خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/210"> الشيخ عطية محمد سالم . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/210?sub=33948"> سلسلة شرح الأربعين النووية
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح الأربعين النووية - الحديث التاسع عشر [3]
الحلقة مفرغة
قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) وهذا محط الرحل، يعلمنا صلى الله عليه وسلم أن يكون العبد مرتبطاً بربه؛ لأن جميع الكائنات في قبضة يده، وهو المسخر لكل شيء، فإذا سألت حاجة كبيرة أو صغيرة فسل خالقها ومالكها الذي يملك أن يوصلها إليك، وإذا كنت في حاجة إلى طلب المعونة -لأنك لا تستطيع أن تعيش وحدك، ولا تستطيع أن تهيئ لنفسك كل ما تحتاج- فاستعن بالله .
وقد ذكرنا أن الآية الكريمة في سورة الفاتحة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، جاءت بعد مقدمة تثبت ذلك وتستلزمه، فقوله: (الحمد لله) أي: الثناء بالجميل على الله سبحانه، (رب العالمين) فربوبية العالم ومصلحة العالم راجعة إلى الله، هو الذي خلق، ورزق، ودبر، وربى، فإذا كان هو رب العالمين، فأي شيء تسأله لا يخرج عن عالم من عوالم هذا الكون، فاسألها من رب العالمين، الذي ربوبيته، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، وفي الآخرة هو مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، فأين تذهب ؟ وأين تتوجه ؟ إذا كانت الدنيا لله وحده، كما قال سبحانه: فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس:83] ، وإذا كنت في الآخرة فمرجعك إلى الله، وله الملك، وله الأمر، كما قال الله: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16] ، فلا ينبغي لك أن تصرف وجهك عنه سبحانه وتعالى.
ثم قال: (واعلم أن الأمة) . فقوله: (واعلم) أعاد ذكر العلم مرة أخرى؛ لزيادة التنبيه والتأكيد، (أن الأمة)، جميع الخلق، ويمكن أن نتوسّع في معنى الأمة، فالأمة الجماعة، والأمة الزمن، والأمة الشخص القدوة، ويمكن أن يقال: العالم كله؛ إنسه وجنه وملائكته، فالأمة لو أرادت أن تصيبك بخير أو بشر لن يصلوا إليك إلا بشيء من الخير كتبه الله لك أو من الشر كتبه الله عليك.
إذاً: المقادير بيد الله، والكائنات في قبضته، والأمر كله راجع إليه، فإذا كان الأمر كذلك فلمن تتوجه؟ لله؛ لأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بخير لن ينفعوك بخير إلا كتبه الله لك، وما قُدر لك لن يخطئك، وإن أرادوك بسوء لن يصلوا بهذا السوء إليك إلا إذا قدّره الله عليك.
وقوله: (لن يضروك بشيء...) لن هذه أبدية، أي يضرونك بشيء إلا بشيء قد قدره الله عليك، وإذا كان مقدراً عليك فقدر الله ماضٍ، إلا إذا رفع بقضاء آخر، بدعاء أو فعل خير.
الخليل إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، اجتمع عليه أبوه وقومه ومعهم النمرود، على أن يجعلوه في النار ورموه بالمنجنيق، لأنهم عجزوا أن يدنوا من النار ويقتربوا منها لشدة حرها وعلو لهبها، فماذا كانت النتيجة؟
قال الله: فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ [الصافات:98]، فالمولى سبحانه الذي خلق النار، وسلطانها بيده، وهو الذي أعطاها خاصية الإحراق قال لها: (( كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ))، هل في العالم قوة تستطيع أن تسلب النار خاصيتها؟ لا يمكن، لكن قدرة الله فوق كل شيء.
قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون وجنوده في البحر
فنشأ موسى وشب، وكان من أمره مع خصمه ما كان، فقضى عليه، وخرج خائفاً يترقب، ثم رجع إلى فرعون يدعوه إلى الله، وقال: َأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف:105]، فقال: ألم تكن فينا وليداً، وربيناك؟ والآن جئتنا بدعوة، فماذا كانت النتيجة؟ خرج موسى عليه السلام -وهذا محل الشاهد- ببني إسرائيل، وأمره الله أن يسير حيث تسير السحابة في السماء، فإذا بالسحابة تسير به وتوقفه على شاطئ البحر، وإذا بفرعون من ورائه، فكان الموقف شديداً، وقال الذين مع موسى )إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(، البحر أمامنا، والعدو وراءنا، فأين نذهب؟ هل نطير في السماء؟ لا يوجد طيران، هل ننزل في الأرض؟ لا يوجد مغارات ولا شيء، إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ، فأجابهم بسرعة بكلمة تزلزل الأرض: (كلا)، لو توجهت إلى جبل لزلزلته، انظر إلى نطقها، ما قال: (لا)، وما قال: (لا تخافوا)، بل قال: كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62]، وهذه المعية الخاصة، (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)، (تعرف إلى الله تجده تجاهك)، قال: ((مَعِيَ رَبِّي ))، وهذه معية النصر والتأييد، فماذا فعل ربه؟ هل أرسل ملائكة لتصد فرعون؟ لا، انظر إلى المعجزة، قال: اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ [الشعراء:63]، ماذا تفعل هذه العصا؟! ما طولها؟ وما ثقلها؟ وما تأثيرها؟ ليس فيها تيار مغناطيسي، ولا فيها أدوات زائدة، عصا يتوكأ عليها، ويهشُ بها على غنمه، ولكن لا يعلم قدرها إلا الله، فضرب البحر، فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء:63] يا سبحان الله! ماء لجاج تتلاطم أمواجه، ينفلق ويصير كل فرق -أي: طريق- كالطود شامخاً، وبين كل طريق حاجز، وينقسم بنو إسرائيل في تلك الطرق، ويمشون على أرض يابسة ما فيها لجة، فأرضية البحر جفت، فيمشون في قعر البحر، وفتح الله لهم منافذ ليرى بعضهم بعضاً حتى لا يخاف بعضهم على بعض، ويعرفون أن جماعتهم يمشون في نفس الطريق مثلهم، حتى خرجوا كلهم، وبهذه المناسبة نقول: الطغيان يعمي، والظلم يلهي، ففرعون طاغية، قال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24]، وقال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] فيأتي إلى البحر، وهو يعرف البحر وطبيعته، ويجد موسى الذي كان يطلبه قد انشق له البحر، لكنه دخل ليدركه، لو أنه نظر بعقله لما دخل، لكن الله طمس بصيرته ليقضي أمراً كان مفعولاً، يا فرعون! رأيت البحر قد انفلق وهل في حياتك رأيت البحر انفلق؟! هل سمعت في التاريخ قبل هذا أن البحر انفلق؟! إنك لما رأيت آية عظمى كهذه أفلا ترعوي؟ ألا تنزجر؟ ألا تقف وتفكر؟ موسى الذي تطلبه أراك في تلك العصا الآيات الكبرى، فقد بلعت الحبال والعصي وأنت تنظر.. موسى يدعوك إلى الله.. موسى آمنت به السحرة الذين يعرفون حقيقة السحر، وهذا البحر صار طريقاً له، فهل بقدرة موسى أن يفعل ذلك؟! ألا تعلم أن هذا من عند الله؟! ولكن مادام فرعون متلبساً بطغيانه، فعماه مستمر، فخاض البحر وراء موسى، وحينما كان موسى خارجاً من الشاطئ الثاني؛ كان فرعون وقومه في وسط البحر، فهل بقي البحر كل فرق كالطود أم رجع إلى ما كان عليه؟ رجع البحر وهم في وسط ذلك الطريق، فغرقوا، قال الله: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:92]، ماذا فعل فرعون وقومه بموسى؟ ما استطاعوا أن يضروه بشيء؛ لأن الله كتب لموسى النجاة.
قصة غلام بني إسرائيل مع الساحر والملك
قصة يوسف عليه الصلاة والسلام ونجاته من كيد إخوته
قصة النبي صلى الله عليه وسلم يوم هجرته
وخرج صلى الله عليه وسلم من الغار ومشى في الطريق، وأدركهم سراقة في الصحراء، وهم مكشوفون للعيان، فماذا كان من أمره؟ ساخت قوائم فرسه تسيخ، وسقط عنها عدة مرات، وإذا به يطلب الأمان لنفسه، ويكتب له أبو بكر بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: (كيف بك يا
فنظروا في جميع الحاضرين فلم يجدوا أطول من سراقة ، فجاء سراقة ولبس الحلة والسوارين، فقال له عمر : انزعها؟ فقال: لا انزع هذا اللباس! قال: لماذا؟ قال: أعطانيها رسول الله عليه الصلاة والسلام حينما خرج مهاجراً ولحقت به، فقال لي: (كيف بك إذا أنت لبست سواري كسرى؟!)، فضحك عمر وقال: هل قال لك: امتلكت، أو قال: (لبست)؟ قال: (لبست)، قال: ها أنت لبستها، فانزعها، وهذا من فقه عمر .
وفي تاريخ الأنبياء من المعجزات والدلائل ما يقنع العبد بأن كل أمر يأتيه أو يصرف عنه فإنما هو من عند الله، فبعد إبراهيم عليه السلام جاء نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام، في وقت فرعون الذي قال الله عنه وعن قومه: يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ [الأعراف:141]، وذلك: زيادة وإمعاناً في التنكيل؛ لأن النسوة إذا نشأن بدون رجال يحمونهن، يكن في أيدي العدو إماء وخدماً، ولو كان قتّل الجميع لكان أهون، لكن كان يستحيي النساء حتى يكن خدماً عنده وعند قومه، ويقتّل الأبناء حتى لا يدافعوا عن النساء، وفي تلك اللحظات يولد موسى عليه السلام، وتخاف عليه أمه، قال الله: فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ [القصص:7]، إذا خفت عليه فألقيه في البحر، ومن سيأخذه؟ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ [طه:39]، يا سبحان الله! هي خائفة عليه، وتعطيه لعدوه ؟! قال الله: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7]، سبحان الله العظيم! طفل رضيع يوضع في التابوت، ويلقى في اليم!! وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ [القصص:11]، فقصته أخته، فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص:8] ، يأتيهم عدوهم إلى بيتهم وهو طفل رضيع، وفرعون يتحدى العالم ويقتّل ويذبح، والله يتحداه بطفل رضيع يتربى في حجره، فضلاً عن أن يذبحه. !!
فنشأ موسى وشب، وكان من أمره مع خصمه ما كان، فقضى عليه، وخرج خائفاً يترقب، ثم رجع إلى فرعون يدعوه إلى الله، وقال: َأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف:105]، فقال: ألم تكن فينا وليداً، وربيناك؟ والآن جئتنا بدعوة، فماذا كانت النتيجة؟ خرج موسى عليه السلام -وهذا محل الشاهد- ببني إسرائيل، وأمره الله أن يسير حيث تسير السحابة في السماء، فإذا بالسحابة تسير به وتوقفه على شاطئ البحر، وإذا بفرعون من ورائه، فكان الموقف شديداً، وقال الذين مع موسى )إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(، البحر أمامنا، والعدو وراءنا، فأين نذهب؟ هل نطير في السماء؟ لا يوجد طيران، هل ننزل في الأرض؟ لا يوجد مغارات ولا شيء، إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ، فأجابهم بسرعة بكلمة تزلزل الأرض: (كلا)، لو توجهت إلى جبل لزلزلته، انظر إلى نطقها، ما قال: (لا)، وما قال: (لا تخافوا)، بل قال: كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62]، وهذه المعية الخاصة، (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)، (تعرف إلى الله تجده تجاهك)، قال: ((مَعِيَ رَبِّي ))، وهذه معية النصر والتأييد، فماذا فعل ربه؟ هل أرسل ملائكة لتصد فرعون؟ لا، انظر إلى المعجزة، قال: اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ [الشعراء:63]، ماذا تفعل هذه العصا؟! ما طولها؟ وما ثقلها؟ وما تأثيرها؟ ليس فيها تيار مغناطيسي، ولا فيها أدوات زائدة، عصا يتوكأ عليها، ويهشُ بها على غنمه، ولكن لا يعلم قدرها إلا الله، فضرب البحر، فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء:63] يا سبحان الله! ماء لجاج تتلاطم أمواجه، ينفلق ويصير كل فرق -أي: طريق- كالطود شامخاً، وبين كل طريق حاجز، وينقسم بنو إسرائيل في تلك الطرق، ويمشون على أرض يابسة ما فيها لجة، فأرضية البحر جفت، فيمشون في قعر البحر، وفتح الله لهم منافذ ليرى بعضهم بعضاً حتى لا يخاف بعضهم على بعض، ويعرفون أن جماعتهم يمشون في نفس الطريق مثلهم، حتى خرجوا كلهم، وبهذه المناسبة نقول: الطغيان يعمي، والظلم يلهي، ففرعون طاغية، قال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24]، وقال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] فيأتي إلى البحر، وهو يعرف البحر وطبيعته، ويجد موسى الذي كان يطلبه قد انشق له البحر، لكنه دخل ليدركه، لو أنه نظر بعقله لما دخل، لكن الله طمس بصيرته ليقضي أمراً كان مفعولاً، يا فرعون! رأيت البحر قد انفلق وهل في حياتك رأيت البحر انفلق؟! هل سمعت في التاريخ قبل هذا أن البحر انفلق؟! إنك لما رأيت آية عظمى كهذه أفلا ترعوي؟ ألا تنزجر؟ ألا تقف وتفكر؟ موسى الذي تطلبه أراك في تلك العصا الآيات الكبرى، فقد بلعت الحبال والعصي وأنت تنظر.. موسى يدعوك إلى الله.. موسى آمنت به السحرة الذين يعرفون حقيقة السحر، وهذا البحر صار طريقاً له، فهل بقدرة موسى أن يفعل ذلك؟! ألا تعلم أن هذا من عند الله؟! ولكن مادام فرعون متلبساً بطغيانه، فعماه مستمر، فخاض البحر وراء موسى، وحينما كان موسى خارجاً من الشاطئ الثاني؛ كان فرعون وقومه في وسط البحر، فهل بقي البحر كل فرق كالطود أم رجع إلى ما كان عليه؟ رجع البحر وهم في وسط ذلك الطريق، فغرقوا، قال الله: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:92]، ماذا فعل فرعون وقومه بموسى؟ ما استطاعوا أن يضروه بشيء؛ لأن الله كتب لموسى النجاة.
وكما سخر الله لموسى البحر، وأنجاه من فرعون وقومه، نجد في قصة غلام بني إسرائيل مثل تلك العجائب، فكان بعض الملوك له ساحر يستخدمه أو ينبئه أو يخبره، فكبر هذا الساحر، فقال للملك: ائتني بغلام أعلمه ليكون محلي، فاختار غلاماً، فكان يأتي إلى الساحر فيعلمه، وحينما يرجع إلى أهله يمر براهب في صومعته، فسمع منه كلاماً يغاير كلام الساحر، فإذا بالراهب مؤمن برب وبإله سوى هذا الملك، فأعجبه كلامه، فكان يجلس إليه ثم يذهب إلى الساحر، فكان إذا مكث عند الراهب وجاء إلى الساحر متأخراً يضربه، ويسأله: أين كنت؟ وإذا رجع وجلس عند الراهب وتأخر على أهله ضربوه، وسألوه: أين كنت؟ فشكا ذلك للراهب فقال: إذا سألك الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا سألك أهلك فقل: حبسني الساحر، ففعل ذلك وسلم من الضرب، وذات مرة سمع الراهب يسأل الله باسمه الأعظم، فقال: علمنيه؟ قال: لا ينبغي لك يا ولدي! قال: علمنيه فإني سأتبعك؟ قال: لا تقوى عليه، وفي يوم رجع إلى أهله فوجد دابة حصرت الناس، فأخذ حجراً وقال: اليوم أعلم هل الراهب أصدق أم الساحر؟ اللهم! إن كنت تعلم أن أمر الراهب حقٌ فاقض على تلك الدابة ليسير الناس، ورمى بالحجر، والناس كلهم محصورون، فقتل الله الدابة بالحجر الذي رماه الغلام، فعرف أن الراهب على حق، فذهب وتعلم أسماء الله من الراهب، وكتبها في أوراق، قيل: إنه ألقاها في البحر، فغرقت إلا واحداً، وقيل: ألقاها في النار فاحترقت إلا واحداً، وهو الاسم الأعظم، فجاء إلى الراهب وأخبره، فقال: يا بني! إذا عرفت الاسم الأعظم فإنك ستبتلى، وإذا ابتليت فاصبر، ولا تدلن عليّ أحداً، فذهب الغلام إلى جلساء الملك، فوجد رجلاً أعمى فقال: ألا تؤمن بالله، وأدعو ربي، فيشافيك؟! قال: ألك رب غير الملك؟ قال: نعم، الذي يملك أن يرد عليك بصرك، قال: فإني آمنت بربك فادعه لي، فدعا ربه فرد عليه بصره، وجاء يجلس عند الملك وهو يُبصر، فقال: عجباً، من رد عليك بصرك؟! قال: ربي، قال: وهل لك رب غيري؟ قال: نعم، دلني عليه الغلام، فدعا بالغلام وسأله يا غلام! ألك رب غيري؟ قال: نعم، الذي رد إليه بصره هو ربي، فزجره وقال: إنك غلام صغير، فأتي برجل أبرص وغيره من أصحاب العاهات في مجلس الملك، فدعا الله لهم، فعافاهم الله جميعاً، وأصر الغلام على أن له رباً غيره، وأن الملك مخلوق، فيئس من إرجاعه، فدعا زبانيته وقال: إن قتلته أمام الناس قالوا: هذا قتل غلاماً، فاذهبوا به في قارب في البحر، حتى إذا أبعدتم عن الشاطئ ألقوه في الماء وارجعوا، فذهبوا به، وحينما أرادوا أن يلقوه في الماء قال: اللهم! اكفنيهم بما شئت، فاضطرب القارب وغرقوا كلهم ورجع هو بسلامة الله، فجلس في مجلس الملك، فقال: أين أصحابك؟! قال: كفانيهم الله، فجاء بزبانية آخرين وقال: اذهبوا به، وألقوه من شاهق جبل، فذهبوا، فلما علوا القمة، قال: اللهم! اكفنيهم بما شئت، فاهتز الجبل واضطرب، يا سبحان الله! البحر يضطرب ويهتز ويبتلعهم، من الذي يقدر أن يهز الجبل؟! من يقدر على هذا؟! هو الله المولى سبحانه، ويأتي الغلام يمشي سالماً إلى الملك، ماذا فعل هذا الملك؟ ماذا فعل أولئك الزبانية؟ والله! لا شيء، وماذا كان يريد الغلام؟ كان يريد أن يعرف الناس أن لهم رباً خالقاً، فجعل نفسه فداء لدعوته فقال: أيها الملك! لا تتعب نفسك، إنك لن تسلط عليّ -غلام يتحدى ملكاً في ملكه وسلطانه- ولكن أدلك على شيء إذا فعلته قتلتني؟ والملك يريد هذا، فقال: نعم، فقال: عليك أن تجمع الناس في صعيد واحد، وتأتي إلى منصة وتضعني، ثم تأخذ سهماً من كنانتي وتضعها في قوس وترميني به وتقول: باسم الله رب هذا الغلام، فإن فعلت ذلك فإني أموت، والملك مغفل؛ لأن الطغيان يعمي، ففعل ما قاله الغلام، ومات الغلام، وجميع من حضر قال: آمنا برب هذا الغلام؛ لأن الملك قال: باسم رب هذا الغلام، فألغى ربوبيته، وهو لا يدري! فآمن جميع الحاضرين، فقام الملك وخد الأخاديد، وأحرق المؤمنين في النار، وهي قصة الأخدود التي وقعت في اليمن.
