سلسلة الدار الآخرة الحديث عن الجنة


الحلقة مفرغة

أحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذه بمشيئة الله عز وجل الحلقة الخامسة والعشرون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده.

نسأل الله سبحانه وتعالى في بداية هذه الجلسة أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.

اللهم ثقل بها موازيننا يوم القيامة، اللهم ثقل بهذه الجلسات موازيننا يوم القيامة.

اللهم اجعل هذه الحلقات حجة لنا لا حجة علينا.

اللهم اجعلها لنا على الصراط نوراً يوم لا يرى الإنسان إلا بنور الإيمان والطاعة.

اللهم ثبت بها على الصراط أقدامنا يوم تزل الأقدام.

ارزقنا يا مولانا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً، لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا مرضاً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا رددته لأهله غانماً سالماً.

اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به الجنة، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وانصر الإسلام وأعز المسلمين.

اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم إنك تعلم أننا مقهورون فانصرنا، أذلون فأعزنا، تائهون فأرشدنا، مشتتون فاجمعنا، أصحاب شهوات فتب علينا.

اللهم اغفر لنا وارحمنا، عافنا واعف عنا، سامحنا وتقبل منا، أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

اللهم أصلح لنا خواتيمنا وخاتمتنا، اللهم اجعلنا من السعداء المقبولين، ولا تجعلنا من الأشقياء المحرومين، أبعدنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل، قربنا من الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل.

اللهم اسقنا من يد نبيك شربة لا نظمأ بعدها أبداً، وأظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك.

اللهم شفع فينا نبينا، اللهم شفعه فينا.. اللهم شفعه فينا.. اللهم شفعه فينا.. أدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب، متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك الكريم.. اللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك الكريم، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا رب تسليماً كثيراً.

هذه هي الحلقة الرابعة من حلقات الجنة، والحلقة الخامسة والعشرون في سلسلة الحديث منذ أن بدأنا الكلام عن خروج الروح، وكتابة الوصية، ودفن الميت، وحياة البرزخ والنشور والحشر في أرض المحشر، وهيام الناس على وجوههم بغير هدى، وابتعاثهم نقباء ليذهبوا إلى الأنبياء لكي يستشفعوا بهم عند القاهر القهار الجبار القوي ديان يوم الدين أن يبدأ الحساب حتى تئول الشفاعة إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم يشفع النبي عليه الصلاة والسلام لأمته وللأمم كلها، فيأذن الله عز وجل له بالشفاعة، ويبدأ الحساب وتتطاير الصحف، وتنصب الموازين، وتنشر الدواوين، ويتضح أمر كل إنسان.

اللهم يا من سترتنا في الدنيا لا تفضحنا عل رءوس الأشهاد يوم القيامة، فإن فضيحة الدنيا أهون عندك وعندنا من فضيحة الآخرة.

ورأينا ترك عمر بن الخطاب رضي الله عنه المنبر وهو يخطب الجمعة، فقال: (أيها الناس! على مصافكم -أي: كما أنتم- ثم ذهب فتوضأ وعاد، ثم قال: إن إمامكم أحدث وهو يخطب -أي: انتقض وضوءه- فقال علي : يا أمير المؤمنين! كان أولى أن تكمل خطبتك ثم تذهب للوضوء، ولا داعي لأن تفضح نفسك، قال: يا أبا الحسن ! فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة).

والإنسان عندما يذنب فيسرق أو يرتكب الفواحش ويظن أن الله يراه فلا يغتر بستر الله عليه.

إن العبد إذا أذنب ذنباً ولم يحدث به أحداً واستغفر من ذنبه فسوف يغفر الله له برحمته، أما إذا أذنب ذنباً ثم حدث جاره أو صديقاً له، ليظهر أنه رجل ذو مغامرت وذو تجارب سابقة، فاعلم أن الله لن يستره يوم القيامة؛ لأنه فضح نفسه، فالإنسان قد يذنب ذنباً ويستره الله عليه، فيا من سترت في الدنيا لا تفضحنا على رءوس الأشهاد يوم القيامة!

وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يدعو في كل وقت وحين بأن يستر الله عليه، فاللهم استرنا في الدنيا وفي الآخرة يا رب العالمين.

ورأينا كيف أن كل طائفة وكل أمة لها إمام يوم القيامة، فيتقدم إمام الخير بين يدي مولاه عز وجل ليسأله عن صغير الأمر وكبيره ثم يبشره بأنه زحزحه عن النار، وسوف يدخله الجنة، ثم بعد ذلك يعود هذا الإنسان ليبشر من خلفه بمثل ما بشره الله به.

وهناك أيضاً أئمة الشر -والعياذ بالله- وأئمة الشر في كل وقت وحين كثر فالشر له أئمة كما أن للخير أئمة، وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لقد جاء هذا الدين غريباً، وسوف يعود كما بدأ غريباً فطوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يستمسكون بسنتي عند فساد أمتي).

أي: لا يعتبرون الدين شيئاً من التاريخ أو مما عفا عليه الزمن أو أنه رأس أموال المفاليس، بل إن الدين هو دستور ونظام الحياة.

ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قريناً

ورأينا أن العباد وقد انفضوا من أرض المحشر والحساب، وهي أرض بيضاء نقية لم ترتكب عليها معصية قط، يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (خلق الله للمحشر أرضاً جديدة غير الأرض التي ارتكبت فيها الفواحش) أي: غير الأرض التي عليها بنوك الربا، وصالات القمار، والتي يمشي عليها العرايا، والتي فيها ظلم، وسجون.

والحسن البصري رضي الله عنه إمام التابعين مر بأقوام يبنون حجرات ضيقة، فقال: وسعوها، هذه غرف صغيرة، كيف سيعيش الناس فيها؟ قالوا: يا إمام! هذه سجون -زنازين- قال: وسعوها لعلكم تدخلونها يوماً، من يضمن؟ لا إله إلا الله، فرب وزير ورب مسئول صار في غياهب السجون.

