شرح العقيدة الطحاوية [103]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى:[ قوله: (ولا نصدق كاهناً ولا عرّافاً، ولا من يدّعي شيئاً يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة).

روى مسلم والإمام أحمد عن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة).

وروى الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد).

والمنجم يدخل في اسم العرّاف عند بعض العلماء، وعند بعضهم هو في معناه، فإذا كانت هذه حال السائل فكيف بالمسئول؟

وفي الصحيحين ومسند الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسٌ عن الكهان؟ فقال: ليسوا بشيء، فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدّثون أحياناً بالشيء فيكون حقاً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها في أذن وليه، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة).

وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وحلوان الكاهن خبيث).

وحلوانه: الذي تسميه العامة حلاوته.

ويدخل في هذا المعنى ما يعطاه المنجم وصاحب الأزلام التي يستقسم بها، مثل: الخشبة المكتوب عليها أ، ب، ج، د، والضارب بالحصى، والذي يخط في الرمل، وما يعطاه هؤلاء حرام، وقد حكى الإجماع على تحريمه غير واحد من العلماء، كـالبغوي ، والقاضي عياض .. وغيرهما.

وفي الصحيحين عن زيد بن خالد قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فقال: أتدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب).

وفي صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد عن أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالأنواء، والنياحة).

والنصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسائر الأئمة بالنهي عن ذلك، أكثر من أن يتسع هذا الموضع لذكرها.

وصناعة التنجيم التي مضمونها الإحكام والتأثير، وهو الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية، أو التمزيج بين القوى الفلكية والغوائل الأرضية، صناعة محرمة بالكتاب والسنة، بل هي محرمة على لسان جميع المرسلين، قال تعالى: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:69].

وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [النساء:51] قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره: الجبت السحر.

وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لـأبي بكر غلام يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء، فأكل منه أبو بكر ، فقال له الغلام: تدري مم هذا؟ قال: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أُحسن الكهانة، إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه.

والواجب على ولي الأمر، وكل قادر أن يسعى في إزالة هؤلاء المنجمين والكهان والعرافين، وأصحاب الضرب بالرمل والحصى، والقرع والفالات، ومنعهم من الجلوس في الحوانيت أو الطرقات، أو أن يدخلوا على الناس في منازلهم لذلك، ويكفي من يعلم تحريم ذلك، ولا يسعى في إزالته مع قدرته على ذلك، قوله تعالى: كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:79]، وهؤلاء الملاعين يقولون الإثم، ويأكلون السحت بإجماع المسلمين، وثبت في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم برواية الصديق رضي الله عنه عنه، أنه قال: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه).

وهؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال الخارجة عن الكتاب والسنة أنواع:

نوع منهم: أهل تلبيس وكذب وخداع، الذين يظهر أحدهم طاعة الجن له، أو يدعي الحال من أهل المحال، من المشايخ النصابين، والفقراء الكاذبين، والطرقية المكارين، فهؤلاء يستحقون العقوبة البليغة التي تردعهم وأمثالهم عن الكذب والتلبيس، وقد يكون في هؤلاء من يستحق القتل، كمن يدّعي النبوة بمثل هذه الخزعبلات، أو يطلب تغيير شيء من الشريعة.. ونحو ذلك.

ونوع يتكلم في هذه الأمور على سبيل الجد والحقيقة بأنواع السحر، وجمهور العلماء يوجبون قتل الساحر، كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في المنصوص عنه، وهذا هو المأثور عن الصحابة، كـعمر وابنه وعثمان .. وغيرهم رضي الله عنهم، ثم اختلف هؤلاء هل يستتاب أم لا؟ وهل يكفر بالسحر، أم يُقتل لسعيه في الأرض بالفساد؟

وقالت طائفة: إن قَتَلَ بالسحر قُتل، وإلا عوقب بما دون القتل إذا لم يكن في قوله وعمله كفر، وهذا هو المنقول عن الشافعي ، وهو قول في مذهب أحمد رحمهما الله ].

