صفات أهل الغربة


الحلقة مفرغة

الغربة العامة وصفة أهلها

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أوضح الحجة، وأتم المحجة، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كفر الكافرون.

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.

أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون! إننا نعيش عصر الغربة الذي أخبرنا به الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم عندما قال: (إن هذا الدين سوف يعود غريباً كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله! قال: المستمسكون بسنتي عند فساد أمتي).

من هم أهل الغربة؟ من هي الفرقة الناجية التي حدثنا عنها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وصحابتي).

فالغربة ثلاثة أقسام:

غربة عامة، وغربة خاصة، وغربة أخص.

فالغربة العامة: هي التي يحياها المسلمون في العالم اليوم.

والغربة الخاصة: هي التي تحياها الفرقة الناجية التي تحدث عنها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

والغربة الأخص: هي غربة الفرقة المنصورة التي وعدها رب العباد سبحانه وتعالى بالتمكين في الأرض، وبالنصر على العدو.

ما صفات هذه الغربة العامة؟ وما صفات الغربة الخاصة؟ وما خصائص الفرقة المنصورة؟ وما هي أخلاقيات جيل النصر الذي نتوخاه في شبابنا، وفي نسائنا، وفي كبارنا وصغارنا، بعد أن رمانا أعداؤنا عن قوس واحدة من خارج دول الإسلام ومن تلاميذهم في داخل دول الإسلام؟

نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، بعز عزيز أو بذل ذليل، اللهم انصر دينك يا رب العالمين.

هذه غربة عامة يحياها المسلمون في العالم اليوم، فقد اجتمع العدو الحاقد الذكي مع بعض الأغبياء من المتمسلمين في جعل الإسلام غريباً على هذا المجتمع، والمجتمع العالمي الذي يريد أن يصف نفسه بالحرية والإخاء، والنزعة الإنسانية العالمية، والشرعية الدولية.

إننا نحيا غرباء في هذا العالم، فقد أخذوا الفتات المتساقط من حول موائدنا عبر التاريخ وأنشئوا به حضارات، ثم بعد ذلك امتصوا دماءنا، وأخذوا خيراتنا، واستعمروا بلادنا الإسلامية، وكانت بلادنا كلها من الهند شرقاً إلى الأندلس غرباً عبارة عن أماكن للمصانع والمنتجات الأوروبية فالغربية، المواد الخام تؤخذ من بلادنا لتصنع هناك وليعاد بيعها مرة أخرى لنا بالملايين، وبعد أن كنا دائنين صرنا مدينين، وبعد أن كنا أقوياء صرنا ضعفاء.

فلقد تداعت الأمم علينا كما نبأنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (سوف تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، تنزع المهابة من قلوب عدوكم لكم، وتصابون بالوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الحياة وكراهية الموت).

حتى إن كل إنسان منا يقول: أنا أريد أن أربي عيالي وأنفق على أسرتي، فلا أريد مشاكل، وأنا أصلي في مسجد قريب؛ لكي لا تأتي إلي مشكلة، وعندئذ أصبنا بالوهن؛ لأننا أحببنا أن نخلد في الحياة الدنيا كهذا الذي أخلد إلى الأرض، وترك آيات ربه، قال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:175-176].

اللهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، القائلين الحق ولا يخافون فيك يا رب العالمين لومة لائم، إنك على ما تشاء قدير.

هذه غربة عامة نحياها كمسلمين، وينظر العالم اليوم إلى عالمنا الإسلامي على أنه العالم الثالث، يعني: العالم الأخير، لأنه ليس هناك عالم رابع، فنحن في ذيل قائمة الأمم، وفي المقابل نحن في أول الأمم الفقيرة المتنافرة المتناحرة على كراسي الحكم، وعلى أمور ما أقرها كتاب الله، ولا أقرتها سنة الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم.

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أوضح الحجة، وأتم المحجة، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كفر الكافرون.

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.

أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون! إننا نعيش عصر الغربة الذي أخبرنا به الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم عندما قال: (إن هذا الدين سوف يعود غريباً كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله! قال: المستمسكون بسنتي عند فساد أمتي).

