سلسلة مقتطفات من السيرة [22]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

نسأل الله عز وجل في مفتتح جلستنا هذه أن يجعل برحمته اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً، ولا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة وفي هذا الشهر العظيم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا رددته لأهله غانماً سالماً.

اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، وسامحنا وتقبل منا، وصلنا بك ولا تقطعنا عنك، اللهم انظر إلينا نظرة رضا، اللهم ارض عنا، اللهم ارض عنا، اللهم ارض عنا، اللهم إن لم ترض عنا فاعف عنا، واطرد عن بيوتنا شياطين الإنس والجن، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وكن لنا ولا تكن علينا، نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، ومن الخوف إلا منك، نعوذ بك ربي أن نقول زوراً، أو نغشى فجوراً، أو نكون بك من المغرورين، نعوذ بك من عضال الداء، وشماتة الأعداء، وخيبة الرجاء، وزوال النعمة، وفجأة النقمة، نعوذ بك من الهم والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبن والبخل، ونعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال.

اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار، واجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين، غير فاتنين ولا مفتونين.

اللهم اكشف عنا الكرب الخاص والعام، اللهم اكشف عنا الكرب الخاص والعام، اللهم آمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم اكشف السوء عن المسلمين، اللهم اكشف الكرب عن المسلمين، وأوقع اللهم الكافرين بالكافرين وأخرجنا من بينهم سالمين، لا تسل قطرة دم مسلمة إلا في سبيلك، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

كان الإمام علي كرم الله وجهه يحمد الله عز وجل دائماً ويقول: الحمد لله الذي نطقت بوحدانيته الكائنات، فالسماء تقول: سبحان من رفع سمكي فسواني، والأرض تقول: سبحان من مهدني لمن يسير على ظهري، والبحار تقول: سبحان من أجراني لقصادي وورادي، والعاصي يقول: سبحان من اطلع علي وأنا أعصيه فسترني، فلما رآني سترني وغطاني، والعارف يقول: سبحان من سلك بي الطريق إليه فوحدته وعرفته.

لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اجعلنا يا ربنا من الحامدين لك ليل نهار، آمين يا رب العالمين!

مجالس العلم هي أفضل ما للمسلم من زاد إلى الآخرة، فإن السفر طويل، وإن الزاد قليل، ومن أراد كثرة الزاد فما عليه إلا أن يرتع في مجالس العلم، ولمجالس العلم آداب، منها ما يخص العالم ومنها ما يخص المتعلم، ونجملها على سبيل الإجمال لا الحصر، فنقول: إن من الآداب التي تجب أن تكون موجودة في العالم أن ييسر على الناس ولا يعسر عليهم؛ فما خير الرسول بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ولا يوجد أمران خير الرسول بينهما إلا واختار الأسهل للأمة وقاله، صلى الله عليه وسلم.

ثم إن لكل فتوى بيئة، فالذي يفتي به في دولة مسلمة لمسلم لا يستطيع أن يفتي به لمسلم يعيش في دولة كافرة، والذي يفتي به في مكان فيه أمن وأمان لا يمكن أن يفتي به في مكان فيه قهر واستعلاء وظلم، وليس معنى هذا أن الدين يتلون أو أنه يتغير، فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصف الدواء مشخصاً للداء، يدخل عليه شاب يقول له: (أأقبل وأنا صائم يا رسول الله؟! قال: لا.).

ويدخل عليه رجل كبير السن: (أأقبل وأنا صائم يا رسول الله؟! قال: نعم، قبل) فالرسول يعرف حالة هذا ويعرف حالة هذا، والشاب لا تؤمن منه الفتنة، والشيخ الكبير ربما تؤمن منه الفتنة عندما يقبل زوجته فلا يحدث نفسه بشيء، فالرسول يضمن للعجوز صومه، ولا يضمن للشاب صومه، فيمنع هذا من التقبيل، ويجيز لهذا التقبيل، رغم أن السؤال واحد وفي وقت واحد، وليس معنى هذا أن الدين برأيين وإنما يُراعى فيه مقتضى الحال والبيئة والظروف؛ لأن الإسلام يراعي الظرف الذي أنت فيه.

