خطب ومحاضرات
فضل الإيمان وآثاره
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
أيها الإخوة في الله: هناك في حياة البشر ضرورات لا بد من توفرها، ولا يستطيع إنسان أن يعيش حياةً سعيدةً إلا بتوفر تلك الضرورات، وهذه الضرورات كثيرة في حياة الناس، ولضغط الحياة المادية وانعدام المقاومة لدى الإنسان في هذا الزمان؛ أصبحت معظم الأشياء ضرورية لدرجة أنه إذا انتهت أية مادة من مواد الأسرة فإن البيت يشعر بنقص، وبعدم قدرة على التكيف مع الوضع الجديد، إذ لا بد من توفير هذه الأشياء ولو في أبسط صورها، مثلاً: لو تنتهي من البيت حفاظات الأولاد لقامت مشكلة في البيت، تصيح المرأة بأعلى صوتها، وتقيم الرجل من مضجعه، وتوقظه من نومه، وتأمره بأن يذهب إلى السوق لشراء حفائظ الأولاد، وكأن القيامة قد قامت.
رغم أن الناس منذ آدم إلى قبل عشر سنوات لا يعرفون حفاظات الأولاد، وما ظهرت إلا منذ الأيام القريبة، لكن انهزامية الناس أمام ضغط هذه الأشياء جعلت كل شيء ضروري، لكن الضروري حقيقةً ثلاثة أشياء:
أولاً: الهواء.
ثانياً: الماء.
ثالثاً: الغذاء.
فقط هذه؛ لأن على هذه الثلاثة مدار حياة البشر، إذ لا يستطيع الإنسان أن يعيش بغير الهواء لحظة واحدة، ولا أن يعيش بغير الماء فترة معينة، ولا بغير الغذاء فترةً أطول، لكن بغير هذه الثلاث يمكن أن يعيش الإنسان، بل يمكن أن يعيش بدون كساء، فيستر عورته بأوراق الشجر، وينام في الكهوف، ويستظل بالأشجار، ويسير على قدميه حافياً، فإذا وُجد الماء والهواء والغذاء وجدت الحياة، وإذا انعدمت هذه الثلاثة الضرورية انعدمت الحياة.
لكن هل الإيمان والتدين والالتزام ضروريٌ للبشر كضرورة هذه الأشياء الثلاث؟ هل الإيمان -تنبه لهذا السؤال- والدين والعيش على منهج ضروري للإنسان كضرورة هذه الأشياء الثلاث، بحيث إذا لم يتوفر الإيمان في حياة الإنسان مع هذه الثلاث تصبح الحياة غير ممكنة؟!
قبل الإجابة على هذا السؤال يجب أن نناقش الموضوع بعقلية وبمنطق.
هذه الضرورات الثلاث من أين نتجت حتى أصبح الإنسان لا يمكن أن يعيش بدونها؟
الضرورة الأولى: الهواء
هل سمعتم أحداً يقول: أعطني كيلو هواء؟
ما ظنكم لو أن الهواء الذي يعيش الناس عليه يشترى بمال، لو حصل هذا لمات أكثر البشر الذين ليس لديهم مال، أو كان من معه هواء يحمله في قربة أو برميل فوق ظهره، وما عمله إلا مراقبة العيار متى ينتهي الهواء، لكن الله جعل الذي هو أغلى شيء في الوجود مجاناً، وهذه نعمة من الله عز وجل، وما سمعنا إنساناً يبيع الهواء أو يشتري الهواء، طبعاً لا تحتجون عليّ بهواء الإطارات الذي عند البنشر، فتقولون لي: نشتري هواء ونعبأه بثمن، لا. حتى هواء الإطارات مجاناً، فأنت عندما تقف عند صاحب بنشر، فتعاير الهواء وتزيد وتنقص لا تعطيه إلا ريالاً، وإذا أعطيته ريالاً قال لك: استحِ على وجهك، هذا هواء كيف نبيع الهواء؟
وأذكر مرة من المرات في بداية حياتي أني اشتريت سيارة، وما كنت أعرف شيئاً عن السيارات، كنت أعرف فقط أقود، وفي يوم من الأيام حصل في سقف السيارة أن انحلت بعض (الصواميل) وما رأيتها؛ لأنها مغطاة من الداخل باللباس، فاشتكيت إلى أحد السائقين القدامى، فقلت له: يا أخي! عندي قعقعة في سقف السيارة ولا أدري ما سببها؟
فقال لي: هل غيرت الهواء؟
قلت: هواء ماذا؟
قال: هواء الإطارات.
قلت: لا والله ما غيرته.
قال: من متى لم تغيره؟
قلت: السيارة معي منذ سنة.
قال: قل: لا إله إلا الله! سنة كاملة وما غيرت الهواء!! والزيت كذلك ما غيرته؟
قلت: لا. الزيت كل (2000كم)أغيره.
قال: جيد، الحمد لله تداركتها، لكن لا بد لك من تغيير الهواء.
