خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/57"> الشيخ ناصر العقل . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/57?sub=34166"> شرح باب توحيد الألوهية من فتاوى ابن تيمية
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح باب توحيد الألوهية من فتاوى ابن تيمية [7]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فلا زلنا في مسألة تحقيق العبودية، وقد تناولنا في الفصل السابق بيان حقيقة العبودية وبيان أوجه تحقيقها، وقد ذكر الشيخ كثيراً من هذه المسائل، ثم توقف عند توحيد الله وإخلاص الدين له في عبادته، وأن ذلك من أعظم مباني العبودية.
قال رحمه الله تعالى:[ وتوحيد الله، وإخلاص الدين له في عبادته واستعانته، في القرآن كثير جداً ].
سيبين الشيخ هنا أن من معاني الإخلاص عدم الإشراك بالله عز وجل، وخاصة أن أهل البدع قد يفهمون أن معنى الإخلاص: مجرد حسن النية دون الاتباع والاستقامة، أو ربما يفهمون معنى الإخلاص: تجريد الأمر لله عز وجل ولو كان العمل مخلاً بما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو كان العمل صحيحاً، بمعنى: أنهم قد يلجئون إلى غير الله عز وجل، استعانة أو استغاثة.. أو غيرها، ويدّعون أنهم يخلصون الدين لله، فالشيخ هنا يبين أن معنى إخلاص الدين لله عز وجل: ألا تصرف أي نوع من أنواع العبادة لغيره سبحانه وتعالى.
قال رحمه الله: [ بل هو قلب الإيمان، وأول الإسلام وآخره، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)، وقال: (إني لأعلم كلمة لا يقولها عند الموت أحد إلا وجد روحه لها روحاً)، وقال: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وجبت له الجنة)، وهو قلب الدين والإيمان ].
قوله (وهو) يعني: الإخلاص.
ثم قال رحمه الله: [ وسائر الأعمال كالجوارح له، وقول النبي صلى الله عليه، وآله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، فبيّن بهذا أن النية عمل القلب وهي أصل العمل، وإخلاص الدين لله، وعبادة الله وحده، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، هو شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله.
ولهذا أنكرنا على الشيخ يحيى الصرصري ما يقوله في قصائده في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم من الاستغاثة به، مثل قوله: بك أستغيث وأستعين وأستنجد.. ونحو ذلك.
وكذلك ما يفعله كثير من الناس، من استنجاد الصالحين والمتشبهين بهم، والاستعانة بهم أحياء وأمواتاً، فإني أنكرت ذلك في مجالس عامة وخاصة، وبيّنت للناس التوحيد، ونفع الله بذلك ما شاء الله من الخاصة والعامة ].
قال رحمه الله تعالى: [ وهو دين الإسلام العام الذي بعث الله به جميع الرسل، كما قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وقال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، وقال: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف:45]، وقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ [المؤمنون:51-52]، وقال: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ [الشورى:13]، وقال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ بن جبل رضي الله عنه: (يا
الإسلام هنا بمعنى: التسليم والإذعان، ولذلك لما ذكر الإسلام هنا مع أنواع العبادة وأصناف العبادة فإنما يعني به تسليم القلب المتمثل بالتصديق والإذعان والخضوع والذل لله سبحانه، وهذا معنى خاص بالإسلام؛ لأن الإسلام يشمل على معنيين: المعنى الإيماني القلبي الذي هو نوع من أنواع العبادة، ونوع من أعمال القلوب، وهو الإذعان والتسليم والخضوع، والمعنى العام الذي هو الإسلام والدين الشامل، والذي أكثر ما يتوجه إلى الأعمال الظاهرة، فهو هنا رحمه الله يقصد المعنى الخاص بالإسلام، أي: إسلام القلب المتمثل بالتسليم والإذعان لله عز وجل.
قال رحمه الله تعالى: [ ويدخل في العبادة الخشية والإنابة والإسلام والتوبة، كما قال تعالى: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ [الأحزاب:39]، وقال: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ [المائدة:44] وقال: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ [التوبة:18]، وقال الخليل عليه الصلاة والسلام: وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:80-82]، وقال: أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ [التوبة:13]إلى قوله: أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [التوبة:13]، وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ [البقرة:41]، وقال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ [النور:52]وقال نوح: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ [نوح:3].