يأتي رجل فيقول: (عظني يا رسول الله؟! فيقول له: أفش السلام)، ويدخل ثانٍ فيقول: (عظني يا رسول الله؟! فيقول له: بر والديك)، والثالث يقول له: (أطعم الطعام) وللرابع: (صل بالليل والناس نيام) وهكذا، رغم أن السؤال واحد.

وعندما نريد تفسير ذلك فإننا نجد أن الأول لمح فيه الحبيب بفراسة النبوة وبنورها الكبر، ومن أجل أن يحد من كبره قال له: سلم على الناس؛ لأن من الكبر ألا تسلم على الناس، فالرسول يريد أن يعلم الرجل التواضع، فقال له: (أفش السلام) أي: سلم على الناس وأنت ماشٍ، يعلمه كيف يتواضع صلى الله عليه وسلم.

والثاني: رآه عاقاً، فقال له: بر والديك.

والثالث: رآه بخيلاً فقال له: أطعم الطعام.

والرابع: كان ينام طوال الليل، فقال له: صل بالليل والناس نيام.

فالرسول صلى الله عليه وسلم يصف الدواء لحالة الداء، والدواء قد ينفع إنساناً ولا ينفع آخر.

فالمؤمن الصادق يقول في نفسه: الدواء نفع فلاناً وما نفع فلاناً؛ لأن سر الشفاء وضع لفلان في دوائه، ولم يوضع لفلان في دوائه، فالقضية قضية السر من الله سبحانه بالشفاء، ولذلك قال الإمام الغزالي : من أيقن أن الدواء يشفي من المرض فقد أشرك بالله، إنما الدواء وسيلة وسبب وقدر من أقدار الله عز وجل يجريه رب العباد في الوقت المطلوب.

ومن الناس من يكون محتاجاً ويدعو الله فتستجاب دعوته، والآخر يقول: لقد مللت من الدعاء، فالأول دخل في إطار استجابة الدعاء، لأنه اختار الوقت المناسب، ودعا بإخلاص، وأيقن في الإجابة، وأمنت الملائكة على دعائه، وأكل من الحلال حتى استجيب دعاؤه، عندئذ كانت الإجابة موافقة للدعاء.

والثاني دعا في وقت غير مناسب، ولم تؤمن الملائكة، ولم يأكل حلالاً، ولم يضطر ويلح بالمسألة ثم لم يوقن بالإجابة؛ فلم تكن هناك إجابة.

إن الذي يعلم الناس يجب أن يراعي مقتضى الحال، فقد يكون عندك ولد كلما دخل امتحاناً يحصل على مائة بالمائة، وفي شهر جاء بسبعة وتسعين في المائة، وأخوه الثاني يرسب في كل شهر، وفي شهر نجح وأتى بخمسين في المائة، فيقول الأب للذي أتى بخمسين في المائة: أنت أصبحت جيداً وعظيماً، وليس هناك أحسن منك، والذي أتى بسبعة وتسعين في المائة يقول له: أنت لست بجيد، يقول ذلك لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين.

إذاً: فهذا يقال له كلام، وهذا يقال له كلام، كما قيل:

العبد يقرع بالعصا، والحر تكفيه الإشارة، حتى إنك لو غمزت له بعينك لفهم.

سيدنا يوسف نسي ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين

ذكر الله في القرآن الكريم أن يوسف عليه السلام دخل معه السجن فتيان قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:36] أي: أنت رجل وجهك يشع منه النور.

ففسر يوسف لكل واحد منهما رؤياه: فالأول سينجو ويكون له شأن في القصر، والآخر سيصلب فتأكل الطير من لحمه قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ [يوسف:41].

قال تعالى: وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا [يوسف:42] أي: استيقن أنه سينجو اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ [يوسف:42] أي: اذكرني عند الملك وقل له: هناك شخص مظلوم مرمي في السجن منذ سنين فانظر إليه نظرة، قال فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ [يوسف:42] فأنسى الشيطان يوسف ذكر مولاه وربه الحقيقي عز وجل، فكان من نتيجة هذا أن لبث في السجن بضع سنين.

الشجرة تخفي سيدنا زكريا على قاتليه

يروى أن زكريا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام جرى وراءه بنو إسرائيل يريدون أن يقتلوه، لكن عندما تكون أنت في خدمة الله يصير الكون كله في خدمتك، فإن سيدنا زكريا عليه السلام وهو يجري فتحت له شجرة ساقها فدخل فيها فأغلقت عليه، فبحثوا عنه فلم يجدوه.