وسبحان الذي يعز الذليل بطاعته، ويذل العزيز بمعصيته، اللهم أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك يا رب العالمين!

فالله كل يوم هو في شأن، له أمور يظهرها ولا يبتديها، يرفع أقواماً ويخفض آخرين.

فالغني يفتقر والفقير يغتني، والصحيح يمرض والمريض يصح، والحي يموت والصغير يكبر، والكبير يهرم، ثم وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ [يس:68]، هكذا العبد يتدبر الأحوال من حوله فيشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

ورأينا أيضاً أن المحشر وهي أرض بيضاء نقية-كما قلنا- قال فيها المليك القدير سبحانه: لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا [طه:107] أي: ليس فيها حفرة ولا تل مرتفع؛ لأنها أرض ظاهرة مكشوفة مستوية؛ لكي لا يختبئ أحد من أحد، ولا يستطيع أحد أن يختبئ من الله الذي يسمع دبيب النملة السوداء ويراها فوق الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ [الأنعام:59] أي: ورقة من شجرة إِلَّا فِي كِتَابٍ [الأنعام:59] كتبه ربنا وفيه أن الورقة الفلانية التي في الشجرة الفلانية، التي في الغابة الفلانية، التي في البلد الفلاني، التي في القارة الفلانية ستسقط يوم كذا، الساعة كذا، الدقيقة كذا الثانية كذا.

أليس هو الحكيم الخبير الخالق؟ فما يدريك بالورقة التي تقع من الشجرة؟

والمطر ينزل بأمره سبحانه وتعالى فيأمره أن ينزل في المكان الفلاني في الساعة الفلانية.

ويعلم أن فلاناً سوف يموت في اليوم الفلاني في الساعة الفلانية، في الأرض الفلانية.

مشيناها خطىً كتبت علينا ومن كتبت عليه خطىً مشاها

ومن كانت منيته بأرض فليس يموت في أرض سواها

وليس للعبد أن يسأل ولا يعترض أبداً، إنما العبد عليه أن يسلم مثل سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فنحن إبراهيميون، أهل الحنيفية السمحاء، سمانا المسلمين من قبل، إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة:131] حتى ملكة سبأ لما دخلت صرح سليمان عليه الصلاة والسلام رأت لجة فكشفت عن ساقيها، وكانت تظنه ماء فقيل لها إنه صرح ممرد من قوارير، وفي الأخير اكتشفت أنها كانت منحرفة تعبد الشمس من دون الله، والهدهد هو الذي جاء لسليمان بالخبر اليقين وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ [النمل:22] رآهم يسجدون للشمس من دون الله، وقال الهدهد معتبراً: لماذا لا يسجدون لله الذي يخرج الشيء المختبئ في السموات والأرض.

هل علمت كيف نبت هذا النبات؟ فالله هو الذي أنبته في الأرض وجعل المجموعة الجذرية تتشبث بالتربة ثم طلعت المجموعة التي هي الأوراق والساق ثم قليلاً تكبر الشجرة ثم يخرج منها براعم والبراعم تصبح وروداً ثم ثماراً، والثمار تكون في البداية غير صالحة ثم بعد ذلك تنضج، ثم بعد ذلك تأخذها أنت لكي تستمر دورة الحياة، قال تعالى: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [لقمان:11].

وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحدُ

والله سبحانه وتعالى بين في كتابه، وكذا الحبيب المصطفى في كلامه صدق هذه المقولة، فكل الكلام الذي قاله ربنا صدق، فهل يكذب مولانا عز وجل علينا يوم القيامة؟ تعالى الله رب العالمين عن ذلك.

فما دام أنه قد ثبت صدق المقولة الأولى في الدنيا فلا بد وأن الله سبحانه وتعالى لا يخبر إلا بالحق، ولا يقول إلا الصدق، وأرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً.

فنوحد الله رب العالمين ونقول: لا إله إلا الله، فإن من قالها موقناً بها قلبه دخل الجنة إن شاء الله رب العالمين، ولو وضعت لا إله إلا الله في كفة، والسماوات والأرض ومن فيهن في كفة لرجحت كفة لا إله إلا الله.

اللهم اجعل إيماننا متجدداً كل يوم يا رب العالمين.

رأينا أن جبريل الأمين يقف عند الميزان، فعندما تثقل الحسنات، يصيح جبريل وينادي: لقد سعد فلان ابن فلان سعادة لن يشقى بعدها أبداً، وهذه هي السعادة الأبدية، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1]، وقال أيضاً: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185] أي: فاز الفوز الأكبر، ليس الفوز بشهادة الاستثمار في ربا حرام، أو في دورة الألعاب الخائبية، إنما الفوز بالزحزحة عن النار ودخول الجنة، ولذلك فالمؤمن ينتظر فضل الله عز وجل.

الحسن البصري رضي الله عنه كان يقتات هو وأهله بعيش وملح، وامرأته لم تكن صاخبة ساخطة إنما كانت طيبة لأن علاقته بالله صحيحة فصحح الله له علاقته بزوجته.

لذلك قال ربنا: وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ [الأنبياء:90] لماذا؟ قال: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]، اللهم احشرنا في زمرتهم يا رب العالمين!

إذاً: هناك عباد من عباد الله موصولون بالله عز وجل، زاهدون في الدنيا متقشفون فيها، أكلهم فيها العيش والملح، لا يكثرون من تناول المباحات التي تسبب التخمة، فيحتاج الإنسان بعد ذلك إلى التقشف أو الريجيم لتنقيص الوزن كما تصنعه بعض النساء اللاتي يطلبن رشاقة الجسم، فيخربن بيوت أزواجهن بهذا الريجيم.

وهناك ريجيم إلهي وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه) فقال: لقيمات، وليس أكلات، أو وجبات، ولقيمات مفردها لقيمة: تصغير لقمة. (فإن لم يكن) يعني: أنه أكول، (فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) فيقوم من الأكل ولا تزال عنده رغبة فيه، فإن من أكل كثيراً نام كثيراً، وذكر الله قليلاً، وندم يوم القيامة طويلاً.

