خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/57"> الشيخ ناصر العقل . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/57?sub=34164"> شرح السنة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح السنة [15]
الحلقة مفرغة
قال أبو محمد بن الحسن بن علي البربهاري رحمه الله تعالى: [ واعلم أن الدين العتيق ما كان من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان قتله أول الفرقة وأول الاختلاف، فتحاربت الأمة وتفرقت، واتبعت الطمع والأهواء والميل إلى الدنيا، فليس لأحد رخصة في شيء أحدثه مما لم يكن عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يكون رجل يدعو إلى شيء أحدثه من قبله من أهل البدع فهو كمن أحدثه، فمن زعم ذلك أو قال به فقد رد السنة وخالف الحق والجماعة، وأباح البدع، وهو أضر على هذه الأمة من إبليس.. ].
اتفاق الأمة إلى مقتل عثمان
أولها: تقرير أن الدين ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وسماه العتيق بمعنى الأصل الأول الذي تركنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقد كمل الدين، فالعتيق هنا تعني المنسوب إلى الزمن الأول أي: إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو زمان قديم بالنسبة إلى عصر المؤلف وما بعده.
ثم ذكر أصلاً آخر، وهو أن الأمة كانت متفقة، وإجماعها معتبر، وأصولها واحدة، وجماعتها واحدة إلى مقتل عثمان رضي الله عنه، فبعد مقتل عثمان لم يستتب الأمر لـعلي رضي الله عنه، ولم تتم الجماعة على الوجه الكامل، خاصة فيما يتعلق بالشغب الذي حدث من السبئية الخارجين على عثمان ، والذي انبثق عن الافتراق الحقيقي افتراق الخوارج وافتراق الشيعة، فعلى هذا لا اعتبار للخلاف بعد هذه الفتنة، أي لخلاف السنة، فقد انتقضت قاعدة أن المسلمين كانوا كلهم على سمت واحد وهدي واحد في الدين، وفي الإمامة، والخلافة، وفي سائر الأمور، والجماعة كانت جماعة واحدة إلى أن حدث هذا الحدث العظيم، وانبثق عنه خروج الفرق الأولى التي خرجت عن المسلمين.
إذاً: كان قتل عثمان رضي الله عنه بداية شرارة الفرقة، وإن كانت لم تحدث إلا بعد قتله بثلاث أو أربع سنوات.
وأول افتراق ظاهر أعلن سنة (37هـ)، لكن هذا من حيث الإعلان، أما من حيث الوقوع فإن مجرد وجود الاحتشاد من قبل أهل الفتنة كان بداية ظهور الافتراق، أو بداية تقرير الافتراق وإن لم يظهر.
أهل الأهواء يستميلون الغوغاء بالدنيا
(وتفرقت) بمعنى أنها ظهرت الفرق التي فارقت الجماعة وإن كانت قليلة ومغمورة إلا أنها حدثت بها الفرقة، (واتبعت الطمع والأهواء)، أي طوائف من المنتسبين لهذه الأمة استهوتهم الأطماع والأهواء فكانوا ضمن من خرجوا على الجماعة فيما بعد، (والميل إلى الدنيا)؛ لأن البواعث على الفتنة التي أثارها ابن سبأ والزنادقة، واستمالوا فيها الغوغاء والرعاع أغلبها بواعث مادية، كانوا يقولون -زعماً- بأن عثمان رضي الله عنه لما فتحت الدنيا عليه أغدق على الصحابة حتى قعدوا عن الجهاد، وجلسوا في الضيع والبساتين، وتركوا الأمة، وهذه شبهات انطلت على ضعاف العقول وضعاف العلم، وعلى حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام.
وقالوا أيضاً بأن عثمان رضي الله عنه ولى أقاربه، وأنه لم يعدل في القسم، وأنه حابى أناساً وترك أناساً.. إلخ.