فقال لهم إبليس: إنه في هذه الشجرة، فقالوا: كيف نخرجه؟ قال لهم: هاتوا منشاراً وانشروا من فوق الشجرة فتقسموه نصفين وتستريحوا منه، فبدءوا ينشرون إلى أن وصل المنشار بقرب رأس سيدنا زكريا عليه السلام، فآلمه المنشار فقال: آه، فقال الله له: (يا زكريا! لو قلت: آه مرة أخرى لمسحت اسمك من ديوان الأنبياء، فاصبر).

إذاً: أنت ما دمت وكلت أمرك لله فلا تلتجئ إلى أسباب واهية، فالأسباب مجرد عوامل تشجعك على قضاء الأمر أو عدم قضائه، ولكن الأهم أن تعتمد أنت على من يقول للشيء: كن فيكون.

أدب إبراهيم عليه السلام في دعائه ربه

كان سيدنا إبراهيم في قمة الأدب مع الله، قال: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:79-80].

مع أن سياق النص الذي خلقني فهو يهديني، والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا أمرضني فهو يشفيني، لكنه عند المرض قال: وإذا مرضت أنا، أي: أنا الذي أدخل على نفسي المرض بأن أتعرض للهواء، أو آكل كثيراً، ولا أنام جيداً، وأسهر كثيراً.

إذاً: سيدنا إبراهيم عليه السلام كان في قمة الأدب حين قال: وإذا مرضت أنا.

أدب الرجل الصالح مع ربه في قصته مع موسى عليه السلام

أدب الجن الذين آمنوا في خطابهم عن الله سبحانه

في سورة الجن قال الجن: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن:10].

فقوله: أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن:10] الرشد والخير والإرادة منسوبة إلى الله، وقوله: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ [الجن:10] أريد: فعل مبني للمجهول، فما تجرءوا أن يقولوا: أراد ربك شراً بمن في الأرض.

وانظر إلى أدب النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته العطرة وهو يدعو الله ويقول: (وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت) يعني: أنا على عهدك ووعدك على قدر استطاعتي، فمقدرتي أن أقوم الليل كله، أو نصفه أو ثلثه، وهذا أدب.

ومن الأدب العالي جداً يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني ألجأت ظهري إليك، ووجهت وجهي إليك، رغبة ورهبة إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت).

انظروا إلى الأدب في قوله: ألجأت ظهري إليك، شخص ألجأ ظهره لله هل يستطيع أحد أن يضربه، ويقال: من له ظهر لا يضرب على بطنه، فما بالك بالذي ألجأ ظهره إلى الله؟!

ذكر الله في القرآن الكريم أن يوسف عليه السلام دخل معه السجن فتيان قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:36] أي: أنت رجل وجهك يشع منه النور.

ففسر يوسف لكل واحد منهما رؤياه: فالأول سينجو ويكون له شأن في القصر، والآخر سيصلب فتأكل الطير من لحمه قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ [يوسف:41].

قال تعالى: وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا [يوسف:42] أي: استيقن أنه سينجو اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ [يوسف:42] أي: اذكرني عند الملك وقل له: هناك شخص مظلوم مرمي في السجن منذ سنين فانظر إليه نظرة، قال فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ [يوسف:42] فأنسى الشيطان يوسف ذكر مولاه وربه الحقيقي عز وجل، فكان من نتيجة هذا أن لبث في السجن بضع سنين.

يروى أن زكريا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام جرى وراءه بنو إسرائيل يريدون أن يقتلوه، لكن عندما تكون أنت في خدمة الله يصير الكون كله في خدمتك، فإن سيدنا زكريا عليه السلام وهو يجري فتحت له شجرة ساقها فدخل فيها فأغلقت عليه، فبحثوا عنه فلم يجدوه.

فقال لهم إبليس: إنه في هذه الشجرة، فقالوا: كيف نخرجه؟ قال لهم: هاتوا منشاراً وانشروا من فوق الشجرة فتقسموه نصفين وتستريحوا منه، فبدءوا ينشرون إلى أن وصل المنشار بقرب رأس سيدنا زكريا عليه السلام، فآلمه المنشار فقال: آه، فقال الله له: (يا زكريا! لو قلت: آه مرة أخرى لمسحت اسمك من ديوان الأنبياء، فاصبر).