يقولون: إن الهواء يخزن داخل الإطار، وعندما يدور الإطار باستمرار يفسد الهواء، فيحصل قعقعة في السيارة، فأخذت كلام الرجل على محمله، وذهبت إلى صاحب البنشر وأوقفت سيارتي وقلت له: غيَّر الهواء؟ فنظر الرجل إلي نظرة استغراب وقال: ماذا بك؟
قلت: غيَّر الهواء.
قال: هواء ماذا؟
قلت: هواء الإطارات.
قال: أنت مجنون أم عاقل؟!
قلت: أنت المجنون، غيّر الهواء فقط، فتركني وأدبر عني، وأنا من بالغ الاعتداد بنفسي ذهبت إلى الإطارات وفككت الإبر وفرغت الهواء كله على الأرض، وبعد ذلك أتيت (باللي) وعبأت الهواء وأرجعت الإبر وسلمته النقود، أعطيته ريالاً، فأخذه؛ لأنه قال: مجنون، نأخذ الريال من مجنون ولا نتركه له.
وبعد ذلك مشيت بالسيارة في أول تجربة وإذا بالقعقعة هي هي، فذهبت إلى الرجل، فقلت: يا أخيّ غيرت الهواء وما ذهبت القعقعة، قال: وغيرته!! قلت: نعم. فجلس يضحك عليّ ويضحك معه من حوله.
الشاهد في الموضوع أن الهواء أغلى ما في الوجود، ومع هذا لا يباع ولا يشترى وإنما هو مجاناً، ولو كان الهواء يباع لمات كثير من البشر؛ لأن على الهواء مدار حياة البشر، ولا يستطيع البشر أن يستغنوا عنه لحظة واحدة، فجعله الله مجاناً، وجعله في كل مكان وفوق كل أرض، وتحت كل سماء، وفي أي مكان في الدنيا لا تدخل إلا والهواء معك يحيط بك من كل جانب، هذه ضرورة واحدة.
الضرورة الثانية: الماء
ولكن ضرورة الإنسان للماء أقل من ضرورة الإنسان للهواء، إذ يستطيع الإنسان أن يعيش بغير ماء أسبوعاً كاملاً، وفي المناطق الباردة يعيش أسبوعين، لكنه لا يستطيع أن يعيش لحظة واحدة بغير هواء، ولذا لم يجعل الله الماء مُلابساً للإنسان يخرخر فوق رأسه أينما دخل وأينما خرج، ولو جعل الله الماء في هذا الوضع لمات البشر، ولكن الله جعل الماء ينزل من السماء بِقَدر، يقول الله عز وجل: يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ [الشورى:27].
وإذا نزل هذا القَدْر من السماء على الأرض لا يجعله الله راسياً، فلو أنه شكل بحيرات ومستنقعات في الأرض لفسدت الحياة ولنمت الجراثيم، ولَـجلبت العلل والأمراض، لا. إنما يفتح الله الأرض لهذا الماء فيسكن في بطنها، لا يسكن في أعماقها وإنما قريباً من السطح، ولو جعل الله الأرض تمتص هذا الماء، لذهب إلى أغوار الأرض البعيدة ولحُرم منه الناس ولم يستفد منه أحد، ومات كل من على ظهر الأرض، ولكن الله عز وجل جعل الأرض تمتصه حتى لا تفسد الحياة بوجود الماء على ظهرها، فتمتصه ويختزنه الله عز وجل للناس في الطبقة العليا من الأرض، يقول الله عز وجل: فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ [المؤمنون:18] ويقول: وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ [الحجر:22].
والماء لديه قدرة عظيمة على اختراق الأشياء، فإذا وجد مثل خرق الإبرة في أي إناء فإن الماء يخرج منه، لكن من الذي حفظ لك أيها الإنسان داخل الأرض بين الشقوق والشعاب والحفر والحجارة، فتجده موجوداً لا ينقص؟! أنت تأخذ وهو يزيد من عند الله تبارك وتعالى، هذه نعمة من نعم الله عز وجل.
فجعل الله الماء موجوداً، لكن الحصول عليه يكون بمشقة، تحفر بئراً، أو تذهب إلى البحر فتجري تكريراً لمياه البحار، وبعد ذلك تأخذ منها الماء العذب وتترك الماء المالح، المهم أنه موجود لكنه بجهد، وليس بغالٍ، فالماء من أرخص وأكثر الأشياء في الأرض، بل إن ثلاثة أخماس الأرض ماء، وخُمسين من الأرض يابس، مع ما في بطن اليابس من المياه الغزيرة التي نحن من فضل الله في هذه البلاد نعيش عليها، ليس عندنا أنهاراً، ولكن جميع حياتنا الزراعية قائمة على مياه الأرض الباطنة، التي امتصت من مئات السنين من الأمطار التي تنزل إلى الأرض، ثم تسير على شكل وديان تمتصها الأرض وتحتفظ بها، إلى أن جاء الإنسان واستطاع بفضل الله عز وجل أن يصل إلى أعماق الأرض ويسحب هذه المياه، ويحول هذه الصحاري إلى مزارع وبساتين وجنان، وهذه كلها من نعم الله على الإنسان.
الضرورة الثالثة: الغذاء
هذه الضرورات الثلاث هي ضرورات البشر.