إذاً: المنشأ والمطمع والباعث لتحريك العواطف هو أمور الدنيا، والكلام في الأثرة، وهذه السمة هي سمة أهل الأهواء في كل زمان، أول ما يبدءون في دغدغة عواطف العوام وأشباه العوام من الرعاع والدهماء والنساء والأحداث بهذه الأمور، ويبطنونها بدعاوى الدين، لابد أن يظهروا أن ما حدث من مظالم ضد العدل وضد ما أمر الله به، ومجاوزة لدين الله، ومجاوزة للشرع، في حين أنهم يسيلون لعاب هؤلاء بالدنيا؛ ولذلك أكد النبي صلى الله عليه وسلم على الصبر على الظلم والصبر على الأثرة في أحاديث كثيرة، ولا شك أن هذا من تشريع الله عز وجل للأمة؛ فإن ذلك لعلم الله عز وجل بأن هذه الأمور من بواعث الفتن عند الناس، وأنه أكثر ما يفرق بين المسلمين ويفتت جماعتهم، وهذا ما حدث في عهد عثمان كما تعلمون، وكما قلت هذه سمة غالبة في سائر أهل الأهواء في كل زمان ومكان.
قال: (فليس لأحد رخصة في شيء أحدثه ما لم يكن عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)، هذه أيضاً قاعدة ترجع إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
(أو يكون رجل يدعو إلى شيء أحدثه من قبله من أهل البدع فهو كمن أحدثه)، بمعنى أن داعية البدعة كمؤسسها وقائلها الأول؛ لأنها في سبل الغواية وسبل الشيطان.
(فمن زعم ذلك أو قال به فقد رد السنة وخالف الحق والجماعة، وأباح البدع، وهو أضر على هذه الأمة من إبليس)، من وجه وليس من كل الوجوه؛ لأن غالب أهل الأهواء تلبيسهم على الناس بحكم أنهم يظهرون بمظاهر التقوى والصلاح.
أما إبليس فمعلوم شره، ومعلوم أنه شر من كل وجه.
في هذا المقطع ذكر بعض الأصول:
أولها: تقرير أن الدين ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وسماه العتيق بمعنى الأصل الأول الذي تركنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقد كمل الدين، فالعتيق هنا تعني المنسوب إلى الزمن الأول أي: إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو زمان قديم بالنسبة إلى عصر المؤلف وما بعده.
ثم ذكر أصلاً آخر، وهو أن الأمة كانت متفقة، وإجماعها معتبر، وأصولها واحدة، وجماعتها واحدة إلى مقتل عثمان رضي الله عنه، فبعد مقتل عثمان لم يستتب الأمر لـعلي رضي الله عنه، ولم تتم الجماعة على الوجه الكامل، خاصة فيما يتعلق بالشغب الذي حدث من السبئية الخارجين على عثمان ، والذي انبثق عن الافتراق الحقيقي افتراق الخوارج وافتراق الشيعة، فعلى هذا لا اعتبار للخلاف بعد هذه الفتنة، أي لخلاف السنة، فقد انتقضت قاعدة أن المسلمين كانوا كلهم على سمت واحد وهدي واحد في الدين، وفي الإمامة، والخلافة، وفي سائر الأمور، والجماعة كانت جماعة واحدة إلى أن حدث هذا الحدث العظيم، وانبثق عنه خروج الفرق الأولى التي خرجت عن المسلمين.
إذاً: كان قتل عثمان رضي الله عنه بداية شرارة الفرقة، وإن كانت لم تحدث إلا بعد قتله بثلاث أو أربع سنوات.
وأول افتراق ظاهر أعلن سنة (37هـ)، لكن هذا من حيث الإعلان، أما من حيث الوقوع فإن مجرد وجود الاحتشاد من قبل أهل الفتنة كان بداية ظهور الافتراق، أو بداية تقرير الافتراق وإن لم يظهر.
وقوله: (فتحاربت الأمة)، يقصد: طوائف من الأمة، وذلك أن الذين خرجوا على الأمة أوقعوا الأمة في الحرج، فحدثت الحرب بين الفرقاء المختلفين.
(وتفرقت) بمعنى أنها ظهرت الفرق التي فارقت الجماعة وإن كانت قليلة ومغمورة إلا أنها حدثت بها الفرقة، (واتبعت الطمع والأهواء)، أي طوائف من المنتسبين لهذه الأمة استهوتهم الأطماع والأهواء فكانوا ضمن من خرجوا على الجماعة فيما بعد، (والميل إلى الدنيا)؛ لأن البواعث على الفتنة التي أثارها ابن سبأ والزنادقة، واستمالوا فيها الغوغاء والرعاع أغلبها بواعث مادية، كانوا يقولون -زعماً- بأن عثمان رضي الله عنه لما فتحت الدنيا عليه أغدق على الصحابة حتى قعدوا عن الجهاد، وجلسوا في الضيع والبساتين، وتركوا الأمة، وهذه شبهات انطلت على ضعاف العقول وضعاف العلم، وعلى حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام.