ومن أكل قليلاً نام قليلاً، وذكر الله كثيراً، وفرح طويلاً.

فمن أكل قليلاً خفت معدته فنام قليلاً، ومن أكل كثيراً ثقلت معدته فنام كثيراً، فالأفضل للمسلم أن يرفع يده عن الطعام ونفسه تشتهيه؛ ولذلك فإن سيدنا أبا بكر وسيدنا عمر لم يجدا طعاماً في بيتيهما ذات يوم، فذهب أبو بكر إلى عمر بن الخطاب حبيبه وأخيه، وبينما هو ذاهب في الطريق إلى عمر وجد عمر قادماً إليه يبحث عن طعام عنده، فذهبا معاً إلى سيدنا الحبيب الذي

راودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فأراها أيما شمم

لو قال لأحد: كن ذهباً بإذن الله لكان، فدقا على باب الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فأذن لهما، فاستحيا كل منهما أن يفاتح الرسول بما يريد، وهذا تأدب مع مقام النبوة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أتدري يا أبا بكر ويا عمر منذ كم يوم لم يدخل جوف نبيكم طعام؟

وفي غزوة الخندق كان النبي صلى الله عليه وسلم يربط حجراً على بطنه من شدة الجوع؛ لأنه كان يضرب بالفأس مع الصحابة، فلم يقعد وهم يعملون.

وكان يمر الشهر والشهران، والهلال والهلالان ولا يوقد في بيت رسول الله قدر وما كان يعيشهم إلا الأسودان: التمر والماء، أو البلح والماء.

وسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يظل في المسجد إلى أن تطلع الشمس، ثم يصلي ركعتي الضحى ثم يرجع إلى بيته فيقول لنسائه: أعندكم طعام؟ فيقلن له: لا والله يا رسول الله! فيقول: (اللهم إني صائم).

ولذلك أجاز أبو حنيفة أن ينوي المسلم الصيام في النفل من بعد شروق الشمس، فإذا وجدت نفسك مستعداً للصيام وأنت في وسط النهار قبل الزوال ولم تطعم شيئاً فقل إني صائم. فهذه مسألة.

فإذا كنت صائماً صوم تطوع وأتى لك زائر فجأة وسيتغدى عندك، فمن حكم الفقه والإسلام أن تأكل مع الضيف، لتدخل السرور على قلب أخيك المسلم، وإدخالك السرور على قلب أخيك المسلم أحب عند الله من الصيام؛ لأن الصيام سنة، وإدخال السرور على المسلمين فرض.

فحين تنكد على امرأتك، أو على أولادك فهذا ظلم، أو أن امرأتك تنكد عليك فإن هذا ظلم، وقد دخلت امرأة النار في هرة عذبتها، وكم من امرأة تبيت باكية من زوجها، وأخت تبيت باكية من أخيها، وابنة تبيت باكية من أمها وأبيها، وأب وأم يبيتان باكيين من ظلم وعقوق الأبناء والبنات، وزوج يبيت باكياً من ظلم أبنائه وزوجته، سبحان الله! (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة).

وكان الحسن البصري يأكل العيش والملح فقيل له، فقال: نأكل هذا حتى يتجهز لنا الشواء في الجنة يوم القيامة، فـالحسن البصري معتبر بالدنيا، وقد حصل لتلاميذه ذعر عندما رأوه يأكل العيش والملح فقالوا: هؤلاء الأئمة يعيشون هكذا.

وسأله رجل وقال: عندنا رجل يأكل في اليوم أكلة واحدة، فقال: هذا طعام الصديقين المتقين.

وسأله آخر وقال له: وعندنا من يأكل في اليوم أكلتين؟ فقال: هذا طعام المؤمنين.

وقال الثالث: وعندنا من يأكل في اليوم ثلاث أكلات، قال: مر أهله ليبنوا له معلفاً ليعلفوه فيه.

كيف لو قال له: ست أكلات، وبين كل أكلتين ثلاث وجبات؟ كان سيحصل لسيدنا الحسن البصري ذعر، ولو أن واحداً من التابعين أو الصحابة يعيش في أوساطنا اليوم لحصل له ذعر.

يقول الإمام أبو حنيفة : سوف يأتي زمان على أمة محمد لا يعرفون فيه إلا بالصلاة.

فلو دخلت على أي مجتمع مسلم، دخلت منطقة (الدقي) -مثلاً- لعرفت أن أهلها مسلمون لأنهم مصلون يدخلون الجامع، وإلا فما الفرق بين شارع التحرير وشارع الشنزليزيه في باريس أو أي شارع في أمريكا وأوروبا؟ أليس في باريس عرايا؟ فإن عندنا عرايا، وفي باريس بنوك ربوية، ففي كل مترين تجد غضب الله ونقمته نازلة على البلد بسبب الربا، وفي أمريكا وأوروبا خمور وصالات المجون وكذلك في معظم بلداننا الإسلامية، وهكذا.

إذاً: المسلمون لن يعرفوا إلا بالصلاة، فأريدكم أن تمسكوا بالصلاة بأيديكم وأسنانكم، وسوف تنقض عرى الإسلام عروة عروة أولها الحكم وآخرها الصلاة، اللهم أعد إلينا الحكم بكتابك وسنة حبيبك يا رب العالمين.

ورأينا أيضاً أن الصراط جسر فوق النار والعياذ بالله، ويمر الناس عليه كل على قدر عمله، وهناك عند حوض الكوثر بعد العبور من الصراط يطرد من الحوض من تركوا سنة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وردوا أمر الله عز وجل، وقلت حكماً ما زلت أكرره؛ لأن الموضة بدأت تنتشر مرة أخرى، وهو أن المرأة الغير محجبة ولكنها مقتنعة بوجوب الحجاب، وتدعو الله أن يتم عليها هذه النعمة، فهي مؤمنة عاصية أو مسلمة عاصية، لكن لو أن امرأة مسلمة لا تلبس الحجاب لعدم اقتناعها به؛ ولأنها ترى أن الحجاب حجاب القلب؛ وأن الله لم يأمر بالحجاب فهي كافرة قد ارتدت عن الإسلام، فالله يأمرها بالحجاب فترفض ذلك، وتكذب الله ورسوله والقرآن، وتكذب من يبلغ عن رسول الله.