أصول الدجل والتنجيم والكهانة

يحسن الوقوف عند بعض الأمور مما سبق، أولاً: فيما يتعلق بأصول الدجل، وهنا الشارح رحمه الله عرض صوراً من صور الدجل والتنجيم والكهانة، وبعضها قد يشبه بعضاً، وبعضها مرادف للبعض الآخر، لكن عند الاستقراء نجد أن أصول الدجل التي ذكرها أهل العلم، ومنها ما ذكر الشارح هنا ترجع إلى أربعة أمور:

الأمر الأول: دعاوى النبوة، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء بأنهم دجالون، فأعظم الدجالين ذنباً وأكذبهم وأخطرهم وأشدهم هم الذين يدّعون النبوة، وهؤلاء يجب قتلهم بكل حال، ليس فيهم خلاف، من ادعى النبوة وهو عاقل سوي، ثم أصر على دعواه يجب قتله.

الأمر الثاني: السحر، والسحر أنماط وأصناف وأنواع، ويدخل في السحر أحياناً المؤثرات المعنوية، ليس السحر فقط هو الأمور المادية، بل المؤثرات المعنوية تدخل في معنى السحر لغة وشرعاً.

الأمر الثالث: الكهانة، والكهانة تعتمد على دعاوى الغيب.

الأمر الرابع: التنجيم.

وهذه الأمور قد تتداخل أحياناً، قد يكون المنجم ساحراً، وقد يكون المنجم كاهناً، وقد يكون الكاهن ساحراً والساحر كاهناً، لكن ومع ذلك فإن هذه الأصول إذا انفرد أحدها صار نوعاً من الدجل، وإذا اجتمعت فهي دجل مغلّظ مركب، وعلى هذا فإن الأمور التي ذكرها الشارح هي صور من صور هذه الأصناف الأربعة، فمثلاً: ذكر هنا العرّاف، العرّاف يدخل في مفهوم الكهانة، ويدخل في مفهوم التنجيم، ويدخل أحياناً في مفهوم السحر؛ لأن الساحر أحياناً يكون عرّافاً، بل المنجم يستعمل العرافة، والعرّاف أيضاً يستعين بالسحر وبالتنجيم، وسيأتي تعريف العرّاف بعد قليل، وكذلك أصحاب الأزلام، وذكر الشارح نموذجاً من صور من فعل الأزلام، التي من ضمنها وضع أشياء وكتابة حروف عليها، وربط الأفعال والتصرفات بهذه الحروف والرموز أو الألوان، كأن يلون الإناء أو الخشبة بألوان ثلاثة أو أربعة، ويقول: إن خرج عليك اللون الأخضر فامض إلى فعلك، وإذا خرج عليك الأحمر فلا تمض، أو إذا خرج عليك حرف كذا فامض، وإذا ما خرج الحرف الفلاني فاترك، أو إذا خرج عليك صورة طير أحمر فامض، وإذا ظهر عليك صورة طير أسود فلا تمض.. إلى آخره، كل هذه الصور تعتبر من الاستقسام بالأزلام، أو ما يستعمله أهل الجاهلية من وضع الأقداح، فإذا خرج منها نوع معين أو لون معين أو شكل معين أو طفحت أو غرقت.. إلى آخره، كل هذه صور من صور الاستقسام بالأزلام.

وكذلك الضرب بالحصى، واعتبار أن نوع الضرب أو صوت الضرب أو لمس الحصاة.. إلى آخره يختلف من دجال إلى دجال؛ لأن كثيراً من الدجاجلة يحرص على أن يعمل خلاف ما يعمله غيره؛ ليتميز بشيء، ويرجع كل ذلك إلى نوع واحد.

والخط في الرمل، وهو الخط بخطوط متعرجة ومستقيمة.. أو نحو ذلك، فهذا يكثر ولا يزال يمارس في التمويه على الناس والعامة.