الهواء يحيط بالإنسان من كل جانب، ويسير معه في كل مكان، تدخل المسجد تجد الهواء أمامك، تركب السيارة تجد الهواء في انتظارك، تخرج إلى الشارع تجد الهواء يلامسك، تركب في الطائرة تجد الهواء معك، تدخل في غرفة النوم كذلك هو معك، وتدخل دورة المياه والهواء معك، أينما دخلت والهواء يحيط بك من كل جانب، لماذا؟ لأنك لا تستطيع أن تعيش بغير الهواء، فجعل الله الهواء معك في كل مكان، ولو أنه انحبس عنك لحظة واحدة لمت! بينما هذا الهواء تحصل عليه بالمجان.
هل سمعتم أحداً يقول: أعطني كيلو هواء؟
ما ظنكم لو أن الهواء الذي يعيش الناس عليه يشترى بمال، لو حصل هذا لمات أكثر البشر الذين ليس لديهم مال، أو كان من معه هواء يحمله في قربة أو برميل فوق ظهره، وما عمله إلا مراقبة العيار متى ينتهي الهواء، لكن الله جعل الذي هو أغلى شيء في الوجود مجاناً، وهذه نعمة من الله عز وجل، وما سمعنا إنساناً يبيع الهواء أو يشتري الهواء، طبعاً لا تحتجون عليّ بهواء الإطارات الذي عند البنشر، فتقولون لي: نشتري هواء ونعبأه بثمن، لا. حتى هواء الإطارات مجاناً، فأنت عندما تقف عند صاحب بنشر، فتعاير الهواء وتزيد وتنقص لا تعطيه إلا ريالاً، وإذا أعطيته ريالاً قال لك: استحِ على وجهك، هذا هواء كيف نبيع الهواء؟
وأذكر مرة من المرات في بداية حياتي أني اشتريت سيارة، وما كنت أعرف شيئاً عن السيارات، كنت أعرف فقط أقود، وفي يوم من الأيام حصل في سقف السيارة أن انحلت بعض (الصواميل) وما رأيتها؛ لأنها مغطاة من الداخل باللباس، فاشتكيت إلى أحد السائقين القدامى، فقلت له: يا أخي! عندي قعقعة في سقف السيارة ولا أدري ما سببها؟
فقال لي: هل غيرت الهواء؟
قلت: هواء ماذا؟
قال: هواء الإطارات.
قلت: لا والله ما غيرته.
قال: من متى لم تغيره؟
قلت: السيارة معي منذ سنة.
قال: قل: لا إله إلا الله! سنة كاملة وما غيرت الهواء!! والزيت كذلك ما غيرته؟
قلت: لا. الزيت كل (2000كم)أغيره.
قال: جيد، الحمد لله تداركتها، لكن لا بد لك من تغيير الهواء.
يقولون: إن الهواء يخزن داخل الإطار، وعندما يدور الإطار باستمرار يفسد الهواء، فيحصل قعقعة في السيارة، فأخذت كلام الرجل على محمله، وذهبت إلى صاحب البنشر وأوقفت سيارتي وقلت له: غيَّر الهواء؟ فنظر الرجل إلي نظرة استغراب وقال: ماذا بك؟
قلت: غيَّر الهواء.
قال: هواء ماذا؟
قلت: هواء الإطارات.
قال: أنت مجنون أم عاقل؟!
قلت: أنت المجنون، غيّر الهواء فقط، فتركني وأدبر عني، وأنا من بالغ الاعتداد بنفسي ذهبت إلى الإطارات وفككت الإبر وفرغت الهواء كله على الأرض، وبعد ذلك أتيت (باللي) وعبأت الهواء وأرجعت الإبر وسلمته النقود، أعطيته ريالاً، فأخذه؛ لأنه قال: مجنون، نأخذ الريال من مجنون ولا نتركه له.
وبعد ذلك مشيت بالسيارة في أول تجربة وإذا بالقعقعة هي هي، فذهبت إلى الرجل، فقلت: يا أخيّ غيرت الهواء وما ذهبت القعقعة، قال: وغيرته!! قلت: نعم. فجلس يضحك عليّ ويضحك معه من حوله.
الشاهد في الموضوع أن الهواء أغلى ما في الوجود، ومع هذا لا يباع ولا يشترى وإنما هو مجاناً، ولو كان الهواء يباع لمات كثير من البشر؛ لأن على الهواء مدار حياة البشر، ولا يستطيع البشر أن يستغنوا عنه لحظة واحدة، فجعله الله مجاناً، وجعله في كل مكان وفوق كل أرض، وتحت كل سماء، وفي أي مكان في الدنيا لا تدخل إلا والهواء معك يحيط بك من كل جانب، هذه ضرورة واحدة.
الماء عليه مدار الحياة، يقول الله عز وجل: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30].
