خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/943"> د. عمر عبد الكافي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/943?sub=34776"> سلسلة الدار الآخرة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
سلسلة الدار الآخرة فضل الروح وماذا في القبور؟
الحلقة مفرغة
الموت سيعم الكل
فهذه هي الحلقة الثانية في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، وحديثنا اليوم بمشيئة الله عز وجل عن قبض الروح، وعن القبر وما فيه، وعن الوصية التي يجب أن يكتبها المسلم.
أولاً: بإيجاز سريع قلنا في الحلقات السابقة في المقدمة: إنك عندما تذكر الموت وتجعله نصب عينيك ليل نهار فإنه يعطيك ثلاثاً من الفوائد:
الفائدة الأولى: التعجيل بالتوبة. فعندما أذكر الموت فإني أسرع بالتوبة وأترك الذنوب التي كنت أعملها. اللهم تب علينا جميعاً يا رب العالمين!
الفائدة الثانية: النشاط في العبادة. فعندما يبقى الموت نصب عينيّ فإني أكون نشيطاً في العبادة، وآتي إلى دروس العلم مسرعاً، ولا تقل: إنك معطل وقتك وتارك شغلك، كلا فهذا هو الغذاء الذي تغذي به قلبك، حتى إذا عرضت لك عوارض الدنيا استطعت بفضل الله عز وجل أن تقهرها.
إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا
يعني: أنهم نظروا للدنيا فرأوها على حقيقتها كاللجة، أي: مثل البحر الزخار بالأمواج، فأصبح المؤمن فيها ينظر كيف ينجو في هذا البحر، ولا ينجو إلا بصالح الأعمال.
إذاً فصالح الأعمال هي السفن التي يستطيع أن يرسو بها على بر السلامة. اللهم أوصلنا جميعاً والمسلمين إلى بر الأمان يا رب العالمين!
إذاً إن جعلت الموت أمامك فإنك ستسرع بالتوبة، وهناك نقطة أهم وهي أنك إذا كنت كذلك فلن تعمل ذنوباً جديدة؛ لأنك ترى الموت أمامك، فتقول لنفسك: ما دام الموت ينتظرني، وما دام أن العلماء علمونا أن أموراً أربعة وهي: أن الموت يعمنا، وأن القبر يضمنا، وأن القيامة تجمعنا، وأن الله يفصل بيننا، إذاً فلن أعمل الذنوب والمعاصي.
إذاً فالموت سيعم الكل، لذلك قلنا: إنه من إساءة الأدب مع الله تعالى أن يقول مسلم من المسلمين: إن ربنا افتكر فلاناً؛ لأن الله لا ينسى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم:64].
فالموت حق، والساعة حق، ومحمد حق، والقرآن حق، والجنة حق، والنار حق، وأن الله هو الحق المبين.
القبر سيضم الكل
ولقد قلت لنفسي وأنا بين المقابر هل رأيت الأمن والراحة إلا في الحفائر
فنظرت فإذا الدود عبْث في المحاجر ثم قالت: أيها السائر إني لست أدري
انظري كيف تساوى الكل في هذا المكان وتساوى العبد مع رب الصولجان
والتقى العاشق والقالي فما يفترقان ثم قالت: أيها السائل إني لست أدري
فقد استوى الكل: الشاكي والمشكو في حقه، والظالم والمظلوم، والرئيس والمرءوس.
القيامة تجمع الكل
الله يفصل بيننا يوم القيامة
والعلماء توقفوا عند هذا الحديث الذي يخوف، لأن البهائم ليست مكلفة، وإنما كلف الإنس والجن، وهؤلاء هم الذي سيحاسبون يوم القيامة، إذاً فهذا الحديث كناية عن إقامة الحق يوم القيامة، فالملك يومئذ لله سبحانه وتعالى، فالدنيا فيها ظلم، لكن يوم القيامة يقول ربنا: لا ظُلْمَ الْيَوْمَ [غافر:17]، ولذلك جاء في الحديث: (ولو بغى جبل على جبل لدك الله الباغي، ولو نطحت شاة قرناء شاةً جلحاء) أي: لو شاة بقرنين نطحت شاة من غير قرون، (لاقتص الله من هذه لتلك، ثم قال لها: كوني تراباً، فيقول الكافر يومها: يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ:40]) أي: أنه يقول: يا ليتني كنت بهيمة، يا ليتني كنت معزة، يا ليت كنت حماراً؛ حتى ينجو من عذاب الله عز وجل.
اللهم أنجنا من عذابك، وأبعدنا عن نار جهنم، وأدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب، فنحن ضعفاء يا مولانا وقوي يا رب في رضاك ضعفنا، فأحسن عاقبتنا في الأمور كلها يا أكرم الأكرمين، إنك يا مولانا على كل شيء قدير.
فالله يفصل بيننا، وذلك يكون بالحسنات والسيئات، فكل التعاملات يوم القيامة تكون بالحسنات والسيئات، فهو تعالى يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]، و(خائنة الأعين) مثل الذي ينظر خفية ولا أحد يراه، لكن الله يراه، ولذا فـحاتم الأصم قال له ابن أخته: علمني الذي يرضى به عني، فقال له: يا بني هي ثلاث كلمات، قل دائماً: الله ناظر إلي، الله شاهد علي، الله مطلع علي، فالله تعالى يقول: وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59].