وكذلك من صور هذه الأفعال: التنجيم، التنجيم على صور كثيرة: من اعتقاد أن النجوم لها تأثير في الأرض، أو في مقاليد الأرض، أو في الأقدار، أو أن المطالع في الجملة لها تأثير في حياة الناس وفي أفعالهم وتصرفاتهم وأعمارهم وشقاوتهم وسعادتهم.. إلى آخره، أو أن النجوم لها تأثير في مضي الناس أو عدم مضيهم في الأعمال والأقوال وغيره.. إلى آخره!

والتنجيم أيضاً له صور كثيرة تبدأ من عبادة النجوم، وتنتهي باعتقاد التأثير في النجوم، وبين هذه الصور صور كثيرة.

وكذلك من الصور التي ذكرها الشيخ: القرع الذي هو ضرب شيء بشيء.. أو نحو ذلك، والفالات التي تسمى في بعض البلاد الحظ، ويمارس فيها الدجل علناً في الشوارع، والآن الحظ والفالات والطوالع صارت تنتشر في بعض وسائل الإعلام، في بعض الجرائد اللبنانية والمصرية.. وغيرها، ويضعون الآن للمنجمين صفحات تحت عناوين برّاقة وجذّابة، وهي تقوم على الفالات والحظ، ويتوارد السائلون على هؤلاء الدجالين والمنجمين في سؤالهم عن حقوقهم، وعن مقاديرهم، وعما يفعلونه أو يتركون.. إلى آخره، فيفتونهم بهذه الأساليب الشيطانية، ويقول: أنت صاحب حظ سعيد! أو الوقت الفلاني مشئوم فلا تذهب ولا تسافر فيه على النجم الفلاني! وأنت في الوقت الفلاني يجب أن تفعل كذا أو لا تمضي أو تمضي.. إلى آخره، هذا الدجل الموجود في السابق أصبح الآن يسمى بأسماء براقة خداعة، وكله يدخل في مجالات الفالات والحظ.

وهؤلاء أيضاً لا يزال كثير منهم في البلاد الأخرى الإسلامية يجلسون في الحوانيت والطرقات، ويمتحنون الناس في دينهم.

ومن هذا: دعاوى الصوفية، وهم من يدّعي الحال من أهل المحال، هذا يرجع إلى دعاوى السحرة، ودعاوى الفلاسفة، ودعاوى الصوفية، قال: (من المشائخ النصّابين، والفقراء الكذّابين، والطرقية المكّارين، فهؤلاء كلهم من أصناف أهل التصوف.

فمشايخ الطرق الصوفية وأحوالها وأورادها وأشكالها يخربون عقائد الناس بالله، ويرتزقون باسم الدين.

كذلك المدعون العبادة والتمسك يسمون الفقراء، وهو اسم من أسماء الصوفية والطرقية كذلك، كل هذه صور من صور الدجل ذكرها الشيخ.

كذلك الطلاسم، وهي كل ما كان غامضاً بذاته، أو علق بأمر غامض، كتعليق الأمور بالرموز، وتعليق الأمور بالأحرف والكلمات المبهمة، والأصوات الغريبة.. إلى آخره، كل هذا من باب الطلاسم.

إذاً: هذه الصور كلها لا تخرج عن الأصول الأربعة التي ذكرتها: إما دجل المنجمين الكذابين، وإما دجل السحرة أو الكهنة أو العرافين.

حقيقة الكهانة والتنجيم والسحر وأنواعه

الكهانة: هي تعاطي الأمور الغيبية، وممارسة الأشياء الغامضة البسيطة، وادعاء كشف الأسرار، وادعاء القدرة على خرق العادات، ولهذا يدخل السحر في الكهانة، وبعض صور التنجيم تدخل في الكهانة أيضاً.

أما السحر فالمقصود به ما خفي ولطف سببه، وعلى هذا فالسحر أكثره طلاسم.