فجعل العبادة والتقوى لله، وجعل له أن يُطاع، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64]، وكذلك قالت الرسل مثل نوح وهود وصالح وشعيب ولوط.. وغيرهم: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ، فجعلوا التقوى لله، وجعلوا لهم أن يطاعوا، وكذلك في مواضع كثيرة جداً من القرآن: (اتقوا الله)، (اتقوا الله)، وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]وكذلك ..
وقال: عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود:88]، وقال: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ [الزمر:54]، وقال عن إبراهيم: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة:131]، وقالت بلقيس : وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل:44]، وقال: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [النساء:125]، وقال: بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ [البقرة:112]، وقال: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا [النور:31]، وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [الفرقان:71]، وقال: فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ [البقرة:54] تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8] ].
قال رحمه الله تعالى: [ والاستغفار: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا [نوح:10] وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ [هود:3]، والاسترزاق والاستنصار كما في صلاة الاستسقاء والقنوت على الأعداء، قال: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ [العنكبوت:17]، وقال: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:160]، والاستغاثة كما قال: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ [الأنفال:9]، والاستجارة كما قال: قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:88-89]، والاستعاذة كما قال: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، وقال: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المؤمنون:97-98]، وقال: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ [النحل:98].. الآية، وتفويض الأمر كما قال مؤمن آل فرعون: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [غافر:44].
وفي الحديث المتفق عليه في الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقال عند المنام: (اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك).
وقال: وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ [الأنعام:51]، وقال: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ [السجدة:4]، فالولي الذي يتولى أمرك كله، والشفيع الذي يكون شافعاً فيه، أي: عوناً، فليس للعبد دون الله من ولي يستقل ولا ظهير معين، وقال: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ [يونس:107]، وقال: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ [فاطر:2]، وقال: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الزمر:43-44]، وقال: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ُ [سبأ:22-23]، وقال: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، وقال: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26] ].
في هذه النصوص استعرض الشيخ أنواعاً كثيرة من أنواع العبادة، فبعضها قد يتفرع من بعض، وبعضها قد يكون من القواعد الشاملة، وبعضها قد يكون داخلاً في توحيد العبادة البحتة، وبعضها داخلاً في توحيد الربوبية، وبعضها داخلاً في توحيد الألوهية، وبعضها يجمع بين نوعي التوحيد.. إلى آخر ذلك.
فالشيخ هنا أراد أن يعدد صور العبادة، لا سيما تلك الصور التي قد يظن بعض الناس أنها غير داخلة في العبادة دخولاً أولياً، كطلب الرزق، فهو رحمه الله قد ذكر الصور الكبرى مثل: المحبة والخشية والرجاء، وهذه جماع أصول العبادة، وهي ما يسميها أهل العلم بأركان العبادة، وكل بقية هذه الصور التي ذكرها هي أنواع من أنواع العبادة، ولذلك الصحيح أن أنواع العبادة لا حصر لها، فكل ما يتوجه به العباد إلى الله عز وجل من العبادة المتعلقة بمحبته سبحانه، أو المتعلقة برجائه، أو المتعلقة بخشيته وما يتفرع عن هذه الأمور من الاستعانة والتوكل.. وغيرها، كل ذلك من أصول العبادة، وراجع إلى تأليه الله عز وجل وإفراده بالألوهية والربوبية.
ولذلك ذكر من الصور: الاسترزاق والاستنصار كما في صلاة الاستسقاء والقنوت على الأعداء؛ لأن هذه من الأمور التي قد يغفل كثير من الناس عن أنها من أنواع العبادة، وقد وجدنا أن الغفلة والجهل بهذا الأصل أدى بكثير من أهل البدع إلى أن يصرفوا بعض أنواع العبادة لغير الله عز وجل، فخلطوا بين هذا وبين صور ما يستعان به الناس فيما يقدرون عليه وما لا يقدرون عليه، ولجهل الناس بصور العبادة وبأنواعها وقع كثير منهم بالبدعيات التي فيها توجه إلى غير الله عز وجل، سواء كان التوجه بالعبادة المحضة وهذا شرك، أو التوجه بالتبرك.. ونحو ذلك مما يعدُّ من البدع المغلّظة.