ولكن ضرورة الإنسان للماء أقل من ضرورة الإنسان للهواء، إذ يستطيع الإنسان أن يعيش بغير ماء أسبوعاً كاملاً، وفي المناطق الباردة يعيش أسبوعين، لكنه لا يستطيع أن يعيش لحظة واحدة بغير هواء، ولذا لم يجعل الله الماء مُلابساً للإنسان يخرخر فوق رأسه أينما دخل وأينما خرج، ولو جعل الله الماء في هذا الوضع لمات البشر، ولكن الله جعل الماء ينزل من السماء بِقَدر، يقول الله عز وجل: يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ [الشورى:27].
وإذا نزل هذا القَدْر من السماء على الأرض لا يجعله الله راسياً، فلو أنه شكل بحيرات ومستنقعات في الأرض لفسدت الحياة ولنمت الجراثيم، ولَـجلبت العلل والأمراض، لا. إنما يفتح الله الأرض لهذا الماء فيسكن في بطنها، لا يسكن في أعماقها وإنما قريباً من السطح، ولو جعل الله الأرض تمتص هذا الماء، لذهب إلى أغوار الأرض البعيدة ولحُرم منه الناس ولم يستفد منه أحد، ومات كل من على ظهر الأرض، ولكن الله عز وجل جعل الأرض تمتصه حتى لا تفسد الحياة بوجود الماء على ظهرها، فتمتصه ويختزنه الله عز وجل للناس في الطبقة العليا من الأرض، يقول الله عز وجل: فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ [المؤمنون:18] ويقول: وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ [الحجر:22].
والماء لديه قدرة عظيمة على اختراق الأشياء، فإذا وجد مثل خرق الإبرة في أي إناء فإن الماء يخرج منه، لكن من الذي حفظ لك أيها الإنسان داخل الأرض بين الشقوق والشعاب والحفر والحجارة، فتجده موجوداً لا ينقص؟! أنت تأخذ وهو يزيد من عند الله تبارك وتعالى، هذه نعمة من نعم الله عز وجل.
فجعل الله الماء موجوداً، لكن الحصول عليه يكون بمشقة، تحفر بئراً، أو تذهب إلى البحر فتجري تكريراً لمياه البحار، وبعد ذلك تأخذ منها الماء العذب وتترك الماء المالح، المهم أنه موجود لكنه بجهد، وليس بغالٍ، فالماء من أرخص وأكثر الأشياء في الأرض، بل إن ثلاثة أخماس الأرض ماء، وخُمسين من الأرض يابس، مع ما في بطن اليابس من المياه الغزيرة التي نحن من فضل الله في هذه البلاد نعيش عليها، ليس عندنا أنهاراً، ولكن جميع حياتنا الزراعية قائمة على مياه الأرض الباطنة، التي امتصت من مئات السنين من الأمطار التي تنزل إلى الأرض، ثم تسير على شكل وديان تمتصها الأرض وتحتفظ بها، إلى أن جاء الإنسان واستطاع بفضل الله عز وجل أن يصل إلى أعماق الأرض ويسحب هذه المياه، ويحول هذه الصحاري إلى مزارع وبساتين وجنان، وهذه كلها من نعم الله على الإنسان.
الغذاء أقل ضرورة من الماء، إذ بإمكان الإنسان أن يصبر على الغذاء فترة أطول من فترة صبره علىالماء، فللإنسان قدرة على أن يعيش شهرين بدون غذاء ولا يموت، لكنه لا يستطيع أن يصبر فترة طويلة عن الماء مثل الغذاء، ولذا جعل الله الغذاء موجوداً في الأرض بمشقة أكبر من مشقة الماء، عن طريق حرث الأرض، ثم سقيها وبذرها ثم انتظار الثمر حتى يظهر، ثم حصده، ثم طحنه وخبزه وأكله، فلا يُأكل هذا القرص حتى يُتعب عليه كثيراً، ولكنه موجود.
هذه الضرورات الثلاث هي ضرورات البشر.
الضرورة الرابعة التي سنتحدث عنها ونسأل أنفسنا عنها، وهل هي ضرورية مثل الهواء والماء والغذاء أم لا، هي: ضرورة الإيمان والدين، فهل هي ضرورة حقاً؟
بالعاطفة كل شخص منا سيقول: نعم. الدين ضروري مثل الهواء والغذاء والماء، لكننا حينما نضع الإنسان على محك العلم والتجربة نجد أنه ليس عنده علم يثبت له أن الإيمان والدين ضروريٌ للإنسان كضرورة الغذاء والهواء والماء، بدليل أن معظم البشر الآن في الأرض يعيشون بلا دينٍ وبلا إيمانٍ، ولا يشعرون بأن الإيمان والدين ضروريٌ لهم.
وحتى نجيب إجابةً علمية دقيقة على هذا السؤال يجب أن نسأل أولاً: ما هو الإنسان؟ وما هي مادته وأصل تكونيه؟
مادة البشر المكونة لأصلهم
من الذي خلق الإنسان؟ إنه الله، فهو أعلم بأسرار الإنسان وبمادته، وبما يصلحه ويفسده، وأعلم بما هو ضروري له، وبما ليس ضرورياً له، فالذي يتحدث عن الصنعة صانعها، والله عز وجل هو خالق الإنسان، ولم يقل أحد في الدنيا بأنه هو الذي خلق الإنسان، والله سألهم في القرآن وقال لهم: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ [الطور:35-36] فهم لم يُخْلقوا من غير شيء وليسوا هم الخالقين، ولم يخلقوا السماوات والأرض، فتعين أن يكون لهم خالق وهو الله تبارك وتعالى، يقول عز وجل: هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:1-2].