والسحر عمل غامض يبهر الناس، وغالباً يكون بمعونة الشياطين، سواء شياطين الإنس أو شياطين الجن.

وقيل: إن السحر هو أعمال دقيقة تؤثر في القلوب والأبدان، تتم بعزائم ورقى وحركات شيطانية، وهذا وصف من أوصافه، وإلا فالسحر: هو كل ما خفي ولطف سببه، سواء كان هذا الأمر مما ليس له تفسير شرعي، أو مما ليس له تفسير مادي وعقلي.

وما لم تستوعبه العقول، أو يفسره العلم، ولم يقر به الشرع، فهو سحر، وما أثر في مقادير الخلق وأحوالهم من الأمور التي ليس لها أصل شرعي، وليست معقولة عند العقلاء، فهي سحر، ولذلك الآن يدخل في السحر صور كثيرة مما يمارسه الدجالون الآن.

والسحر كما هو معروف نوعان، ومن عرف هذين النوعين خرج مما وقع فيه كثير من الناس من الخلاف في السحر، فالسحر منه ما هو حقيقي، ومنه ما هو خيالي، وأكثر الخيال يرجع إلى حقائق، وأكثر الحقائق ترجع إلى خيالات أيضاً.

فمن هنا السحر نوعان: سحر حقيقي، وهو أن يعمل الساحر أشياء مادية ظاهرة التأثير بينة، وتكون بينه وبين أعوانه من الشياطين، فالساحر يربط أحوال الناس الذين يؤثر فيهم بفعل الشياطين بأمور غامضة، يقوم بعمل أمور مادية أو وضع نجاسات أو غيرها، ويجعلها بمثابة العقد بينه وبين الشيطان، وأنه ما دامت هذه الأشياء موجودة محفوظة في مكان معين أو على نمط معين، فإنها هي الرابط بين الشيطان وبين الساحر للتأثير في الآدمي.

وهذا التأثير يرجع إلى أمر حقيقي، ولذلك كثير من الناس إذا وفق إلى معرفة مكان السحر وإتلافه بإذن الله يشفى؛ لأنه هو العقد بين الشيطان وبين هذا الساحر، أو بين الشياطين وبين هذا الساحر.

فهذا النوع أيضاً يعتبر نمطاً من أنماط السحر، ولذلك ينبغي لمن أصيب له قريب -لا قدر الله- بسحر أن يحاول أن يتعرف على مكان السحر، ولو عن طريق ما تنطق به الجن إذا ما قصد ذلك، إنما جاءه من باب استعمال الرقية.

فإذا أخبر الجن بمكان سحر، فإن كانوا صادقين فهذا خير ونعمة وكرامة للعبد أن يشفى بسبب هذا الخبر، لكن لا ينبغي أن يتعلق القارئ بالاستعانة بالجن، فيكون هذا من باب الاستدراج والابتلاء، لكن إذا جاءه الأمر بدون اختياره أو قصده وتعمده فهذا لا حرج فيه؛ فقد وقع منذ عهد الصحابة إلى يومنا هذا.

فالسحر الحقيقي كثير، وأكثر ما يؤثر في العباد من قبل هؤلاء الأشرار قاتلهم الله، هو السحر الحقيقي الذي يؤثر تأثيراً حقيقياً، سواء أثر في أمر مادي جسماني، أو في أمر معنوي نفسي، فكل هذا يرجع إلى أصل واحد وهو السحر الحقيقي.

أما السحر التخييلي فهو ما يكون تأثيره تأثيراً نفسياً.. أو نحو ذلك، أو يكون باستعمال الشياطين مباشرة، بحيث تؤثر على تفكير الإنسان وتسيطر عليه، وهذا قد يكون بتأثير مباشر من الجني أو الشيطان.

وهذا السحر توجد منه نماذج، وهو نوع من الجنون والمس، سواء عُلِم أو لم يُعلم، وأحياناً يجتمع الأمران: السحر الحقيقي، والسحر التخييلي.

