شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [18]


الحلقة مفرغة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [ وأما سؤال الله بأسمائه وصفاته التي تقتضي ما يفعله بالعباد من الهدى والرزق والنصر، فهذا أعظم ما يسأل الله تعالى به.

فقول المنازع: لا يُسأل بحق الأنبياء، فإنه لا حق للمخلوق على الخالق ممنوع.

فإنه قد ثبت في الصحيحين حديث معاذ الذي تقدم إيراده، وقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54]، وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47].

فيقال للمنازع: الكلام في هذا في مقامين:

أحدهما: في حق العباد على الله.

والثاني: في سؤاله بذلك الحق.

أما الأول: فلا ريب أن الله تعالى وعد المطيعين بأن يثيبهم، ووعد السائلين بأن يجيبهم، وهو الصادق الذي لا يخلف الميعاد، قال الله تعالى: وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء:122]، وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:6]، فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ [إبراهيم:47].

فهذا مما يجب وقوعه بحكم الوعد باتفاق المسلمين.

وتنازعوا: هل عليه واجب بدون ذلك؟ على ثلاثة أقوال كما تقدم.

قيل: لا يجب لأحد عليه حق بدون ذلك.

وقيل: بل يجب عليه واجبات ويحرم عليه محرمات بالقياس على عباده.

وقيل: هو أوجب على نفسه وحرّم على نفسه، فيجب عليه ما أوجبه على نفسه، ويحرم عليه ما حرمه على نفسه كما ثبت في الصحيح من حديث أبي ذر رضي الله عنه كما تقدم ].

فيما يتعلق بالأقوال الثلاثة فإن من القول الأول فرع عن القول الثالث، فالقول الأول مجمل والثالث مفصّل، فالقول الأول فيه نقص، وهو قوله: قيل: لا يجب لأحد عليه -أي: على الله عز وجل- حق بدون ذلك، أي بدون ما أوجبه الله على نفسه، وهذا هو الصحيح، لكن التفصيل الذي جاء في القول الثالث أبين وأوضح، وهو قول جمهور السلف.

أما القول الثاني وهو قول المعتزلة، وقد أنكر عليهم السلف القول بإيجاب شيء على الله عز وجل هذا أمر.

الأمر الآخر: أن كلمة الوجوب هنا لا تعني وجوب التكليف؛ لأن الله عز وجل لا مكره له، وهو سبحانه الحي القيوم القائم على شئون عباده، بيده مقاليد السماوات والأرض ليس لأحد عليه أمر، فهو الآمر الناهي، وهو المشرّع، وهو سبحانه المكلّف لعباده، لكن تساهل بعض الناس فأطلقوا على ما يلزم في حق الله عز وجل عبارة الوجوب، بمعنى أن ما ألزم الله به نفسه أو ما كان من سنن الله عز وجل التي لا تتبدل، أو ما قرر الله عز وجل أنه كائن أو يكون، سواء في ذلك الأمور الكونية والأمور الشرعية، فإن هذا قد يعبر عنه بأنه لازم، يعني بمعنى أنه من سنن الله الكونية والشرعية، وهذا اللزوم أطلق عليه البعض الوجوب، لا وجوب التكليف وإنما هو وجوب اللزوم أو الالتزام، ومع ذلك فإن العبارة لا تليق، لكن قد يلجأ إليها بعض العلماء عند البيان أو عند الرد، أو في مثل هذا التفصيل الذي ذكره الشيخ.

إذاً: فيما يتعلق بالقول الأول والثالث يقصد بالوجوب اللزوم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والظلم ممتنع منه باتفاق المسلمين، لكن تنازعوا في الظلم الذي لا يقع، فقيل: هو الممتنع، وكل ممكن يمكن أن يفعله لا يكون ظلماً؛ لأن الظلم إما التصرف في ملك الغير، وإما مخالفة الأمر الذي يجب عليه طاعته، وكلاهما ممتنع منه ].