إذاً: أنت ما دمت وكلت أمرك لله فلا تلتجئ إلى أسباب واهية، فالأسباب مجرد عوامل تشجعك على قضاء الأمر أو عدم قضائه، ولكن الأهم أن تعتمد أنت على من يقول للشيء: كن فيكون.

كان سيدنا إبراهيم في قمة الأدب مع الله، قال: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:79-80].

مع أن سياق النص الذي خلقني فهو يهديني، والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا أمرضني فهو يشفيني، لكنه عند المرض قال: وإذا مرضت أنا، أي: أنا الذي أدخل على نفسي المرض بأن أتعرض للهواء، أو آكل كثيراً، ولا أنام جيداً، وأسهر كثيراً.

إذاً: سيدنا إبراهيم عليه السلام كان في قمة الأدب حين قال: وإذا مرضت أنا.

في سورة الجن قال الجن: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن:10].

فقوله: أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن:10] الرشد والخير والإرادة منسوبة إلى الله، وقوله: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ [الجن:10] أريد: فعل مبني للمجهول، فما تجرءوا أن يقولوا: أراد ربك شراً بمن في الأرض.

وانظر إلى أدب النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته العطرة وهو يدعو الله ويقول: (وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت) يعني: أنا على عهدك ووعدك على قدر استطاعتي، فمقدرتي أن أقوم الليل كله، أو نصفه أو ثلثه، وهذا أدب.

ومن الأدب العالي جداً يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني ألجأت ظهري إليك، ووجهت وجهي إليك، رغبة ورهبة إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت).

انظروا إلى الأدب في قوله: ألجأت ظهري إليك، شخص ألجأ ظهره لله هل يستطيع أحد أن يضربه، ويقال: من له ظهر لا يضرب على بطنه، فما بالك بالذي ألجأ ظهره إلى الله؟!

من عجائب العظماء رضوان الله عليهم من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، أن الواحد منهم لا يهتم برؤية إنسان أبداً.

دخل عمر بن الخطاب بيت المقدس ولقي القادة المسلمين منتظرين له بالحلل، فجاءهم راكباً على بغلة من المدينة هو وخادمه يركب قليلاً وسالم قليلاً، وقد قال عمر لـسالم : أنت تركب وأنا أمشي، وأسمعك جزءاً من القرآن، ثم أنا أركب وأنت تمشي وتسمعني جزءاً من القرآن.

لكن الشباب الصائع الفاشل في الدراسة في هذا الزمان يضع شريطاً أجنبياً في سيارته، ويزعجنا ويصدع آذاننا باللهو.

فلما تعبت الدابة قال عمر لـسالم : كم أنفقنا في حجنا؟ قال له: تسعة عشر درهماً يا أمير المؤمنين! قال له: هذا إسراف يا سالم ! قال سالم: تعبت الدابة فماذا نصنع؟ قال عمر له: المسافة التي بقيت أنا أعرفها؛ لأن سيدنا عمر في الجاهلية كان يتولى أمر السفارة لقريش، فمن طبيعة تعامله أنه كان يسافر، وفرق بين فلان مسئول في الخارجية دبلوماسي يكلمك بنعومة ولا تأخذ منه إجابةً أبداً، إلا إذا سألته: ماذا عملت في المباحثات؟ قال: كل شيء على ما يرام، فتقول له: على ماذا اتفقتم بالضبط؟ فيقول لك: في الجدول المعلن نتيجة القرارات المتخذة في الأمور المعتمدة، وكلهم مثل الثعابين هكذا.

يقول رجل يهودي قبل اندلاع حرب الخليج بيسير: يجب أن تعمل أمريكا على أن يعود العرب مرة أخرى حفاة عراة كما كان أجدادهم.

هذه وجهة نظر الغرب فينا، ونحن لابد أن نسأل الله أن ينصرنا، فإنه لما هان الإسلام عندنا أصبحنا عند الأعداء كالذباب، لكن هرقل في الروم، وكسرى في فارس إذا سمعا اسم عمر بن الخطاب يهتزان خائفين، ويبعث إليه أربعة رسل: اذهبوا وانظروا هذا الذي يرعبنا وأنصفوه لي.