أما التنجيم فهو ادعاء تأثير النجوم في مقادير الخلق، أو مقادير الكون، أو بعضها.

والكهانة أيضاً لها أصناف: العيافة كهانة، والطرق كهانة، والعرافة كهانة، وأحياناً التنجيم والسحر يكونان من الكهانة.

ذكر بعض الصور الداخلة في التنجيم والسحر والكهانة

هناك بعض الصور تدخل في التنجيم والسحر والكهانة، وبعض الناس قد لا يرى هذه الصور من السحر والكهانة والعرافة والدجل.

فمثلاً: من صور الدجل ما ذكره الشيخ في الشرح ولا نعيده، لكن من الصور أيضاً ما يسمى بصب الرصاص، هذا موجود إلى وقت قريب، وربما يوجد الآن في بعض البلاد يفتن به العامة، يزعمون أن بعض الناس ممن يعالج بالأدوية الشعبية أنه من الوسائل التي يتعرف بها على العائن، أو على الساحر، فيقوم الكاهن أو المشعوذ بصب الرصاص في إناء، ويجعله قريباً من المريض على شكل معين، ويدعي أن صورة العائن أو صورة الساحر تظهر في الرصاص الموجود في الإناء.

ولا شك أن إظهار صورة الساحر أو العائن في الرصاص يكون عن طريق الجن، وقد يكون حقيقة، لكن بواسطة مخلوق غيبي، فمن هنا وقع المحظور، بعض الناس يقول: هذا ليس فيه شيء، نقول: لا؛ لأنك استعملت وسائل غير مشروعة لإخراج أو إظهار الأمور الغيبية، فهذه الكهانة بعينها، فتفسيرها بالتفسيرات الموهمة أو المضللة لا يعني أنها حلال، وفي هذه الأيام كثير من العوام يعتقد أن صب الرصاص لا شيء فيه، يعني: تجد الواحد منهم يرى أن الذهاب إلى كاهن معلن بالكهانة أو ساحر معلن بالسحر حرام وكفر، لكن يستبيح الذهاب إلى الذي يصب الرصاص، وهو دجال من الدجاجلة، وما هو إلا كاهن، والكهانة من السحر.

كذلك من الصور: استعمال الرقى والعزائم غير الشرعية. هذا نوع من الدجل؛ لأن فيها يتم استخدام الجن عمداً، لكن كما قلت إذا خدم الجن الإنسان دون أن يتعمد فهذا من فضل الله عز وجل، بشرط ألا يكون هذا عادة، لأنه ربما يكون هذا من باب الابتلاء والاستدراج، لكن أن يتعمد الإنسان استخدام الجن فهذا نوع من الاستعانة بالجن من ناحية، وهو حرام، ونوع من سيطرة الجن على الإنس، وهذا هو الاستمتاع المنهي عنه ما بين الإنس والجن، وذلك بأن يفيدك الجني بمكان السحر، أو يفيدك بمعرفة العائن أو الساحر، أو بأي نوع من أنواع الإفادة، فإذا وصل الأمر إلى حد إدمان الاستعانة بالجن، والاستمتاع بمواهبهم وقدراتهم في عقد أو عهد أو وعد، فإن هذا ممنوع.

أما ما حدث من السلف ولا يزال يحدث من كثير من الصالحين أن الجن يعينون الإنسان بدون ما يكون بينه وبينهم عقد ولا عهد فهذا أمر كما قلت أحياناً يكون من باب الكرامة، وقد يكون من باب الابتلاء، فلذلك إذا كثر عند القارئ أو الراقي الاستعانة بالجن أو معاونة الجن له وتعلقهم به، فهذا نوع من الاستخدام غير المشروع، فليتنبه.

ومن أتى عرافاً فإنه لا بد أن يصلي ويؤمر بالصلاة، لأنه أولاً ممن يجب أن يشرع بالتوبة فيتوب، فإذا تاب تاب الله عليه.