هذا الأمر فصّل فيه الأشعري في مقالات الإسلاميين، وذكر أقوال الناس في ذلك، لكن مما ينبغي فهمه وهو ما أشار إليه الشيخ هنا، وهو أنه لا ينبغي أن يقال في حق الله ذلك، فإنا نعلم جزماً بأن الله عز وجل ليس بظلّام للعبيد، وليس في أفعاله ظلم، وأن الله فعّال لما يريد، وأن ما يفعله الله كله حق وعدل؛ ونظراً لأن الله عز وجل يفعل في ملكه ما يشاء فإن كل ما يفعله في عباده فهو عدل وليس بظلم.

وهذا مؤدى كلام الشيخ في قوله: فقيل: هو الممتنع، وكل ممكن يمكن أن يفعله لا يكون ظلماً..

إذاً: أفعال الله عز وجل كلها ليست ظلماً، هذا أمر بدهي، فينتج عن ذلك أن كل ما يفعله الله عز وجل لا يمكن أن يكون ظلماً؛ لأن الله يفعل في ملكه ما يشاء، وأفعاله كلها على مقتضى الحكمة والعدل.

فإذاً: الظلم منفي في حق الله عز وجل، ولا ينبغي للمسلم أن يخوض في هذا الأمر، لكن أهل الأهواء خاضوا في ذلك، فالسلف يضطرون إلى الكلام عن ذلك من باب بيان الأقوال وبيان الأخطاء في ذلك، لا من باب التقرير.

قال المؤلف رحمه الله: [ وقيل: بل ما كان ظلماً من العباد فهو ظلم منه.

وقيل: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، فهو سبحانه لا يظلم الناس شيئاً، قال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا [طه:112].

قال المفسّرون: هو أن يُحمل عليه سيئات غيره ويُعاقب بغير ذنبه، والهضم أن يهضم من حسناته ].

يعني يُنقص منها.

قال رحمه الله: [ وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40]، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ [هود:101] ].

ذكر الشيخ قبل قليل قال: (فيقال للمنازع: الكلام في هذا في مقامين)، يعني الكلام فيما يتعلق بما سبق ذكره من سؤال الله بأسمائه وصفاته، وهو يذكر ما يتعلق بقول المنازع: لا يسأل بحق الأنبياء فإنه لا حق للمخلوق على الخالق، الشيخ يقول: إن هذا فيه تفصيل، وأن في هذه القاعدة تفصيل ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: ما يتعلق بحق العباد على الله.

وذكر أنه لا يجب على الله إلا ما أوجبه على نفسه، والوجوب هنا بمعنى الالتزام، لا بمعنى تكليف، هذا المقام الأول.. فهذا حق يمكن أن يُعبّر عنه بأنه حق للأنبياء أو حق للخلق، وهو مما أوجبه الله على نفسه، أو وعد به عباده أو بعض عباده.

والمقام الثاني في هذه القاعدة، وهو ما سيذكره الشيخ الآن.

السؤال بحق هو سبب لإجابة السؤال

قال رحمه الله تعالى: [ وأما المقام الثاني فإنه يقال: ما بيّن الله ورسوله أنه حق للعباد على الله فهو حق، لكن الكلام في السؤال بذلك، فيقال: إن كان الحق الذي سأل به سبباً لإجابة السؤال حسُن السؤال به، كالحق الذي يجب لعابديه وسائليه ].

لأن الله عز وجل وعد أن يستجيب دعاء العابدين والسائلين، فكونه يجب لعابدي الله عز وجل وسائليه بمعنى أن الله وعد به، فهذا بمعنى اللزوم، وأن الله عز وجل وعدهم، فهذا الوعد يتحقق بإذن الله عز وجل وبوعده.

السؤال بحق لا علاقة له بإجابة السؤال

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأما إذا قال السائل: بحق فلان وفلان، فأولئك إذا كان لهم عند الله حق أن لا يعذبهم وأن يكرمهم بثوابه ويرفع درجاتهم، كما وعدهم بذلك وأوجبه على نفسه، فليس في استحقاق أولئك ما استحقوه من كرامة الله ما يكون سبباً لمطلوب هذا السائل، فإن ذلك استحق ما استحقه بما يسّره الله له من الإيمان والطاعة، وهذا لا يستحق ما استحقه ذلك، فليس في إكرام الله لذلك سبب يقتضي إجابة هذا ].