من هم أهل الغربة؟ من هي الفرقة الناجية التي حدثنا عنها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وصحابتي).

فالغربة ثلاثة أقسام:

غربة عامة، وغربة خاصة، وغربة أخص.

فالغربة العامة: هي التي يحياها المسلمون في العالم اليوم.

والغربة الخاصة: هي التي تحياها الفرقة الناجية التي تحدث عنها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

والغربة الأخص: هي غربة الفرقة المنصورة التي وعدها رب العباد سبحانه وتعالى بالتمكين في الأرض، وبالنصر على العدو.

ما صفات هذه الغربة العامة؟ وما صفات الغربة الخاصة؟ وما خصائص الفرقة المنصورة؟ وما هي أخلاقيات جيل النصر الذي نتوخاه في شبابنا، وفي نسائنا، وفي كبارنا وصغارنا، بعد أن رمانا أعداؤنا عن قوس واحدة من خارج دول الإسلام ومن تلاميذهم في داخل دول الإسلام؟

نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، بعز عزيز أو بذل ذليل، اللهم انصر دينك يا رب العالمين.

هذه غربة عامة يحياها المسلمون في العالم اليوم، فقد اجتمع العدو الحاقد الذكي مع بعض الأغبياء من المتمسلمين في جعل الإسلام غريباً على هذا المجتمع، والمجتمع العالمي الذي يريد أن يصف نفسه بالحرية والإخاء، والنزعة الإنسانية العالمية، والشرعية الدولية.

إننا نحيا غرباء في هذا العالم، فقد أخذوا الفتات المتساقط من حول موائدنا عبر التاريخ وأنشئوا به حضارات، ثم بعد ذلك امتصوا دماءنا، وأخذوا خيراتنا، واستعمروا بلادنا الإسلامية، وكانت بلادنا كلها من الهند شرقاً إلى الأندلس غرباً عبارة عن أماكن للمصانع والمنتجات الأوروبية فالغربية، المواد الخام تؤخذ من بلادنا لتصنع هناك وليعاد بيعها مرة أخرى لنا بالملايين، وبعد أن كنا دائنين صرنا مدينين، وبعد أن كنا أقوياء صرنا ضعفاء.

فلقد تداعت الأمم علينا كما نبأنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (سوف تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، تنزع المهابة من قلوب عدوكم لكم، وتصابون بالوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الحياة وكراهية الموت).

حتى إن كل إنسان منا يقول: أنا أريد أن أربي عيالي وأنفق على أسرتي، فلا أريد مشاكل، وأنا أصلي في مسجد قريب؛ لكي لا تأتي إلي مشكلة، وعندئذ أصبنا بالوهن؛ لأننا أحببنا أن نخلد في الحياة الدنيا كهذا الذي أخلد إلى الأرض، وترك آيات ربه، قال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:175-176].

اللهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، القائلين الحق ولا يخافون فيك يا رب العالمين لومة لائم، إنك على ما تشاء قدير.

هذه غربة عامة نحياها كمسلمين، وينظر العالم اليوم إلى عالمنا الإسلامي على أنه العالم الثالث، يعني: العالم الأخير، لأنه ليس هناك عالم رابع، فنحن في ذيل قائمة الأمم، وفي المقابل نحن في أول الأمم الفقيرة المتنافرة المتناحرة على كراسي الحكم، وعلى أمور ما أقرها كتاب الله، ولا أقرتها سنة الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم.

إننا نستطيع أن ندفع غربتنا العامة هذه وأن نردها، وألا نعتبر أنفسنا غرباء، ويجب علينا كمسلمين أن نحمل راية قيادة العالم كله، فنحن أهل التوحيد، ونحن أصحاب الدين الذي أراده الله للعالمين ديناً، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

ومَن مِن أفراد العالم، ومن أمم العالم، ومن حضارات العالم على مر التاريخ أولى برفع الراية وأخذ زمام المبادرة، وقيادة العالم إلى رب العالم سبحانه وتعالى من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟!