الأمر الثاني: من أحاديث الوعيد: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) فهذا من أحاديث الوعيد لا يعني ضرورة تحققها؛ لأن الله عز وجل قد يغفر له، وقد يوفق لصلاته فيتوب، وأيضاً ربما يبقى له أصل سقوط الفرض عنه وبقاء الإسلام ولو لم تقبل الصلاة، فإن الصلاة قد لا تقبل، لكن يسقط بها الفرض ويكون مسلماً، فما دام على الإسلام نلزمه بالصلاة، فينبغي ألا نسقط إقامة الصلاة عليه ولو لم تقبل منه، فرق بين القبول وبين مجرد إقامة الصلاة، وكذلك قد يبقى له أصل الإسلام وإن لم تقبل منه الصلاة.

كذلك من الصور: بعض الناس عنده نوع من الهسترة، أو ما يسمونهم بعقلاء المجانين أو مجانين العقلاء، هناك فئة من الناس يكون عندها نوع من الاضطراب النفسي أو العقلي، هذا النوع يكون فيه جني، فيطلع الناس ويخبرهم بما لم يدركوه، وهذا حدث.

فأنا أعرف بعض المجانين أو أشباه المجانين، أحياناً تأتيه حالة يخبرك عن شيء بينك وبينه عدة كيلو مترات، فيكون حقيقة، فينبغي للناس ألا يستفزوه لمثل هذه الأمور، ولا يستفيدوا منه أو يستنطقوه؛ لأن هذا نوع من استخدام الجن، فهو ممسوس أو عنده خلل في عقله، فلا يجوز للناس أن يستفيدوا من هذه الخصلة فيه في اكتشاف الغائب؛ لأنه نوع من الدجل، بعض الناس يتلهى بهذا ويتلذذ.

وأنا أعرف طالب علم تعرف على نوع من هذا الفئة، فوجد عنده بعض الأخبار، ففتن به، فهو دائماً يبحث عنه ويبدأ يستشيره وكأنه من النوع الموهوب، لكن عنده اضطراب، فإذا استشاره بدأ هذا الممسوس يهذي بأمور، ويخبر بأشياء هي عن طريق الجن، بل صار هذا الطالب يدمن استشارة هذا الممسوس، حتى إنه كشف من خلاله أشياء كثيرة.

فينبغي لمثل هذا أن يخوف بالله عز وجل، ويوضح له أنه نوع من أنواع الدجل، سواء كانت بعض الأخبار مفيدة؛ لأن الجني يعلم ما لا يعلمه الإنسي، وقد تحجب عن الإنس أشياء لا تحجب عن الجن، فلا تعتبر هذا كرامة لك، أو أنه من الأمور المباحة أو الجائزة، بل العكس، فهذا من أبواب الفتنة التي تحدث عند بعض الناس، وهو نوع من الدجل.

أيضاً من أنواع الدجل والسحر ما يسمى بالزار هذا يوجد عند بعض الجهلة، الذين يكونون غالباً من أصحاب اللهو والعبث والرقص والأغاني.. وغيرها، فهؤلاء في الغالب تستحوذ عليهم الشياطين، وبعضهم يكون بينه وبين الشياطين عقود لدفع ضر أو جلب نفع.. أو نحو ذلك، فهذه العقود تتم عبر أشياء معينة، مثل: لبس خاتم، أو التأثر بكلمات تكون هي شعار بين الشيطان وبين الإنسي، فأحياناً تحدث من هذا الشخص بعض الحالات الغريبة، كأن يقفز في السماء إلى مسافة ليست من معهود الناس ولا من مقدورهم.. إلى آخره، فيتعلق به بعض الناس ويفتنون به.

فالزار من أنواع الدجل، بل إنه من الدجل المغلظ، فإنه في الغالب لا يكون إلا بالشرك.

