المحاسبة


الحلقة مفرغة

الحمد لله حمد عباده الشاكرين الذاكرين، وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبعد:

مرتبة المحاسبة ينظر إليها من ناحيتين: من ناحية العناية، ومن ناحية الجناية، والجناية منك، والعناية من ربك، ونحن في حالة من حالات الجناية، فالذنب عبارة عن جناية، وفي القانون الوضعي هناك مخالفة وهناك جنحة، وهناك جناية، وأما في النصوص الإلهية فهناك لمم وصغائر وكبائر.

إن العبد قد يجني على نفسه، وقد يكون جانياً على غيره، والجناية على النفس فيها أقوال، والجناية على الغير فيها قول واحد.

جناية العبد على نفسه

إن الجاني على نفسه هو إنسان ضيع أيامه الخمسة، فالعبد له خمسة أيام: يوم مفقود، ويوم مشهود، ويوم مورود، ويوم موعود، ويوم ممدود.

فاليوم المفقود هو اليوم الذي ضاع منك ومضى، واليوم المشهود: هو اليوم الذي تعيش فيه حاضراً، فيومك من الساعة الخامسة والنصف إلى أن ينتهي هذا اليوم، والله أعلم من الذي سيبقى منا إلى المغرب، ومن الذي سيتوفاه رب العباد، والله أعلم ماذا سيحدث فيه من أخبار، نسأل الله أن يجعل يومنا أفضل من أمسنا، وأن يجعل غدنا خيراً من يومنا، وأن يحول حالنا إلى أحسن حال.

وقد روي في الأثر: من كان يومه خيراً من أمسه فهو سعيد، ومن كان يومه أسوأ من أمسه، أو غده أسوأ من يومه فهو مغبون. أي: مظلوم ظلم نفسه، إذاً: فظلم النفس نوع من أنواع الجناية.

واليوم المورود: يوم غد.

واليوم الموعود: عند مجيء ملك الموت فيقفل الحساب، قال تعالى: إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا [مريم:84].

فهناك ملك يعد الحسنات وملك يعد السيئات، قال الله تعالى: أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة:6]، وقال تعالى: لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49]، فالله سبحانه وتعالى سيحاسبنا، لكن من فضله أنه يخفف حسابه عنا، ويفتح مجالات للرحمة.

فالمغبون هو الذي جنى على نفسه وضيع أيامه الخمسة، هذه هي الجناية.

عناية الله سبحانه بالعبد

وهناك عناية، فربما فتح لك باب العمل وأغلق عليك باب القبول والعياذ بالله، وربما أتاك الله بالذنب لتتوب، فكان سبباً للوصول.

فقد يأتي الخير من داخل الشر، والعبد لا يعلم خواتيم الأعمال كيف ستأتي، فلو افترضنا على سبيل المثال أن هناك رجلاً أميناً على خزينة في محل، ففي آخر اليوم يغلق الحساب ويقول: وجد في الخزينة في هذا اليوم سبعمائة جنيه، وصرف منها ثلاثمائة جنيه، فكان الباقي أربعمائة جنيه مثلاً، فيقيد ذلك عنده على أنه حساب يومي.

وقد يجلس مع صاحب العمل بعد أسبوع، فيقول: جمعنا في هذا الأسبوع أربعة آلاف جنيه، وصرفنا ألفين وخمسمائة جنيه، وبقي لك في الخزينة ألف وخمسمائة جنيه.

فالمسألة مسألة مقاصة، وحساب يومي، ومن ثم حساب أسبوعي، وهناك حساب شهري، وهناك حساب سنوي يسمى بالميزانية؛ ليعطي الضرائب نصيبها.

ومن الأمور العجيبة أن المسلمين يسألون العلماء كيف يدفعون زكاة أموالهم، فإذا قيل لأحد المسلمين: عليك مثلاً ألف جنيه زكاة، يقول: اجعلها ألفاً ومائة جنيه، أو ألفاً ومائتي جنيه، فالمزكي يزكي ويزيد.

ولكن إذا رأى الناس رجل الضرائب، أو مكتب محاسبة فإنهم يسألونه: كيف يتهرب أحدهم من الضرائب، ولكن لا يوجد أحد يحاول أن يتهرب من الزكاة بل تراه يدفع أكثر.

إذاً: من واجب الحكومة أن تراجع الحسابات، فتقول: ما الذي جعل الناس يرغبون في الدفع أكثر في الزكاة والضرائب يحاولون التهرب منها؟

الجواب: لأن الناس يشعرون أن مال الزكاة يصل إلى مستحقيه، وأنه أمر من الله عز وجل، وأن زكاة المال إن زاد الواحد عن النصاب الذي كتب عليه إنما هو في ميزان حسناته، وأنه يثق أنه يوضع في مصارفه الطبيعية التي يرضاها رب العباد سبحانه.

وأما في مسألة الضرائب فهو لا يشعر بالمسألة هذه.

إذاً: فهذا هو الفرق بين قانون الله الذي ليس عليك رقيب فيه إلا يقينك وقلبك الناصع، وإيمانك الراسخ بالله، وبين قوانين الدنيا، فإنه لا يمكن لأحد أن يجعل على كل شخص مأمور ضرائب يقف فيحاسبه حساب الملكين.

ففي قوانين الدنيا يستطيع الإنسان أن يتهرب، ولكن في قوانين الآخرة وبالإيمان يدفع الإنسان أكثر مما يطلب منه.

إذاً: فالعبد في مسائل الآخرة يريد أن يقدم خيراً، وفي مسائل الدنيا يريد أن يتهرب منها؛ لأنه يخاف من الله، ومسألة الخوف من الله نوع من أنواع الحساب.

إن الجاني على نفسه هو إنسان ضيع أيامه الخمسة، فالعبد له خمسة أيام: يوم مفقود، ويوم مشهود، ويوم مورود، ويوم موعود، ويوم ممدود.

فاليوم المفقود هو اليوم الذي ضاع منك ومضى، واليوم المشهود: هو اليوم الذي تعيش فيه حاضراً، فيومك من الساعة الخامسة والنصف إلى أن ينتهي هذا اليوم، والله أعلم من الذي سيبقى منا إلى المغرب، ومن الذي سيتوفاه رب العباد، والله أعلم ماذا سيحدث فيه من أخبار، نسأل الله أن يجعل يومنا أفضل من أمسنا، وأن يجعل غدنا خيراً من يومنا، وأن يحول حالنا إلى أحسن حال.

وقد روي في الأثر: من كان يومه خيراً من أمسه فهو سعيد، ومن كان يومه أسوأ من أمسه، أو غده أسوأ من يومه فهو مغبون. أي: مظلوم ظلم نفسه، إذاً: فظلم النفس نوع من أنواع الجناية.

واليوم المورود: يوم غد.

واليوم الموعود: عند مجيء ملك الموت فيقفل الحساب، قال تعالى: إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا [مريم:84].

فهناك ملك يعد الحسنات وملك يعد السيئات، قال الله تعالى: أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة:6]، وقال تعالى: لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49]، فالله سبحانه وتعالى سيحاسبنا، لكن من فضله أنه يخفف حسابه عنا، ويفتح مجالات للرحمة.

فالمغبون هو الذي جنى على نفسه وضيع أيامه الخمسة، هذه هي الجناية.