شرح باب توحيد الألوهية من فتاوى ابن تيمية [10]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فلا زلنا مع الفتاوى لـشيخ الإسلام وفي مسألة العبودية وحقيقتها وأنواعها، وسيكون درسنا لهذا اليوم مخصص في الفصل الذي خصصه شيخ الإسلام في مسألة الخشية والخوف، وله رحمه الله في هذا الفصل وقفات عظيمة جداً، وفقه ينبغي أن نستفيد منه.

ولذلك يحسن أن نقف عند بعض المسائل الدقيقة لعنصرتها، وبيان ما بينها من ترابط؛ لأنها مجملة ومركزة كما سترون.

قال شيخ الإسلام رحمه الله:

[فصل: ذكر الله عن إمامنا إبراهيم خليل الله أنه قال لمناظريه من المشركين الظالمين: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:81-82].

وفي الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود (أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الظلم بالشرك وقال: ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13])، فأنكر أن نخاف ما أشركوهم بالله من جميع المخلوقات العُلْويات والسفليات، وعدم خوفهم من إشراكهم بالله شريكاً لم ينزل الله به سلطاناً، وبين أن القسم الذي لم يشرك هو الآمن المهتدي.

وهذه آية عظيمة تنفع المؤمن الحنيف في مواضع، فإن الإشراك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، دع جليله، وهو شرك في العبادة والتأله، وشرك في الطاعة والانقياد وشرك في الإيمان والقبول ].

هذه ثلاثة أنواع من الشرك سيفصل فيها شيخ الإسلام بعد قليل ويضرب لها أمثلة، وهي في الحقيقة من أدق الفهوم التي قرأتها في مفهوم الشرك، وفي تطبيق أنواع الشرك وأقسامه على أنواع أعمال البشر القلبية والعملية، ويستفيد منها من تأملها؛ لأنها تنظم جميع أنواع الشرك التي تحدث من الناس، سواء من ذلك الشرك الأصغر والشرك الخفي، أو الشرك الأكبر؛ يدخل في هذا أنواع الشرك الأكبر والأصغر.

وهذا التقسيم تقسيم بحسب أحوال أعمال الناس، وينطبق هذا التقسيم الذي سيأتي على مسالك أكثر الذين ضلوا في التوحيد من هذه الأمة، أو من فرق هذه الأمة التي فارقت السنة والجماعة كما سيأتي.

النوع الأول: شرك العبادة والتأله

قال رحمه الله تعالى: [ فالغالية من النصارى والرافضة وضلال الصوفية والفقراء والعامة يشركون بدعاء غير الله تارة، وبنوع من عبادته أخرى، وبهما جميعاً تارة، ومن أشرك هذا الشرك أشرك في الطاعة ].

أقسام الشرك التي أشار إليها الشيخ هي:

الأول: شرك في العبادة والتأله.

الثاني: شرك في الطاعة والانقياد.

الثالث: شرك في الإيمان والقبول، ويعني بذلك الشرك في التصديق، أي: أن يصدق في دين الله عز وجل، أو فيما يتعبد به من أقوال وأفعال.

وإما أن يصدق غير النبي صلى الله عليه وسلم فهذه مسألة خفية تحتاج إلى تأمل وتدبر؛ لأنها تقع في الناس كثيراً، ولا ينتبهون أنها من أنواع الشرك، وسيشرحها الشيخ بعد قليل.

وأعود فأقول: ينبغي أن نتأمل هذه الأنواع الثلاثة؛ لأن الشيخ سيمثل لها ويعيدها مرة أخرى.

والأول قد تكلم عنه وضرب له مثلاً في غالية النصارى، ثم غالية الرافضة والتصوف، والفقراء: وهم طائفة من الصوفية العباد النساك، وليس المقصود بهم فقراء المال.

إذاً: فهم طائفة من العباد والنسَّاك الذين عندهم مبالغة في التنسك إلى حد ترك طلب العيش، والعيش على الكفاف أو على التسول.

والعامة، أي: عوام الناس الذين يخطئون في مفهوم هذا التوحيد.

وأما قوله: (ومن أشرك هذا الشرك أشرك في الطاعة)، أي: أنه يستلزمه، فمن أشرك شرك التأله والعبادة وقع في الشرك الثاني، أي: شرك الطاعة، وهذا بالضرورة.

النوع الثاني: شرك الطاعة والانقياد لغير الله عز وجل

وأما النوع الثاني: فهو شرك الطاعة والانقياد لغير الله عز وجل.

قال رحمه الله تعالى: [ وكثير من المتفقهة وأجناد الملوك ].

هذا هو النوع الثاني.

قال رحمه الله تعالى: [ وأتباع القضاة والعامة المتبعة لهؤلاء يشركون شرك الطاعة، وقد (قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعدي بن حاتم رضي الله عنه لما قرأ: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:31]، فقال: يا رسول الله! ما عبدوهم، فقال: ما عبدوهم، ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم).