ولذلك: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ [ق:4] أي: أن الأرض تأخذ منك اللحم ويبقى العظم، وبعد عشرات السنين تأخذ العظم أيضاً ويبقى عجب الذنب، وعجب الذنب هو آخر فقرة في العصعص.
وهذا الحديث لما عرضناه على علماء الأحياء (البيولوجيا) أسلم سبعة منهم بفضل الله في أحد المؤتمرات، وقال بعضهم: هل قال رسولكم: يفنى من ابن آدم كل جسده إلا عجب الذنب؟ قلنا: نعم، فهذا الحديث موجود في صحيح مسلم ، وهو صحيح رواه أبو هريرة .
فعملوا التحاليل والتجارب فوجدوا كل جسم الإنسان يفنى إلا بعض ذرات من آخر فقرة في العمود الفقري، فهي التي يعرف الإنسان بها، فإذا شاء الله أن يُنفخ في الصور مرة أخرى: فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68].
يقول مولانا جل في علاه: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير:7] أي: إذا عادت الأرواح إلى أبدانها، فلا تذهب روح محمود إلى عبد اللطيف، ولا روح سمير إلى عبد الله أبداً، فكل روح تروح للجسد المخصص لها، فربنا يقول: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ [ق:4] من الذي علم؟ إنه العليم الخبير، فلا تخفى عليه خافية.
والله يفصل بيننا، فلما أرى الموت أمامي فإني أعجل بالتوبة ولا أعمل ذنوباً؛ لأن الله سبحانه يراني، يا رب إن رأيتني أغادر مجالس الذاكرين إلى مجالس الغافلين فاكسر لي رجلي، فإنها نعمة تنعم بها علي، هكذا دعوة الصالحين، اللهم جنبنا المعاصي، يا من يحول بين المرء وقلبه حل بيننا وبين معاصيك، وتب على كل عاص يا رب، واهد كل ضال، واهدنا معهم يا رب العالمين.
ولذلك فإن علياً كان يخاطب ربنا ويقول: ما أوحش الطريق على من لم تكن دليله! وما أضيق الطريق على من لم تكن أنيسه! وهي من الأنس وهو الظهور، أي: ظهرت لنا، فتخيل أن الله آنسك، أي: ظهر لك، فترى الله في كل حركة، فإذا أردت أن تعمل الحرام تذكرت أن الله يراك فتقلع.
إذاً فالمؤمن يكون وقافاً عند حدود الله عز وجل، فما أوحش الطريق على من لم تكن رفيقه، فما دام ربنا ليس دليلاً لك فمن سيكون دليلك! قال الشاعر:
ومن كان الغراب له دليلاً يمر به على جيف الكلابِ
تخيل! واحداً يجعل الغراب دليله فهل سيذهب به إلى مصنع العطور، أو سيأخذه إلى الرمم؟! وفي الحديث: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، فأكثروا من الأخلاء الصالحين؛ فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة، الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67]، اللهم احشرنا في زمرتهم يا رب!
إذاً إذا كان الموت أمامي فإني أعجل بالتوبة ولا أعمل الذنوب، فالعبد المسلم ما دام أن الموت أمامه يبقى نشيطاً في العبادة، فما هو الذي يجعلك تذهب إلى الجامع وتقوم بالليل وتصلي وتقرأ جزءاً من القرآن، وتتقي الله وتغض البصر، وتسد آذانك عن الحرام، لماذا هذا كله؟ لأنك تعتقد أن ربنا قد يميتك فجأة، وما دام سيأخذك فجأة فعليك أن تكون مستعداً للقاء الله.
وقال أهل العلم: لا راحة للمؤمن إلا بلقاء الله عز وجل، أي: أن المؤمن لا يستريح إلا عندما يلقى الله، وهذه المدة قد تطول، فيمكن تلقى الله بعد عشرين سنة، أو بعد سنة، أو بعد أسبوع، أو بعد مائة سنة، فربنا من رحمته جعل لنا لقاءات متكررة؛ من أجل أن نلتقي بالله ونستريح، فلا راحة للمؤمن إلا بلقاء الله.
وربنا لقاؤه يكون غصباً عنك، فمفروض عليك أن تلقاه خمس مرات في اليوم: في الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، فهذه خمسة أوقات تلقى الله فيها، وتقف بين يدي الله فيها، فأنت تتكلم والله يسمع، وأنت تدعو والله يجيب، وأنت تقرأ والله يستمع إليك، ولذلك قال لما يؤذن المؤذن: (يا بني آدم قوموا إلى نيرانكم التي أشعلتموها على أنفسكم بالذنوب وأطفئوها بالصلاة).
فأنت حين تعمل الذنوب فإنها توجب أنك تحترق، فإذا صليت أطفأت تلك النار التي كدت أن تحرق بها نفسك، اللهم أطفئ عنا نيران الدنيا ونيران الآخرة يا رب العالمين.
فإذا كان الموت أمامي فإن الله سبحانه وتعالى سيجعلني نشيطاً في العبادة إلى أن ألقاه، فالجنة تحتاج إلى عبادة، فأنت عندما تأتي إلى الجامع في المغرب فإنك تأتي من أجل عبادة الله، وأن تعمر بيت الله، فتقعد مع الإخوة الصالحين، فتحيط بك الملائكة، وتنزل عليك السكينة، وتأخذ كلمة تهديك وتجعلك في عداد التائبين، والله عز وجل يفاخر بك ملائكته ويقول لك: (يا عبدي أنت عندي كبعض ملائكتي)، وهذه من كرم الله عز وجل عليك.
