أرشيف المقالات

أقنعة الدمار الشامل

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
أقنعة الدمار الشامل

الكثير من مشاعر الغضَب تثير حفيظَةَ البعض عندما يعلمون أنَّ السبب وراء حُسن خُلُق أحدهم هو الخوفُ من نَظرة الناس وانتقاداتهم، وكأنَّنا تركنا الاعتقادَ بأنَّ هناك يومًا آخر سيُحاسِب الله تعالى فيه المسيئين، وأسدَينا الأمرَ للناس حتى يحاسِبونا على قَدْر عِلمهم ووَفق خلفيَّاتهم وآرائهم ونظرَتهم للأمور، فبات الأمر هاجسًا يؤرِّق البعض ويشكِّل ضَغطًا نفسيًّا عليهم، أو يدفع بآخرين إلى لبس تِلك الأقنعة المزيَّفة التي يَنتهي دورها عند إغلاق الأبواب دون النَّاس؛ ليظهر ما خفي عنهم وتزداد معاناة مَن هم في البيت وتَزداد معها نِسَب العُنف والطَّلاق والأُسَر المفكَّكة والبيوت التي تُشبه إلى حدٍّ كبير بيوتَ العنكبوت.
 
لا أدري هل تغيير تلك الأخلاق السيِّئة واستبدال الحسَنَة بها أكثر صعوبة من تحمُّل هذا الإجهاد النفسي في العيش بوجهين؟ أم أنَّ العكس هو الصحيح؟ أم أنَّ الأمر بات من الطبيعي جدًّا في عصر العالم الافتراضي الذي أَهمل الكثيرَ من مشاعر المحيطين بنا وصارت مراعاتها وَهمًا زائفًا ومن ضمن الكماليَّات التي يمكن الاستغناء عنها للدَّائرة الأبعد حيث من لا يرى ومن لا يسمع الحقيقة؟

(تجدُ من شرِّ النَّاس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين؛ الذي يأتي هؤلاء بوجهٍ وهؤلاء بوجهٍ)؛ كلمات قالها سيِّد البشريَّة أخلاقًا، وتعبيرُ شرِّ الناس هنا لم يَأتِ عبثًا؛ فقد يكون الشخص قائدًا ومؤثِّرًا، وقد يكون مربيًا أو عالمًا، وقد يكون ذا فضلٍ كبير على النَّاس؛ لكنه في بيته لا يخاف اللهَ ولا يردعه عن ظلم من هم فيه أحد؛ لأنَّ تقوى الله فُقدَت من قلبه، وحلَّ مكانها تقوى النَّاس، وشتَّان بينهما في المعاملة!
 
هؤلاء يحملون مِن الخطر على المقرَّبين منهم؛ كخطر أسلِحة الدَّمار الشَّامل تمامًا؛ لأنَّنا مأمورون في ديننا بالاهتمام بهذه الدَّائرة الصغيرة التي تبدأ بالأسرة، كفريضة ومسؤوليَّة لا بدَّ من حملها مَهما كانت المسؤوليَّات الملقاة على عاتقنا؛ (كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته).
 
فلنتخيَّل كميَّة الظُّلم المنتشِر في عالَمنا، كيف سيتقلَّص فيما لو حَمل كلُّ مربٍّ هذه المسؤولية كما يجب، وراعى اللهَ في مَن يعول، وكيف آلَت إليه حالة خير أمَّةٍ أُخرجَت للناس إلى خَلف الأمم بسبب الظُّلم وخوفِ الناس أكثر من الله، كم من القهر والألَم سوف ينتهي من البيوت وتحل محله الرَّحمةُ التي ما أُرسل الرسولُ صلى الله عليه وسلم إلاَّ ليرسخها في العالمين! وكم من الحقوق سوف تعود إذا ما عادَت التقوى للقلوب! وكم مِن الحقد والحسَد والكُره والغِلِّ سوف تصبح مجرد كلماتٍ تُذكر في قواميس اللُّغة، وليست بديهيات في لغة الأطفال كما الآن!

شارك الخبر

المرئيات-١