فالذي خلق الإنسان هو الله عز وجل، ولذا نسأل ربنا تبارك وتعالى: مم خلق الإنسان؟ وما هي مادة تركيبه؟
وقد أخبرنا الله في القرآن الكريم أن الإنسان مخلوقٌ من عنصرين، ومركبٌ من مادتين: عنصر طيني أرضي، وعنصر روحي سماوي، يقول عز وجل: إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ [ص:71] هذا العنصر الأول: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [ص:72] فأخبر الله عز وجل الملائكة أنه سوف يخلق بشراً من طين، ولهذا لما حللوا عناصر الطين، وحللوا عناصر الذرة من الإنسان، وجدوا أن الإنسان يتكون من ستة عشر عنصراًً هي الموجودة في الطين.
فمجموعك أيها الإنسان من ستة عشر عنصراً: فيك الحديد، والماغنسيوم، والملح، والماء، وكل شيء موجود في خلية الطين التي أنت مكون منها. هذا العنصر الأول.
إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ [ص:71-72] وجاء العنصر الثاني المهم؛ لأن العلماء يقولون: إن الله ما أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم بعد خلق عنصره الطيني، بل أمرهم بالسجود له بعد نفخ الروح فيه، لماذا؟ لأنه كلمه بالروح.
: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [ص:72] فالسجود جاء بالأمر من الله عز وجل للملائكة أن تسجد لآدم بعد نفخ الروح فيه، لماذا؟ قال العلماء: لأن الروح هي الكريمة في الإنسان، بدليل أن الإنسان إذا مات وخرجت منه روحه فإنه لا يبقى لجسده قيمة أبداً، رغم أن العين موجودة والأذن، والرئة والجهاز التنفسي والهضمي والتناسلي والهيكل العظمي .. وكل الأجهزة موجودة، لكن لما خرجت الروح لم يبق لكل هذا قيمة، فمن يشتري هذا الجسد بريال واحد؟ لا أحد يشتريه، بل يتخلص الناس منه في أقرب فرصة، حتى إن أحب الناس إلى هذا الجسد يتولى سرعة تجهيزه، ويدق على الناس ويقول: لا نريده أن يبيت إلا في قبره، فلا يريده أن يبات معه ليلة واحدة.
وإذا مات الناس في عمليات زرع الأعضاء، فإنهم يأخذون القلب من الإنسان الميت ويزرعونه في إنسان لم تخرج الروح من قلبه فيعيش هذا الإنسان، فلماذا وقف القلب في هذا الجسد وعمل في الجسد الثاني؟ لماذا لم يظل عاملاً مادام أنه سليم؟ لماذا لم يستمر في عمله؟ لأن الحياة ليست في الجسد وإنما في الروح، وما دام أن الروح قد خرجت فإن القلب يتوقف، فينقل القلب من جسدٍ قد ذهبت منه الروح إلى جسدٍ لا تزال الروح فيه فيعمل هذا القلب.
وعملية زرع الكلى -أيضاً- وهي: أن تأخذ الكلية من مريض قد مات وتوضع في جسد آخر حي فتعمل؛ لأن هناك مشغلاً لها وهي الروح، فالحياة ليست في الكلى ولا القلب، ولا الرئة ولا جميع أجزاء الجسد، بل هي في الروح، والله تبارك وتعالى يقول: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [ص:72] فالروح بمنزلة الراكب، والجسد بمنزلة المطية أو المركوب، ودائماً الكرامة والشرف للراكب لا للمطية،وما نفعله الآن هو تكريم المركوب والمطية وتركنا الراكب عند الباب.
فلو أنك نزلت ضيفاً على مطيتك إلى أحد إخوانك أو أرحامك، وبدلاً من أن يدخلك إلى المجلس ذهب بك إلى الاصطبل التابع للمواشي، وأدخل المطية في المجلس وأعطاها القهوة والطيب والعشاء، بينما أرسل لك أنت بكرتون من العلف، ولم يضئ لك الإصطبل، ولم يجهز لك الفراش، ثم بقيت إلى نصف الليل وأنت تنتظر فقلت له: ما بك يا أخي؟! قال: المطية وضعناها في المجلس! فهل تغضب أم ترضى؟ بالطبع تغضب وتقول: يا أخي! المطية أحضرها مكاني، وأنا ضعني في المجلس.
فنحن الآن عكسنا الآية، نكرم الجسد الذي هو المطية، فالثوب الجيد، والعمارة الجيدة، والأكل الجيد، والعلاج، وكل شيء حسن للمطية، بينما الروح التي فيها الحياة مقتولة عند كثير من الناس، تعطى السم الأحمر الزعاف، وتتغذى على أسوأ الأغذية، وتسمع أسوأ ما يمكن أن يُسمع، وتقرأ أسوأ ما يمكن أن يُقرأ، تقرأ المجلات والقصص والخزعبلات، وتشاهد الأفلام، وتنظر إلى الجنس والخرافات، أي: تعيش على أرذل ما يمكن أن يُعاش عليه!