وقالوا أيضاً بأن عثمان رضي الله عنه ولى أقاربه، وأنه لم يعدل في القسم، وأنه حابى أناساً وترك أناساً.. إلخ.
إذاً: المنشأ والمطمع والباعث لتحريك العواطف هو أمور الدنيا، والكلام في الأثرة، وهذه السمة هي سمة أهل الأهواء في كل زمان، أول ما يبدءون في دغدغة عواطف العوام وأشباه العوام من الرعاع والدهماء والنساء والأحداث بهذه الأمور، ويبطنونها بدعاوى الدين، لابد أن يظهروا أن ما حدث من مظالم ضد العدل وضد ما أمر الله به، ومجاوزة لدين الله، ومجاوزة للشرع، في حين أنهم يسيلون لعاب هؤلاء بالدنيا؛ ولذلك أكد النبي صلى الله عليه وسلم على الصبر على الظلم والصبر على الأثرة في أحاديث كثيرة، ولا شك أن هذا من تشريع الله عز وجل للأمة؛ فإن ذلك لعلم الله عز وجل بأن هذه الأمور من بواعث الفتن عند الناس، وأنه أكثر ما يفرق بين المسلمين ويفتت جماعتهم، وهذا ما حدث في عهد عثمان كما تعلمون، وكما قلت هذه سمة غالبة في سائر أهل الأهواء في كل زمان ومكان.
قال: (فليس لأحد رخصة في شيء أحدثه ما لم يكن عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)، هذه أيضاً قاعدة ترجع إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
(أو يكون رجل يدعو إلى شيء أحدثه من قبله من أهل البدع فهو كمن أحدثه)، بمعنى أن داعية البدعة كمؤسسها وقائلها الأول؛ لأنها في سبل الغواية وسبل الشيطان.
(فمن زعم ذلك أو قال به فقد رد السنة وخالف الحق والجماعة، وأباح البدع، وهو أضر على هذه الأمة من إبليس)، من وجه وليس من كل الوجوه؛ لأن غالب أهل الأهواء تلبيسهم على الناس بحكم أنهم يظهرون بمظاهر التقوى والصلاح.
أما إبليس فمعلوم شره، ومعلوم أنه شر من كل وجه.
قال رحمه الله تعالى: [ ومن عرف ما ترك أصحاب البدع من السنة وما فارقوا فيه فتمسك به؛ فهو صاحب سنة وصاحب جماعة، وحقيق أن يتبع، وأن يعان وأن يحفظ، وهو ممن أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ].
أيضاً هذا أصل من الأصول، وهو أنه لا خير فيما لم يكن عمل به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ما تركوه من المحدثات والبدع فالأولى والأجدى بغيرهم أن يتركه.
ولأن أصول البدع ظهرت لها مظاهر في عهد الصحابة رضي الله عنهم فنفوها وأبوها، وردوا على أصحابها ونكَّلوا بهم.
وجميع البدع التي حدثت فيما بعد حدث في عهد الصحابة نماذج منها، وإن كانت نماذج صغيرة، لكنها تمثل هذه القاعدة، وهو أن الصحابة نفوا البدع، وميزوها بسرعة وبحذر شديد، فلذلك حدث في عهد الصحابة القول بالقدر، لكنهم نفوه وردوه وعنفوا أصحابه، وحدث في عهد الصحابة نزعة التنطع والتشدد في الدين والغلو كما حدث من الخوارج، وحدث في عهد الصحابة الغلو في الأشخاص، وهو باب واسع من أبواب الفتنة، حدث من السبئية الرافضة في عهد الصحابة، فأبوا ذلك ونفوه، ووقفوا منه الموقف المعلوم.
ثم حدث أيضاً في عهد الصحابة الكلام في الدين والمراء والجدل الذي هو أصل الجهمية والمعتزلة ومن سلك سبيلهم، فنفاه الصحابة وردوه.