هذا صحيح، فالحق للشخص متعلق به هو لا بغيره، فإذا كان هناك رجل صالح عمل من الصالحات فإن ذلك ينفعه، وقد يتعدى نفعه هو بدعائه لغيره، أو بالأسباب التي يعملها تنفع غيره كأن يتسبب لوالديه ببرهما أحياء وأمواتاً، فهذا الأمر -أي: الفعل- متعلق بالشخص نفسه سواء كان مما يرجع ثوابه عليه أو يتعدى نفعه إلى غيره، فإن هذا راجع إلى عمله هو، لكن لا يجوز لغيره أن يستعمل حقه أو يأخذ من حقه فيطلبه من الله عز وجل؛ لأن حق هذا الإنسان متعلق به لا بغيره، فالعبد الصالح أو الرجل الصالح لا يمكن للغير الانتفاع بعمله، أي أن يرجع ثواب عمله أو أن يستشفع أحد بعمله إلا في صورة واحدة، وهي أن يطلب منه الدعاء، أما ما عدا ذلك فإن عمله له ولا يتعدى لغيره، فهذه الصورة إذاً ممنوعة، فقوله: (وأما إذا قال السائل بحق فلان)، فحق فلان له وليس لغيره؛ لأن الله عز وجل جعل لكل إنسان جزاء ما عمل، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

السؤال بدعاء المخلوق وشفاعته وهو قادر على ذلك

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن قال: السبب هو شفاعته ودعاؤه، فهذا حق إذا كان قد شفع له ودعا له، وإن لم يشفع له ولم يدع له لم يكن هناك سبب ].

هذا فيما يتعلق بصورة واحدة؛ لأن الشيخ في المقطع السابق أجمل في قوله: (وفي حق فلان)!

نقول: فلان هل هو حي أو ميت؟ إن كان فلان حياً فإنه لا يجوز ولا يمكن أن تسأله إلا ما يستطيعه، إذا جعلته سبباً وجعلت أعماله سبباً فإن كان السبب الذي تتوسل به هو شفاعته ودعاؤه وهو حي قادر فهذا جائز، تقول: يا فلان اشفع لي، أو أتوسل بك إلى فلان، أو أتوسل بك إلى الله عز وجل.. فهذه صورة صحيحة، أما أن يكون معنى أتوسل بك: أجعلك وسيلة بذاتك وبعملك دون أن تتسبب بالدعاء، فهذه صورة ممنوعة كما هو معلوم.

إذاً قال: (وإن قال السبب هو شفاعته)، أي التوسل بشفاعته وبدعائه فإن هذا جائز؛ لأنه حي قادر يستطيع أن يدعو، وهذه الصورة لا تكون في حق الأموات، لأنه لا يمكن لميت أن يدعو لحي، فإذاً هذه الصورة محصورة في حق الحي القادر كما هو معروف في الصور التي ذكرها الشيخ وفصّل فيها من قبل.

السؤال بالمحبة الإيمانية للمخلوق

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن قال: السبب هو محبتي له وإيماني به وموالاتي له، فهذا سبب شرعي وهو سؤال الله وتوسل إليه بإيمان هذا السائل ومحبته لله ورسوله وطاعته لله ورسوله.

لكن يجب الفرق بين المحبة لله والمحبة مع الله، فمن أحب مخلوقاً كما يحب الخالق فقد جعله نداً لله، وهذه المحبة تضره ولا تنفعه.

وأما من كان الله تعالى أحب إليه مما سواه، وأحب أنبياءه وعباده الصالحين له فحبه لله تعالى هو أنفع الأشياء، والفرق بين هذين من أعظم الأمور ].

هذه المسألة تضمنت صورة جائزة، وهي ما إذا كان سأل المستشفع أو المتوسل بعمل قلبي مشروع أو عمل من أعمال الجوارح.

فإذا توسل المسلم بحبه للرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا توسل بعمله هو لا بالرسول صلى الله عليه وسلم، فلو قال إنسان: اللهم إني أسألك بحبي لرسولك صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، أو اللهم إني أسألك باتباعي لنبيك صلى الله عليه وسلم.. فإنه بهذا توسل بعمله هو المتعلق بحق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يتوسل بذات الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا بعمل غيره.

إذاً هذه الصورة قد تشتبه على كثير من أهل البدع الذين استدلوا على من أجازها بجواز غيرها، وهي من الصور التي قد تخفى على كثير من الناس، ومن هنا فإن أكثر الذين ردوا على أهل السنة والجماعة، وعلى شيخ الإسلام بالذات في هذا المقام جهلوا هذه القضية، وظنوا أن شيخ الإسلام لا يجيز التوسل بالإيمان أو بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ظناً منهم أنه ينفي كل ما يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم من التوسلات، في حين أن الصحيح الذي عليه جمهور السلف أن هناك من صور التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم ما هو جائز كالتوسل بدعائه وهو حي، التبرك بآثاره وهو حي، وكالتوسل بحبه وبالإيمان به وباتباعه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم..

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن قيل: إذا كان التوسل بالإيمان به ومحبته وطاعته على وجهين ].

يعني بالرسول صلى الله عليه وسلم أو بالعمل الصالح.

قال رحمه الله تعالى: [ تارة يتوسل بذلك إلى ثوابه وجنته، وهذا أعظم الوسائل، وتارة يتوسل بذلك في الدعاء كما ذكرتم نظائره ].

يقصد بهذا أن التوسل الجائز له صورتان:

الصورة الأولى: كون المتوسل يريد بذلك الثواب والجنة، حيث يتوسل الإنسان بأعماله الصالحة ويدعو الله عز وجل ويعبده طلباً لثوابه وجنته، فهذا هو الأصل وهو المطلوب من جميع العباد، وهو أصل العبادة وأساسها.

والصورة الثانية: أن يتوسل بالعمل الصالح للوصول إلى غرض آخر، فهذا أيضاً جائز كما في قصة أصحاب الغار الذين توسل كل منهم بعمل صالح لتحقيق غرض وإن كان دنيوياً من جلب نفع أو دفع ضر، فهذا أيضاً جائز بل من الصور المشروعة التي ليس عليها خلاف.

معنى ما جاء عن السلف من التوسل

قال رحمه الله تعالى: [ فيُحمل قول القائل: أسألك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم على أنه أراد: إني أسألك بإيماني به وبمحبته، وأتوسل إليك بإيماني به ومحبته، ونحو ذلك.

وقد ذكرتم أن هذا جائز بلا نزاع.

قيل: من أراد هذا المعنى فهو مصيب في ذلك بلا نزاع ].

ولذلك نجد أن أكثر أهل البدع لا يريدون هذا المعنى، فسائرهم لا يقصدون التوسل بالإيمان به ومحبته إلى الله، إنما يقصدون التوسل بذاته، ولذلك ينادونه ويدعونه من دون الله، فهم فسّروا توسلهم بفعلهم وقولهم، فمن هنا لا يحتاج أن نتكلف أن أغلب أهل البدع لم يريدوا هذا الوجه الصحيح وهو التوسل إلى الله بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وباتباعه وطاعته فإن هذا أمر مشروع، لكنهم لا يقصدونه؛ لأن فعلهم لا يدل على ذلك، ولو قصدوه لجاز هذا كما ذكر الشيخ.

قال رحمه الله تعالى: [ قيل: من أراد هذا المعنى فهو مصيب في ذلك بلا نزاع، وإذا حمل على هذا المعنى كلام من توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته من السلف كما نُقل عن بعض الصحابة والتابعين وعن الإمام أحمد وغيره، كان هذا حسناً، وحينئذ فلا يكون في المسألة نزاع، ولكن كثير من العوام يُطلقون هذا اللفظ ولا يُريدون هذا المعنى، فهؤلاء الذين أنكر عليهم من أنكر، وهذا كما أن الصحابة كانوا يريدون بالتوسل به التوسل بدعائه وشفاعته، وهذا جائز بلا نزاع، ثم إن أكثر الناس في زماننا لا يريدون هذا المعنى بهذا اللفظ ].

إذاً: تحصّل عندنا أن للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم صورتين جائزتين تتفرع عنهما ألفاظ وطرق:

الصورة الأولى: التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم وهو حي، وهذه انتهت بوفاته.

الصورة الثانية: التوسل إلى الله بالإيمان به صلى الله عليه وسلم، وبحبه، واتباعه، والجهاد في سبيل دينه، واقتفاء أثره، وطاعته.. كل هذه الأعمال الإيمانية التي تتعلق بحق الرسول صلى الله عليه وسلم الديني الشرعي يتوسل بها المسلم بقدر ما يعملها.

إذاً تنحصر التوسلات بالنبي صلى الله عليه وسلم بهاتين الصورتين وتتفرع عنهما ألفاظ وصور عدة، لكن هذا من الأصول التي تجمع التوسل الجائز بالنبي صلى الله عليه وسلم.. توسل بدعائه وقد انتهى، والتوسل بما يتعلق بحقوقه واتباعه صلى الله عليه وسلم وهذا جائز، والمسلم يتوسل بقدر ما يعمل.

قال رحمه الله تعالى: [ وأما المقام الثاني فإنه يقال: ما بيّن الله ورسوله أنه حق للعباد على الله فهو حق، لكن الكلام في السؤال بذلك، فيقال: إن كان الحق الذي سأل به سبباً لإجابة السؤال حسُن السؤال به، كالحق الذي يجب لعابديه وسائليه ].

لأن الله عز وجل وعد أن يستجيب دعاء العابدين والسائلين، فكونه يجب لعابدي الله عز وجل وسائليه بمعنى أن الله وعد به، فهذا بمعنى اللزوم، وأن الله عز وجل وعدهم، فهذا الوعد يتحقق بإذن الله عز وجل وبوعده.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأما إذا قال السائل: بحق فلان وفلان، فأولئك إذا كان لهم عند الله حق أن لا يعذبهم وأن يكرمهم بثوابه ويرفع درجاتهم، كما وعدهم بذلك وأوجبه على نفسه، فليس في استحقاق أولئك ما استحقوه من كرامة الله ما يكون سبباً لمطلوب هذا السائل، فإن ذلك استحق ما استحقه بما يسّره الله له من الإيمان والطاعة، وهذا لا يستحق ما استحقه ذلك، فليس في إكرام الله لذلك سبب يقتضي إجابة هذا ].

هذا صحيح، فالحق للشخص متعلق به هو لا بغيره، فإذا كان هناك رجل صالح عمل من الصالحات فإن ذلك ينفعه، وقد يتعدى نفعه هو بدعائه لغيره، أو بالأسباب التي يعملها تنفع غيره كأن يتسبب لوالديه ببرهما أحياء وأمواتاً، فهذا الأمر -أي: الفعل- متعلق بالشخص نفسه سواء كان مما يرجع ثوابه عليه أو يتعدى نفعه إلى غيره، فإن هذا راجع إلى عمله هو، لكن لا يجوز لغيره أن يستعمل حقه أو يأخذ من حقه فيطلبه من الله عز وجل؛ لأن حق هذا الإنسان متعلق به لا بغيره، فالعبد الصالح أو الرجل الصالح لا يمكن للغير الانتفاع بعمله، أي أن يرجع ثواب عمله أو أن يستشفع أحد بعمله إلا في صورة واحدة، وهي أن يطلب منه الدعاء، أما ما عدا ذلك فإن عمله له ولا يتعدى لغيره، فهذه الصورة إذاً ممنوعة، فقوله: (وأما إذا قال السائل بحق فلان)، فحق فلان له وليس لغيره؛ لأن الله عز وجل جعل لكل إنسان جزاء ما عمل، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.




استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [9] 3406 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [1] 2846 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [10] 2814 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [16] 2784 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [31] 2751 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [8] 2654 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [35] 2588 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [29] 2546 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [26] 2521 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [36] 2453 استماع