فالأمة لو اجتمعت على أن يضروا العبد بشيء لم يكتبه الله عليه لن يضروه، فإخوة يوسف ألقوه في غيابة الجب -أي: في جب بعيد، غائب كل ما فيه- فألقوه فيه إلقاءً، يا سبحان الله! صغير يرتع ويلعب ويرمى في البئر! لم ينزلوه فيه إنزالاً، بل رموه مرياً وإذا به يسلم، ثم كان من أمره أن آتاه الله الملك، ثم جاءه إخوانه يستغفرون عنده، ويطلبون منه العفو، فما استطاعوا أن يضروه بشيء.
وقد ذكرنا قصة سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه حينما أراد الهجرة، وما كان من أمر المشركين حينما تآمروا على قتله، وجمعوا عشرة رجال بسيوفهم على باب بيته، فجاءه جبريل عليه السلام -لأن الله يرعاه- فقال: لا تبت في فراشك الليلة، فنامعلي رضي الله تعالى عنه في برده، وخرج صلى الله عليه وسلم أمامهم وسيوفهم في أيديهم، ولكن الله ألقى عليهم النعاس، وقرأ قوله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس:9]، فيخرج من بين أيديهم فلا يرونه، ويحجبه الله عنهم، ويمعن في إذلالهم فيأخذ التراب من تحت أقدامهم ويذروه على رءوسهم، ثم يتوجه إلى الغار، فيأتون إلى فم الغار، وهم يريدونه حياً أو ميتاً، وجعلوا مائة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، فيقفون على فم الغار، ويقول الصديق : ( يا رسول الله! والله! لو نظر أحدهم إلى أسفل نعليه لأبصرنا، فقال صلى الله عليه وسلم: ما بالك باثنين الله ثالثهما؟!)، وقال الله: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، وهي مثل كلمة موسى عليه السلام: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي) ولكن -وهنا لطيفة ننبه عليها- موسى عليه السلام قال: (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي)، ومحمد صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) فـ(نا) هذه للجمع، ومن هم الجمع الذين في الغار؟ أبو بكر مع رسول الله، فهذا يدل على فضل أبي بكر حينما شركه القرآن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (مَعَنَا)، فموسى كان معه أمة كاملة من بني إسرائيل، وكان معه أخوه ووزيره هارون، فقال القوم: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ، وأين يقين القوم من يقين موسى؟ وكان أبو بكر رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق، يقيه بنفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بالك يا
وخرج صلى الله عليه وسلم من الغار ومشى في الطريق، وأدركهم سراقة في الصحراء، وهم مكشوفون للعيان، فماذا كان من أمره؟ ساخت قوائم فرسه تسيخ، وسقط عنها عدة مرات، وإذا به يطلب الأمان لنفسه، ويكتب له أبو بكر بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: (كيف بك يا
فنظروا في جميع الحاضرين فلم يجدوا أطول من سراقة ، فجاء سراقة ولبس الحلة والسوارين، فقال له عمر : انزعها؟ فقال: لا انزع هذا اللباس! قال: لماذا؟ قال: أعطانيها رسول الله عليه الصلاة والسلام حينما خرج مهاجراً ولحقت به، فقال لي: (كيف بك إذا أنت لبست سواري كسرى؟!)، فضحك عمر وقال: هل قال لك: امتلكت، أو قال: (لبست)؟ قال: (لبست)، قال: ها أنت لبستها، فانزعها، وهذا من فقه عمر .