فالدين ليس فيه رأي ولا اجتهادات، الدين عندنا: قال الله في كتابه، وقال الحبيب في سنته، ثم الله أعلم، أو لا أعرف، فمن اقتنعت أن الله لم يأمر بالحجاب فهي كافرة، أما مسلمة وهي غير محجبة، فهي مسلمة عاصية، ندعو الله لها بالهداية.

وحوض الكوثر تذاد عنه كل امرأة غير محجبة، فكل من رد الأمر على الله لن يشرب من حوض الكوثر، وكل من لم يستن بسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما قال فسوف يذاد عن حوض الكوثر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يذاد أناس من أمتي عن الحوض يوم القيامة -أي: يطرود- فأقول: يا رب! أمتي أمتي، فيقول: يا محمد إنك لم تدر ماذا أحدثوا من بعدك، إنهم رجعوا على أدبارهم القهقرى) أي: تركوا الكتاب والسنة ورجعوا الوراء للجاهلية (فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدل وغير).

فالجماعة الذين يعملون الأربعين والثانوية وأعياد الميلاد، يعملون أموراً جاهلية لم يشرعها الله، ولم يأذن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه الأربعون بدعة فرعونية انتشرت في جميع أنحاء العالم من مصر، كأن الفساد الفرعوني لم يخرج إلا من مصر فانتشر في بقاع الأرض، وكنا نتمنى أن تنشر مصر الهدى والتقوى والإسلام، اللهم أعد الإسلام إلى المسلمين وأعد المسلمين إلى الإسلام يا رب العالمين.

ثم رأينا بعد ذلك النار وما فيها من أنواع العذاب والعياذ بالله، في أربع حلقات تقريباً، ثم تكلمنا عن الجنة ونعيمها وهذه هي الحلقة الرابعة عن جنة الرضوان، اللهم متعنا بجنة الرضوان يا رب العالمين.

أخرج الطبراني فيما يرويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز بسم الله الرحمن الرحيم)، يعني: أنك لا تدخل البلاد التي تذهب إليها إلا بالجواز والتأشيرة، والجنة لا تدخلها إلا بجواز مكتوب فيه بسم الله الرحمن الرحيم. (هذا كتاب من الله لفلان ابن فلان أدخلوه جنة عالية، قطوفها دانية) ويأخذ هذا الكتاب بعد الميزان، بعد أن يأخذ العبد كتابه بيمينه، اللهم اجعلنا من أهل اليمين يا رب! والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في كل شيء، فكان يأكل باليمين، ويصافح باليمين، ويتصدق باليمين، ويمسح على رأس اليتيم باليمين، ولم يجعل الشمال إلا لدورات المياه، صحيح أن الشمال ممكن أن تساعد في لأكل، لكن الأصل في الأكل اليمين، فالشمال مساعدة بأن تأخذ الطبق، أو تساعد في التقطيع أو الخبز، لكن الفندقة أو أسلوب الفنادق يقول لك: لا بد أن تضع الشوكة في اليد الشمال والسكين في اليمين، ولا ينفع أن تجعل الشوكة على اليمين والسكين على الشمال. ولو قلت له: إنك أسرعت في الصلاة ولم تطمئن في ركوعك وسجودك؟ فإنه يتعلل بقوله: يا أستاذ! الرب غفور رحيم.

لعب الكرة قد وضعوا لها قوانين، فاللاعب لو خرج بدون إذن، فإنه يطرد من اللعب، أو لمس الكرة بيده داخل منطقة الجزاء في خط الثمانية عشر، يصبح (فاول) أو ضربة جزاء، والحكم يصفر، ولا يغضب اللاعب أبداً وهكذا، فلابد لمن يلعب أن يلعب بقانون.

أليس من باب أولى أن يكون للصلاة قانون وللزكاة قانون وللحج قانون، ولكلام الله قانون، ولكلام الحبيب المصطفى قانون، أو أن الأمور تمشي هكذا، نعم نحن نعرف جيداً أن الرب غفور رحيم، لكن هناك قوانين. (دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى مسجده، فرأى رجلاً لا يطمئن في صلاته -أي: يصلي بسرعة- فبعد أن أنهى الرجل صلاته، قال له: صل فإنك لم تصل) هذه نقطة خطيرة يا إخوان، لم يقل له صلاتك ناقصة، إنما قال له: صل فإنك لم تصل، (فأعاد الرجل صلاته، ثم قال له: صل فإنك لم تصل، ثم أعاد للمرة الثالثة، فقال له: صل فإنك لم تصل، قال: والله يا رسول الله لا أحسن إلا هذا، فقال له: إذا قمت إلى الصلاة، فكبر واقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، وارفع حتى تطمئن رافعاً، واسجد حتى تطمئن ساجداً، واجلس حتى تطمئن جالساً، وافعل ذلك في صلاتك كلها).

ومثل الذي يصلي وينقر صلاته نقر الغراب كالجائع يأكل التمرة والتمرتين لا تغنيان عنه شيئاً.

ولذلك فإن الذي لا يطمئن في الصلاة فإنها تلف كما يلف الثوب الخلق، أي: الثوب القديم، ويضرب بها وجه صاحبها، وتقول له: ضيعك الله كما ضيعتني.

وكان الصحابي الجليل سيدنا نعيمان بن عبد الله يحب الضحك، والصحابة كان فيهم مرح، لكنه مرح محدود، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم وجد نعيمان قاعداً مع عدة نساء أمام عتبة داره، فلما رأى نعيمان الحبيب عليه الصلاة والسلام وهو جالس بين النساء ولم يكن محارم له فسأله عن سبب جلوسه فقال: أفتل حبلاً لبعير لي شرد، فيريد أن يستعذر من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أي كلام.