والمؤمن يكون عنده يقين في الله فلا يحزن، ولا تكتئب من طول الدنيا، ولا تقل: في الشهر القادم من أين سنأكل؟ لا تهم الغد فإنما الغد بيد الله، ومن رزقك اليوم فإنه قادر على أن يرزق غداً.
وقد ضربت لك المثل بالرجل الذي كان يحب اللحمة، فالأطباء قالوا له: لو أكلت لحمة قد تؤدي بك إلى الموت؛ لأن نسبة الكلسترول عندك عالية، فلا تأكل أي نوع من اللحوم، فجاء الرجل وهو غضبان فقلت له: لماذا أنت غضبان؟ قال: أنا محروم من أكل اللحم، فقلت له: أولاً: أنت محروم من أكل اللحم من أجل ألا تنسى إخوانك الفقراء.
العلة الثانية: أنت لك في هذه الحياة تموين عند الله، وهذا التموين له قيمة، يعني: واحد مكتوب له أن يأكل في حياته طناً من اللحم، فأكل تسعمائة وسبعين كيلو، فإنه يبقى له ثلاثون كيلو، ولا زال له في الحياة عشر سنين، فلو أكل على نفس الطريقة أو على نفس هذا المنهاج الذي يمشي عليه فسيأخذ أكثر من نصيبه، لكن لا يكون إلا ما قضى الله في سابق الأزل، فيأتي له مرض يمنعه من أكل اللحمة، هو يظن أن الدكتور هو الذي منعه، أو أن المرض هو الذي منعه، لكن هو لو يفكر لعرف أن تموينه من اللحمة قد انتهى من عند الله عز وجل، فالمسلم يفكر بهذا المنطق، يكون كل تفكيره أنه سائر كما قضى الله له. اللهم اقض لنا بخير يا رب العالمين، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا يا رب العالمين.
الحمد لله حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذه هي الحلقة الثانية في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، وحديثنا اليوم بمشيئة الله عز وجل عن قبض الروح، وعن القبر وما فيه، وعن الوصية التي يجب أن يكتبها المسلم.
أولاً: بإيجاز سريع قلنا في الحلقات السابقة في المقدمة: إنك عندما تذكر الموت وتجعله نصب عينيك ليل نهار فإنه يعطيك ثلاثاً من الفوائد:
الفائدة الأولى: التعجيل بالتوبة. فعندما أذكر الموت فإني أسرع بالتوبة وأترك الذنوب التي كنت أعملها. اللهم تب علينا جميعاً يا رب العالمين!
الفائدة الثانية: النشاط في العبادة. فعندما يبقى الموت نصب عينيّ فإني أكون نشيطاً في العبادة، وآتي إلى دروس العلم مسرعاً، ولا تقل: إنك معطل وقتك وتارك شغلك، كلا فهذا هو الغذاء الذي تغذي به قلبك، حتى إذا عرضت لك عوارض الدنيا استطعت بفضل الله عز وجل أن تقهرها.
إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا
يعني: أنهم نظروا للدنيا فرأوها على حقيقتها كاللجة، أي: مثل البحر الزخار بالأمواج، فأصبح المؤمن فيها ينظر كيف ينجو في هذا البحر، ولا ينجو إلا بصالح الأعمال.
إذاً فصالح الأعمال هي السفن التي يستطيع أن يرسو بها على بر السلامة. اللهم أوصلنا جميعاً والمسلمين إلى بر الأمان يا رب العالمين!
إذاً إن جعلت الموت أمامك فإنك ستسرع بالتوبة، وهناك نقطة أهم وهي أنك إذا كنت كذلك فلن تعمل ذنوباً جديدة؛ لأنك ترى الموت أمامك، فتقول لنفسك: ما دام الموت ينتظرني، وما دام أن العلماء علمونا أن أموراً أربعة وهي: أن الموت يعمنا، وأن القبر يضمنا، وأن القيامة تجمعنا، وأن الله يفصل بيننا، إذاً فلن أعمل الذنوب والمعاصي.
إذاً فالموت سيعم الكل، لذلك قلنا: إنه من إساءة الأدب مع الله تعالى أن يقول مسلم من المسلمين: إن ربنا افتكر فلاناً؛ لأن الله لا ينسى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم:64].
فالموت حق، والساعة حق، ومحمد حق، والقرآن حق، والجنة حق، والنار حق، وأن الله هو الحق المبين.
والقبر يضم الغني والفقير، والرئيس والمرءوس، قال الشاعر:
ولقد قلت لنفسي وأنا بين المقابر هل رأيت الأمن والراحة إلا في الحفائر
فنظرت فإذا الدود عبْث في المحاجر ثم قالت: أيها السائر إني لست أدري
انظري كيف تساوى الكل في هذا المكان وتساوى العبد مع رب الصولجان
والتقى العاشق والقالي فما يفترقان ثم قالت: أيها السائل إني لست أدري
فقد استوى الكل: الشاكي والمشكو في حقه، والظالم والمظلوم، والرئيس والمرءوس.
