شرح سنن أبي داود [397]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى.

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى، أي: يكال أو يحمل إذا كان صبرة أو كوماً من الطعام بدون كيل فإنه يحمله صاحبه وينقله من مكان البائع إلى مكانه، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة تدل على أن الإنسان يحوز الشيء الذي يشتريه، وأكثر الأحاديث التي وردت في الطعام وردت على لفظ العموم، ومعناها: أن الإنسان لا يبيع شيئاً وهو عند البائع إلا بعد أن يدخل في ملكه ويقبضه، ولا يبيعه وهو في حوزة البائع قبل أن يقبضه.

والأمر ليس خاصاً بالطعام بل يعم غيره، وهذا فيما إذا كان المبيع في ملك ومكان البائع فيحول إلى مكان المشتري، لكن إذا باع البائع في مكان مشاع مشترك مثل أسواق الخضار والثمار حيث الناس يأتون بالبضائع ويجمعونها، ثم يبيع ويأخذ الثمن ويمشي، فهذا لا يحتاج إلى تحويل لأن الأرض ليست ملكاً للبائع، وإنما هي مشاعة مشتركة فيأخذ البائع نقوده ويمشي، ويبقى الذي اشتراه في مكان هو للناس جميعاً ليس خاصاً بأحد، وإنما الكلام في دكان البائع أو مستودعه أو مخزنه فإنه لا يبيعه على أحد إلا بعد أن يحوزه، أما مثل هذا فحيازته تخليته مثل حيازة العمارة والعقار إنما هو بالتخلية بينه وبينه.

(من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) أي: ولا يبعه على شخص آخر حتى يستوفيه سواء كان يكال أو لا يكال.

بالنسبة للعقار إذا حصل اتفاق بين الناس بشهود أو بغير شهود يصح، لكن لما كثر الاختلاف بين الناس صارت الأمور تحتاج إلى توثيق، وإلى كتابات العدل وفي المحاكم حتى تثبت هذه الحقوق وحتى لا يحصل اختلاف أو شجار ونزاع بين الناس، والبيع يصح ولو لم يكن موثقاً إذا حصل شهود.

تراجم رجال إسناد حديث (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].

عبد الله بن مسلمة القعنبي أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

نافع مولى ابن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عمر ].

هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

هذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود .

شرح حديث (كنا في زمن رسول الله نبتاع الطعام فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله...) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن عمر أنه قال: (كنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتاع الطعام فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبعه، يعني: جزافاً) ].

وهذا مثل الذي قبله أنه إذا بيع لابد أن ينقل، وأنه يكال إذا كان يكال، وهذا في الحديث السابق، وأما هنا فقد قال: فإنه ينقل من مكان البائع إلى مكان آخر للمشتري أو يودعه عند أحد، المهم أن يخرجه من مكان البائع.

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك ].

مر في الذي قبله.

شرح حديث (...فنهى رسول الله أن يبيعوه حتى ينقلوه) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كانوا يتبايعون الطعام جزافاً بأعلى السوق، فنهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه).

وهذا مثل الذي قبله.

قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ].

أحمد بن محمد الشيباني الإمام ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يحيى ].

يحيى بن سعيد القطان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبيد الله ].

عبيد الله بن عمر العمري المصغر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع عن ابن عمر ].

وقد مر ذكرهما.

وستأتي الحكمة من ذلك النهي فيما بعد.

شرح حديث (...نهى أن يبيع أحد طعاماً اشتراه بكيل حتى يستوفيه) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثنا عمرو عن المنذر بن عبيد المديني أن القاسم بن محمد حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع أحد طعاماً اشتراه بكيل حتى يستوفيه) ].

أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثنا عمرو ].

عمرو هو عمرو بن حارث المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن المنذر بن عبيد المديني ].

المنذر بن عبيد المديني مقبول أخرج له أبو داود والنسائي .

[أن القاسم بن محمد ].

القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن عمر ]

عبد الله بن عمر مر ذكره.

والحديث فيه رجل مقبول لا يؤثر؛ لأنه مثل الحديث الأول، ومثل الأحاديث الأخرى التي هي بمعناه فهو ليس مستقلاً برواية الحديث، وإنما هو مشابه للطرق الأخرى التي هي بمعناه، ولا سيما أول حديث في الباب؛ فهو مطابق له.

شرح حديث (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله)، زاد أبو بكر قال: قلت لـابن عباس : لم ؟ قال: ألا ترى أنهم يتبايعون بالذهب والطعام مرجى ( أي: مؤجل ) ].

وهذا مثل الذي قبله، إلا أنه فيه بيان حكمة التحريم، وقال: ألا تراهم يتبايعون بالذهب والطعام مرجى، معناه: أن السلعة تبقى في مكانها، ويكون البيع بالذهب، وهذه الحركة إنما هي بالنقود، وأما الطعام فتروح وتغدو عليه عدة بيعات وهو في مكانه، وصارت القضية كأنها قضية بيع نقود بنقود مع التفاضل؛ لأن السلعة باقية في مكانها وتجري عدة بيعات والسلعة ما تحركت، فأصبحت المسألة بيع نقود بنقود مع التفاضل.