وكلما لقيه الحبيب عليه الصلاة والسلام قال له: ماذا فعل بعيرك الشرود يا نعيمان ؟ فكان نعيمان يختبئ من الرسول، وفي يوم من الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم يبحث عن نعيمان ويسأل عنه، فقالوا: يا رسول الله! إنه يصلي في آخر الصف، ويخرج قبل أن تراه، وهذا من شدة الإحراج والخجل الذي كان في الصحابة، ليس مثل بعض الناس يكلم أحد المشايخ ويعبث بخاتمة في يده، والسيجارة في فمه ينفخ في وجهه، فالتدخين حرام.

المهم أن سيدنا الحبيب دخل المسجد في وقت لا يتعود الدخول فيه فوجد سيدنا نعيمان يصلي، فلمح الحبيب وشم ريحته الزكية من جنبه، فأطال في الصلاة فعرف الرسول منه ذلك، فقال له: ( يا نعيمان لو أطلت إلى يوم القيامة لانتظرتك).

أي: أنا أعزك، فهذه طريقة تربية الحبيب لأصحابه، فقد كان شفيقاً، ولم يقل له: والله لن تفلح، وكان كله حنان صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى نعيمان من صلاته اتجه إلى الحبيب وقبل يده ورجله، فقال له صلى الله عليه وسلم: ماذا فعل بعيرك الشرود يا نعيمان ؟ فقال: ما شرد منذ أن أسلمت يا رسول الله، فكان قصد نعيمان ليس البعير، وإنما صاحب البعير، فيقال: إن نعيمان عمر ولم ينحرف ولا ارتكب فاحشة ولا غلط منذ أن أسلم، فوضع الرسول يده على صدره وقال: (اللهم حصن فرجه، واغفر ذنبه، ويسر أمره) فكان نعيمان يصلي بعد ذلك في الصف الأول خلف رسول الله.

فهذه هي طريقة التربية العظيمة.

ولما جاء ابن عمه السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن المطلب بن عبد مناف وكان شبيهاً به صلى الله عليه وسلم، وجيء به أسيراً في غزوة أحد، وكان عنيفاً على الإسلام والمسلمين، فنظر الرسول في الأسرى إلى أن وصل إليه فقال: (أطلقوا أخي، فإنه أشبه خلقي) أي: أنه يشبه النبي عليه الصلاة والسلام في خلقه وشكله.

وهذا رد على الإخوة الذين يقولون: عيب أن تقول: الإخوة المسيحيون، فهذا حرم، ويرد عليهم بأن الرسول قال للسائب : أخي، فما كان من الرجل إلا أن بكى وقال: جزاك الله عن عشيرة وعن أهل يا رسول الله! وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

هكذا كانت الدعوة، فالدعوة ليست بتقطيب الوجه، ولا بكثرة الكلام، قال صلى الله عليه وسلم: (لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن ببسط الوجه وحسن الخلق) اللهم ابسط وجوهنا، واشرح صدورنا، وحسن أخلاقنا كما حسنت خِلقتنا يا رب العالمين.

وكان الصحابي الجليل سيدنا نعيمان بن عبد الله يحب الضحك، والصحابة كان فيهم مرح، لكنه مرح محدود، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم وجد نعيمان قاعداً مع عدة نساء أمام عتبة داره، فلما رأى نعيمان الحبيب عليه الصلاة والسلام وهو جالس بين النساء ولم يكن محارم له فسأله عن سبب جلوسه فقال: أفتل حبلاً لبعير لي شرد، فيريد أن يستعذر من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أي كلام.

وكلما لقيه الحبيب عليه الصلاة والسلام قال له: ماذا فعل بعيرك الشرود يا نعيمان ؟ فكان نعيمان يختبئ من الرسول، وفي يوم من الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم يبحث عن نعيمان ويسأل عنه، فقالوا: يا رسول الله! إنه يصلي في آخر الصف، ويخرج قبل أن تراه، وهذا من شدة الإحراج والخجل الذي كان في الصحابة، ليس مثل بعض الناس يكلم أحد المشايخ ويعبث بخاتمة في يده، والسيجارة في فمه ينفخ في وجهه، فالتدخين حرام.

المهم أن سيدنا الحبيب دخل المسجد في وقت لا يتعود الدخول فيه فوجد سيدنا نعيمان يصلي، فلمح الحبيب وشم ريحته الزكية من جنبه، فأطال في الصلاة فعرف الرسول منه ذلك، فقال له: ( يا نعيمان لو أطلت إلى يوم القيامة لانتظرتك).

أي: أنا أعزك، فهذه طريقة تربية الحبيب لأصحابه، فقد كان شفيقاً، ولم يقل له: والله لن تفلح، وكان كله حنان صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى نعيمان من صلاته اتجه إلى الحبيب وقبل يده ورجله، فقال له صلى الله عليه وسلم: ماذا فعل بعيرك الشرود يا نعيمان ؟ فقال: ما شرد منذ أن أسلمت يا رسول الله، فكان قصد نعيمان ليس البعير، وإنما صاحب البعير، فيقال: إن نعيمان عمر ولم ينحرف ولا ارتكب فاحشة ولا غلط منذ أن أسلم، فوضع الرسول يده على صدره وقال: (اللهم حصن فرجه، واغفر ذنبه، ويسر أمره) فكان نعيمان يصلي بعد ذلك في الصف الأول خلف رسول الله.

فهذه هي طريقة التربية العظيمة.

ولما جاء ابن عمه السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن المطلب بن عبد مناف وكان شبيهاً به صلى الله عليه وسلم، وجيء به أسيراً في غزوة أحد، وكان عنيفاً على الإسلام والمسلمين، فنظر الرسول في الأسرى إلى أن وصل إليه فقال: (أطلقوا أخي، فإنه أشبه خلقي) أي: أنه يشبه النبي عليه الصلاة والسلام في خلقه وشكله.