قال رحمه الله تعالى: [ فالعبادة والاستعانة وما يدخل في ذلك من الدعاء، والاستغاثة، والخشية، والرجاء، والإنابة، والتوكل، والتوبة، والاستغفار، كل هذا لله وحده لا شريك له، فالعبادة متعلقة بألوهيته، والاستعانة متعلقة بربوبيته، والله رب العالمين لا إله إلا هو، ولا رب لنا غيره، لا ملك ولا نبي ولا غيره، بل أكبر الكبائر الإشراك بالله، وأن تجعل له نداً وهو خلقك، والشرك أن تجعل لغيره شركاً، أي: نصيباً في عبادتك وتوكلك واستعانتك كما قال من قال: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، وكما قال تعالى: وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ [الأنعام:94]، وكما قال: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ [الزمر:43]، وكما قال: مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ [السجدة:4] ].
السجود لغير الله صورة من صور الشرك الأكبر
ولا يجوز أن يتنفل على طريق العبادة إلا لله وحده، لا لشمس، ولا لقمر، ولا لملك، ولا لنبي، ولا صالح، ولا لقبر نبي ولا صالح، هذا في جميع ملل الأنبياء، وقد ذُكر ذلك في شريعتنا حتى نُهي أن يتنفل على وجه التحية والإكرام للمخلوقات، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً رضي الله عنه أن يسجد له، وقال: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها؛ من عظم حقه عليها)، ونهى عن الانحناء في التحية، ونهاهم أن يقوموا خلفه في الصلاة وهو قاعد ].
هذه الأمور منها ما هو شرك ومنها ما هو ذريعة للشرك، والصورة التي ذكرها الشيخ هنا: السجود للشخص، فقد يكون أحياناً من باب التعظيم والتقدير، لكنه صورة من صور الشرك الأكبر، ولما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يجوز، لم يعد لأحد حجة بأن يفعل ذلك تعظيماً؛ لأن الظاهر أن معاذاً رضي الله عنه كاد أن يسجد للنبي صلى الله عليه وسلم حينما رأى بعض الأمم المعظّمة لملوكها وشيوخها تسجد للأشخاص، ويستبعد أن يكون قصده سجود العبادة، وإنما ظن أن هذا نمط من أنماط التحية والتقدير، ومع ذلك نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ لأن السجود لا يكون إلا لله، ولما توافرت النصوص من الكتاب والسنة على أن السجود.. ونحوه من أنواع العبادة كالطواف، والتي ظاهرها لا تكون إلا طاعة محضة لله عز وجل، عُرف أن ذلك يكون شركاً إذا كان لغير الله، لكن الحكم على المعيّن يحتاج إلى إجراء ضوابط التكفير المعروفة، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذه الصور الشركية الواضحة وعن غيرها مما يؤدي إلى الشرك، مثل: الانحناء في التحية، فهو ليس شركاً ما لم يصل إلى حد الركوع، لكنه ذريعة إلى الشرك والتعظيم والغلو الذي لا يجوز أو الذي يتجاوز الحد الشرعي، ولذلك كثير من الناس لا يفرّق بين الصور التي هي من باب سد الذرائع وبين الصور الشركية البحتة، بل حتى الصور الشركية البحتة فإن كثيراً من طلاب العلم في الآونة الأخيرة صاروا يخوضون فيها بغير علم، ويحمّلون كلام العلماء ما لا يحتمله، وصار كثير منهم يحكم على كل من عمل شركاً ظاهراً بالشرك مطلقاً، وهذا أمر فيه نظر، مع أنه يسمى شركاً، كالسجود لغير الله، والركوع لغير الله، والطواف بالقبور، لكن لا يلزم أن كل من عملها يكون مشركاً، إلا إذا توافرت القرائن وتبينت الحال، أما إذا لم تتبين الحال فينبغي للناس ألا يتعجلوا، وسأضرب لكم مثلاً حتى يتضح الأمر أكثر وأكثر، ولأن هذه المسألة أصبحت من المسائل التي تثار كثيراً، وتثار أيضاً حولها مسائل علمية أشكلت على كثير من طلاب العلم، بل وأُلّفت فيها رسائل وكتباً، ألا وهي مسألة: هل كل من عمل بالشرك الظاهر يحكم بأنه مشرك مطلقاً؟