حدث في عهد الصحابة بذور التصوف والبدع الظاهرة.. بذور البدع المقابرية والبدع العملية كما يسميها الناس، فقد حدثت في عهد الصحابة كما حصل في عهد ابن مسعود وأبي موسى الأشعري في العراق التسبيح بالحصى، وحدث الذكر الجماعي، والعزلة عن جماعة المسلمين، واتخاذ مساجد خاصة دون بقية المسلمين، والظهور بمظهر في العبادة فيه تنطع مثل الغشي والصعق والصياح والصراخ عند سماع القرآن، وعند سماع القصائد الزهدية، كل هذا حدث في عهد الصحابة فنفوه بشدة.
فإذاً قد يقول قائل: إن أصول ما وجدت في عهد الصحابة، ولم يكن لهم فيها موقف، وهذا خطأ.
أما الأصول فأظن أن أصول البدع الأولى أو أصول الفرق الكبرى كلها حدث لها نماذج في عهد الصحابة؛ لأنهم عايشوا أمماً مختلفة في ديانتها ومللها ونحلها، وكل أمة حاولت عن جهل أو عن تجاهل أو عن خبث من بعض الأشخاص أن تظهر ديانتها بين المسلمين، فصارت هذه المظاهر في عهد الصحابة فنفوها.
قال رحمه الله تعالى: [ واعلموا -رحمكم الله- أن أصول البدع أربعة أبواب انشعب من هذه الأربعة اثنان وسبعون هوى، ثم يصير كل واحد من البدعة يتشعب، حتى تصير كلها إلى ألفين وثمانمائة وكلها ضلالة، وكلها في النار إلا واحدة، وهو من آمن بما في هذا الكتاب، واعتقده من غير ريبة في قلبه ولا شكوك، فهو صاحب سنة، وهو الناجي إن شاء الله.. ].
هذا الكلام امتداد للفترة السابقة؛ لأنه عندما ذكر أن مما يميز صاحب السنة: تركه لما عليه أصحاب البدع، فذكر بعد ذلك أن أصول البدع أربعة، يعني: أن الأصول الكبرى التي انبثقت عنها البدع الأولى أربعة أبواب، ولم يذكرها على التفصيل لكنه أشار إليها إشارة، ويبدو لي أنه يقصد بذلك:
أولاً: الغلو في الأشخاص الذي هو التشيع.
ثانياً: الغلو في الدين والعبادة الذي هو مذهب الخوارج.
ثالثاً: القدر الذي هو مذهب القدرية.
رابعاً: الخلل في مسألة الإيمان الذي هو مذهب المرجئة.
هذه الأصول الأربعة هي أصول البدع الأولى.
الشيعة انبثقت عنها فرق كبيرة وأصول كبيرة جداً إلى يومنا هذا: الرافضة.. الزيدية.. الشيعة المفضلة.. الشيعة المفترية.. الإسماعيلية.. وفرق الباطنية ومن سلك سبيلها، كل هذه انبثقت عن التشيع من الباب الأول وهو باب الغلو في الأشخاص وباب الشيعة.
ثم بعد ذلك التنطع في الدين والتشدد، وعبادة الله على جهل، هذا من أصول الخوارج وعليه كثير من الفرق أيضاً؛ لأن هذه الأصول ليست خاصة بالخوارج، فنزعة الخوارج موجودة في غالب الفرق، لكنها تختلف في التعبير عنها وربما يأخذون أصلاً ويتركون أصولاً.
وكذلك أصول القدرية تعتبر من أعظم أبواب الابتداع؛ لأن الكلام في القدر فتق الكلام في جميع قضايا الاعتقاد، فأصول الجهمية والمعتزلة أول ما بدأت في الحديث عن القدر، فالقدرية تجرءوا على الكلام في أقدار الله عز وجل وفي تقديره للعباد.
وتجرءوا على الكلام في علم الله وكتابته ومشيئته وخلقه، وتجرءوا بأن يعارضوا النصوص الشرعية بعقولهم وأهوائهم؛ فجرهم ذلك إلى الكلام في أسماء الله وصفاته وأفعاله.
فأصول القدرية تعتبر هي المرتكزات الأولى لظهور المعتزلة والجهمية والفرق الكلامية التي تلت، فيعتبر هذا الباب الثالث.
والباب الرابع: الإرجاء، وهو ما يتعلق بالحديث عن الإيمان، سواء ما يتعلق بتعريف الإيمان.. حقيقة الإيمان.. دخول الأعمال في مسمى الإيمان.. زيادة الإيمان ونقصانه.. الاستثناء في الإيمان.