تراجم رجال إسناد حديث (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله)

قوله: [ حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة ].

أبو بكر بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة ، وعثمان أخوه مر ذكره.

[ حدثنا وكيع ].

وكيع مر ذكره.

[ عن سفيان ].

سفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، إذا جاء وكيع يروي عن سفيان فالمراد به الثوري ، وهو ثقة فقيه وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن طاوس ].

هو عبد الله بن طاوس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

طاوس بن كيسان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

ابن عباس مر ذكره.

علة وجوب نقل السلعة قبل بيعها

تعليل ابن عباس رضي الله عنهما لا يفيد بعمومه سواء كان البيع في محل البائع أو كان المكان مشاعاً لأن العلة ليست واحدة؛ لأنه إذا باع السلعة وهي في مكانها فهو لم يقبضها، أما إذا كانت في حوزته فإنه يقبضه إياها؛ لأنها من قبل كانت عند البائع وهنا في حوزته، وقد كانوا يتبايعون والسلعة في مكانها، وأما إذا كانت في حوزته فباعها من غيره فهذا الغير لا يبيعها إلا إذا نقلها، والذي سيشتري منه لا يبيعها إلا إذا نقلها.

أما إذا كان المكان مشاعاً فلا إشكال؛ فإن الإنسان يأخذ النقود ويترك السلعة ويقبضها صاحبها، ثم يأتي الثاني ويبيعها للثالث، ويأخذ النقود، والثالث يبيعها للرابع، المهم أن السلعة مسلمة، ولا يسلم الشيء إلا بعد قبضه.

فإذا حصل القبض وكل أخذ حقه فلا يوجد أي محذور لأن هذا سائغ، وأما ذلك فلا يسوغ إلا إذا نقل، فإذا أعطاه ثمنه ونقله إليه جاز له أن يبيعه، ومن قبل النقل لا يجوز له البيع، وعليه أن ينتقل من مكان المشتري الأول لأي مكان آخر.

كذلك السيارات يحدث أنها تباع في نفس المكان بل بدون أن تركب عليها اللوحات، يحرج عليها ثم تملك ثم تباع في نفس المكان، لكن لابد من نقل كل شيء؛ إذ النقل ليس خاصاً بالطعام في الحديث، وسيأتي ما يدل على أن الأمر أعم وأوسع في حديث زيد بن ثابت وحديث حكيم بن حزام، والمعنى الذي في الكيل موجود في كل شيء، ولهذا جاء عن ابن عباس أنه يقاس غير الطعام عليه، والأحاديث دالة على العموم.

شرح حديث (إذا اشترى أحدكم طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد وسليمان بن حرب قالا: حدثنا حماد ح وحدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة وهذا لفظ مسدد عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا اشترى أحدكم طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه)، قال سليمان بن حرب : (حتى يستوفيه) زاد مسدد قال: وقال ابن عباس وأحسب أن كل شيء مثل الطعام ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس ، وهو مثل ما تقدم، وفيه قول ابن عباس أن كل شيء مثل الطعام في الحكم، وأن غيره يقاس عليه، والقياس صحيح، ولكن قد جاءت أحاديث تدل على العموم في الطعام وغير الطعام، فحديث جابر : (من باع شيئاً فلا يبعه حتى يستوفيه) وحديث زيد بن ثابت أعم من أن يكون طعاماً أو غير طعام.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا ابتاع أحدكم طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه)

قوله: [ حدثنا مسدد وسليمان بن حرب ].

مسدد ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.

و سليمان بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

حماد هو ابن زيد ، وإذا جاء مسدد أو سليمان بن حرب يروي عن حماد غير منسوب فالمراد به حماد بن زيد ، وإذا جاء موسى بن إسماعيل يروي عن حماد غير منسوب فالمراد حماد بن سلمة .

[ ح وحدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة ].

أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وهذا لفظ مسدد عن عمرو بن دينار ].

عمرو بن دينار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن طاوس عن ابن عباس ].

وقد مر ذكرهما.

شرح حديث (رأيت الناس يضربون على عهد رسول الله إذا اشتروا الطعام جزافاً...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: (رأيت الناس يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا الطعام جزافاً أن يبيعوه حتى يبلغه إلى رحله) ].

أورد أبو داود حديث ابن عمر أنه قال: (رأيت الناس يضربون إذا ابتاعوا الطعام جزافاً) يعني لا يبيعه إلا بعد أن يبلغه إلى رحله، بمعنى: أنه يحمله وينقله، وفي هذا الإشارة إلى أن المحتسب والمسئول عن مثل هذا يؤدب الناس، ولو كان ذلك بالضرب حتى يحملوه وينقلوه من مكان البائع إلى رحل المشتري أو إلى مكان آخر، ولا يلزم أن يؤديه إلى رحله؛ لكن المهم أن يقبضه وينقله من مكان البيع.