إن القواعد الشرعية لا بد فيها من التفصيل، والمثل الذي أوردته ويبين هذه المسألة بإيجاز، كما تتبين به حتى القاعدة، فلو أن إنساناً رأيناه يطوف على قبر مع الناس، ولا نعرف أنه من أهل هذا البلد الذين اعتادوا الطواف بالقبور، أي: أنهم قد نشئوا على البدعة وتمذهبوا بها وتدينوا بها، فهل يحكم بشركه مباشرة؟
أقول: لا؛ لأنه لا بد أن تتوافر عندنا القرائن على أن هذا الشخص لم يكن ممن اعتاد الطواف بالقبور، بل ولا يعرف هذه الأمور، ولأنه ربما يظن أن هذا من مراسم الزيارة، أو ربما يطوف ولا يدري ما الناس يفعلون، أو لا يدري ما معنى هذا الطواف ولا يشعر بالتعبد إطلاقاً، وربما يكون ممن لم يحج أصلاً ولا يعرف معنى الحج والطواف؛ لأنه حقيقة قد يوجد من سذّج الناس وعوامهم من لا يدري عن هذه المعاني، ولذا فالعمل شرك، والإنسان الذي فعل ذلك آثم، لكن يبقى الخلاف: هل يحكم بشركه وخروجه من الملة أم لا؟ هذه مسألة خلافية، والراجح: أننا لا نستطيع أن نحكم بكفر هذا الإنسان الذي يعمل الشرك عملاً طارئاً ما لم يكن متأصلاً فيه أو مداوماً عليه.
إذاً: فهذه صورة من الصور، والشيخ هنا أشار إلى حديث معاذ ، وهو دليل للفريقين، الفريق الأول الذي يقول: بأنه ليس كل من عمل شركاً فقد أشرك، والفريق الثاني: على العكس، وعليه فالدليل قد يوجه على الوجهين.
بيان كون الزكاة والصدقات والحج والصيام لا يتقرب بها إلا لله وحده
هؤلاء أشخاص معظّمون عند أقوامهم، فبعضهم من شيوخ الطرق أو ممن اتخذتهم الطرق شيوخاً، وبعضهم من لهم جاه عند أقوامهم فعظّموهم من دون الله عز وجل، أو أعطوهم من الخصائص والتعظيم ما لا يجوز إلا لله.
قال رحمه الله تعالى: [ وكذلك الحج، لا يُحج إلا إلى بيت الله، فلا يُطاف إلا به، ولا يحلق الرأس إلا به، ولا يوقف إلا بفنائه، لا يفعل ذلك بنبي، ولا صالح، ولا بقبر نبي ولا صالح، ولا بوثن.
وكذلك الصيام، لا يصام عبادة إلا لله، فلا يصام لأجل الكواكب والشمس والقمر، ولا لقبور الأنبياء والصالحين.. ونحو ذلك.
وهذا كله تفصيل الشهادتين اللتين هما أصل الدين: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً عبده ورسوله ].
أركان العبادة من الخوف والرجاء والمحبة لا تكون إلا لله وحده
يشير الشيخ رحمه الله هنا إلى أركان العبادة، ولم يذكر الاسم الثالث، وإنما قال: والإله من يستحق أن يألهه العباد، أي: يعظّمونه ويقدّسونه ويتوجهون إليه بالعبادة وبالرجاء والخوف والخشية، ثم قال: (ويدخل في ذلك -أي: في التألّه الذي هو العبادة- حبه وخوفه)، وكان ينبغي أن يقول أيضاً: ورجاؤه، لكن يحتمل أن الشيخ قد ضمّن الحب معنى الرجاء وهو الغالب، ثم قال: فما كان من توابع الألوهية فهو حق محض لله، أي: ما كان من أنواع العبادة كلها، بما في ذلك تحقيق توحيد الربوبية فهو حق محض لله، ولذا نجد أن كثيراً من أنواع العبادة فيها التلازم بين التوحيدين، فمثلاً: طلب الرزق أو طلب العون من الله عز وجل أياً كان نوع العون داخلاً في الربوبية؛ لأنه داخل من طلب أفعال الله، فالله عز وجل هو الرازق وهو المعين، وهذه أفعاله سبحانه، فهو توجه إلى الله عز وجل من جانب الربوبية، وأيضاً من جانب توحيد الألوهية، ولذلك لا تنفك أنواع التوحيد بعضها عن بعض، ومن ظن أن هناك نوعاً من التوحيد يتجرد محضاً عن النوع الآخر فقد غلط؛ لأن أنواع توحيد الربوبية لا بد أن ترجع إلى الإلهية، وكذلك الإلهية تستلزم توحيد الربوبية.
وأما قوله: وما كان من أمور الرسالة فهو حق للرسول صلى الله عليه وسلم، فيقصد بذلك طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه وتصديقه وتوقيره وحبه والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم والدعوة إلى دينه، وكل ذلك حق للرسول صلى الله عليه وسلم، لكنها أيضاً عبادة لله سبحانه؛ لأن الله تعبدنا بذلك، ويجب ألا ينفك الأمران؛ لأن الذين خلطوا في هذه المسألة إما أنهم عظّموا وقدسوا الرسول صلى الله عليه وسلم بأكثر مما ينبغي له، بل وأعطوه من خصائص الألوهية التي لا تنبغي إلا لله عز وجل، أو كذلك العكس، بأن جفوا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم وجعلوا عباداتهم في طاعة الله فقط، وزعموا أنهم يستغنون عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كغلاة الفلاسفة وغلاة الصوفية، ولذا فلا بد أن يعرف المسلم أن من تحقيق عبادة الله تعالى وطاعته طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنها لا تتحقق العبادة الحقة لله سبحانه إلا بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وتصديقه واتباعه وتوقيره وتعظيمه وحبه والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم والدعوة إلى دينه.. وغير ذلك من اللوازم الضرورية التي لا تتم العبادة إلا بها.
قال رحمه الله تعالى: [ وأصناف العبادات الصلاة بأجزائها مجتمعة، وكذلك أجزاؤها التي هي عبادة بنفسها، من السجود، والركوع، والتسبيح، والدعاء، والقراءة، والقيام، لا يصلح إلا لله وحده.
ولا يجوز أن يتنفل على طريق العبادة إلا لله وحده، لا لشمس، ولا لقمر، ولا لملك، ولا لنبي، ولا صالح، ولا لقبر نبي ولا صالح، هذا في جميع ملل الأنبياء، وقد ذُكر ذلك في شريعتنا حتى نُهي أن يتنفل على وجه التحية والإكرام للمخلوقات، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً رضي الله عنه أن يسجد له، وقال: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها؛ من عظم حقه عليها)، ونهى عن الانحناء في التحية، ونهاهم أن يقوموا خلفه في الصلاة وهو قاعد ].
هذه الأمور منها ما هو شرك ومنها ما هو ذريعة للشرك، والصورة التي ذكرها الشيخ هنا: السجود للشخص، فقد يكون أحياناً من باب التعظيم والتقدير، لكنه صورة من صور الشرك الأكبر، ولما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يجوز، لم يعد لأحد حجة بأن يفعل ذلك تعظيماً؛ لأن الظاهر أن معاذاً رضي الله عنه كاد أن يسجد للنبي صلى الله عليه وسلم حينما رأى بعض الأمم المعظّمة لملوكها وشيوخها تسجد للأشخاص، ويستبعد أن يكون قصده سجود العبادة، وإنما ظن أن هذا نمط من أنماط التحية والتقدير، ومع ذلك نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ لأن السجود لا يكون إلا لله، ولما توافرت النصوص من الكتاب والسنة على أن السجود.. ونحوه من أنواع العبادة كالطواف، والتي ظاهرها لا تكون إلا طاعة محضة لله عز وجل، عُرف أن ذلك يكون شركاً إذا كان لغير الله، لكن الحكم على المعيّن يحتاج إلى إجراء ضوابط التكفير المعروفة، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذه الصور الشركية الواضحة وعن غيرها مما يؤدي إلى الشرك، مثل: الانحناء في التحية، فهو ليس شركاً ما لم يصل إلى حد الركوع، لكنه ذريعة إلى الشرك والتعظيم والغلو الذي لا يجوز أو الذي يتجاوز الحد الشرعي، ولذلك كثير من الناس لا يفرّق بين الصور التي هي من باب سد الذرائع وبين الصور الشركية البحتة، بل حتى الصور الشركية البحتة فإن كثيراً من طلاب العلم في الآونة الأخيرة صاروا يخوضون فيها بغير علم، ويحمّلون كلام العلماء ما لا يحتمله، وصار كثير منهم يحكم على كل من عمل شركاً ظاهراً بالشرك مطلقاً، وهذا أمر فيه نظر، مع أنه يسمى شركاً، كالسجود لغير الله، والركوع لغير الله، والطواف بالقبور، لكن لا يلزم أن كل من عملها يكون مشركاً، إلا إذا توافرت القرائن وتبينت الحال، أما إذا لم تتبين الحال فينبغي للناس ألا يتعجلوا، وسأضرب لكم مثلاً حتى يتضح الأمر أكثر وأكثر، ولأن هذه المسألة أصبحت من المسائل التي تثار كثيراً، وتثار أيضاً حولها مسائل علمية أشكلت على كثير من طلاب العلم، بل وأُلّفت فيها رسائل وكتباً، ألا وهي مسألة: هل كل من عمل بالشرك الظاهر يحكم بأنه مشرك مطلقاً؟
إن القواعد الشرعية لا بد فيها من التفصيل، والمثل الذي أوردته ويبين هذه المسألة بإيجاز، كما تتبين به حتى القاعدة، فلو أن إنساناً رأيناه يطوف على قبر مع الناس، ولا نعرف أنه من أهل هذا البلد الذين اعتادوا الطواف بالقبور، أي: أنهم قد نشئوا على البدعة وتمذهبوا بها وتدينوا بها، فهل يحكم بشركه مباشرة؟
أقول: لا؛ لأنه لا بد أن تتوافر عندنا القرائن على أن هذا الشخص لم يكن ممن اعتاد الطواف بالقبور، بل ولا يعرف هذه الأمور، ولأنه ربما يظن أن هذا من مراسم الزيارة، أو ربما يطوف ولا يدري ما الناس يفعلون، أو لا يدري ما معنى هذا الطواف ولا يشعر بالتعبد إطلاقاً، وربما يكون ممن لم يحج أصلاً ولا يعرف معنى الحج والطواف؛ لأنه حقيقة قد يوجد من سذّج الناس وعوامهم من لا يدري عن هذه المعاني، ولذا فالعمل شرك، والإنسان الذي فعل ذلك آثم، لكن يبقى الخلاف: هل يحكم بشركه وخروجه من الملة أم لا؟ هذه مسألة خلافية، والراجح: أننا لا نستطيع أن نحكم بكفر هذا الإنسان الذي يعمل الشرك عملاً طارئاً ما لم يكن متأصلاً فيه أو مداوماً عليه.
إذاً: فهذه صورة من الصور، والشيخ هنا أشار إلى حديث معاذ ، وهو دليل للفريقين، الفريق الأول الذي يقول: بأنه ليس كل من عمل شركاً فقد أشرك، والفريق الثاني: على العكس، وعليه فالدليل قد يوجه على الوجهين.
قال رحمه الله تعالى: [ وكذلك الزكاة العامة، من الصدقات كلها والخاصة لا يتصدق إلا لله، كما قال تعالى: وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى [الليل:19-20]، وقال: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان:9]، وقال: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [البقرة:265]، وقال: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم:39]، فلا يجوز فعل ذلك على طريق الدين لا لملك، ولا لشمس، ولا لقمر، ولا لنبي، ولا لصالح كما يفعل بعض السُّوال والمعظّمين كرامة لفلان وفلان، يقسمون بأشياء: إما من الأنبياء وإما من الصحابة وإما من الصالحين، كما يقال: بكر وعلي ونور الدين أرسلان والشيخ عدي والشيخ جاليد ].