وهذا رد على الإخوة الذين يقولون: عيب أن تقول: الإخوة المسيحيون، فهذا حرم، ويرد عليهم بأن الرسول قال للسائب : أخي، فما كان من الرجل إلا أن بكى وقال: جزاك الله عن عشيرة وعن أهل يا رسول الله! وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

هكذا كانت الدعوة، فالدعوة ليست بتقطيب الوجه، ولا بكثرة الكلام، قال صلى الله عليه وسلم: (لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن ببسط الوجه وحسن الخلق) اللهم ابسط وجوهنا، واشرح صدورنا، وحسن أخلاقنا كما حسنت خِلقتنا يا رب العالمين.

فضل عبد الله بن حرام الأنصاري وتنعمه بالنظر إلى وجه الله

روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري رضي الله عنهما أن أباه كان أعرج وكان عنده من الأبناء أربعة، وكان يريد المشاركة في غزوة أحد فمنعه أبناؤه، فقال له الرسول: (يا عبد الله ليس عليك شيء، فقال: والله يا رسول الله! إني أحب أن أرزق الشهادة فأطأ بعرجتي هذه في الجنة، وأبنائي يريدون منعي) أي: يقولون له: ابق أنت، ونحن الأربعة سنقاتل بدلاً عنك، فأنت رجل أعرج لا تستطيع القتال.

فـعبد الله بن حرام الأنصاري من أسيادنا، مثل سيدنا عمر رضي الله عنه عندما قال: ( أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا) وهذا من أدب عمر بن الخطاب ، وبعض السادة العلماء يقولون: لا تقولوا: سيدنا محمد، وهذا غير صحيح، نعم في الصلاة لا يجوز، لأنه لا سيد مع الله في داخل الصلاة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فلا يشرع أن يقول في التشهد: اللهم صل على سيدنا محمد فنقول: اللهم صل على محمد في داخل الصلاة، وفي خارج الصلاة نقول: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه.

فالرسول قال: (يا جابر -وهو ابنه الكبير- أشرك أباك)، أي: في الشهادة، فدخل عبد الله أرض المعركة فرزق الشهادة، وسيدنا جابر نظر إلى أبيه وهو مجندل والتراب قد ملأ عينيه ووجهه، فتغير وجه سيدنا جابر لما رأى أباه شهيداً، فهذه نفس إنسانية وهذا أبوه فقال صلى الله عليه وسلم: (يا جابر أراك وجدت على استشهاد أبيك) يعني: حزنت، فسكت سيدنا جابر ولم يرد بشيء، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا جابر ! والذي بعثني بالحق نبياً، ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب، إلا أباك فقد كلمه الله كفاحاً من دون حجاب، وقال له -أي: بعد أن صعدت روحه إليه- عبدي تمن علي) تخيل العلي القدير القادر، الحكيم العزيز، القهار الجبار القوي، المعز المذل، الرزاق، يقول لعبد من عباده: تمن علي يا عبد الله.

واسمع الأماني. (قال: يا رب! أتمنى منك أن تعيدني إلى الحياة فأقتل فيك مرة أخرى)، أي: أنا أريد أن أرجع إلى الدنيا مرة أخرى، ليس من أجل أن يوزع التركة، أو يقسم الأموال أو يشتري للأولاد ولكن من أجل أن يقتل مرة ثانية؛ لما رأى عند الله عز وجل من النعيم المقيم.

قال النبي عليه الصلاة والسلام لـجابر : (ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب إلا أباك يا جابر فقد كلمه الله كفاحاً بدون حجاب، وقال له: عبدي تمن علي، قال: يا رب أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك مرة أخرى، قال: قد كتبت وما يبدل القول لدي: وأنهم إليها لا يرجعون، وإنما أبيح لك وجهي تنظر إليه بكرة وعشياً)، وهذه أعلى درجة في الجنة مع أبي بكر ومع الصفوة الكرام البررة، وإذا كان يقال: هذا النادي يدخل فيه الصفوة، وهذا المكان فيه الصفوة، وهذا المجلس فيه الصفوة، فالجنة أيضاً فيها درجات، وأعلى درجة هي الفردوس الأعلى، فمن كان في هذه الدرجة فإنه يباح له أن ينظر إلى وجه ربه بكرة وعشياً.

اللهم اجعلنا منهم يا رب، وأدخلنا في زمرتهم عملاً في الدنيا وجزاء في الآخرة، يا رب العالمين.

والرسول صلى الله عليه وسلم حكى للصحابة أن الملائكة أتوا إليه، فقد كان يحكي لهم أي شيء يخص الدين، فلا يوجد شيء اسمه: الجماعة الدراويش الذين يتبعون التصوف، فالتصوف شيء جميل وحلو، لكن بصورة الدروشة فلا، فلو خرج علماء التصوف أو أبو الحسن الشاذلي والجنيد وهؤلاء العظماء من قبورهم لتبرءوا من هؤلاء المهلهلين في العقيدة الذين يعتقدون أن مع الله فاعلاً آخر، وهو ألا يصل الإنسان إلى الله إلا عن طريق الولي أو عن طريق الميت، فهذا شرك بالله عز وجل، فالمسلم لا يصل به الأمر أن يقول للناس: إن أناساً قد رفع عنهم التكليف، فهذه قلة أدب مع الله، فإنه لم يرفع التكليف إلا عن الميت، فلم يرفع عن رسول الله وهو أقرب الناس إلى الله.

فلا يوجد شخص رفع عنه التكليف، إنما يرفع التكليف عن المجنون، وعن النائم، وعن الصغير، وعن الميت، أما ما عدا ذلك فهم مكلفون حتى الذي عمل عملية ومشدود إلى السرير فيجب عليه أن يصلي فيذكر الله في قلبه ما دامت روحه بين جنبيه ويستطيع أن يميز، فالمهم أنه لا تسقط الصلاة إلا عن الميت، ولا يسقط التكليف إلا عن الميت، فالعودة إلى الحق خير من التمادي في الباطل.

يذكرون عن عالم من السلف -وهو بريء من هذه الحكايات الغريبة- أنه أتى له شخص وقال له: فلان من مريديك مات، فقال: إنه لم يمت، قال: مات، وقد غسلناه وسيصلى عليه الجنازة الآن، قال: إن ملك الموت لا يقبض روح أحد من المريدين الذين عندي حتى يستأذنني.