والقيامة تجمعنا، فهي تجمع الناس من لدن آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كلهم يقف أمام من بيده الأمر كله، وليس هناك محامٍ ولا استئناف ولا واسطة، وكان سيدنا أبو بكر يقول: يا رب! لا وزير لك فيؤتى، ولا حاجب لك فيرشى، وليس لنا ملجأً إلا إليك.
والله يفصل بيننا، قال رسول الله: (يا
والعلماء توقفوا عند هذا الحديث الذي يخوف، لأن البهائم ليست مكلفة، وإنما كلف الإنس والجن، وهؤلاء هم الذي سيحاسبون يوم القيامة، إذاً فهذا الحديث كناية عن إقامة الحق يوم القيامة، فالملك يومئذ لله سبحانه وتعالى، فالدنيا فيها ظلم، لكن يوم القيامة يقول ربنا: لا ظُلْمَ الْيَوْمَ [غافر:17]، ولذلك جاء في الحديث: (ولو بغى جبل على جبل لدك الله الباغي، ولو نطحت شاة قرناء شاةً جلحاء) أي: لو شاة بقرنين نطحت شاة من غير قرون، (لاقتص الله من هذه لتلك، ثم قال لها: كوني تراباً، فيقول الكافر يومها: يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ:40]) أي: أنه يقول: يا ليتني كنت بهيمة، يا ليتني كنت معزة، يا ليت كنت حماراً؛ حتى ينجو من عذاب الله عز وجل.
اللهم أنجنا من عذابك، وأبعدنا عن نار جهنم، وأدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب، فنحن ضعفاء يا مولانا وقوي يا رب في رضاك ضعفنا، فأحسن عاقبتنا في الأمور كلها يا أكرم الأكرمين، إنك يا مولانا على كل شيء قدير.
فالله يفصل بيننا، وذلك يكون بالحسنات والسيئات، فكل التعاملات يوم القيامة تكون بالحسنات والسيئات، فهو تعالى يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]، و(خائنة الأعين) مثل الذي ينظر خفية ولا أحد يراه، لكن الله يراه، ولذا فـحاتم الأصم قال له ابن أخته: علمني الذي يرضى به عني، فقال له: يا بني هي ثلاث كلمات، قل دائماً: الله ناظر إلي، الله شاهد علي، الله مطلع علي، فالله تعالى يقول: وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59].
ولذلك: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ [ق:4] أي: أن الأرض تأخذ منك اللحم ويبقى العظم، وبعد عشرات السنين تأخذ العظم أيضاً ويبقى عجب الذنب، وعجب الذنب هو آخر فقرة في العصعص.
وهذا الحديث لما عرضناه على علماء الأحياء (البيولوجيا) أسلم سبعة منهم بفضل الله في أحد المؤتمرات، وقال بعضهم: هل قال رسولكم: يفنى من ابن آدم كل جسده إلا عجب الذنب؟ قلنا: نعم، فهذا الحديث موجود في صحيح مسلم ، وهو صحيح رواه أبو هريرة .
فعملوا التحاليل والتجارب فوجدوا كل جسم الإنسان يفنى إلا بعض ذرات من آخر فقرة في العمود الفقري، فهي التي يعرف الإنسان بها، فإذا شاء الله أن يُنفخ في الصور مرة أخرى: فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68].
يقول مولانا جل في علاه: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير:7] أي: إذا عادت الأرواح إلى أبدانها، فلا تذهب روح محمود إلى عبد اللطيف، ولا روح سمير إلى عبد الله أبداً، فكل روح تروح للجسد المخصص لها، فربنا يقول: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ [ق:4] من الذي علم؟ إنه العليم الخبير، فلا تخفى عليه خافية.
والله يفصل بيننا، فلما أرى الموت أمامي فإني أعجل بالتوبة ولا أعمل ذنوباً؛ لأن الله سبحانه يراني، يا رب إن رأيتني أغادر مجالس الذاكرين إلى مجالس الغافلين فاكسر لي رجلي، فإنها نعمة تنعم بها علي، هكذا دعوة الصالحين، اللهم جنبنا المعاصي، يا من يحول بين المرء وقلبه حل بيننا وبين معاصيك، وتب على كل عاص يا رب، واهد كل ضال، واهدنا معهم يا رب العالمين.
ولذلك فإن علياً كان يخاطب ربنا ويقول: ما أوحش الطريق على من لم تكن دليله! وما أضيق الطريق على من لم تكن أنيسه! وهي من الأنس وهو الظهور، أي: ظهرت لنا، فتخيل أن الله آنسك، أي: ظهر لك، فترى الله في كل حركة، فإذا أردت أن تعمل الحرام تذكرت أن الله يراك فتقلع.
إذاً فالمؤمن يكون وقافاً عند حدود الله عز وجل، فما أوحش الطريق على من لم تكن رفيقه، فما دام ربنا ليس دليلاً لك فمن سيكون دليلك! قال الشاعر:
ومن كان الغراب له دليلاً يمر به على جيف الكلابِ
تخيل! واحداً يجعل الغراب دليله فهل سيذهب به إلى مصنع العطور، أو سيأخذه إلى الرمم؟! وفي الحديث: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، فأكثروا من الأخلاء الصالحين؛ فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة، الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67]، اللهم احشرنا في زمرتهم يا رب!