تراجم رجال إسناد حديث (رأيت الناس يضربون على عهد رسول الله إذا اشتروا الطعام جزافاً...)

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].

الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .

[ حدثنا عبد الرزاق ].

عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا معمر ].

هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري ].

هو محمد بن مسلم بن عبيدالله بن شهاب الزهري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سالم ].

سالم بن عبد الله بن عمر وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن عمر ].

وقد مر ذكره.

معنى قوله: (إذا اشتروا الطعام جزافاً)

ومعنى قوله: [جزافاً] أي بدون كيل، يعني: كوماً من التمر أو البر أو الشعير غير مكيل ولا يعرف مقداره، ومعلوم أنه يجوز شراؤه بالدراهم أو بالدنانير أو بالطعام من غير جنسه، أما إذا بيع بجنسه فلابد أن يتحقق التماثل ولا يجوز أن يباع جزافاً؛ وقد سبق أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل إذا بيع الطعام بطعام من جنسه وأنه لابد أن يعرف مقداره صاعاً بصاع، وأما إذا بيع بجنس آخر فيجوز التفاضل لكن بشرط التقابض.

شرح حديث (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا أحمد بن خالد الوهبي حدثنا محمد بن إسحاق عن أبي الزناد عن عبيد بن حنين عن ابن عمر قال: (ابتعت زيتاً في السوق، فلما استوجبته -أي: صار في ملكي- لنفسي لقيني رجل فأعطاني به ربحاً حسناً، فأردت أن أضرب على يده، فأخذ رجل من خلفي بذراعي، فالتفت فإذا زيد بن ثابت فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) ].

أورد أبو داود حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه الذي فيه العموم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تبتاع السلع حتى يحوزها التجار -يعني: الذين اشتروا- إلى رحالهم، ولا يبيعونها في مكانها عند البائع، فهذا يفيد العموم، وأن الأمر لا يختص بالطعام، وأنه في عموم السلع سواء كانت سيارات أو حديداً أو غير ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع ...)

قوله: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي ].

محمد بن عوف الطائي ثقة أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي .

[ حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ].

أحمد بن خالد الوهبي صدوق أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.

[حدثنا محمد بن إسحاق ].

محمد بن إسحاق المدني صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي الزناد ].

أبو الزناد مر ذكره واسمه عبد الله بن ذكوان .

[ عن عبيد بن حنين ].

عبيد بن حنين ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عمر ]

ابن عمر مر ذكره.

ربما تكون الحكمة في النهي عن البيع قبل الحيازة ألا يحصل النزاع فيما لو حصل تلف للبضاعة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى.

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى، أي: يكال أو يحمل إذا كان صبرة أو كوماً من الطعام بدون كيل فإنه يحمله صاحبه وينقله من مكان البائع إلى مكانه، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة تدل على أن الإنسان يحوز الشيء الذي يشتريه، وأكثر الأحاديث التي وردت في الطعام وردت على لفظ العموم، ومعناها: أن الإنسان لا يبيع شيئاً وهو عند البائع إلا بعد أن يدخل في ملكه ويقبضه، ولا يبيعه وهو في حوزة البائع قبل أن يقبضه.

والأمر ليس خاصاً بالطعام بل يعم غيره، وهذا فيما إذا كان المبيع في ملك ومكان البائع فيحول إلى مكان المشتري، لكن إذا باع البائع في مكان مشاع مشترك مثل أسواق الخضار والثمار حيث الناس يأتون بالبضائع ويجمعونها، ثم يبيع ويأخذ الثمن ويمشي، فهذا لا يحتاج إلى تحويل لأن الأرض ليست ملكاً للبائع، وإنما هي مشاعة مشتركة فيأخذ البائع نقوده ويمشي، ويبقى الذي اشتراه في مكان هو للناس جميعاً ليس خاصاً بأحد، وإنما الكلام في دكان البائع أو مستودعه أو مخزنه فإنه لا يبيعه على أحد إلا بعد أن يحوزه، أما مثل هذا فحيازته تخليته مثل حيازة العمارة والعقار إنما هو بالتخلية بينه وبينه.

(من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) أي: ولا يبعه على شخص آخر حتى يستوفيه سواء كان يكال أو لا يكال.

بالنسبة للعقار إذا حصل اتفاق بين الناس بشهود أو بغير شهود يصح، لكن لما كثر الاختلاف بين الناس صارت الأمور تحتاج إلى توثيق، وإلى كتابات العدل وفي المحاكم حتى تثبت هذه الحقوق وحتى لا يحصل اختلاف أو شجار ونزاع بين الناس، والبيع يصح ولو لم يكن موثقاً إذا حصل شهود.

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].

عبد الله بن مسلمة القعنبي أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

نافع مولى ابن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عمر ].

هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

هذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود .