شرح الأربعين النووية - الحديث الثاني والأربعون


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

قال المصنف رحمه الله: [ عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح ].

هذا الحديث هو خاتمة الأربعين حديثاً التي جمعها الإمام الجليل النووي رحمه الله، وذلك عملاً بما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من حفظ على أمتي أربعين حديثاً .. .

وهذا نوع من أنواع جمع الحديث، فقد يجمع العالم أربعين حديثاً عامة، وقد يجمع أربعين حديثاً خاصة؛ كأربعين حديثاً في فضل المدينة، أو أربعين حديثاً في فضل الاستغفار، أو أربعين حديثاً فيما يتعلق بالحج، فقد يفرد بعض العلماء أربعين حديثاً في موضوع واحد.

والإمام النووي رحمه الله جمع لنا هذه الأربعين المتنوعة، التي اشتملت على التوجيهات النبوية الكريمة بما فيها من أخلاق ومواعظ وتوجيه، وهذا هو الحديث الختامي.

لقد أشار علماء الحديث الذين تعرضوا لهذا المجموع في الحديث الحادي والأربعين في قوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به، إلى أن هذا الحديث ينبه كل مسلم بأنه يجب عليه أن يروض نفسه على أن تكون ميوله ورغباته واتجاهاته كلها تابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد أشرنا إلى ذلك، وذكرنا ما يتعلق بالحديث من الأحكام من محاربة البدع ولزوم اتباع الكتاب والسنة، وأن ميزان إيمان المؤمن هو في رضاه بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك نفي الإيمان عمن لم يرض بحكم رسول الله وقضائه، ومن لم يسلم له تسليماً.

وفي الختام كأن النووي رحمه الله يختم هذه المجموعة بهذا الحديث، ليعظم في نفس كل مسلم رجاء رحمة الله. وليعلم بسعة فضل الله.

وهذا الحديث من أرجى أحاديث السنة النبوية، فهو يربط العبد بربه، ويجعله فسيح الأمل والرجاء في واسع فضل الله سبحانه وتعالى.

نأتي إلى شرح ألفاظ الحديث وجمله، ثم يأتي التعليق عليه بما تيسر، والله أسأل أن يعيننا وأن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه.

هذا حديث أنس ، وأنس هو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يرويه عن ربه: إن الله سبحانه وتعالى يقول: (يا ابن آدم!)، وأول ما يلفت الانتباه هنا تعميم هذا النداء، فلم يقل: أيها المسلمون! ولا أيها المؤمنون! إنما نص على بني آدم، فقال: (يا ابن آدم!)، من أبينا الأكبر آدم عليه السلام إلى نهاية ذريته، وفيهم المسلم والكافر، والبر والفاجر، والعاصي والتقي، كل بني آدم داخل في هذا النداء الذي يدعوهم به المولى سبحانه.

و(آدم): هل هو من أديم الأرض أو من الأُدمة وهي السمرة؟

قالوا: لقد أُعطي آدم جمالاً عظيماً، وأُعطي يوسف ثلاثة أعشار جمال آدم عليه السلام، ولم يكن آدم أسمر أو فيه أُدمة،

ولكن اشتق اسمه من أدمة الأرض، أي: من وجه الأرض، والأرض طبقات متنوعة، فجمع الله طينة آدم من مختلف أنواع طينة الأرض، وخلقه ونفخ فيه من روحه، ومن هنا جاءت ذرية آدم على اختلاف طبائع الأرض منهم الصعب القاسي، ومنهم الهين اللين، ومنهم الأبيض، والأحمر، والأسود، كما في قوله تعالى: وَغَرَابِيبُ سُودٌ [فاطر:27].

وقوله: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني، يقولون: (ما) هنا مصدرية ظرفية، أي: مدة دعائك إياي ورجائك فيما عندي. إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، وهنا يطرح سؤال: هل هذا الشرط وجزاؤه يفيد أنه مهما دعوتني غفرت لك على ما كان منك أم أن المقصود الدعاء مع مراعاة آدابه التي جاءت عنه صلى الله عليه وسلم؟ الثاني

من آداب الدعاء

ننظر إلى ما قيل في آداب الدعاء على سبيل الإجمال:

أولاً وقبل كل شيء: الإخلاص، فحينما تتوجه إلى الله بالدعاء يجب أن تكون مخلصاً في دعائك. وكذلك لا تدع بقطيعة رحم ولا بإثم، أي: لا تدع أن يسهل الله لك طريق معصية، ولا تدع بأن تقطع رحماً قريباً لك، ولا تدع على قريب لك بالسوء.

فإذا دعوت الله بما ينفعك في دينك ودنياك كان الدعاء في محله متوجهاً توجهاً صحيحاً، وعليك بعد ذلك أن تنظر: أي المسألة تقدم؟ وفي أي الأوقات تدعو؟ وأي الأمكنة تتخير؟ وكل ذلك يذكره العلماء في آداب الدعاء.

أوقات إجابة الدعاء

الأوقات التي يُتحرى فيها الدعاء رجاء أن يستجاب فيها كثيرة، وقد ذكر صلى الله عليه وسلم بعض أوقات الإجابة.

ومن ذلك ساعة في يوم الجمعة، قال صلى الله عليه وسلم في بيان فضيلة يوم الجمعة: (فيه خلق آدم، وفيه أهبط إلى الأرض، وفيه تيب عليه، وفيه قبض، وفيه تقوم الساعة، وما على الأرض من دابة إلا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخة حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة إلا ابن آدم، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله فيها حاجته إلا أعطاه إياها)، ومتى تلك الساعة؟

فيها خلاف بين العلماء.

قيل: بعد الأذان، أي: وقت الصلاة، وقيل: حينما يصعد الإمام على المنبر، وهناك من يقول: بعد أن يفرغ من الخطبة وقبل الصلاة، وهناك من يقول: إنها بعد العصر، وهذا اختيار مالك رحمه الله.

واستشكلوا: كيف يصلي ويسأل وبعد العصر لا توجد صلاة؟

قالوا: جاء في الحديث: (إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه: اللهم اغفر له! اللهم ارحمه) فمن جلس في المسجد ينتظر الصلاة فلا يزال في صلاة حتى يصلي، فهو إذا صلى العصر وجلس ودعا الله فقد يصادف تلك الساعة.

ومهما يكن من شيء، ففي يوم الجمعة ساعة إجابة أخفيت ليجتهد الإنسان في جميع ساعات يوم الجمعة.

وأيضاً: ليلة القدر الدعوة مجابة فيها، وقد بيّن صلى الله عليه وسلم أنها في الوتر من العشر الأواخر، وقد ثبت أن النبي أراد أن يعينها ولكن تلاحى رجلان في ذلك المجلس فأخفيت ليجتهد الناس في ليالي العشر الأواخر كلها.

وأيضاً: يوم عرفة، وفي الحديث : (يوم عرفة ينزل الله إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: انظروا إلى عبادي! شعثاً غبراً ضاحين جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم يُر يوم أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة).

أيضاً: في السجود في الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد).

فهذه أوقات حري بمن دعا الله فيها أن يستجاب له.

أماكن إجابة الدعاء

أما بالنسبة للأماكن التي يستجاب فيها الدعاء فمنها الأماكن المقدسة: ما بين الركن والمقام، وفي حجر إسماعيل، وفي المناسك كلها تشرع الأدعية، وجاء الحث عليها فهي حرية بالقبول.

كل هذه من مباحث زمان ومكان إجابة الدعاء.

استكانة العبد وتضرعه عند الدعاء من أهم أسباب الإجابة

وقوله في هذا الحديث: (ما دعوتني ورجوتني)، فيه أن أهم ما يكون في وقت الدعاء حالة الداعي، فحينما يدعو الإنسان في غير حاجة يكون دعاؤه عادياً، وحينما تلم به ملمة ويتوجه إلى الله بالدعاء يكون تعلقه بالله، وقلبه مع الله، ورجاؤه في عظيم فضل الله؛ أكبر وأعظم مما إذا دعا في أمر عادي.

ولذا فإن أحرى أوقات الإجابة حينما يتوجه العبد إلى الله بصادق النية، وبعظيم الرجاء، وهو يشعر بضعفه وحاجته إلى سعة فضل الله عليه.

ففي تلك اللحظة لا تسل: بم تسأل ربك أو بم تدعوه؟ ما جرى على لسانك من أسمائه الحسنى ودعوته به يكون توفيقاً من الله إليك بما يستجيب لك به.

ومن المشاهد أن كل إنسان حين يمر بمواقف أو بأزمات، ويتوجه إلى الله؛ فإنه في تلك الحالة يحس من نفسه بأنها ليست كالأوقات العادية.

ونتصور هذا في موقف يتكرر كثيراً وهو السعي بين الصفا والمروة، فسببه سعي هاجر عليها السلام، كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: .. (اسعوا فإن أمكم قد سعت قبلكم).

وهاجر عليها السلام هي التي جاء بها إبراهيم عليه السلام ومعها طفلها إسماعيل، وتركهما في مكان قال تعالى فيه: بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ [إبراهيم:37]، فلما أراد أن يرجع إلى الشام تبعته أم إسماعيل وقالت: يا إبراهيم! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً، وجعل لا يلتفت إليها، وقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا. لقد أعلنت إيمانها ويقينها وتوكلها على الله بأنه لن يضيعها.

ذهب إبراهيم، وبقيت هناك وعندها سقاء فيه ماء، وعندما انتهى الماء الذي في السقاء، وبدأ يبكي الطفل عطشاً؛ قررت أنه لابد أن تأخذ بالأسباب مع إعلان توكلها على الله، (لا يضيعنا)، فلم تجلس وتنتظر السماء أن تنزل عليها الماء، بل أخذت بالأسباب.

وهنا درس عملي يفيد بأن قوة التوكل على الله لا تمنع الأخذ بالأسباب، والأخذ بالأسباب لا يمنع التوكل على الله.

فسيد المتوكلين صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ظاهر بين درعين، أي: لبس درعين، والفارس لا يمكنه أن يلبس درعين أبداً؛ وذلك بسبب الوزن الذي يتوجب عليه حمله، فلا يمكنه من التحرك بيسر في المعركة.

فبالرغم من توكله على الله، وبالرغم من قول الله سبحانه وتعالى له: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67]، مع كل ذلك يأخذ بالأسباب، ويأتي ويصف المسلمين، ويتدرع بالجبل من ورائه، ويضع الرماة على جبل الرماة حتى لا يأتيهم العدو من ورائهم.. خطط حربية مرسومة كاملة.

فكذلك هاجر، ما هي الأسباب التي أخذت بها؟ هي في بطن الوادي لا تستطيع أن ترى شيئاً، وإذا أراد الإنسان أن يستكشف مكاناً إلى أبعد مسافة ممكنة فإنه يبحث عن محل مرتفع ويشرف منه، فكان أقرب مرتَفَع لها في ذلك المكان هو جبل الصفا، فصعدت إلى الصفا ونظرت حولها فلم تجد شيئاً، ثم بحثت عن مرتفع آخر فلم تجد أقرب من المروة، فنزلت من الصفا إلى المروة، فلما انصبت قدماها في بطن الوادي اختفى عنها طفلها فأسرعت حتى جاءت إلى جانب الوادي الآخر، وحين رأت طفلها مشت مشياً عادياً، ثم صعدت على المروة وتلفتت حولها فلم تجد شيئاً، ثم لشدة تلهفها رجعت إلى الصفا، وهكذا.

وبتأمل هذا الموقف نجد أنها ما طلبت دون يقين بالله، ولا قطعت رجاءها في الله؛ لأنها متوكلة على الله، وكان الواجب عليها أن تأخذ بالأسباب، فأخذت بأسباب تقدر عليها، والتمست الفرج من الأرض على يد مخلوق من خلق الله فلم تجد، وتُركت تسعى إلى أن أكملت سبعة أشواط، وكلنا يدرك أنها في المرة الأولى لعلها كانت على أمل خمسين في المائة أو سبعين في المائة، ترجو أن تجد من يغيثها، فلما جاءت إلى المروة ولم تجد نزل هذا الأمل إلى ثلاثين في المائة، فلما جاءت إلى الصفا نزل هذا الأمل إلى خمسة وعشرين في المائة، ولما أعادت الكرة إلى المروة نزل إلى عشرة في المائة، وما أكملت سبعة أشواط إلا وقد انقطع رجاؤها من الخلق، وانقطعت آمالها في المخلوق وفي الأرض، وتوجهت بكل صدق إلى الله، فكانت الإغاثة حقاً، فجاء جبريل عليه السلام لا بسقاء ولا بقراب ولكن يشق الأرض فينبع الماء بزمزم.

لماذا لم يأتها جبريل من أول مرة؟ هي لم يكن عندها أحد، لكن كان يوجد في القلب نوع ميل ورجاء وأمل في مخلوق، فتُركت لما وجد في قلبها من ذلك النوع من الأمل في المخلوق، فسعت سبعاً، وكل مرة يقل رجاؤها في المخلوق، وكلما قلّ رجاؤها في المخلوق عظُم في الخالق، فالأمران متقابلان؛ كلما ضعف رجاؤها في المخلوق ابتعدت عنه واقتربت من جانب الله حتى انقطع الأمل تماماً في المخلوقين، وتوجهت بكليتها إلى الله، فكان الفرج الكبير، وهكذا يجب أن يكون المسلم. (يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني)، إذا كنت مع الدعاء قوي الرجاء وعظيم الرجاء في الله، فهناك يحصل المطلوب، أما أن تدعو بقلب لاه فقد جاء في الحديث: (لا يستجيب الله دعاءً من قلب غافل لاه). أي: تدعو ربك وأنت مشغول بغيره أو تدعو ربك وأنت تفكر بغيره.

وفيما وقفت عليه في ترجمة عطاء -أو بعض العلماء- في مكة، أن عبد الملك بن مروان -وهو خليفة- دخل الكعبة فوجده فيها، فقال: ألك حاجة يا فلان؟! قال: (إني لأستحي أن أسأل مخلوقاً وأنا في بيت الله).

فمثلاً: إنسان ضيف عندك، وجاء ضيف ثانٍ، وله حاجة، فحينما يتوجه إليك بطلب حاجته يكون أقرب إليك وأحسن من أن يتوجه إلى هذا الضيف.

فلما خرجا إلى الخارج قال: الآن نحن خارج الكعبة، فسلني حاجتك. قال: والله ما سألت الدنيا ممن يملكها، فلا أسألها ممن لا يملكها.

حينما كان داخل الكعبة كان قلبه مع الله، واستشعر أنه من قلة الحياء أن يكون في جوف الكعبة ويسأل مخلوقاً: أعطني كذا، كيف ورب البيت أقرب؟!

وهكذا الإنسان حينما يكون رجاؤه عظيماً بالله، وقلبه متعلقاً بالله، وفي وقت الشدة يكون أقرب إلى الله، تكون الطاقة في التوجه قوية جداً.

قصص أخلص أصحابها الدعاء فاستجاب الله لهم

قصة النفر الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار، فأتت الصخرة وسدت عليهم الغار. فجعلوا يحاولون تحريكها فلم يقدروا عليها، فرجعوا إلى الله، وقالوا: تعلمون أنه لا يعلم أحد بكم، ولا ينجيكم من هذا إلا الله، فكل واحد منا ينظر ماذا له عند الله من خبيئة سر؟ وأيّ عمل أرجى له عند الله؟ فليسأل الله به.

فقام الأول يتوسل إلى الله سبحانه وتعالى ببر والديه، وقام الثاني يتوسل إلى الله بحفظ حق الأجير وأداء الأمانة، وقام الثالث يتوسل إلى الله بالكبرى والعظمى وهي العفة عن الحرام، وكلما قام واحد منهم وتوسل إلى الله بما له عند الله تتزحزح الصخرة قليلاً، حتى إذا استكمل الثلاثة دعاءهم تنحت الصخرة، وخرجوا يمشون.

ولو تساءلنا: الأول منهم حينما توسل إلى الله وبقدرة الله تزحزحت الصخرة، فالله الذي زحزحها سنتيمتراً واحداً يستطيع أن يزحزحها كيف شاء، فكان من الممكن أن تنزاح الصخرة عند أول توسل، ولكن من فضل الله علينا أنه أنظرهم حتى يخرج الثلاثة ما عندهم، ونعرف كيف يكون أثر الأعمال الخالصة لوجه الله.

إذاً: العمل الصالح، والإخلاص، والرجاء فيما عند الله؛ إن توجه إلى الجبل أزاحه، وإن توجه إلى الماء جمد، وتتسخر كل القوى الطبيعية للعبد الذي يتوجه إلى الله بإخلاص.

هذا العلاء بن الحضرمي حينما أتى إلى البحر والعدو ينحاز بالسفن، فماذا قال؟

أيها البحر! إنك تجري بأمر الله، ونحن جند في سبيل الله، عزمت عليك لتجمدن لنعبر.

ماء يمشي ويجري، فيجمد لهم ليعبروا، ويقاتلون وينتصرون! بأي شيء؟ بقوة الرجاء في الله، وبالإخلاص لله.

وهذا سفينة مولى رسول الله، حينما رأى الأسد معترضاً للناس، أتى إليه وقال له: ابتعد، أنا سفينة صاحب رسول الله. وذات مرة ضاع في الصحراء، ولم يدر أين يذهب، فإذا بالأسد يأتيه ويحوم حوله ويمشي معه حتى يدله على الطريق!

ماذا نقول؟! إن الحيوانات والوحوش تذل عند عظيم الرجاء في الله، وإن الماء يجمد والصخرة تنـزاح عند التوجه إلى الله بصادق النية.

هل تستجاب دعوة الكافر؟

قد يستجاب الدعاء مع شدة الرجاء فيما عند الله ولو كان من كافر، فلا تستعظموا ذلك! فإن الله لا يتعاظم عليه شيء.

إذا قام الكافر وهو في شدة وكربة وتوجه إلى الله، وصار يستصرخ ويصيح ويسأل ربه أن يفرجها عنه، فالله سبحانه لا يرد سائلاً، ولا نقول: هذا كافر، أليس ربه هو الذي خلقه، وهو الذي رزقه، وأعطاه ما أعطاه؟ وفي الحديث: (إياكم ودعوة المظلوم وإن كان كافراً فإنه ليس لها حجاب دون الله تعالى).

حينما يتوجه الكافر إلى الله بالمسألة فيما يخصه ليفرج الكرب عنه، فهو في تلك اللحظة مؤمن بمن يدعوه ويلجأ إليه ويرجوه.

ولذا قال حصين حين سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كم تعبد إلهاً؟ قال: سبعة، ستة في الأرض، وواحد في السماء. قال: فأيهم تعد لرغبتك ولرهبتك؟ قال: الذي في السماء). لأنه لم يخش ولم يرج إلا الذي في السماء سبحانه وتعالى، والبقية تلك كما يقولون: على الهامش، لا قيمة لها عند الشدة وعند الحاجة.

وأيضاً: الكافر حينما يتوجه إلى الله، ويقول: يا رب! الآن أنا مسلم، فهل يرده عن هذا، ويقول له: لا، أنت كنت كافراً؟ لا، فإن (الإسلام يجب ما كان قبله).

ويذكرون في كتب التفسير أن فرعون حينما جاءه الغرق صار ينادي: يا موسى! يا موسى! عدة مرات، وموسى لم يلتفت إليه، فالله سبحانه وتعالى عاتب موسى فيه، وقال: يا موسى! يناديك عبد من عبادي لتغيثه فلم تلتفت إليه، لو ناداني مرة واحدة لأجبته! وفضل الله أكبر من هذا.

ولذا يا إخوان! يجب على كل مسلم أن يُعلِّم الخلق سعة فضل الله، وأن يُعظِم رجاءهم في الله، ثم بعد ذلك يأخذهم إلى كتاب الله وسنة رسوله.

ومما جاء في الآثار عن موسى أنه سأل ربه عن أحب شيء إليه؟ قال: أن تحببني عند خلقي.

فلا تُيئس الناس من رحمة الله، وسع لهم المجال، ثم خذهم بالكتاب والسنة، وعلمهم ما يجب من حق الله عليهم، وحق العباد على بعضهم البعض. (يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني)، يقول العلماء: الرجاء وقت الدعاء من شرط الإجابة، أما إذا كان يدعو من دون رجاء فكأنه غير مهتم وغير مبال، وفي الحديث: (أنا عند ظن عبدي بي)، فإذا دعا وهو يحسن الظن بالله تعالى يجيب دعاءه أجاب الله دعاءه.

وكثير من العلماء يقولون: من دواعي استجابة الدعاء أن يكون المطعم حلالاً، لا أن يكون حراماً.

كيف تتغذى بالحرام معاندة ومخالفة لله، ثم تتقدم وتسأل الله بجسم غذي بالحرام؟!

أما إذا دعوت بجسم غذي بالحلال، وتوجهت إلى الله، كان ذلك حري بالاستجابة، وهذا من المراتب العليا للمؤمنين كما روي عنه صلى الله عليه وسلم حينما سأله الرجل وقال: (يا رسول الله! ادع الله لي أن أكون مجاب الدعوة، فقال: أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)، إذا كان طعامك من حلال فإن دعوتك مجابة.

وهكذا في جميع العبادات كما جاء في الحج: (إذا خرج الرجل حاجاً بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور)؛ لأن كل مقوماته بالحلال.

إذاً: هذا الجزء من هذا الحديث من أعظم ما يُرجِي العبد.

ننظر إلى ما قيل في آداب الدعاء على سبيل الإجمال:

أولاً وقبل كل شيء: الإخلاص، فحينما تتوجه إلى الله بالدعاء يجب أن تكون مخلصاً في دعائك. وكذلك لا تدع بقطيعة رحم ولا بإثم، أي: لا تدع أن يسهل الله لك طريق معصية، ولا تدع بأن تقطع رحماً قريباً لك، ولا تدع على قريب لك بالسوء.

فإذا دعوت الله بما ينفعك في دينك ودنياك كان الدعاء في محله متوجهاً توجهاً صحيحاً، وعليك بعد ذلك أن تنظر: أي المسألة تقدم؟ وفي أي الأوقات تدعو؟ وأي الأمكنة تتخير؟ وكل ذلك يذكره العلماء في آداب الدعاء.

الأوقات التي يُتحرى فيها الدعاء رجاء أن يستجاب فيها كثيرة، وقد ذكر صلى الله عليه وسلم بعض أوقات الإجابة.

ومن ذلك ساعة في يوم الجمعة، قال صلى الله عليه وسلم في بيان فضيلة يوم الجمعة: (فيه خلق آدم، وفيه أهبط إلى الأرض، وفيه تيب عليه، وفيه قبض، وفيه تقوم الساعة، وما على الأرض من دابة إلا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخة حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة إلا ابن آدم، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله فيها حاجته إلا أعطاه إياها)، ومتى تلك الساعة؟

فيها خلاف بين العلماء.

قيل: بعد الأذان، أي: وقت الصلاة، وقيل: حينما يصعد الإمام على المنبر، وهناك من يقول: بعد أن يفرغ من الخطبة وقبل الصلاة، وهناك من يقول: إنها بعد العصر، وهذا اختيار مالك رحمه الله.

واستشكلوا: كيف يصلي ويسأل وبعد العصر لا توجد صلاة؟

قالوا: جاء في الحديث: (إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه: اللهم اغفر له! اللهم ارحمه) فمن جلس في المسجد ينتظر الصلاة فلا يزال في صلاة حتى يصلي، فهو إذا صلى العصر وجلس ودعا الله فقد يصادف تلك الساعة.

ومهما يكن من شيء، ففي يوم الجمعة ساعة إجابة أخفيت ليجتهد الإنسان في جميع ساعات يوم الجمعة.

وأيضاً: ليلة القدر الدعوة مجابة فيها، وقد بيّن صلى الله عليه وسلم أنها في الوتر من العشر الأواخر، وقد ثبت أن النبي أراد أن يعينها ولكن تلاحى رجلان في ذلك المجلس فأخفيت ليجتهد الناس في ليالي العشر الأواخر كلها.

وأيضاً: يوم عرفة، وفي الحديث : (يوم عرفة ينزل الله إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: انظروا إلى عبادي! شعثاً غبراً ضاحين جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم يُر يوم أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة).

أيضاً: في السجود في الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد).

فهذه أوقات حري بمن دعا الله فيها أن يستجاب له.

أما بالنسبة للأماكن التي يستجاب فيها الدعاء فمنها الأماكن المقدسة: ما بين الركن والمقام، وفي حجر إسماعيل، وفي المناسك كلها تشرع الأدعية، وجاء الحث عليها فهي حرية بالقبول.

كل هذه من مباحث زمان ومكان إجابة الدعاء.

وقوله في هذا الحديث: (ما دعوتني ورجوتني)، فيه أن أهم ما يكون في وقت الدعاء حالة الداعي، فحينما يدعو الإنسان في غير حاجة يكون دعاؤه عادياً، وحينما تلم به ملمة ويتوجه إلى الله بالدعاء يكون تعلقه بالله، وقلبه مع الله، ورجاؤه في عظيم فضل الله؛ أكبر وأعظم مما إذا دعا في أمر عادي.

ولذا فإن أحرى أوقات الإجابة حينما يتوجه العبد إلى الله بصادق النية، وبعظيم الرجاء، وهو يشعر بضعفه وحاجته إلى سعة فضل الله عليه.

ففي تلك اللحظة لا تسل: بم تسأل ربك أو بم تدعوه؟ ما جرى على لسانك من أسمائه الحسنى ودعوته به يكون توفيقاً من الله إليك بما يستجيب لك به.

ومن المشاهد أن كل إنسان حين يمر بمواقف أو بأزمات، ويتوجه إلى الله؛ فإنه في تلك الحالة يحس من نفسه بأنها ليست كالأوقات العادية.

ونتصور هذا في موقف يتكرر كثيراً وهو السعي بين الصفا والمروة، فسببه سعي هاجر عليها السلام، كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: .. (اسعوا فإن أمكم قد سعت قبلكم).

وهاجر عليها السلام هي التي جاء بها إبراهيم عليه السلام ومعها طفلها إسماعيل، وتركهما في مكان قال تعالى فيه: بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ [إبراهيم:37]، فلما أراد أن يرجع إلى الشام تبعته أم إسماعيل وقالت: يا إبراهيم! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً، وجعل لا يلتفت إليها، وقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا. لقد أعلنت إيمانها ويقينها وتوكلها على الله بأنه لن يضيعها.

ذهب إبراهيم، وبقيت هناك وعندها سقاء فيه ماء، وعندما انتهى الماء الذي في السقاء، وبدأ يبكي الطفل عطشاً؛ قررت أنه لابد أن تأخذ بالأسباب مع إعلان توكلها على الله، (لا يضيعنا)، فلم تجلس وتنتظر السماء أن تنزل عليها الماء، بل أخذت بالأسباب.

وهنا درس عملي يفيد بأن قوة التوكل على الله لا تمنع الأخذ بالأسباب، والأخذ بالأسباب لا يمنع التوكل على الله.

فسيد المتوكلين صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ظاهر بين درعين، أي: لبس درعين، والفارس لا يمكنه أن يلبس درعين أبداً؛ وذلك بسبب الوزن الذي يتوجب عليه حمله، فلا يمكنه من التحرك بيسر في المعركة.

فبالرغم من توكله على الله، وبالرغم من قول الله سبحانه وتعالى له: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67]، مع كل ذلك يأخذ بالأسباب، ويأتي ويصف المسلمين، ويتدرع بالجبل من ورائه، ويضع الرماة على جبل الرماة حتى لا يأتيهم العدو من ورائهم.. خطط حربية مرسومة كاملة.

فكذلك هاجر، ما هي الأسباب التي أخذت بها؟ هي في بطن الوادي لا تستطيع أن ترى شيئاً، وإذا أراد الإنسان أن يستكشف مكاناً إلى أبعد مسافة ممكنة فإنه يبحث عن محل مرتفع ويشرف منه، فكان أقرب مرتَفَع لها في ذلك المكان هو جبل الصفا، فصعدت إلى الصفا ونظرت حولها فلم تجد شيئاً، ثم بحثت عن مرتفع آخر فلم تجد أقرب من المروة، فنزلت من الصفا إلى المروة، فلما انصبت قدماها في بطن الوادي اختفى عنها طفلها فأسرعت حتى جاءت إلى جانب الوادي الآخر، وحين رأت طفلها مشت مشياً عادياً، ثم صعدت على المروة وتلفتت حولها فلم تجد شيئاً، ثم لشدة تلهفها رجعت إلى الصفا، وهكذا.

وبتأمل هذا الموقف نجد أنها ما طلبت دون يقين بالله، ولا قطعت رجاءها في الله؛ لأنها متوكلة على الله، وكان الواجب عليها أن تأخذ بالأسباب، فأخذت بأسباب تقدر عليها، والتمست الفرج من الأرض على يد مخلوق من خلق الله فلم تجد، وتُركت تسعى إلى أن أكملت سبعة أشواط، وكلنا يدرك أنها في المرة الأولى لعلها كانت على أمل خمسين في المائة أو سبعين في المائة، ترجو أن تجد من يغيثها، فلما جاءت إلى المروة ولم تجد نزل هذا الأمل إلى ثلاثين في المائة، فلما جاءت إلى الصفا نزل هذا الأمل إلى خمسة وعشرين في المائة، ولما أعادت الكرة إلى المروة نزل إلى عشرة في المائة، وما أكملت سبعة أشواط إلا وقد انقطع رجاؤها من الخلق، وانقطعت آمالها في المخلوق وفي الأرض، وتوجهت بكل صدق إلى الله، فكانت الإغاثة حقاً، فجاء جبريل عليه السلام لا بسقاء ولا بقراب ولكن يشق الأرض فينبع الماء بزمزم.

لماذا لم يأتها جبريل من أول مرة؟ هي لم يكن عندها أحد، لكن كان يوجد في القلب نوع ميل ورجاء وأمل في مخلوق، فتُركت لما وجد في قلبها من ذلك النوع من الأمل في المخلوق، فسعت سبعاً، وكل مرة يقل رجاؤها في المخلوق، وكلما قلّ رجاؤها في المخلوق عظُم في الخالق، فالأمران متقابلان؛ كلما ضعف رجاؤها في المخلوق ابتعدت عنه واقتربت من جانب الله حتى انقطع الأمل تماماً في المخلوقين، وتوجهت بكليتها إلى الله، فكان الفرج الكبير، وهكذا يجب أن يكون المسلم. (يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني)، إذا كنت مع الدعاء قوي الرجاء وعظيم الرجاء في الله، فهناك يحصل المطلوب، أما أن تدعو بقلب لاه فقد جاء في الحديث: (لا يستجيب الله دعاءً من قلب غافل لاه). أي: تدعو ربك وأنت مشغول بغيره أو تدعو ربك وأنت تفكر بغيره.

وفيما وقفت عليه في ترجمة عطاء -أو بعض العلماء- في مكة، أن عبد الملك بن مروان -وهو خليفة- دخل الكعبة فوجده فيها، فقال: ألك حاجة يا فلان؟! قال: (إني لأستحي أن أسأل مخلوقاً وأنا في بيت الله).

فمثلاً: إنسان ضيف عندك، وجاء ضيف ثانٍ، وله حاجة، فحينما يتوجه إليك بطلب حاجته يكون أقرب إليك وأحسن من أن يتوجه إلى هذا الضيف.

فلما خرجا إلى الخارج قال: الآن نحن خارج الكعبة، فسلني حاجتك. قال: والله ما سألت الدنيا ممن يملكها، فلا أسألها ممن لا يملكها.

حينما كان داخل الكعبة كان قلبه مع الله، واستشعر أنه من قلة الحياء أن يكون في جوف الكعبة ويسأل مخلوقاً: أعطني كذا، كيف ورب البيت أقرب؟!

وهكذا الإنسان حينما يكون رجاؤه عظيماً بالله، وقلبه متعلقاً بالله، وفي وقت الشدة يكون أقرب إلى الله، تكون الطاقة في التوجه قوية جداً.

قصة النفر الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار، فأتت الصخرة وسدت عليهم الغار. فجعلوا يحاولون تحريكها فلم يقدروا عليها، فرجعوا إلى الله، وقالوا: تعلمون أنه لا يعلم أحد بكم، ولا ينجيكم من هذا إلا الله، فكل واحد منا ينظر ماذا له عند الله من خبيئة سر؟ وأيّ عمل أرجى له عند الله؟ فليسأل الله به.

فقام الأول يتوسل إلى الله سبحانه وتعالى ببر والديه، وقام الثاني يتوسل إلى الله بحفظ حق الأجير وأداء الأمانة، وقام الثالث يتوسل إلى الله بالكبرى والعظمى وهي العفة عن الحرام، وكلما قام واحد منهم وتوسل إلى الله بما له عند الله تتزحزح الصخرة قليلاً، حتى إذا استكمل الثلاثة دعاءهم تنحت الصخرة، وخرجوا يمشون.

ولو تساءلنا: الأول منهم حينما توسل إلى الله وبقدرة الله تزحزحت الصخرة، فالله الذي زحزحها سنتيمتراً واحداً يستطيع أن يزحزحها كيف شاء، فكان من الممكن أن تنزاح الصخرة عند أول توسل، ولكن من فضل الله علينا أنه أنظرهم حتى يخرج الثلاثة ما عندهم، ونعرف كيف يكون أثر الأعمال الخالصة لوجه الله.

إذاً: العمل الصالح، والإخلاص، والرجاء فيما عند الله؛ إن توجه إلى الجبل أزاحه، وإن توجه إلى الماء جمد، وتتسخر كل القوى الطبيعية للعبد الذي يتوجه إلى الله بإخلاص.

هذا العلاء بن الحضرمي حينما أتى إلى البحر والعدو ينحاز بالسفن، فماذا قال؟

أيها البحر! إنك تجري بأمر الله، ونحن جند في سبيل الله، عزمت عليك لتجمدن لنعبر.

ماء يمشي ويجري، فيجمد لهم ليعبروا، ويقاتلون وينتصرون! بأي شيء؟ بقوة الرجاء في الله، وبالإخلاص لله.

وهذا سفينة مولى رسول الله، حينما رأى الأسد معترضاً للناس، أتى إليه وقال له: ابتعد، أنا سفينة صاحب رسول الله. وذات مرة ضاع في الصحراء، ولم يدر أين يذهب، فإذا بالأسد يأتيه ويحوم حوله ويمشي معه حتى يدله على الطريق!

ماذا نقول؟! إن الحيوانات والوحوش تذل عند عظيم الرجاء في الله، وإن الماء يجمد والصخرة تنـزاح عند التوجه إلى الله بصادق النية.




استمع المزيد من الشيخ عطية محمد سالم - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأربعين النووية - الحديث الثاني عشر 3518 استماع
الأربعين النووية - الحديث الحادي عشر [2] 3206 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الرابع والعشرون [3] 3179 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الأربعون 3129 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الرابع [1] 3110 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الثامن عشر 3058 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث العاشر [1] 3041 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الثامن [1] 2989 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث التاسع عشر [2] 2886 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الثالث والعشرون [1] 2871 استماع