ومن هؤلاء أصحاب دعوى العلم اللدني، ولذلك نجد أغلب شيوخ الصوفية دجاجلة، وأغلب شيوخ الرافضة دجاجلة، فهم دجالون بالمعنى الشرعي؛ لأنهم يدعون الغيب، ولأنهم يستحوذون على عقول العامة بهذه الأمور، وإن لم يدعوا العلم اللدني، وأن عندهم ما ليس عند الناس، وأن الله خصهم بعلم وخصهم بتصرف في مقاليد الكون، أو بكشف أمور من أمور الغيب، فهؤلاء كلهم من فئة الدجال، ويدخلون في الفئات الأربع، حتى في السحرة؛ لأن هذا نوع من السحر، والله أعلم.

يحسن الوقوف عند بعض الأمور مما سبق، أولاً: فيما يتعلق بأصول الدجل، وهنا الشارح رحمه الله عرض صوراً من صور الدجل والتنجيم والكهانة، وبعضها قد يشبه بعضاً، وبعضها مرادف للبعض الآخر، لكن عند الاستقراء نجد أن أصول الدجل التي ذكرها أهل العلم، ومنها ما ذكر الشارح هنا ترجع إلى أربعة أمور:

الأمر الأول: دعاوى النبوة، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء بأنهم دجالون، فأعظم الدجالين ذنباً وأكذبهم وأخطرهم وأشدهم هم الذين يدّعون النبوة، وهؤلاء يجب قتلهم بكل حال، ليس فيهم خلاف، من ادعى النبوة وهو عاقل سوي، ثم أصر على دعواه يجب قتله.

الأمر الثاني: السحر، والسحر أنماط وأصناف وأنواع، ويدخل في السحر أحياناً المؤثرات المعنوية، ليس السحر فقط هو الأمور المادية، بل المؤثرات المعنوية تدخل في معنى السحر لغة وشرعاً.

الأمر الثالث: الكهانة، والكهانة تعتمد على دعاوى الغيب.

الأمر الرابع: التنجيم.

وهذه الأمور قد تتداخل أحياناً، قد يكون المنجم ساحراً، وقد يكون المنجم كاهناً، وقد يكون الكاهن ساحراً والساحر كاهناً، لكن ومع ذلك فإن هذه الأصول إذا انفرد أحدها صار نوعاً من الدجل، وإذا اجتمعت فهي دجل مغلّظ مركب، وعلى هذا فإن الأمور التي ذكرها الشارح هي صور من صور هذه الأصناف الأربعة، فمثلاً: ذكر هنا العرّاف، العرّاف يدخل في مفهوم الكهانة، ويدخل في مفهوم التنجيم، ويدخل أحياناً في مفهوم السحر؛ لأن الساحر أحياناً يكون عرّافاً، بل المنجم يستعمل العرافة، والعرّاف أيضاً يستعين بالسحر وبالتنجيم، وسيأتي تعريف العرّاف بعد قليل، وكذلك أصحاب الأزلام، وذكر الشارح نموذجاً من صور من فعل الأزلام، التي من ضمنها وضع أشياء وكتابة حروف عليها، وربط الأفعال والتصرفات بهذه الحروف والرموز أو الألوان، كأن يلون الإناء أو الخشبة بألوان ثلاثة أو أربعة، ويقول: إن خرج عليك اللون الأخضر فامض إلى فعلك، وإذا خرج عليك الأحمر فلا تمض، أو إذا خرج عليك حرف كذا فامض، وإذا ما خرج الحرف الفلاني فاترك، أو إذا خرج عليك صورة طير أحمر فامض، وإذا ظهر عليك صورة طير أسود فلا تمض.. إلى آخره، كل هذه الصور تعتبر من الاستقسام بالأزلام، أو ما يستعمله أهل الجاهلية من وضع الأقداح، فإذا خرج منها نوع معين أو لون معين أو شكل معين أو طفحت أو غرقت.. إلى آخره، كل هذه صور من صور الاستقسام بالأزلام.