فتعيش الروح مقتولة والجسد منعم، فلو اشتريت صندوق برتقال ووجدت فيه حبة فاسدة أو معطوبة، فإنك ترمي الصندوق كله، لماذا؟ تقول: طعام فاسد لا نستطيع أن نأكله، ولو اشتريت علبة لبن منتهٍ تاريخها فإنك ترميها، وأي شيء يسبب لك ألم في جسدك فإنك لا تتناوله، حسناً! وروحك إذا كان طعامها فاسداً؟ لا تجد أحداً يسأل عن صحة الطعام، هل هو سليم مائة بالمائة أم لا، بل يتعمد معظم الناس إلى شراء الأطعمة الفاسدة لعلل أرواحهم وقلوبهم، فيعيش أكثر الناس -والعياذ بالله- مريضاً في قلبه، لماذا؟
لما يتناوله من الطعام الفاسد؛ لأن صحة الأجسام والأرواح إنما تبنى على الغذاء الذي يقدم لها، فإذا كان الغذاء صحيحاً سليماً صحت الأجساد، وإذا كان غذاء الأرواح سليماً صحت الأرواح.
فالناس الآن مهتمين بجانب الغذاء الجسدي على حساب غذاء الروح.
فأنت أيها الإنسان! إن أردت أن تعيش حياةً سعيدةً، فأنت مطالب بأن تكون لك حياتين: حياة لجسدك، وحياة لروحك، حتى تكون إنساناً سوياً، فلو أنك عشت حياة روحية بدون جسد فلست إنساناً، ولو أنك عشت حياة جسدية مادية بدون روح فلست إنساناً.
إذاً من الإنسان؟
حاجة البشر للدين والإيمان
كذلك الروح لما كانت عنصرها سماوي كان لها غذاء سماوي، ألا وهو الإيمان، فالدين هو غذاء الروح، فإذا أردت أن تعيش حياةً متكاملة لجسدك ولروحك لزمك أن تعطي جسدك غذاءه، وهو: الهواء والماء والغذاء، وأن تعطي لروحك غذاءها وهو الإيمان.
أيصبح بعد ذلك الإيمان ضرورياً أم غير ضروري أيها الإخوة؟! ضروري لا شك، لا بد مثلما أنك توفر الماء والغذاء والهواء لجسدك أن توفر الإيمان لروحك؛ لتحيا حياةً كاملة تكون بها إنساناً، فالله قد أخبرك أنك إنسان، وأنه خلقك بطريقة تختلف فيها عن جميع المخلوقات: خلقك بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلم أباك آدم الأسماء كلها، وبعد ذلك أنزل إليك كتباً، وأرسل إليك رسلاً، ودعاك إلى الجنة وطاعته، وحذرك من النار ومعصيته.
فأنت مخلوق مخاطب بشكل خاص من بين سائر المخلوقات، وجميع المخلوقات مسخرة لك، يقول الله: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ [الجاثية:13] فجميع ما في السماوات والأرض كله مسخر لخدمتك، ليس هناك ذرة في الكون إلا ولك مصلحة فيها أيها الإنسان علمتها أو لم تعلمها، وأنت لمن؟ لله.
فإذا احتقرت أيها الإنسان نفسك ولم تعرف من أنت، فإنه يصعب عليك أن تعرف هل الإيمان ضروري أم غير ضروري، والذين عرفوا الإنسان من هذا المنطلق ومن هذه الزاوية بعد علمهم بكتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عرفوا أنه لا يمكن أن يعيش إنساناً سوياً إلا بتأمين غذائه وتكميل حياته؛ حياة الجسد وحياة الروح، فحرصوا على توفير متطلبات الجسد، ومتطلبات الروح، والذي يوفر متطلبات جانب على حساب آخر فقد أخطأ ولا شك.
فلو أنك خرجت من دوامك أو مدرستك الساعة الثانية والنصف، ودخلت على زوجتك وقلت لها: أنا جائعٌ سأموت جوعاً، عجلي بالغداء، فقالت: لا يوجد لدينا غداء اليوم، ولكن اقرأ هذا الحديث وتغدى به، أو اسمع هذا الشريط وسوف تشبع، هل يمكن لقراءة الحديث أو سماع الشريط أو قراءة آية أن تشبعك، لا. فالحديث والشريط والآية والقرآن غذاء لروحك، أما بطنك فلا يسدها إلا الأكل ولا يسدها الكلام، فلا بد من غذاء لجسدك غير غذاء روحك، وكذلك الذي يكون قلبه ميت، وروحه منهارة ومنهزمة، فيقول: سأنعِّم روحي بتمشية إلى أوروبا أو بفسحة إلى بلاد الشرق، أو بأكلة، أو بتمشية على شاطئ البحر، أو بنومة على السرير في مكان جميل هذا كله لجسده، أما الروح فستبقى في عذاب حتى يقدم لها غذاءها الحقيقي، ألا وهو الإيمان بالله عز وجل، والخضوع لشريعة الله، والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نفع الإيمان لأهله
إذاً: ضرورة الإيمان لا نستطيع أن نجعلها في مصف هذه الضرورات، أي: من الظلم وعدم الإنصاف أن نقول: إن الإيمان ضروري للإنسان كالهواء، لا. بل ضروري للإنسان أعظم من ضرورة الهواء؛ لأنك بغير الهواء تموت وتنتهي، وإذا لم يكن لديك إيمان حال الموت فإنك تدخل النار، يقول الشاعر:
ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي |
ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعده عن كل شيء |
وأهل النار الذين تمتعوا في الدنيا بأجسادهم، وكانوا في ملك، وسلطان، وأبهة، وأموال، ورغد من العيش، عندما يدخلون النار يتمنون العودة، ويقولون كما قال الله: يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ [الحاقة:27] ثم يتذكر ما الذي أشغله عن حياة قلبه، وإذ به ملكه وماله، فيقول: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29].