هذه الأمة التي كانت تعيش شتاتاً في جزيرة العرب، فجاء الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فوحدها تحت راية التوحيد، وقادها إلى النصر، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، ما شعر المسلمون الأول من الصحابة والتابعين بغربة، وإنما الذين يشعرون بغربة هم الذين تناحروا وتنافسوا على الحكم، والذين بعدوا عن رب العباد سبحانه، والذين تركوا التوراة والإنجيل وألقوها خلف ظهورهم من قبل، فما كان أولى من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بقيادة زمام العالم، وما كان أولى من سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن تكون نبراساً لهذا العالم.

إن دفع هذه الغربة يقتضي خمسة أمور:

الأمر الأول: ألا يتنازع بعضنا مع بعض، قال تعالى: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46].

الأمر الثاني: أن نكون أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، ونحن مازلنا أعزة -للأسف- على المؤمنين، وأذلة على الكافرين والعياذ بالله رب العالمين، فنتهم كثيراً من دول الإسلام الموحدة أنها هي التي تصدر لنا الإرهاب وغيره، ونمالئ دولاً أخرى وهم الإرهابيون الحقيقيون.

الأمر الثالث: أن يحمل كل واحد من المسلمين الذكور والإناث الصغار والكبار هم الإسلام، فإذا كان لك من الأبناء ثلاثة فاعتبرهم أربعة؛ لأن الإسلام هو ابنك الأول، وإذا كان لك من الأبناء خمسة فاعتبرهم ستة؛ لأن الإسلام أولى بالرعاية، فلا بقاء لنا في العالم إلا بإسلامنا؛ ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم أن تسلم مفاتيح بيت المقدس: كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غير الإسلام أذلنا الله.

وقالها ربعي بن عامر رضي الله عنه عندما سأله قائد الفرس: ما الذي جاء بكم وأخرجكم من أرض الجزيرة؟ قال: إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وأن نخرج الناس من جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.

هكذا دفعوا الغربة؛ لأنهم صاروا على قلب رجل واحد، وسمعوا كلام الله عز وجل: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103].

وسمعوا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم: (من فارق الجماعة فاقتلوه) هكذا أمرنا الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم أن نكون على قلب رجل واحد.

الأمر الرابع الذي ندفع به غربتنا: أن تكون دولنا عادلة مع نفسها، عادلة بين حكامها ومحكوميها، بين رؤسائها ومرءوسيها، بين ملوكها ومملوكيها، عندها يتحقق العدل، وتزول الغربة، ولقد صدق شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه حين قال: إن الله لينصر الدولة الكافرة العادلة، ويهزم الدولة المسلمة الظالمة.

هذه حقيقة واقعية، فالله عز وجل لا يحابي أحداً، وهذه سنة الله في خلقه، فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر:43].

يجب أن نكون منصفين مع أنفسنا، يجب أن يكون الواحد منا منصفاً مع نفسه، وأن يقتص من نفسه، وأن يكون إنساناً عادلاً مع نفسه وغيره، لا يبحث عن حقوقه فحسب، بل يبحث عن واجباته، بذلك نستطيع أن ندفع الغربة.

أضيف أمراً آخر ندفع به غربتنا وهو: أن نتمسك بأعالي الأمور ونترك سفاسفها، ونتفوق في مجالات الحياة، فليتفوق الطالب في دراسته، وليتفوق المهندس في هندسته، وليتفوق الطبيب في طبه، وليتفوق الحرفي في حرفته، عندئذ نأخذ زمام المبادرة مرة أخرى.

نحن أولى من اليابان، وأولى من جنوب شرق آسيا، وهونج كونج، وسنغافورة، وغيرها من عبدة التماثيل، فهؤلاء لما تمسكوا بالأسباب أعطاهم رب العباد سبحانه وتعالى الأسباب كلها.