فتجد أحد المنحرفين يجعل الواجب ما أوجبه متبوعه، والحرام ما حرمه، والحلال ما حلله، والدين ما شرعه، إما ديناً وإما دنيا، وإما دنيا وديناً، ثم يخوف من امتنع من هذا الشرك، وهو لا يخاف أنه أشرك به شيئاً في طاعته بغير سلطان من الله، وبهذا يخرج من أوجب الله طاعته من رسول وأمير وعالم ووالد وشيخ.. وغير ذلك ].

يعني بذلك: أنه يخرج من الطاعة الممنوعة من أوجب الله طاعته، وهؤلاء لا تعد طاعتهم من الطاعة الممنوعة كالرسل، وطاعة الأمراء بالمعروف، وطاعة العالم أيضاً بالاهتداء والاقتداء، وطاعة الوالد بالمعروف، واتباع الشيخ بالمعروف، أي: على نهج سليم أو مع الدليل.

فهذه الأمور مما أمر الله به، أي: طاعة هؤلاء بشروطها، إذ هي من الطاعة التي أمر الله بها.

النوع الثالث: شرك التصديق

وأما الشرك الثالث، أعني: شرك التصديق، فهو أخذ الخبر وتصديقه في أمر الدين أو في أمر التشريع، وفيما يتعبد به عن غير الكتاب والسنة، وهذا يفعله كثير من عوام الفرق، فيصدقون شيوخهم الذين يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويضعون في الدين أشياء من عندهم، فيصدقونهم بمجرد دعاوى لا أصل لها، وليس عندهم على ذلك برهان ودليل.

قال رحمه الله تعالى: [ وأما الشرك الثالث فكثير من أتباع المتكلمة والمتفلسفة، بل وبعض المتفقهة والمتصوفة، بل وبعض أتباع الملوك والقضاة يقبل قول متبوعه فيما يخبر به من الاعتقادات الخبرية، ومن تصحيح بعض المقالات وإفساد بعضها، ومدح بعضها وبعض القائلين، وذم بعض بلا سلطان من الله، ويخاف ما أشركه في الإيمان والقبول، ولا يخاف إشراكه بالله شخصاً في الإيمان به، وقبول قوله بغير سلطان من الله.

وبهذا يخرج من شرع الله تصديقه من المرسلين والعلماء المبلغين، والشهداء الصادقين.. وغير ذلك ].

لأن طاعة هؤلاء واتباعهم إنما هي بأمر الله عز وجل، فطاعة المرسلين بأمر الله، وطاعة العلماء الراسخين في العلم فيما عليه دليل أو برهان، وكذلك الشهداء والصادقين، أي: الذين أخلصوا الدين لله، وصدقوا في نقلهم عن الله عز وجل، فهؤلاء يصدقون.

إذاً: فقوله: (وبهذا يخرج)، أي: يخرج من المنع الذي يوقع في الشرك، أي: شرك التصديق.

قال رحمه الله تعالى: [ فالغالية من النصارى والرافضة وضلال الصوفية والفقراء والعامة يشركون بدعاء غير الله تارة، وبنوع من عبادته أخرى، وبهما جميعاً تارة، ومن أشرك هذا الشرك أشرك في الطاعة ].

أقسام الشرك التي أشار إليها الشيخ هي:

الأول: شرك في العبادة والتأله.

الثاني: شرك في الطاعة والانقياد.

الثالث: شرك في الإيمان والقبول، ويعني بذلك الشرك في التصديق، أي: أن يصدق في دين الله عز وجل، أو فيما يتعبد به من أقوال وأفعال.

وإما أن يصدق غير النبي صلى الله عليه وسلم فهذه مسألة خفية تحتاج إلى تأمل وتدبر؛ لأنها تقع في الناس كثيراً، ولا ينتبهون أنها من أنواع الشرك، وسيشرحها الشيخ بعد قليل.

وأعود فأقول: ينبغي أن نتأمل هذه الأنواع الثلاثة؛ لأن الشيخ سيمثل لها ويعيدها مرة أخرى.

والأول قد تكلم عنه وضرب له مثلاً في غالية النصارى، ثم غالية الرافضة والتصوف، والفقراء: وهم طائفة من الصوفية العباد النساك، وليس المقصود بهم فقراء المال.

إذاً: فهم طائفة من العباد والنسَّاك الذين عندهم مبالغة في التنسك إلى حد ترك طلب العيش، والعيش على الكفاف أو على التسول.

والعامة، أي: عوام الناس الذين يخطئون في مفهوم هذا التوحيد.

وأما قوله: (ومن أشرك هذا الشرك أشرك في الطاعة)، أي: أنه يستلزمه، فمن أشرك شرك التأله والعبادة وقع في الشرك الثاني، أي: شرك الطاعة، وهذا بالضرورة.