إذاً إذا كان الموت أمامي فإني أعجل بالتوبة ولا أعمل الذنوب، فالعبد المسلم ما دام أن الموت أمامه يبقى نشيطاً في العبادة، فما هو الذي يجعلك تذهب إلى الجامع وتقوم بالليل وتصلي وتقرأ جزءاً من القرآن، وتتقي الله وتغض البصر، وتسد آذانك عن الحرام، لماذا هذا كله؟ لأنك تعتقد أن ربنا قد يميتك فجأة، وما دام سيأخذك فجأة فعليك أن تكون مستعداً للقاء الله.
وقال أهل العلم: لا راحة للمؤمن إلا بلقاء الله عز وجل، أي: أن المؤمن لا يستريح إلا عندما يلقى الله، وهذه المدة قد تطول، فيمكن تلقى الله بعد عشرين سنة، أو بعد سنة، أو بعد أسبوع، أو بعد مائة سنة، فربنا من رحمته جعل لنا لقاءات متكررة؛ من أجل أن نلتقي بالله ونستريح، فلا راحة للمؤمن إلا بلقاء الله.
وربنا لقاؤه يكون غصباً عنك، فمفروض عليك أن تلقاه خمس مرات في اليوم: في الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، فهذه خمسة أوقات تلقى الله فيها، وتقف بين يدي الله فيها، فأنت تتكلم والله يسمع، وأنت تدعو والله يجيب، وأنت تقرأ والله يستمع إليك، ولذلك قال لما يؤذن المؤذن: (يا بني آدم قوموا إلى نيرانكم التي أشعلتموها على أنفسكم بالذنوب وأطفئوها بالصلاة).
فأنت حين تعمل الذنوب فإنها توجب أنك تحترق، فإذا صليت أطفأت تلك النار التي كدت أن تحرق بها نفسك، اللهم أطفئ عنا نيران الدنيا ونيران الآخرة يا رب العالمين.
فإذا كان الموت أمامي فإن الله سبحانه وتعالى سيجعلني نشيطاً في العبادة إلى أن ألقاه، فالجنة تحتاج إلى عبادة، فأنت عندما تأتي إلى الجامع في المغرب فإنك تأتي من أجل عبادة الله، وأن تعمر بيت الله، فتقعد مع الإخوة الصالحين، فتحيط بك الملائكة، وتنزل عليك السكينة، وتأخذ كلمة تهديك وتجعلك في عداد التائبين، والله عز وجل يفاخر بك ملائكته ويقول لك: (يا عبدي أنت عندي كبعض ملائكتي)، وهذه من كرم الله عز وجل عليك.
والمؤمن يكون عنده يقين في الله فلا يحزن، ولا تكتئب من طول الدنيا، ولا تقل: في الشهر القادم من أين سنأكل؟ لا تهم الغد فإنما الغد بيد الله، ومن رزقك اليوم فإنه قادر على أن يرزق غداً.
وقد ضربت لك المثل بالرجل الذي كان يحب اللحمة، فالأطباء قالوا له: لو أكلت لحمة قد تؤدي بك إلى الموت؛ لأن نسبة الكلسترول عندك عالية، فلا تأكل أي نوع من اللحوم، فجاء الرجل وهو غضبان فقلت له: لماذا أنت غضبان؟ قال: أنا محروم من أكل اللحم، فقلت له: أولاً: أنت محروم من أكل اللحم من أجل ألا تنسى إخوانك الفقراء.
العلة الثانية: أنت لك في هذه الحياة تموين عند الله، وهذا التموين له قيمة، يعني: واحد مكتوب له أن يأكل في حياته طناً من اللحم، فأكل تسعمائة وسبعين كيلو، فإنه يبقى له ثلاثون كيلو، ولا زال له في الحياة عشر سنين، فلو أكل على نفس الطريقة أو على نفس هذا المنهاج الذي يمشي عليه فسيأخذ أكثر من نصيبه، لكن لا يكون إلا ما قضى الله في سابق الأزل، فيأتي له مرض يمنعه من أكل اللحمة، هو يظن أن الدكتور هو الذي منعه، أو أن المرض هو الذي منعه، لكن هو لو يفكر لعرف أن تموينه من اللحمة قد انتهى من عند الله عز وجل، فالمسلم يفكر بهذا المنطق، يكون كل تفكيره أنه سائر كما قضى الله له. اللهم اقض لنا بخير يا رب العالمين، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا يا رب العالمين.
والآن سنتكلم على رقية المريض ووصية كل واحد فينا، فإذا مرضت فهذا خير لك، فربنا يبتلي المؤمن على قدر إيمانه، فلو كان إيمانك قوياً فابتلاؤك يكون شديداً، وكلما قوي الإيمان ازداد البلاء، لذا نجد أكثر الناس بلاءً هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.
فكل الأنبياء ابتلاؤهم قوي؛ لأنهم أقرب الناس إلى الله، وأخوف الناس من الله، وأشد الناس خشية من رب العباد سبحانه وتعالى، فتجد ابتلاءهم شديداً قوياً، والسيدة عائشة تقول: وارأساه -أي: عندي صداع- فقال رسول الله: (وارأساه أنا أيضاً يا
وقال الله عن نساء النبي: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ [الأحزاب:32]، ثم حذرهن من الإتيان بالفاحشة: يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ [الأحزاب:30]؛ لأنهن زوجات رسول الله، فما بالك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فربنا يزيد عليه الابتلاء من أجل أن يزيد له الأجر عنده عز وجل.