كان مهتماً بملكه وماله عن روحه، فروحه في عذاب وبعد عن الله، لا يعرف لله مسجداً، ولا يقرأ لله كتاباً، ولا يقيم لأوامر الله وزناً، بل مهمل لهذا الجانب في حياته، فلما أفلس وكتبت أمامه الحسابات، ورأى أنه ليس لديه شيء ينفعه من مالٍ ولا ملك قال: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29] فيقول الله للملائكة: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:30-32] وكأن سائلاً يقول: لِمَ يا ربِّ؟ قال: إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ [الحاقة:33]. أي: لم يكن عنده الغذاء الإيماني، والذي هو الضرورة الأهم! نعم. كان عنده ملك وأموال وأولاد وجاه، وكان عنده عافية وصحة، كان عنده كل ما في الدنيا، لكن لم يكن عنده إيمان، فهل نفعته هذه الأموال؟ هل حالت أو دفعت عنه هذه المنزلة؟ لا. فهل الإيمان ضروري كضرورة الماء والغذاء والهواء أم لا؟ نعم. بل أهم.
سوف نتعرف على هذه الضروريات من خلال التكوين، وإذا أردنا أن نسأل عن الإنسان، فإن أعظم من يجيبنا على أسئلتنا هو خالق هذا الإنسان، وهو الله عز وجل: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].
من الذي خلق الإنسان؟ إنه الله، فهو أعلم بأسرار الإنسان وبمادته، وبما يصلحه ويفسده، وأعلم بما هو ضروري له، وبما ليس ضرورياً له، فالذي يتحدث عن الصنعة صانعها، والله عز وجل هو خالق الإنسان، ولم يقل أحد في الدنيا بأنه هو الذي خلق الإنسان، والله سألهم في القرآن وقال لهم: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ [الطور:35-36] فهم لم يُخْلقوا من غير شيء وليسوا هم الخالقين، ولم يخلقوا السماوات والأرض، فتعين أن يكون لهم خالق وهو الله تبارك وتعالى، يقول عز وجل: هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:1-2].
فالذي خلق الإنسان هو الله عز وجل، ولذا نسأل ربنا تبارك وتعالى: مم خلق الإنسان؟ وما هي مادة تركيبه؟
وقد أخبرنا الله في القرآن الكريم أن الإنسان مخلوقٌ من عنصرين، ومركبٌ من مادتين: عنصر طيني أرضي، وعنصر روحي سماوي، يقول عز وجل: إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ [ص:71] هذا العنصر الأول: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [ص:72] فأخبر الله عز وجل الملائكة أنه سوف يخلق بشراً من طين، ولهذا لما حللوا عناصر الطين، وحللوا عناصر الذرة من الإنسان، وجدوا أن الإنسان يتكون من ستة عشر عنصراًً هي الموجودة في الطين.
فمجموعك أيها الإنسان من ستة عشر عنصراً: فيك الحديد، والماغنسيوم، والملح، والماء، وكل شيء موجود في خلية الطين التي أنت مكون منها. هذا العنصر الأول.
إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ [ص:71-72] وجاء العنصر الثاني المهم؛ لأن العلماء يقولون: إن الله ما أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم بعد خلق عنصره الطيني، بل أمرهم بالسجود له بعد نفخ الروح فيه، لماذا؟ لأنه كلمه بالروح.
: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [ص:72] فالسجود جاء بالأمر من الله عز وجل للملائكة أن تسجد لآدم بعد نفخ الروح فيه، لماذا؟ قال العلماء: لأن الروح هي الكريمة في الإنسان، بدليل أن الإنسان إذا مات وخرجت منه روحه فإنه لا يبقى لجسده قيمة أبداً، رغم أن العين موجودة والأذن، والرئة والجهاز التنفسي والهضمي والتناسلي والهيكل العظمي .. وكل الأجهزة موجودة، لكن لما خرجت الروح لم يبق لكل هذا قيمة، فمن يشتري هذا الجسد بريال واحد؟ لا أحد يشتريه، بل يتخلص الناس منه في أقرب فرصة، حتى إن أحب الناس إلى هذا الجسد يتولى سرعة تجهيزه، ويدق على الناس ويقول: لا نريده أن يبيت إلا في قبره، فلا يريده أن يبات معه ليلة واحدة.