هؤلاء أشخاص معظّمون عند أقوامهم، فبعضهم من شيوخ الطرق أو ممن اتخذتهم الطرق شيوخاً، وبعضهم من لهم جاه عند أقوامهم فعظّموهم من دون الله عز وجل، أو أعطوهم من الخصائص والتعظيم ما لا يجوز إلا لله.
قال رحمه الله تعالى: [ وكذلك الحج، لا يُحج إلا إلى بيت الله، فلا يُطاف إلا به، ولا يحلق الرأس إلا به، ولا يوقف إلا بفنائه، لا يفعل ذلك بنبي، ولا صالح، ولا بقبر نبي ولا صالح، ولا بوثن.
وكذلك الصيام، لا يصام عبادة إلا لله، فلا يصام لأجل الكواكب والشمس والقمر، ولا لقبور الأنبياء والصالحين.. ونحو ذلك.
وهذا كله تفصيل الشهادتين اللتين هما أصل الدين: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً عبده ورسوله ].
قال رحمه الله تعالى: [ من يستحق إن يؤلهه العباد، ويدخل فيه حبه وخوفه، فما كان من توابع الألوهية فهو حق محض لله، وما كان من أمور الرسالة فهو حق الرسول ].
يشير الشيخ رحمه الله هنا إلى أركان العبادة، ولم يذكر الاسم الثالث، وإنما قال: والإله من يستحق أن يألهه العباد، أي: يعظّمونه ويقدّسونه ويتوجهون إليه بالعبادة وبالرجاء والخوف والخشية، ثم قال: (ويدخل في ذلك -أي: في التألّه الذي هو العبادة- حبه وخوفه)، وكان ينبغي أن يقول أيضاً: ورجاؤه، لكن يحتمل أن الشيخ قد ضمّن الحب معنى الرجاء وهو الغالب، ثم قال: فما كان من توابع الألوهية فهو حق محض لله، أي: ما كان من أنواع العبادة كلها، بما في ذلك تحقيق توحيد الربوبية فهو حق محض لله، ولذا نجد أن كثيراً من أنواع العبادة فيها التلازم بين التوحيدين، فمثلاً: طلب الرزق أو طلب العون من الله عز وجل أياً كان نوع العون داخلاً في الربوبية؛ لأنه داخل من طلب أفعال الله، فالله عز وجل هو الرازق وهو المعين، وهذه أفعاله سبحانه، فهو توجه إلى الله عز وجل من جانب الربوبية، وأيضاً من جانب توحيد الألوهية، ولذلك لا تنفك أنواع التوحيد بعضها عن بعض، ومن ظن أن هناك نوعاً من التوحيد يتجرد محضاً عن النوع الآخر فقد غلط؛ لأن أنواع توحيد الربوبية لا بد أن ترجع إلى الإلهية، وكذلك الإلهية تستلزم توحيد الربوبية.
وأما قوله: وما كان من أمور الرسالة فهو حق للرسول صلى الله عليه وسلم، فيقصد بذلك طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه وتصديقه وتوقيره وحبه والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم والدعوة إلى دينه، وكل ذلك حق للرسول صلى الله عليه وسلم، لكنها أيضاً عبادة لله سبحانه؛ لأن الله تعبدنا بذلك، ويجب ألا ينفك الأمران؛ لأن الذين خلطوا في هذه المسألة إما أنهم عظّموا وقدسوا الرسول صلى الله عليه وسلم بأكثر مما ينبغي له، بل وأعطوه من خصائص الألوهية التي لا تنبغي إلا لله عز وجل، أو كذلك العكس، بأن جفوا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم وجعلوا عباداتهم في طاعة الله فقط، وزعموا أنهم يستغنون عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كغلاة الفلاسفة وغلاة الصوفية، ولذا فلا بد أن يعرف المسلم أن من تحقيق عبادة الله تعالى وطاعته طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنها لا تتحقق العبادة الحقة لله سبحانه إلا بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وتصديقه واتباعه وتوقيره وتعظيمه وحبه والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم والدعوة إلى دينه.. وغير ذلك من اللوازم الضرورية التي لا تتم العبادة إلا بها.