وكذلك الضرب بالحصى، واعتبار أن نوع الضرب أو صوت الضرب أو لمس الحصاة.. إلى آخره يختلف من دجال إلى دجال؛ لأن كثيراً من الدجاجلة يحرص على أن يعمل خلاف ما يعمله غيره؛ ليتميز بشيء، ويرجع كل ذلك إلى نوع واحد.

والخط في الرمل، وهو الخط بخطوط متعرجة ومستقيمة.. أو نحو ذلك، فهذا يكثر ولا يزال يمارس في التمويه على الناس والعامة.

وكذلك من صور هذه الأفعال: التنجيم، التنجيم على صور كثيرة: من اعتقاد أن النجوم لها تأثير في الأرض، أو في مقاليد الأرض، أو في الأقدار، أو أن المطالع في الجملة لها تأثير في حياة الناس وفي أفعالهم وتصرفاتهم وأعمارهم وشقاوتهم وسعادتهم.. إلى آخره، أو أن النجوم لها تأثير في مضي الناس أو عدم مضيهم في الأعمال والأقوال وغيره.. إلى آخره!

والتنجيم أيضاً له صور كثيرة تبدأ من عبادة النجوم، وتنتهي باعتقاد التأثير في النجوم، وبين هذه الصور صور كثيرة.

وكذلك من الصور التي ذكرها الشيخ: القرع الذي هو ضرب شيء بشيء.. أو نحو ذلك، والفالات التي تسمى في بعض البلاد الحظ، ويمارس فيها الدجل علناً في الشوارع، والآن الحظ والفالات والطوالع صارت تنتشر في بعض وسائل الإعلام، في بعض الجرائد اللبنانية والمصرية.. وغيرها، ويضعون الآن للمنجمين صفحات تحت عناوين برّاقة وجذّابة، وهي تقوم على الفالات والحظ، ويتوارد السائلون على هؤلاء الدجالين والمنجمين في سؤالهم عن حقوقهم، وعن مقاديرهم، وعما يفعلونه أو يتركون.. إلى آخره، فيفتونهم بهذه الأساليب الشيطانية، ويقول: أنت صاحب حظ سعيد! أو الوقت الفلاني مشئوم فلا تذهب ولا تسافر فيه على النجم الفلاني! وأنت في الوقت الفلاني يجب أن تفعل كذا أو لا تمضي أو تمضي.. إلى آخره، هذا الدجل الموجود في السابق أصبح الآن يسمى بأسماء براقة خداعة، وكله يدخل في مجالات الفالات والحظ.

وهؤلاء أيضاً لا يزال كثير منهم في البلاد الأخرى الإسلامية يجلسون في الحوانيت والطرقات، ويمتحنون الناس في دينهم.

ومن هذا: دعاوى الصوفية، وهم من يدّعي الحال من أهل المحال، هذا يرجع إلى دعاوى السحرة، ودعاوى الفلاسفة، ودعاوى الصوفية، قال: (من المشائخ النصّابين، والفقراء الكذّابين، والطرقية المكّارين، فهؤلاء كلهم من أصناف أهل التصوف.

فمشايخ الطرق الصوفية وأحوالها وأورادها وأشكالها يخربون عقائد الناس بالله، ويرتزقون باسم الدين.

كذلك المدعون العبادة والتمسك يسمون الفقراء، وهو اسم من أسماء الصوفية والطرقية كذلك، كل هذه صور من صور الدجل ذكرها الشيخ.

كذلك الطلاسم، وهي كل ما كان غامضاً بذاته، أو علق بأمر غامض، كتعليق الأمور بالرموز، وتعليق الأمور بالأحرف والكلمات المبهمة، والأصوات الغريبة.. إلى آخره، كل هذا من باب الطلاسم.

إذاً: هذه الصور كلها لا تخرج عن الأصول الأربعة التي ذكرتها: إما دجل المنجمين الكذابين، وإما دجل السحرة أو الكهنة أو العرافين.