وإذا مات الناس في عمليات زرع الأعضاء، فإنهم يأخذون القلب من الإنسان الميت ويزرعونه في إنسان لم تخرج الروح من قلبه فيعيش هذا الإنسان، فلماذا وقف القلب في هذا الجسد وعمل في الجسد الثاني؟ لماذا لم يظل عاملاً مادام أنه سليم؟ لماذا لم يستمر في عمله؟ لأن الحياة ليست في الجسد وإنما في الروح، وما دام أن الروح قد خرجت فإن القلب يتوقف، فينقل القلب من جسدٍ قد ذهبت منه الروح إلى جسدٍ لا تزال الروح فيه فيعمل هذا القلب.
وعملية زرع الكلى -أيضاً- وهي: أن تأخذ الكلية من مريض قد مات وتوضع في جسد آخر حي فتعمل؛ لأن هناك مشغلاً لها وهي الروح، فالحياة ليست في الكلى ولا القلب، ولا الرئة ولا جميع أجزاء الجسد، بل هي في الروح، والله تبارك وتعالى يقول: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [ص:72] فالروح بمنزلة الراكب، والجسد بمنزلة المطية أو المركوب، ودائماً الكرامة والشرف للراكب لا للمطية،وما نفعله الآن هو تكريم المركوب والمطية وتركنا الراكب عند الباب.
فلو أنك نزلت ضيفاً على مطيتك إلى أحد إخوانك أو أرحامك، وبدلاً من أن يدخلك إلى المجلس ذهب بك إلى الاصطبل التابع للمواشي، وأدخل المطية في المجلس وأعطاها القهوة والطيب والعشاء، بينما أرسل لك أنت بكرتون من العلف، ولم يضئ لك الإصطبل، ولم يجهز لك الفراش، ثم بقيت إلى نصف الليل وأنت تنتظر فقلت له: ما بك يا أخي؟! قال: المطية وضعناها في المجلس! فهل تغضب أم ترضى؟ بالطبع تغضب وتقول: يا أخي! المطية أحضرها مكاني، وأنا ضعني في المجلس.
فنحن الآن عكسنا الآية، نكرم الجسد الذي هو المطية، فالثوب الجيد، والعمارة الجيدة، والأكل الجيد، والعلاج، وكل شيء حسن للمطية، بينما الروح التي فيها الحياة مقتولة عند كثير من الناس، تعطى السم الأحمر الزعاف، وتتغذى على أسوأ الأغذية، وتسمع أسوأ ما يمكن أن يُسمع، وتقرأ أسوأ ما يمكن أن يُقرأ، تقرأ المجلات والقصص والخزعبلات، وتشاهد الأفلام، وتنظر إلى الجنس والخرافات، أي: تعيش على أرذل ما يمكن أن يُعاش عليه!
فتعيش الروح مقتولة والجسد منعم، فلو اشتريت صندوق برتقال ووجدت فيه حبة فاسدة أو معطوبة، فإنك ترمي الصندوق كله، لماذا؟ تقول: طعام فاسد لا نستطيع أن نأكله، ولو اشتريت علبة لبن منتهٍ تاريخها فإنك ترميها، وأي شيء يسبب لك ألم في جسدك فإنك لا تتناوله، حسناً! وروحك إذا كان طعامها فاسداً؟ لا تجد أحداً يسأل عن صحة الطعام، هل هو سليم مائة بالمائة أم لا، بل يتعمد معظم الناس إلى شراء الأطعمة الفاسدة لعلل أرواحهم وقلوبهم، فيعيش أكثر الناس -والعياذ بالله- مريضاً في قلبه، لماذا؟
لما يتناوله من الطعام الفاسد؛ لأن صحة الأجسام والأرواح إنما تبنى على الغذاء الذي يقدم لها، فإذا كان الغذاء صحيحاً سليماً صحت الأجساد، وإذا كان غذاء الأرواح سليماً صحت الأرواح.
فالناس الآن مهتمين بجانب الغذاء الجسدي على حساب غذاء الروح.
فأنت أيها الإنسان! إن أردت أن تعيش حياةً سعيدةً، فأنت مطالب بأن تكون لك حياتين: حياة لجسدك، وحياة لروحك، حتى تكون إنساناً سوياً، فلو أنك عشت حياة روحية بدون جسد فلست إنساناً، ولو أنك عشت حياة جسدية مادية بدون روح فلست إنساناً.
إذاً من الإنسان؟
استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
كيف تنال محبة الله؟ | 2926 استماع |
اتق المحارم تكن أعبد الناس | 2925 استماع |
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً | 2803 استماع |
أمن وإيمان | 2674 استماع |
حال الناس في القبور | 2674 استماع |
توجيهات للمرأة المسلمة | 2602 استماع |
فرصة الرجوع إلى الله | 2570 استماع |
النهر الجاري | 2474 استماع |
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله | 2465 استماع |
مرحباً شهر الصيام | 2398 استماع |