أيضاً لوازم ذلك مما يسمى بالأسماء والأحكام، والحكم بالكفر والإسلام والإيمان والفسق والظلم والشرك، كل ذلك انبثق عن قضايا الإيمان والتي أخلت بها المرجئة، فظهرت لها وتشعبت لها مقالات، وظهرت لها ردود فعل من المذهب المقابل وهو مذهب القدرية.
أما ما ذكره الشيخ من أن هذه الثنتان وسبعون فهو من باب الظن، وليس من باب اليقين، وهو يشير بذلك إلى الفرق الثنتين والسبعين التي فارقت الجماعة، فهو يقول: إن هذه الفرق الثنتين والسبعين انشعبت من الأربع.
قال: (ثم يصير كل واحد من البدعة ينشعب حتى تصير إلى ألفين وثمانمائة قالة)، كأنه وزع المقالات على هذه، وهذا أيضاً من باب التقريب والظن، لا من باب الجزم، فإنا لا نستطيع أن نجزم أن هذا العدد منضبط، قد يكون الأمر أكثر أو أقل، لكن كما قال: (كلها ضلالة، وكلها في النار إلا واحدة)، أي: الفرق التي خرجت عن الجماعة كلها متوعدة بالنار، فهم من أهل الوعيد إلا واحدة، وهم أهل السنة والجماعة.
أنا ذكرت الشيعة والخوارج والقدرية والمرجئة؛ بناء على تقسيم الشيخ، وذكرت أن القدرية هي أصل ظهور علم الكلام.
وظهور علم الكلام نتجت عنه المعتزلة والجهمية، ثم الفرق الكلامية التي تلت.
حتى المشبهة في الحقيقة هي فرق كلامية، وليست فرقاً مستقلة، بل فرق كلامية عندها ردود فعل ضد الجهمية والمعتزلة، وكذلك الكرامية، وكذلك الأشاعرة والماتريدية والكلابية، كل هذه امتداد للنزعة الكلامية التي بدأت شرارتها في القدر؛ ولذلك كل فرق أهل الكلام عندها خلل في عقيدة القدر، فتشترك في هذا القاسم المشترك، يقل أو يكثر.
قال رحمه الله تعالى: [ واعلم -رحمك الله- لو أن الناس وقفوا عند محدثات الأمور ولم يتجاوزوها بشيء، ولم يولدوا كلاماً مما لم يجئ فيه أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه؛ لم تكن بدعة.. ].
أي: لو أن الناس وقفوا على التزام شرع الله عز وجل، وحذروا المحدثات، بحيث لم يفعلوها ولم يصدقوها ولم يتبعوا أهلها، ولم يتجاوزوها بشيء، ولم يولدوا كلاماً مما لم يجئ فيه أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه لم تكن بدعة، بمعنى أن الناس لو تعلموا الدين وأخذوا به لم تكن بدعة؛ لأن هذا الكلام الذي قاله الشيخ لا يمكن أن يتأتى بمجرد الدعوى، أو بمجرد دعوى العلم اللدني، أو دعوى الحصانة كما يقول بعض الجهلة الآن، يقول: أجيالنا محصنة، نحن بيئة صالحة وأجيالنا نشأت على الفطرة؛ فنحن في مأمن من الأهواء والبدع لأن أجيالنا محصنة من العقائد الفاسدة.
أقول: هذا تهور وتفريط وجهل مطبق!
فإنه ليس هناك من المسلمين من يعتبر محصناً إلا إذا بذل الأسباب، ونحن إذا لم نستمر على النهج الذي كنا عليه، وورثناه عن السلف الصالح، فأجيالنا معرضة للأهواء، وقد بدأت قرون الأهواء تظهر بين أجيالنا بعنف، فلا ينبغي أن نتساهل في الأمر، بل لا بد أن نقف عند الحد الذي أوقفنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين ونحذر المحدثات، وذلك لا يتم إلا بتربية أجيال المسلمين على النهج السليم من حيث تلقين العقيدة تلقيناً جيداً وحازماً، ومن حيث تلقين أصول الإسلام وآدابه ومنهج السلف في العلم والعمل والتعاون، ومن حيث الأخذ بأصول التلقي على نهج سليم، ومن الأخذ بأصول العلم الشرعي على نهج سليم.
