذكر اسم الله, فلا تنس هذا الذكر: باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا.

وورد في الحديث أن الرجل إذا لم يذكر الله في هذه اللحظات يأتي الشيطان وينعقد على إحليل الرجل -قضيب الرجل- ويجامع المرأة مع الرجل, فيأتي الولد مشترك بينهما والعياذ بالله.

من السنن النبوية الواردة من حين الولادة إلى بلوغ سن الرشد

بعد أن تلد الأم وليدها، من السنة أن يكون أول صوت يدخل في أذن الولد هو الأذان؛ حتى يطرق سمعه أول كلمة: الله أكبر..الله أكبر..الله أكبر..الله أكبر ...إلخ، بعد ذلك إذا بدأ يتكلم تعوده على كلمة: لا إله إلا الله, قبل (ماما وبابا وجدة..) وغيرها من الكلمات فينبغي أن تعوده قول: لا إله إلا الله..لا إله إلا الله ..لا إله إلا الله وتعلمه هذه الكلمة, بعد أن يكمل السادسة من عمره ويبدأ في السابعة تعوده على الصلاة للحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع) اختلف أهل العلم في تحديد وقت هذه السبع الواردة في الحديث هل يكون في بداية السبع، أو إذا انتهت السبع؟ قالوا: لسبع يعني: إذا بدأ, ومن الناس من قال: أنه إذا أكمل السبع, لكن الأولى والأقرب للصحة: أنه إذا بدأ السابعة. فإذا بدأ في السابعة تقول له: تعال يا ولدي! أنت الآن دخلت السنة السابعة لا بد أن تصلي, الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نعلمك كيف تصلي؟ فتأخذ الإناء وتأخذه إلى مكان الوضوء وتريه كيف يتوضأ؟ وتأخذه معك في صلاة الظهر, وتقول له وأنت ذاهب إلى المسجد: يا ولدي! نحن ذاهبون إلى المسجد وهذا بيت الله .. بيت العظيم .. بيت الجليل, لا يجوز لأحد أن يجري فيه، ولا يتكلم، ولا يصيح، ولا يعبث بالمصاحف، ولا يلعب، ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً, وإنما يجلس بأدب؛ لأن البعض يأخذ ولده إلى المسجد لكن يأخذه من غير تعليم, فيعبث الولد في المسجد، ويمزق المصاحف، ويجري، ويتحول المسجد إلى حديقة أو روضة أطفال, لا. إذا جئت بالولد فأت به وعلمه, ثم أمسكه بيدك ولا تمش وحدك وتتركه في طرف الصف, صل بجانبه من أجل أن تراقب تصرفاته, وعليك أن تتابع ولدك وتقول: هل صليت يا ولد؟ اسأله باستمرار عن كل صلاة؛ لأن الله يقول: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132] ليس مرة فقط وإنما تابعه بشكل مستمر لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ [طه:132] الرزق على الله، يقول الله: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ [طه:132] هذه وظيفتك, فكثير من الناس الآن اهتمامه بالرزق فقط, الرزق على الله, ووظيفتك أنت الصلاة, لو أن مسئولاً كبيراً قال لك: تعال هذه المهمة نفذها ومسألة الرزق هذه عليّ لا تهتم, ماذا تقول؟ تقول: حاضر أنا مستعد؛ لأن هذا المسئول متكفل برزقي، فكيف تثق في الناس ولا تثق في ربك؟! الله يقول: لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ [طه:132] رزقك على الله فعليك أن تهتم بالصلاة.

وعند دخوله العشر سنوات، تنتقل من مرحلة الأمر والتعليم إلى مرحلة المتابعة والعقوبة، ليس بالضرب مباشرة, في البداية تتابعه؛ هل صليت يا ولد؟ قال: نعم. صليت، تسأله: أين صليت؟ قال: في المسجد, من صلّى بكم؟ قال: فلان الفلاني, ماذا قرأ في الركعة الأولى؟ ومن صلّى عن يمينك ويسارك؟ لتعرف هل هو صادق أم كاذب؟ ويعلم أنه متابع, وبعد ذلك إذا رأيت قصوراً فلا مانع من الضرب؛ لأن هذا هو توجيه النبي صلى الله عليه وسلم المعلم الأول للإنسانية (واضربوهم عليها لعشر).