وهكذا جاء رسل كسرى إلى المدينة المنورة يسألون عن بيت أمير المؤمنين وكان كسرى يسميه ملك العرب، واليوم يقولون: الزعيم العربي الأوحد، ولا توجد كلمة زعيم إلا عند العرب للأسف، ولقد سمعت عن الزعيم بوش أنه موظف مسكين لا يستطيع أن يكح إلا إذا استأذن من مجلس الكونجرس: هل أكح؟ فإن قالوا له: كح يكح، لا تكح لا يكح.

في سنة تسعة وسبعين ذهب وفد من مصر بلغ عددهم مائة شخص وقابلوا أعضاء الكونجرس فأضافوهم على طعام، وقبل أن يخطب قاطعه عضو في الكونجرس وقال له: قف، الطعام الذي أكلوه هؤلاء المصريون من أين هو بالضبط؟

قال له: ماذا تعني؟

قال: يعني: نحن لا ندفع ضرائب الأمريكان وتأتي الوفود لتأكلها، نحن ندفعها لخدمة الشعب الأمريكي.

فقال لصاحب المراسم: أجبه، فقال له: هذا الطعام تبرعت به الشركة الفلانية، شركة من شركات الدعاية، هي التي أطعمت الوفد الرسمي المصري، فقال له: أكمل خطبتك.

ولو عدنا إلى التاريخ لعرفنا أن سعداً قال لـعمر بن الخطاب حين قام يخطب: لا سمع ولا طاعة، فقال عمر : لماذا يا سعد؟! قال: لأنك تلبس ثوبين ونحن نلبس ثوباً واحداً، فقال عمر : قم يا عبد الله بن عمر ! وأخبرهم من أين جاء الثوب الثاني، فقال عبد الله : إن أبي رجل طوال، فأعطيته ثوبي ليرقع به ثوبه.

وكان البيت الذي يملكه أمير المؤمنين عمر كوخاً صغيراً عليه صوف غنم، فانظروا إلى البساطة في المعيشة، وانظروا إلى العظمة في التخويف؛ لأنه عند الله عظيم، فجاء الرسل الأربعة فسألوا عنه، فقال عبد الله بن عمر : إنه ليس موجوداً.

فقالوا: أين نلقاه؟

قال: قد تلقونه نائماً تحت النخل!

فوجدوه واضعاً يده اليسرى تحت رأسه، ويده اليمنى على عينيه لتقيه حر الشمس، وناصباً رجله اليسرى وواضعاً رجله اليمنى فوقها، ويغط في نوم عميق.

فقالوا: هل هذا عمر ؟ قال: نعم، هذا عمر .

فجلس رسول كسرى يعد الرقع التي في ثوب عمر بن الخطاب فوجدها سبع عشرة رقعة، ويترجم حافظ هذا المنظر العجيب ويقول:

وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عُطلاً وهو راعيها

وعهده بملوك الفرس أن لهم سوراً من الجند والأحراس يحميها

رآه مستغرقاً في نومه فرأى فيه الجلالة في أسمى معانيها

تحت ظل الدوح مشتملاً ببردة كاد طول العهد يبليها

فقال قولة صدقة أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها

أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها

فقال: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر.

رضوان الله على عمر ورضوان الله على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى الله وسلم على المعلم الأول والقدوة الأعظم أستاذنا صلى الله عليه وسلم وأستاذ البشرية كلها.

نعود إلى قصة حضور أمير المؤمنين عمر ومولاه سالم بيت المقدس، قال سالم : الدابة تعبت، فماذا نعمل؟ قال له: نريحها ثلث الطريق، وأركب أنا ثلث الطريق، وأنت تركب الثلث الباقي، قال له: اقتراح جيد يا أمير المؤمنين! فأراحوا الدابة الثلث، وركب سيدنا عمر الثلث، وبقى الثلث الباقي عند سالم رضوان الله عليه، ركب سيدنا سالم حتى إذا ما رأى مشارف بيت المقدس قال: يا أمير المؤمنين! سأنزل الآن، قال: ولم؟ قال: لقد دخلنا إلى بيت المقدس وأرى البطارقة والقساوسة وقواد المسلمين في الانتظار على أبواب المدينة، قال: لا، ما أنت أحوج بالثواب مني، وما أنا بأغنى منك عن الثواب.