وديننا يأمر بالعمل، ويأمر بالإخلاص، ويأمر بالصدق، ويأمر بالعلم، ويأمر بعدم التفرق، فما بالنا نتفرق ولا نأخذ مأخذ الجد في العلم، ونرى طلابنا يركضون في المدارس والجامعات ولا يهتمون بالدروس، ونرى أساتذتنا لا يخلصون فيما يدرسون، ونرى أطباءنا جشعون فيما يأخذون، ونرى كثيراً من محامينا ينصبون على الموكلين، ونرى كثيراً من أصحاب المهن يستغلون مهنتهم في إذلال الناس، وأصحاب الجاه يستغلون جاههم في ما لا يحل لهم.

إذاً: فلابد لنا إن أردنا أن ندفع غربتنا وأن نأخذ زمام المبادرة أن نعمل وأن نكد وأن نخلص، وأن نجتهد كل في مكانه، لا تحمل الأمر على العلماء، أو على الأمراء، أو على الحكام، نعم كل واحد سوف يحمل ما وكل إليه أمام رب العباد يوم القيامة، وفي الدنيا أيضاً، لكن أنت أخا الإسلام كن عملياً بأخذ زمام العمل الجاد، وبذلك ندفع الغربة العامة عن المسلمين.

النوع الثاني من الغربة: غربة الخاصة، وهي غربة الفرقة الناجية.

والفرقة الناجية لها خصائص منها: أنها فرقة موحدة لله حق التوحيد، وفرقة ليس بينها وبين الله واسطة، وفرقة تأخذ من الكتاب والسنة، وفرقة مستقيمة على طريق الله صابرة مصابرة، وفرقة تملأ بيوت الله عز وجل وتعمرها، وفرقة تريد نصر الإسلام، وفرقة تأخذ على عاتقها نبذ الخلافات والانحرافات والفسوق والعصيان، وفرقة تبعد نفسها عن البدع، وفرقة لا تطبق من الدين شيئاً وتترك شيئاً آخر، وإنما تأخذ الأمر كله؛ لأنها تعلم أن كل أمر بيده سبحانه وتعالى، وهي فرقة تنتهي عند نهي رب العباد سبحانه وتعالى، وفرقة تحمل هم الإسلام.

هذه بعض خصائص الفرقة الناجية.

وتشعر هذه الفرقة أنها غريبة في مجتمعها، فإذا رأيت زوجة قد أكرمها الله عز وجل بنقاب أو حجاب، عندئذٍ نرى أنها منبوذة في العائلة، وبالذات بعض العائلات التي تسمى بـ (الإتكيت) أو (الفيتي فايتي) أو المجتمعات التي قد طمست بصائرها، وصارت وراء الغرب حذو القذة بالقذة، حتى لو دخل الغرب جحر ضب لدخلوه خلفهم.

فهؤلاء لو قال لهم رجال الأزياء في أوروبا: إن قميص الرجل يكون تثني ياقته هذا العام هكذا، فإذا بهذه الفرق في بلاد الإسلام تثني ياقة قميصها كما قال مصمم أو مبعوث الأزياء الفرنسي أو الأوروبي.

وإذا قال لنسائهم: قصرن الفساتين، قصرت الفساتين، وإذا قال لبناتهم: البسن أسورة عليها صورة كذا، أو افعلن وشماً شكله كذا، لفعلن ما أمرن به.

لكن لو قال الله أو قال الرسول صلى الله عليه وسلم لهؤلاء: افعلوا كذا، أو لا تفعلوا كذا، لما فعلوا ما أمروا به، ولأعرضوا عن كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وكأن هؤلاء لم يسمعوا قول الله عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].

وكأنهم لم يقرءوا قول الله عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36].

فهؤلاء ما فتحوا كتاب الله ليقرءوه، حتى وإن قرءوه فإنه لا يجاوز تراقيهم، فهم يفتحون فيقرءون عن الربا، ويقرءون عما حرم الله، وإذا بكل واحد منهم يريد أن يقنع نفسه بما لا يحل له، يريد أن يضعها في رقبة عالم ليخرج منها سالماً.