بعد ذلك يصل سنه خمسة عشر عاماً ويبلغ عند ذلك سن الرشد, وبلوغ سن الرشد يكون بإحدى ثلاث: إما بالاحتلام، أو بالإنبات -بأن ينبت شعر في العانة- أو ببلوغ الخامسة عشرة سنة, إذا حصلت إحدى هذه العلامات حصل الرشد عنده وأصبح مخاطباً بتكاليف الشرع, ولذلك يلزمك أن تشعره أنه أصبح الآن مسئولاً عن جميع تصرفاته مخاطباً بتكاليف دينه، وأنه الآن مؤاخذ, والبداية كلها كانت عملية تدريب وتعليم فقط, أما الآن لم تعد عملية تدريب بل أصبحت مؤاخذاً, فإذا وقعت في أي خلل فإنك مستحق لعقوبة الله عز وجل.

أول شيء يخرج باكياً، ليس هناك طفل في الدنيا يخرج ضاحكاً, الأطفال جميعهم عربي وعجمي وسعودي وهندي وأمريكي إذا خرج إلى الدنيا فإنه يبكي, لماذا؟ قال العلماء: كان في بطن أمه في ضيق وخرج إلى السعة, كان في الظلمات وخرج إلى النور, المفروض أنه لما يخرج إلى السعة يضحك, لكن لماذا يبكي؟! لا يوجد مولود في الدنيا يخرج وهو لا يبكي, إلا عيسى عليه السلام فإنه خرج محفوظاً بأمر الله لم يقدر عليه الشيطان.

أما كل مولود فيخرج باكياً كما أوضح الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان ينزغ الإنسان في جنبه الأيسر إذا خرج) كأنه يعلمه ويشعره ببدء المعركة, فيبكي الطفل.

- أن الولد يخرج قابضاً كفه, لا يوجد أحد يخرج ويده مفتوحة, لماذا؟ قالوا: هذا يعبر عن حرصه على الدنيا وعن استعداده للصراع.

- أن القابلة أو الممرضة أول عمل تعمله بعد خروج الجنين, قطع الحبل السري بالمقص، أي: تقطع رزقه الذي أجراه الله له وعاش عليه تسعة أشهر, لكن الله لم يقطع رزقه، إذا قطعوا رزقه الذي كان يأتيه عن طريق الحبل السري من أمه نقل الله الطعام من الحبل السري إلى الثدي, فتجد الأم ثديها ناشفاً ولا يوجد فيه شيء, ولكن ما أن يضع الطفل الصغير فمه على هذا الثدي ويمصه حتى تحن عليه الأم وتشفق عليه وترحمه، ثم يترجم هذا الحنان وهذه الشفقة في لبن من أحسن هيئة وأحسن كيفية لا حار ولا بارد، ولا حلو ولا حامض, من أخرجه من بين الدم والعروق؟ إنه الله الذي لا إله إلا هو.

ولقد قال العلماء والأطباء: إن أفضل لبن يتغذى به الطفل هو لبن الأم؛ لأن الله خلقه وجعله دواءً له, وعدول الأم عن إرضاع ولدها من ثديها إلى الحليب الصناعي خطأ, ويترتب على ذلك مشاكل كثيرة تعاني منها الأم نفسها؛ لأن بعض الأمهات تقول: أنا لا أريد أن أرضع ابني أو ابنتي, لماذا؟ قالت: أريد أن أحافظ على رشاقتي, تريد أن تبقى رشيقة دائماً, ولكن أثبت الطب الحديث أن عدم إرضاع الطفل يسبب للمرأة أمراضاً منها سرطان الثدي، فسرطان الثدي عبارة عن خلل في نمو الخلايا الموجودة في الثدي، ويترتب عليه انتشار غير حميد يسمونه بالانتشار الخبيث، ثم يؤدي إلى استئصال الثدي كله بسبب عدم إرضاع الأم ولدها من ثديها.

أيضاً رابطة الحنان والحب والرحمة والشفقة بين الأم والابن تنعدم بسبب الإرضاع عن طريق الحليب الصناعي؛ لأنها إذا أرضعته وحنت عليه وضمته إلى صدرها وربته يمتلئ قلبها رحمة وحباً وتعلقاً به, وهو أيضاً يبادلها نفس هذه المشاعر وينعكس هذا على بره بها إذا كبر, فيصبح باراً لها قائماً بواجبه نحوها لماذا؟ لأنه يرد لها شيئاً من الجميل, ولكن من أول ما جاء المولود تركته وجعلته يرضع من الحليب الصناعي؛ ولذا تجد بعض الأولاد لا يحس أن أمه أمه, ولا يحن إليها ولا يرحمها ولا يحبها وهي أيضاً لا تحبه لهذا السبب, فلا بد أن ترضع الأم ابنها.