فهذا الكلام لا يقال على المنابر، ولو كانت هناك دولة ناصحة لأدخلت هذا الضال السجن؛ لأنه يشوش على الناس عقيدتهم، ويضع السم في العسل.

روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري رضي الله عنهما أن أباه كان أعرج وكان عنده من الأبناء أربعة، وكان يريد المشاركة في غزوة أحد فمنعه أبناؤه، فقال له الرسول: (يا عبد الله ليس عليك شيء، فقال: والله يا رسول الله! إني أحب أن أرزق الشهادة فأطأ بعرجتي هذه في الجنة، وأبنائي يريدون منعي) أي: يقولون له: ابق أنت، ونحن الأربعة سنقاتل بدلاً عنك، فأنت رجل أعرج لا تستطيع القتال.

فـعبد الله بن حرام الأنصاري من أسيادنا، مثل سيدنا عمر رضي الله عنه عندما قال: ( أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا) وهذا من أدب عمر بن الخطاب ، وبعض السادة العلماء يقولون: لا تقولوا: سيدنا محمد، وهذا غير صحيح، نعم في الصلاة لا يجوز، لأنه لا سيد مع الله في داخل الصلاة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فلا يشرع أن يقول في التشهد: اللهم صل على سيدنا محمد فنقول: اللهم صل على محمد في داخل الصلاة، وفي خارج الصلاة نقول: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه.

فالرسول قال: (يا جابر -وهو ابنه الكبير- أشرك أباك)، أي: في الشهادة، فدخل عبد الله أرض المعركة فرزق الشهادة، وسيدنا جابر نظر إلى أبيه وهو مجندل والتراب قد ملأ عينيه ووجهه، فتغير وجه سيدنا جابر لما رأى أباه شهيداً، فهذه نفس إنسانية وهذا أبوه فقال صلى الله عليه وسلم: (يا جابر أراك وجدت على استشهاد أبيك) يعني: حزنت، فسكت سيدنا جابر ولم يرد بشيء، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا جابر ! والذي بعثني بالحق نبياً، ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب، إلا أباك فقد كلمه الله كفاحاً من دون حجاب، وقال له -أي: بعد أن صعدت روحه إليه- عبدي تمن علي) تخيل العلي القدير القادر، الحكيم العزيز، القهار الجبار القوي، المعز المذل، الرزاق، يقول لعبد من عباده: تمن علي يا عبد الله.

واسمع الأماني. (قال: يا رب! أتمنى منك أن تعيدني إلى الحياة فأقتل فيك مرة أخرى)، أي: أنا أريد أن أرجع إلى الدنيا مرة أخرى، ليس من أجل أن يوزع التركة، أو يقسم الأموال أو يشتري للأولاد ولكن من أجل أن يقتل مرة ثانية؛ لما رأى عند الله عز وجل من النعيم المقيم.

قال النبي عليه الصلاة والسلام لـجابر : (ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب إلا أباك يا جابر فقد كلمه الله كفاحاً بدون حجاب، وقال له: عبدي تمن علي، قال: يا رب أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك مرة أخرى، قال: قد كتبت وما يبدل القول لدي: وأنهم إليها لا يرجعون، وإنما أبيح لك وجهي تنظر إليه بكرة وعشياً)، وهذه أعلى درجة في الجنة مع أبي بكر ومع الصفوة الكرام البررة، وإذا كان يقال: هذا النادي يدخل فيه الصفوة، وهذا المكان فيه الصفوة، وهذا المجلس فيه الصفوة، فالجنة أيضاً فيها درجات، وأعلى درجة هي الفردوس الأعلى، فمن كان في هذه الدرجة فإنه يباح له أن ينظر إلى وجه ربه بكرة وعشياً.

اللهم اجعلنا منهم يا رب، وأدخلنا في زمرتهم عملاً في الدنيا وجزاء في الآخرة، يا رب العالمين.

والرسول صلى الله عليه وسلم حكى للصحابة أن الملائكة أتوا إليه، فقد كان يحكي لهم أي شيء يخص الدين، فلا يوجد شيء اسمه: الجماعة الدراويش الذين يتبعون التصوف، فالتصوف شيء جميل وحلو، لكن بصورة الدروشة فلا، فلو خرج علماء التصوف أو أبو الحسن الشاذلي والجنيد وهؤلاء العظماء من قبورهم لتبرءوا من هؤلاء المهلهلين في العقيدة الذين يعتقدون أن مع الله فاعلاً آخر، وهو ألا يصل الإنسان إلى الله إلا عن طريق الولي أو عن طريق الميت، فهذا شرك بالله عز وجل، فالمسلم لا يصل به الأمر أن يقول للناس: إن أناساً قد رفع عنهم التكليف، فهذه قلة أدب مع الله، فإنه لم يرفع التكليف إلا عن الميت، فلم يرفع عن رسول الله وهو أقرب الناس إلى الله.

فلا يوجد شخص رفع عنه التكليف، إنما يرفع التكليف عن المجنون، وعن النائم، وعن الصغير، وعن الميت، أما ما عدا ذلك فهم مكلفون حتى الذي عمل عملية ومشدود إلى السرير فيجب عليه أن يصلي فيذكر الله في قلبه ما دامت روحه بين جنبيه ويستطيع أن يميز، فالمهم أنه لا تسقط الصلاة إلا عن الميت، ولا يسقط التكليف إلا عن الميت، فالعودة إلى الحق خير من التمادي في الباطل.

يذكرون عن عالم من السلف -وهو بريء من هذه الحكايات الغريبة- أنه أتى له شخص وقال له: فلان من مريديك مات، فقال: إنه لم يمت، قال: مات، وقد غسلناه وسيصلى عليه الجنازة الآن، قال: إن ملك الموت لا يقبض روح أحد من المريدين الذين عندي حتى يستأذنني.