لن تسلم يوم القيامة إلا إذا خلصت نفسك من هذه الانحرافات وهذا الهوى الذي يحكمك ويحكم عقلك وقلبك، يجب أن يكون هواك تبعاً لما جاء به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

دخل الرسول عليه الصلاة والسلام فرأى أبا بكر رضي الله عنه يقرأ ويصلي ويخفض صوته، ورأى عمر رضي الله عنه يقرأ فيرفع صوته، فقال: (يا أبا بكر! لم لا ترفع صوتك في الصلاة؟ قال: أسمعت من ناجيت يا رسول الله، ثم قال: وأنت يا عمر لم ترفع صوتك؟ قال: أوقظ الوسنان -أي: النائم-، وأطرد الشيطان).

فاسمع ماذا قاله المربي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم، قال: (يا أبا بكر ! ارفع صوتك قليلاً، ويا عمر اخفض صوتك قليلاً) فالرسول صلى الله عليه وسلم حقق أمرين:

الأمر الأول: العمل بما جاء في كتاب الله عز وجل: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا [الإسراء:110].

الأمر الثاني: أنه جعل هواهما تبعاً لمراد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.

يعني: أن الإنسان لا يصنع ديناً من عنده، فالدين قد أحكمه الحكيم عز وجل، وأنزله على قلب حبيبه صلى الله عليه وسلم؛ ليكون للعالمين بشيراً ونذيراً صلى الله عليه وسلم.

إذاً: الفرقة الناجية هي فرقة غريبة في مجتمعها، تجد الأب يعيب على الولد الملتزم، وعمه يعيب عليه، وخاله يعيب عليه، وأخوه الأكبر يأمره بحلق اللحية، ويقول: لا داعي للصلاة في المسجد.

يقول هؤلاء المتمسلمون: نعم، نحن نعرف أن هذا حق، وأن هذا واجب، وأن هذه سنة مؤكدة، وأن هذا كذا، وأن هذا كذا، لكن الظروف لا تسمح بالتزام ذلك، والدين بالعقل وليس بالتهور والتشدد، هكذا يقولون.

فهؤلاء يريدون أن يحققوا البدعة، وأن يجنبوا السنة بعيداً، ولكني أقول: إن طائفة من أمة محمد ستظل قائمة على الحق، لا يضرها من خالفها حتى تقوم الساعة. اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.

كيف ترد الفرقة الناجية غربتها في مجتمع الإسلام؟

أولاً: بأنها تظهر صورة الإسلام الحسنة، وذلك بنبذ العنف.

ثانياً: المجادلة بالتي هي أحسن، وبالحكمة وبالموعظة الحسنة، يعني: أن يجادل الإنسان كما جادل الخليل إبراهيم عليه السلام أباه آزر ، وكما جادل الأنبياء أتباعهم، بالحكمة والموعظة الحسنة، وكما جادل الدعاة الأول الذين يريدون أن يصل كلام الله عز وجل إلى أسماع من يجادلونهم.

ثالثاً: أن تظهر أصول الإسلام، فأصول الإسلام كثيرة، منها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أصول الإسلام: أن يسلم الناس من لسانك ويدك، وأن يسلم الناس منك على أعراضهم ودمائهم وأموالهم، وأن يعيش المجتمع في سلام، وأن يقبل كل واحد منا الحق غير متعتع، فلا بورك في أمة ضاع فيها حق الضعيف، وضاع فيها حق الإنسان الذي لا ناصر له إلا الله عز وجل.

أيضاً من وسائل دفع غربة الفرقة الناجية في أرض الإسلام أو بين ذويهم من المسلمين: أن يعلم كل واحد منهم أن الناس ما بين مبتلىً ومعافىً، فليحمد الله على العافية، وليرحم أهل البلاء، وليعلم أن الذين يعيبون على التيار الإسلامي من علمانيين وشيوعيين وغيرهم أن هذا هو صراع الحق مع الباطل، وما علينا إلا أن ندافع عن ديننا، وأن نوضح أن ديننا إنما هو كتاب وسنة، عقيدة وشريعة، مصحف وسيف، هكذا فهمنا من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.