وموت الفجأة الذي يكون بدون مرض هو أحد حالتين: راحة للمؤمن، وحسرة على الفاجر. اللهم اجعلنا من المؤمنين يا رب.
فخير العباد من طال عمره وحسن عمله، وشر العباد من طال عمره وساء عمله، ولما تأتي تميز أهل الحق وأهل الباطل يوم القيامة فإنك تجد أهل الحق قلة، مثل: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة والتابعين وأبي حنيفة ومالك والإمام الغزالي وابن تيمية وابن قيم الجوزية والجنيد وطائفة من الكبار والعظماء.
وتجد طائفة كثيرة من الفسقة مثل: فرعون وهامان وقارون وأمية بن خلف وأبو جهل ، فأين هؤلاء أين وأين هؤلاء، وأبو جهل كان ينظر إلى ابن مسعود ويعتبره راعي غنم، وكان يقول له: يا رويعي الغنم.
وكان أمية بن خلف ينظر إلى بلال بن رباح على أنه عبد حبشي، لكن هذا العبد بالإسلام يطأ الكعبة المشرفة بكعبه الأسود ليؤذن فوقها، فالإسلام يعز أناساً ويذل آخرين. اللهم أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك يا رب العالمين.
لذلك قال ربنا لنا: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139]، ولا تظن أن أمريكا أعلى أو أن أوروبا أعلى، أنا لا أرى الأمريكان إلا حيوانات سائمة، ولا أرى الأوروبيين إلا خنازير سائمة في الأرض، فهم متقدمون ونحن مقصرون، فهنا ربنا يحاسبنا على قلة أعمالنا الدنيوية التي تعود بالفائدة على المسلمين، لكن رغم ذلك لا أرى الأمريكي غير المؤمن بالله إلا إنساناً نجساً، والأوروبي نفس القضية، فتجد أحدهم طول الأسبوع وهو يجري على الرصيف، ويجري في المواصلات، ويجري إلى العمل وهو متعب، ويرجع في الليل فينام ويصبح في اليوم الثاني يعمل مثل اليوم السابق، فتراه يسابق الزمن ويطلع فوق الجبال ويتزحلق، ويلعب الرياضة العنيفة، وحياته منتهية على هذه الصورة، وكل آماله محددة؛ لأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.
وأما أنت فمسجون في الدنيا فتمنع نفسك من أشياء لا يحبها الله ولا رسوله، ويوم القيامة عند الله يكون الجزاء.
اللهم أحسن خاتمتنا يا رب على الإسلام.
فإذا مرض العبد فإنه يضاعف ثوابه، وتعال هنا نعيش مع رسول الله في اللحظات الأخيرة، ونرى الوصية التي أوصى بها، ونرى أبا بكر أيضاً، ثم نذكر الوصية التي نحب اليوم أن نتكلم فيها إن شاء الله، ونذكر بعد ذلك زيارة ملك الموت للمسلم وللمسلمة، عسى رب العباد أن يختم لنا ولكم بالإسلام.
لقد اشتد على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الألم في أواخر أيامه، ولم يستطع أن يخرج للصلاة بالمسلمين، حتى إنهم كانوا يسندونه فتخط قدماه على الأرض، وهذا دليل على أن رجليه تثقله ولا يقدر على رفعهما صلى الله عليه وسلم، وهذا نوع من الألم.
وبعض الناس يقول لك: أنا مريض منذ خمس عشرة سنة، وأنا أقول يا رب وما زلت كما أنا، فنقول: هل أنت أشرف عند الله من رسول الله؟ ثم قال رسول الله: (مروا
وهذا لا يعني أن الرجل لا يأخذ بمشورة زوجته إذا كانت صائبة، فالرسول لم يأخذ بكلام السيدة عائشة ؛ لأنها لم تصب في كلامها، وأمْر الرسول غير أمرك أنت.
فامرأتك لو تحب أن تناقشك فناقشها، وأنزلها منزلتها، والمرأة في كثير من أمورها تقدم العاطفة على العقل، فطبيعتها وتركيبها هكذا، فتجدها تبكي من غير حاجة أحياناً، إذاً فالحنان الذي عندها لابنها لما تقوم له في الساعة الثالثة في الليل جاء من العاطفة، وأنت يمكن تتضايق من الولد إذا بكى ثلاث دقائق فقط، وأما هي فربنا وضع فيها هذا الحنان، وسوف يجزل لها العطاء إن هي صبرت، ولذلك ذهبت إحدى النساء إلى الرسول فقالت: يا رسول الله لقد أخذ الرجال الثواب كله، يصلون معك، ويذهبون يحاربون، ويحجون معك، ونحن قاعدات في البيوت نربي العيال، وننظف البيوت، ونعمل الأكل، وتغسل اللبس، ألا لنا من خير؟ انظر المرأة الناصحة تبحث عما يقربها إلى الله.