فهذا الكلام لا يقال على المنابر، ولو كانت هناك دولة ناصحة لأدخلت هذا الضال السجن؛ لأنه يشوش على الناس عقيدتهم، ويضع السم في العسل.

وقد جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: العين نائمة والقلب يقظان بدليل أن الوحي إليه أمر من الله، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قبل غزوة أحد رؤيا، فقال: (رأيت بقراً تذبح، ورأيت ثلمة في سيفي، ورأيت كأني أدخلت يدي في درع حصينة) فقال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه: أتأذن لي في تأويلها يا رسول الله؟ فقال له: (أول يا أبا بكر قال: أما البقر التي تذبح فبعض من أصحابك يرزقون الشهادة، وأما الثلمة التي في سيفك فرجل من أهل بيتك يقتل، وأما إدخالك يدك في درع حصينة فعودتك إلى المدينة سالماً إن شاء الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هكذا فسرها لي جبريل).

اللهم ارض عن صحابة رسول الله، اللهم لا تحرمنا مجالستهم في الجنة يا رب العالمين، ونسأل ربنا أن يكرمنا ويعوضنا عن ذل الدنيا وابتلاءاتها بنعيم مقيم، اللهم حسن أعمالنا وحسن خاتمتنا، وأدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب يا رب العالمين!

فقوله: (أن العين نائمة والقلب يقظان) يعني: أن عينه نائمة، لكن قلبه يقظان مع ربه.

وفي رواية أخرى للإمام الترمذي ( نزل جبريل فقال: إن عين محمد نائمة، ولكن القلب يقظان مع ربه)؛ لأنه في إحدى المرات حين جاء ثلاثة من الصحابة إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وسألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فنظروا إلى عبادتهم فتقالوها يعني: وجدوها أعمالاً قليلة، فقالوا: إنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ونحن الذين امتلأنا خطايا وذنوباً وسيئات، فقال أحدهم: أنا سوف أقوم الليل فلا أنام أبداً، وقال الآخر: وأنا سوف أصوم ولا أفطر أبداً، يعني: أنه يصوم الدهر، وقال الآخر: أما أنا فلا أتزوج النساء؛ أي: لأنهن يشغلن، ويجلبن المشاكل.

فسمع الرسول صلى الله عليه وسلم مقالتهم، فقال: (إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني) إذاً: هو نائم، ولكن في وضع آخر.

وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يصلي، وبعض المنافقين كانوا يأتون آخر الناس ويمشون أول الناس مستعجلين، فكانوا يرفعون قبل أن يرفع الإمام ويسجدون قبل أن يسجد، ومن رفع رأسه قبل الإمام جيء به يوم القيامة ووجهه وجه حمار؛ لأنه لا يعرف النظام، فالذي يرفع قبل الإمام بطلت صلاته.

قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا ترفعوا رءوسكم قبلي، ولا تسجدوا قبلي، قالوا: أو ترانا يا رسول الله؟ قال: أتظنون أن قبلتي بين عيني، إني أراكم من وراء ظهري كما أراكم من أمامي) أي: بما أراه ربه.

وعندما تكلمت حفصة وعائشة في موضوع أخبره جبريل بالأمر، فرجع وعرف بعضه وأعرض عن بعض، فذكر لهما عناوين يعرفهما أنه كان موجوداً، فهما لبشريتهما وللعقل المحدود لهما سألتاه عن ذلك، قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ [التحريم:3].

(فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أولوها له - يعني: فسروها- يفقهها، فقالوا: أما الدار فالجنة، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً فقد عصى الله).

يعني: كأن الله عز وجل هو صاحب الدار، والدار هي الجنة، والمأدبة هي النعيم الذي في الجنة، أكبر نعيم في الجنة شيئان:

الشيء الأول: رؤية وجه الله الكريم سبحانه.

الشيء الثاني: لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [الكهف:108].

فالمتعة في الدنيا زائلة، والغنى في الدنيا ليس سبب السعادة، ففي سويسرا والسويد ينتحر في السنة ما يقرب من ثلاثين إلى أربعين ألف رجل وامرأة، مع أن أعلى دخل للفرد في العالم هناك، فكل شيء ميسر له، فالجو جميل، والصحة والرياضة موجودتان، والدولة لا تنكد عليه، ولا توجد شوارع ومجار مكسرة، ولا ماء متقطع ولا نور ينطفئ.

أما مستشفيات الأمراض العقلية فهي بكثرة في السويد وسويسرا وأمريكا وغيرها من البلدان الغربية الكافرة.

وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن من سأل ربنا الجنة سبع مرات، واستعاذ بالله من النار سبع مرات، تقول النار: يا رب! عبدك فلان استجار بك مني، اللهم أجره مني، والجنة تقول: يا رب! عبدك فلان طلب أن يدخل الجنة، اللهم لا تحرمه مني ولا تحرمني منه، وكان الصحابة يسألون الله الزحزحة عن النار، ودخول الجنة، والزواج من الحور العين.

وسيدنا عمر رضي الله عنه دخل المسجد ووجد أعرابياً يصلي ركعتين ثم سلم، ثم رفع يديه إلى السماء فقال: اللهم زوجني من الحور العين، فنظر إليه سيدنا عمر وقال له: يا أخا الإسلام! هذا مهر قليل، أي: فالذي يريد أن يتزوج امرأة فإنه يحتاج إلى مهر وتوابعه فكيف الزواج بالحور العين؟

ورجل مخبول في زمن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، وكان عبد الملك إماماً يصلي بالناس، وكان الأمراء هم أعلم الناس فيتقدمون للصلاة.

فبعد أن انتهى الرجل من الصلاة قال: اللهم امسخني حوراً من الحور العين، وزوجني من عمر بن الخطاب ، فقال له شخص: ولم لا تطلب أن تتزوج من الرسول؟ قال: لا أريد أن أكون ضرة لـعائشة!!

ربنا يسعدنا وإياكم بالتقوى، وبدخول الجنة، وبالزحزحة عن النار، ويختم لنا ولكم بالإسلام وبالإيمان، ويخرجنا من الدنيا على خير.