ما لم نلقن أجيالنا بهذا الأسلوب السليم، ونربيهم على العقيدة الصحيحة، ونحذرهم مما ينافيها على جهة الإجمال؛ فإنا معرضون للفتن قطعاً، لأنه ليس بيننا وبين الله عز وجل إلا أن نتمسك بدينه، وما لم نتمسك فالعصمة منتفية.
قال رحمه الله تعالى: [ واعلم -رحمك الله!- أنه ليس بين العبد وبين أن يكون مؤمناً حتى يصير كافراً إلا أن يجحد شيئاً مما أنزله الله تعالى، أو يزيد في كلام الله أو ينقص، أو ينكر شيئاً مما قال الله عز وجل، أو شيئاً مما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتق الله رحمك الله! وانظر لنفسك، وإياك والغلو في الدين؛ فإنه ليس من طريق الحق في شيء.. ].
هنا أشار الشيخ أيضاً إلى نواقض الإسلام، وأشار أيضاً إلى أمر مهم، وهو أنه ليس بين العبد وبين الكفر إلا أمور قد يستصغرها أغلب الناس، وهي أحياناً أمور قلبية أو لسانية أو عملية غير ظاهرة، وأن الكفر لا يعني أن الإنسان يمر بمراحل وأحوال وتقلبات ظاهرة، أو يمر بأشياء لا بد أن تترتب بعضها على بعض! لا، فأحياناً يحدث الكفر في لحظة، بحالة القلب، أو بكلمة من اللسان، أو بعمل مكفر، وهذا أمر خطير ينبغي أن نتنبه له، بعض الناس يظن أن الكفر أمر صعب، وأنه بعيد عن المسلم إلا بأحوال وإجراءات قد لا يقع فيها المسلم إلا عمداً، بينما الصحيح أنه قد يقع في قلبه أشياء توقعه في الكفر، لكن الحكم بكفره هو الذي يحتاج إلى شيء من التأني، أما الوقوع في الكفر فإن المسلم يخشى عليه ما لم يتعاهد نفسه بفهم العقيدة الصحيحة، وبالاستعانة بالله عز وجل والتوكل عليه والخضوع له، وبالحذر من فلتات اللسان وخطرات القلب التي ربما تخرجه من الدين، فليكن المسلم حذراً من أن يحدث له ما يخرجه من الدين، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بقوله: (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك)، وأشار إلى أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
فالمسألة خطيرة جداً، فما بين الكفر والإيمان إلا شعرة، ذكر الشيخ نماذج منها قال: (ما بين العبد وما بين أن يصير كافراً إلا أن يجحد شيئاً مما أنزله الله تعالى).
الجحد أيضاً أحياناً يحدث من الإنسان وهو غافل، لكن لا يحكم بكفره، كمن يسمع نصاً من النصوص الشرعية يظن أنه ليس بصحيح فيجحده، فهذا قال الكفر لكن قد لا يكفر لأنه جاهل، وأعظم من هذا من يسمع بأمر من أمور الدين فينكره؛ ظناً منه أنه ليس من أمور الدين، وهو من أصول الدين ومن قطعيات الدين، فقد يجحده ظناً منه أنه ليس من الدين.
أما إذا جحد لهواه أو استناداً على مقاييس ومصادر تلق من غير الدين؛ فإنه يكفر كفراً صريحاً.
وكذلك قال: (أو يزيد في كلام الله عز وجل)، هذا أيضاً من بواعث الكفر، وهو أن يدخل في الدين ما ليس منه، سواء زاد آية أو زاد حديثاً، أو لم يزد آية ولا حديثاً لكنه جعل شيئاً من البدع من الدين وليس من الدين.
(أو ينقص) أي: ادعاء أن هناك أموراً من أمور الدين الأصلية يمكن أن يستغنى عنها، أو لا نحتاجها، أو ليست من الدين؛ فهذا أيضاً من النقص، وربما يقع به الإنسان في الكفر، أما الإنكار فهو يرجع إلى الجحود، لكن الجحود أشد من الإنكار؛ لأن الإنكار يدخل فيه الإنكار باللسان، بينما الجحود جحود اللسان والقلب، أو جحود القلب، فهو أشد من الإنكار.