وكان البطارقة والقساوسة لا يعرفون عمر ، فأخذوا يسلمون على من يركب الدابة ويقولون: مرحباً أمير المؤمنين! فقال لهم: هذا أمير المؤمنين، فسجد كبير القساوسة وبكى، وقال: قرأنا في كتبنا المقدسة أن من يتسلم مفاتيح بيت المقدس حاكم عادل يدخل إلى المدينة ماشياً وخادمة راكب بثوبه سبع عشرة رقعة، فعدوا الرقع التي في ثوب عمر فوجدوها سبع عشرة رقعة.

فالإسلام يدعى إليه بالقدوة لا بمحاضرات، ولا بكلام فارغ، والإسلام ينتصر بالقدوة، وكل واحد قدوة في مكانه، رب الأسرة قدوة، وربة البيت قدوة، والشاب قدوة، والطالب قدوة، والأستاذ قدوة، والمدير قدوة، والطبيب قدوة، والوزير قدوة، والرئيس قدوة، وكلهم قدوة، فإن افتقدنا القدوة افتقدنا الإسلام، والإسلام فطرة، والفطرة دائماً تتوافق مع الإنسان في حياته.

من منا يحب الخيانة؟ لا أحد.

من منا يحب الغش؟ لا أحد.

من منا يحب الانحراف؟ الفطرة نفسها لا تحب.

وإذا رأيت منحرفاً أو مختلساً أو مرتشياً فاعلم أنه مبتلى وادع الله له، واسأل الله له العافية.

قل: اللهم عافه واعف عنه؛ لأنك إذا رأيت شخصاً مبتلى في جسده، أو شخصاً مشلولاً، أو كفيفاً، أو شخصاً فيه عاهة، فقل: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً من خلقه. فمن باب أولى أنك عندما ترى مبتلى في الدين تدعو بهذا الدعاء، وهذا من أكبر الابتلاءات، فاحمد الله على عافية الدين، واحمد الله على أنك تحب مجالس العلم، وأنك تحب المسجد وتحب ذكر الله، اللهم حبب إلينا بيتك ومجالس العلم يا رب العالمين!

فمن الواجب أن يراعي العالم حالة من يسأل:

دخل رجل على ابن سيرين رحمه الله فقال له: يا ابن سيرين ! رأيت في الرؤيا أنني أؤذن، قال: سوف تحج هذا العام إن شاء الله. فخرج ودخل شخص آخر فقال: يا ابن سيرين ! رأيت في الرؤيا أنني أؤذن، قال له: سوف تتهم بسرقة.

فقيل له: هي رؤيا واحدة، فما معنى هذا؟ فقال: رأيت على الأول سمات الصلاح ففسرتها بقوله عز وجل: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج:27]، أما الثاني فلم أرَ عليه سمات الصلاح، ففسرت ذلك بقوله تعالى: ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ [يوسف:70].

إذاً: الرؤيا واحدة، ولكن اختلفت التأويلات والتفسيرات.

ذهب رجل إلى أبي حنيفة وقال له: يا أبا حنيفة ! رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، قال: وكيف رأيته؟ قال: رأيته عرياناً فغطيته، قال: ليتك ما غطيته، قال له: لماذا؟ قال: لقد غطيته حقيقة. فمات الرجل منتحراً.

فهذا الرجل رأى الرسول صلى الله عليه وسلم عرياناً، فمن باب أولى عندما ترى الرسول صلى الله عليه وسلم في الرؤيا عرياناً تغطيه.

ويذكر أن سيدنا أبا حنيفة وعمره إحدى عشرة سنة رأى رؤيا، رأى أنه ينبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام مذعوراً خائفاً، فذهب إلى أستاذه حماد ، فقال له: رأيت في الرؤيا أني أنبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: أبشر يا أبا حنيفة ! سوف تنقب عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فتعلمها للناس.

فليس كل من هب ودب يفسر الرؤيا، ومن الناس من يدعي أن رؤيا السمك في المنام همٌ والبلح غم.. ونحو ذلك، فمن الذي أتى بهذا الكلام أساساً؟!