فقال لها: (حسن تبعل إحداكن لزوجها يعدل ذلك كله) أي: طاعتها للزوج، وأدبها مع الزوج، وانخفاض صوتها مع الزوج، ورضاها بالزوج، كل هذا يعدل الحج والجهاد والخروج مع رسول الله.
قال: (وقليل منكن من تصنعه)، وصدق رسول الله، فطالما المرأة عرفت طريق المسجد فانتظر منها خيراً، فلو أتيت بها إلى الجامع وتسمع له كلمتين فذلك خير لها ولك.
فذهب الرجل يبحث عن أبي بكر فلم يجده ووجد عمر ، فقال: يا عمر ! قال له: نعم، قال: صل بالناس، فسيدنا عمر رأى رجلاً خارجاً من غرفة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول له: صل بالناس، إذاً فالأمر هذا جاء من الداخل، فصلى بالناس صلاة المغرب وصوته عال، فقال رسول الله: (صوت من هذا؟ فقالوا: هذا
فسيدنا عمر سمع هذا الكلام بعد الصلاة فارتعب، فدخل على رسول الله وقال: هذا الرجل هو الذي قال لي، فقال الرجل: لم أجد أبا بكر، ولم أجد أولى بالصلاة بعد أبي بكر من عمر ، وهكذا ترتيبهم فـأبو بكر مكان سيدنا رسول الله يصلي بالناس، وعمر يصلي مكان أبي بكر، ويمشي هذا الترتيب حتى في العشرة المبشرين بالجنة، فـأبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، وهؤلاء هم الخلفاء الأربعة الراشدون بنص الحديث.
فـأبو بكر صلى بالناس سبعة عشر فرضاً، أي: صلى بهم ثلاثة أيام وفرضين، إذا فالرسول لم يصل بالناس الأيام الثلاثة الأخيرة، وفي يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول وهو اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى أبو بكر بالناس صلاة الصبح، وهذا كان الفرض السابع عشر، ودخل يعود رسول الله وهو مريض صلى الله عليه وسلم، فوجد سيدنا أبو بكر الحبيب المصطفى صحته جيدة وهو قاعد، وقد كان لا يقدر على القعود، فـأبو بكر استبشر خيراً وفرح، وكان في صلاة العشاء التي قبلها قد نادى العباس والفضل بن العباس فاستند عليهما وخرج إلى المسجد فوجد المسجد مليئاً بالناس، فمن فرحته نسي الألم صلى الله عليه وسلم وذهب يدخل في الصلاة، فصفق الناس لـأبي بكر من أجل أن ينتبه لرسول الله، وأنت عندما تقعد في الروضة الشريفة أمام قبلة سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم ستجد القبر الشريف على شمالك، وقد كان المكان هذا عند الحاجز الألمنيوم الذي وضعوه، فقبله بمتر بالضبط هذا هو المتر الذي كان يطلع منه سيدنا الحبيب على القبلة، فكان سيدنا الحبيب يخرج وهو يمشي أمام المسلمين، يعني أمام أول صف فيخرج من الغرفة ويقعد في القبلة، فلما خرج رآه الصحابة، لأنه يمشي أمامهم، وأما أبو بكر فلم يره لأنه يصلي، فسيدنا أبو بكر أول ما حس أن هناك شيئاً التفت فلمح سيدنا رسول الله، فأراد أن يتأخر، فإذا بالرسول يقدمه مرة أخرى، والرسول صلى مأموماً خلف اثنين: خلف جبريل، وخلف أبي بكر .
فقد صلى خلف جبريل عندما كان يعلمه مواقيت الصلاة، فلما فرضت الصلاة كان سيدنا جبريل ينزل ساعة أذان الفجر فيصلي به ركعتين، ويقول له: هذا الصبح، وقبل شروق الشمس بلحظات يصلي به ركعتين، ويقول له: هذا وقت الصبح.
وجاء في وقت الظهر فصلى به الظهر، وقال له: هذا وقت الظهر، فهذا أول الوقت وهذا آخر الوقت، ثم العصر وجميع الصلوات يصلي به، فقد كان يصلي بالرسول مرتين كل فرض حتى تعلم رسول الله الصلاة صلى الله عليه وسلم، فصلى مأموماً متعلماً خلف جبريل، وصلى مأموماً خلف أبي بكر ؛ كي تظهر مكانة أبي بكر عند رسول الله وعند الله عز وجل.
رضي الله عن أبي بكر ، اللهم احشرنا في زمرة الصالحين يوم القيامة يا رب العالمين.
وصية رسول الله لأبي بكر
فانظر إلى تواضع سيدنا رسول الله، (الحي أولى بالجديد من الميت)، ثم قال: (يا
قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
صلى الإله ومن يحف بعرشه والطيبون على النبي محمدِ
فخرج سيدنا أبو بكر ، وخرج سيدنا عمر ، وخرج سيدنا عثمان ، ومشى سيدنا علي بعد قليل، فقال رسول الله: (يا
وقد ترك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن والسنة، وقد تكفل الله بحفظهما، فهذا القرآن أوامره وأحكامه باقية، فهو كتاب أنزله الله على قلب رسوله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالله قد تكفل بحفظه وحفظ سنة حبيبه، فإذا تمسكنا بهما فلن نضل أبداً. اللهم اجعلنا من العاملين بهما يا رب العالمين.