الله تبارك وتعالى أمر بتهيئة هذا المولود وإعداده قبل الزواج ليقوم بالرسالة التي خلقه الله عز وجل لها وهي العبادة, فيوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم إذا أراد أن يتزوج أن يكون له هدف في الزواج: وهو أن يبحث عن ذات الدين يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في البخاري : (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك) وهذه دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم على من لم يوفق في ذات الدين, كأنه امتلأت يداه بالتراب, يعني: إذا لم يكن عنده ذات الدين، فليس عنده زوجة ما عنده إلا تراب، صحيح أن الإنسان يود أن تكون امرأته ذات دين ومعها شيء من الجوانب الأخرى هذا مطلوب مثل: أن تكون جميلة، وذات مال, وذات حسب ونسب, لكن أهم شيء أن تكون ذات دين، فإن حصلت على ذات الدين فقد جاءتك البركة من كل جانب ولو قصر عليها شيء من الجمال, أو قصر عليها شيء من الحسب, قال تعالى: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221] ولو كان ما عندها مال, لكن افرض أنها ذات مال أو ذات جمال أو ذات حسب وليس عندها دين والعياذ بالله فهذه لا خير فيها, مهما بلغت وكانت, إذاً عليك مسئولية وهي أن تتزوج ذات الدين، لكن من الذي يهيئ ذات الدين ويعدها؟ الآباء, ولهذا مسئولية إعداد البنات مسئولية الوالدين عندما يقول الشرع للشاب: لا تتزوج إلا ذات الدين.

أيها الآباء! ربوا بناتكم تربية دينية من أجل يتزوج بها صاحب الدين, لكن من أين يتزوج صاحب الدين إذا كانت البنات فاسدات؟! قد يضطر أن يتزوج بالفاسدة، وبالتالي تقوم الأسرة على أساس فاسد, ويأتي نسل وجيل فاسد تفسد معه الحياة, لكن الإسلام يقول لمن أراد الزواج: تزوج ذات الدين، ومعنى هذا: أيها الأب! رب ابنتك على الدين, وأنشئها نشأة إسلامية, وأيتها الأم ربي ابنتكِ على الصلاح والتقوى، فالدور الرئيسي في التربية للأم، فإذا كانت الأم صالحة كان الأبناء صالحين, وإذا كانت الأم فاسدة فالأبناء فاسدون, فالأم التي تكذب يكون أولادها كذابين, والأم التي لا تصلي فأولادها لا يصلون, والأم الخائنة يكون أولادها خونة, والأم الزانية يكن بناتها زانيات، لماذا؟ لأنهم يتخلقون بأخلاقها, من أين جاءنا خالد وعمار وصهيب؟ من أين جاءنا الأبطال؟ إلا من الأمهات الصالحات, ومن أين جاءنا الخنافس والحشرات الذين ملئوا الدنيا بالفساد إلا من الأمهات الفاسدات.

الأم مدرسة إذا أعددتها     أعددت شعباً طيب الأعراق

والرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: (فاظفر بذات الدين) حث على الدين بشكل أكبر لماذا؟ لأن دينها لها ولك ولأولادها.

إذاً مسئولية إعداد البنت مسئولية مشتركة بين الأب والأم, فالذي يربي بناته على الفسق والمعاصي يتسبب في إيجاد أمهات فاسدات وجيل فاسد، وعليه إثمه بين يدي الله, بل بعض الآباء الآن يضع لوحة فوق البيت ويقول للناس: لا تقربوا مني فبناتي لا يصلحن لكم -هذا لسان حاله- فالذي يركب (الدش) فوق بيته, هذا كأنه يرسل برقية ورسالة إلى الأزواج بفساد هذه الأسرة فإذا أراد أن يتزوج سأل: كيف بناته؟ قالوا: والله فوق بيته (دش)، قال: لا أريد بناته, لماذا؟ لأن فوق البيت (دش)، قد علمهم الفساد، فليس من فساد في الأرض إلا وقد أخذوه ودرسوه في الليالي الحمراء والسوداء, فما يأتي أحد يتزوج إلا واحد مثله, أما صاحب الدين فلا يأتيه, فإذا جاء السيئ وأعطيته ابنتك فقد قطعت رحمها, وسوف يريك النجوم في وسط النهار، يعني: سوف ترى منه كل ما تكره، لكن إذا ربيت ابنتك على الدين وحفظتها من مساوئ الأخلاق، وهيئتها بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اخترت لها صاحب الدين، وأخذها هذا الرجل إن أحبها أكرمها وإن كرهها لم يظلمها, فإذا قامت الخلية الأولى من خلايا المجتمع وهي الأسرة على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدت الحياة.




استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
كيف تنال محبة الله؟ 2924 استماع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2921 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2800 استماع
أمن وإيمان 2672 استماع
حال الناس في القبور 2671 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2596 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2568 استماع
النهر الجاري 2472 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2464 استماع
مرحباً شهر الصيام 2394 استماع