فالذي يفسر الرؤيا لابد أن يكون حافظاً لكتاب الله، وعنده علم التنزيل، إذ إن علم التنزيل علم خاص لا يتضمن علوم القراءات فقط، بل فيه الناسخ والمنسوخ والمتشابه والمكي والمدني ومن ثم ترتيب الآيات والتنجيم في القرآن، أي: نزول القرآن مفرقاً، كل هذا اسمه علوم التنزيل، فعلوم التنزيل علم خاص بكتاب الله عز وجل، ولابد للذي يفسر الرؤيا أن يكون كذلك.

وليس كل رؤيا تراها؛ لأن هناك رؤيا وهناك حلماً، وهناك كابوساً، والرؤيا من الرحمن، ولابد أن أكون نائماً وأنا متوضئ وعلى طهارة وعلى ذكر، وخالي الذهن من الموضوع الذي رأيته إلا الاستخارة، أي: رؤيا خير تبشرني بالخير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة).

والحلم ما كان مرتبطاً بتفكيرك، كأن تكون منتظراً بعثة أو عريساً لابنتك، أو منتظراً نقوداً أو بيعةً معينة أو ثروةً معينة، فتكون مشغولاً بذلك، هذا الانشغال تراه في منامك، وهذا يسمى حلماً وليس رؤيا؛ لأنه موافق لتفكيرك ولوضعك قبل النوم.

وهناك شيء في منام الإنسان يسمى الكابوس، فقد تكون نائماً على طهارة وخير وبركة وذكر، ولكن هناك شيء يرعبك، كأن يكون البيت سقط عليك، أو المخبر يدق الباب، أو صاحب الضرائب قابلك وسلم عليك وابتسم ابتسامة صفراء، أو يكون عندك خمسة أولاد ونظرت في الرؤيا فوجدت زوجتك حاملاً، هناك أناس يخافون من هذا مع أن هذا خير وبركة.

فالكابوس أو الرؤيا المزعجة لا تحكيها لأحد، وينبغي لك حين تقوم أن تتفل على يسارك ثلاثاً، أي: تنفخ وليس المعنى: تبصق، ثم تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، هذا في الرؤية المزعجة، ولا تكن كلما قابلت واحداً تقول له: أنا رأيت رؤيا مزعجة، لكن لا أريد أن أحكيها، بل لابد أن تنساها، وما قدره الله سوف يكون، سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم كان كلما صلى مع الصحابة الصبح يقول: (أيكم رأى رؤيا) فمن حظ الصحابة أنهم أول ما تقع أعينهم على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما وقعت العينان على رؤية وجهه صلى الله عليه وسلم إلا وفرحت، وانشرح صدر من يراه، وما رآه الحزين إلا وسر صلى الله عليه وسلم.

وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في غزوة أحد: (رأيت كأن في سيفي ثلمة -أي: كأن في سيفي مكاناً مكسوراً أو مخدوشاً- وكأنني أدخلت يدي في درع حصينة، وكأن بقراً تذبح بين يدي، وكان أبو بكر جالساً فقال: أتأذن لي في تأويلها يا رسول الله؟! قال: أول يا أبا بكر ! قال له: أما الثلمة فرجل من آل بيتك يقتل، وأما الدرع الحصينة فعودتك سالماً إلى المدينة بإذن الله، وأما البقر التي تذبح فقتلانا وقتلاهم، قال: هكذا نزل علي جبريل بتأويلها يا أبا بكر !).

وهذا دليل على فضل أبي بكر رضي الله عنه، فقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما سبقكم أبو بكر بصلاة ولا صيام ولا زكاة، ولكن سبقكم بشيء وقر في قلبه).




استمع المزيد من د. عمر عبد الكافي - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة مقتطفات من السيرة [15] 2686 استماع
سلسلة مقتطفات من السيرة [23] 2530 استماع
سلسلة مقتطفات من السيرة [16] 2142 استماع
سلسلة مقتطفات من السيرة [12] 2125 استماع
سلسلة مقتطفات من السيرة [8] 2055 استماع
سلسلة مقتطفات من السيرة [17] 2050 استماع
سلسلة مقتطفات من السيرة [19] 2031 استماع
سلسلة مقتطفات من السيرة [18] 2010 استماع
سلسلة مقتطفات من السيرة [24] 1980 استماع
سلسلة مقتطفات من السيرة [11] 1943 استماع