فخرجت السيدة عائشة والسيدة فاطمة ، ثم قال ملك الموت: يا رسول الله! والله ما استأذنت على أحد أبداً إلا أن الله أمرني أن أستأذن عليك، قال: دعني حتى أكلم جبريل، فقال جبريل: نعم يا رسول الله، فقال له: (يا جبريل من لأمتي من بعدي؟).
فهذا أهم شيء كان يهم حبيب الله، حتى إنه قال: (لن يحن عليكم بعدي إلا الرحماء)، فلا أحد سيحن عليكم إلا من كان يعرف ربنا ويتخلق بأخلاق الله، اللهم اجعلنا من الرحماء.
فقال الله: (يا جبريل نبئ محمداً أننا لن نسوءه في أمته أبداً، وسوف نرضيه فيهم، فقال رسول الله: يسوؤني يا جبريل واحد منهم يعذب في النار، قال: بشر محمداً أن كل من قال: لا إله إلا الله فلن يخلد في النار). اللهم اجعلنا من أهل لا إله إلا الله، أحينا عليها، وأمتنا عليها، وابعثنا عليها آمنين مطمئنين يا رب العالمين.
وبعد لحظات نادى على فاطمة وعلى عائشة فرأى فاطمة في حالة ذهول وكرب شديد، فقالت: (واكرباه عليك اليوم يا أبتاه! قال: يا
فكذبوه وكانوا يضعوا أمامه القاذورات وعلى عتبته، وكانوا يضعون سلا الجزور على ظهره، وكانوا يذلون أصحابه ويجرونهم على الرمضاء ويعذبونهم، ثم جعلوه يترك مكة بعد ثلاث عشرة سنة من الدعوة، فذهب إلى المدينة وأصحابه هاجروا إلى الحبشة، ثم حاربوه وقاتلوه في غزوات متواصلة لم يسترح فيها قط.
قال لها: (لا كرب على أبيك بعد اليوم، لقد خيرني جبريل بين الخلود في الدنيا وجوار الرفيق الأعلى، فاخترت جوار الرفيق الأعلى، يا
صبر أبي بكر بعد موت النبي
قال سيدنا عمر : وكأني أسمع هذه الآية لأول مرة، فهدأ أبو بكر الصحابة، ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشف عن وجهه الشريف وقبل جبينه، وقال: طبت حياً وميتاً يا رسول الله، وانقطع لموتك ما لم ينقطع بأحد من الرسل من قبلك.
يعني: أن الأنبياء والرسل كانوا إذا مات الواحد منهم كان جبريل ينزل مرة أخرى بعده إلى الأرض، وجبريل عندما دخل على سيدنا الحبيب في آخر حياته قال له: لن يسوؤك ربنا في أمتك، وبكى جبريل، فقال: لماذا تبكي يا جبريل؟! قال: هذه آخر مرة أنزل فيها إلى الأرض، على من أنزل بعدك يا رسول الله؟ فقد انقطع الوحي وتمت الرسالة، واكتمل الكتاب، وأكمل الله الدين، وأتم النعمة، وقضي الأمر.
فهذا معنى: وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من النبيين من قبلك.
وقال سيدنا علي : كنت أمشي ذات مرة بالليل في ثاني يوم انتقل فيه الرسول للرفيق الأعلى، فوجدت عمر قاعداً إلى جنب القبر الشريف ويبكي ويقول: يا رسول الله! لو آكلت كفؤاً لك ما آكلتنا، ولو جالست كفؤاً لك ما جالستنا، ولو تزوجت كفؤاً لك ما تزوجت منا، ولكن تواضعاً منك جالستنا وآكلتنا وجلست معنا، والله ما أحد أشرف على الله عز وجل منك يا رسول الله!
فانظر إلى حب الصحابة للرسول كان كيف؟ وانظر أيضاً إلى هذه الدرجة العظيمة للرسول صلى الله عليه وسلم.
تغسيل رسول الله بعد موته
فغسلوه، وكانت رائحته مسك صلى الله عليه وسلم من غير أن يضعوا له طيباً، فمن السنة أن نطيب الميت.
دفن رسول الله
فمن السنة أنك عند الدفن تحثو على جسد الميت فوق الكفن ثلاث حثيات، والإنسان لو يفكر في حاله وفي مآله وفي مصيره فإنه لا يتكبر ولا يظلم ولا يفتري ولا يفسق ولا يذنب، نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم من أهل عليين، وأن يجعل قبورنا روضة من رياض الجنة.
فتحثو على الميت ثلاث حثيات، وتقول في أول حثية: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ [طه:55]، وفي الثانية تقول: وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ [طه:55]، وفي الثالثة: وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55].
فلما رجعوا دخل سيدنا أنس يطمئن على السيدة فاطمة فالسيدة فاطمة لاقت أنس بشيء من الألم والأسى، فقالت: أطابت أنفسكم أن تحثوا التراب على وجه رسول الله؟! فقال: هكذا أمرنا يا أم الحسنين أي: هو الذي أمر بهذا وعلمنا السنة صلى الله عليه وسلم، وجزاه الله عنا خير الجزاء وخير ما جازى نبي عن أمته.
اللهم اسقنا بيده الشريفة شربة من حوض الكوثر لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم أسكنا معه في الفردوس الأعلى يا رب العالمين، إنك يا مولانا على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.