Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

تفسير سورة الحجرات [2 - ب]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:

فيقول الله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّه [الحجرات:7].

أيها المؤمنون المخاطبون في أول الآية اعلموا أن فيكم رسول الله، فكأنه سبحانه يقول: يا من يأتي بخبر غيب لم يحضره رسول الله ولم يعلم أحد من الخلق صدقه من كذبه، ويأتيكم معشر المسلمين به فتأخذون بقوله، هذا خطأ منكم وتفريط، واعلموا أيها الآتون بخبر أو بنبأ فاسق كذب أنكم تكذبون على الله وعلى رسوله وعلى المؤمنين، واحذروا واعلموا أن فيكم رسولاً، وقد تقدم لنا ذكره صلى الله عليه وسلم بالرسالة، ومعنى لا تقدموا بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، ووصفه بالنبوة، لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات:2]، وهنا جاء بوصف الرسالة: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ [الحجرات:7]، معنى هذا: لو كذبتم عليه في غيبته وجئتم بأخبار كاذبة مغايرة للواقع والرسول موجود فيكم، هل يقره من أرسله سبحانه على تصديقكم أو على الأخذ بكذبكم؟ لا. بل سيكشف الله له بالرسالة كذب ما جئتم به.

وقلنا: إن السنة المطهرة بعده صلى الله عليه وسلم كقيامه في الأمة، ولو أن إنساناً جاء بنبأ يخبر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا، أو أن السنة كذا، أو أن السلف كانوا يقولون أو يعملون كذا، لقلنا له: اعلم أن عندنا سنة رسول الله مدونة؛ وسنرجع إليها ونعرف زيف خبرك من صدقه.

ويتضح هذا الأمر أكثر بقوله: لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات:2]، فلو أن إنساناً أو جماعة يقرءون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء إنسان ورفع صوته على أصواتهم نقول: كأنه رفع صوته على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقول: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ [الحجرات:7] مما جئتم به، وهذا أعم من نبأ الفاسق، قد يكون لهم رغبة، لكن: لا تقدموا، لا تقترحوا، لا تطلبوا، إذ إنه لو يطيعكم في كثير من رغباتكم ولو كانت صحيحة بدون كذب، لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ ، ولو كان بعضه كذباً، لو يطيعكم لمجرد الطاعة لرغباتكم، (لَعَنِتُّمْ)، والعنت: شدة الألم.

يقولون: العنت هو كسر العظم مرة ثانية بعد أن جُبر في كسر سابق؛ لأن الألم يكون أشد من الكسر الأول، فلو أن النبي صلى الله عليه وسلم يطيع الأمة في كل ما يريدون ويصبح تابعاً لهم، إذاً: ما الميزة بينه وبين غيره، ولكنه رسول الله لا يتبع إلا الوحي؛ فأنتم بين أمرين: تريدونه تابعاً لكم، أو هو تابع لله بما يوحي إليه وأنتم تبع له، هذه معادلة، لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ [الحجرات:7]، وأصبح متبعاً لكم محققاً لرغباتكم؛ لأدى الأمر إلى العنت الذي يلحقكم بسبب طاعته إياكم.

إذاً: ما الواجب؟ هو رسول الله، ويطيع ما جاءه من عند الله الذي أرسله، وأنتم تبع له فتسلمون، ولكن هنا: (لَوْ يُطِيعُكُمْ) أفي جميع الأمر؟ لا. بل (فِي كَثِيرٍ)، مفهوم الكثير أنه يمكن أن يطيعهم في القليل، وقد يكون في هذا القليل مصلحة لهم، وإذا أطاعهم في القليل قد يكون فيه تحقيق لرغباتهم من غير إقرار لهم على باطلهم؛ لأن الله لا يقره على باطل، (فلو يطيعكم) ووافقه الوحي وأقره الله على تلك الطاعة كانت مصلحة، لكن لو أراد أن يطيعكم في أمر والله لا يريد ذلك فإنه يبينه له ويمنعه منه، وقد تبين في بعض الوقائع أنه صلى الله عليه وسلم أطاعهم في بعض الأمور وكانت مصلحة للمسلمين، وكان فيها تأييد من الله.

بعض مواقف النبي صلى الله عليه وسلم في مشاورته لأصحابه وأخذه برأيهم

من هذه المواقف: غزوة بدر: لما خرجوا ووصلوا إلى بدر كان منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء القرآن: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا [الأنفال:42]، ووادي بدر ممتد من الشمال إلى الجنوب، وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ [الأنفال:42]، سبحان الله العظيم! فنزل النبي صلى الله عليه وسلم بحافة الوادي الدنيا من جهة المدينة، وكان منزل المشركين بالعدوة القصوى التي من جهة مكة، فنزلوا على أول بئر وصلوا إليه، وجاء النبي ونزل عند أول بئر، وفي هذه الحالة جاء الحباب بن المنذر ، وقال: (يا رسول الله! أمنزل أنزلكه الله فلا قول لأحد، أم هي الحرب والمكيدة؟ قال: لا. بل هي الحرب والمكيدة)، لأن قضية بدر من حيث هي كانت كما نقول: بقيادة السماء، وقد بين الله ذلك فقال: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ [الأنفال:5]، فهو خرج باختيار الله والعير التي كان يخرج إليها كل سنة كانت تروح وتغدوا، وخرج إليها حمزة قبل ذلك، وخرج إليها الرسول إلى العشيرة وما أصابها، ولكن في هذه المرة: (إن هذه عير لقريش لعلكم تخرجون، لعل الله ينقلنيها)، إذاً: كانت العير طعم فقط ليخرجوا: أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا [الأنفال:5]، لما جاءوا في الطريق كانت العير التي خرجوا إليها ذهبت، والنفير الذي لم يحسبوا له حساباً جاء.

إذاً: نزولهم في هذا المكان ونزول أولئك كان بأمر من الله، وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ [الأنفال:42]، وكذلك: وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ [الأنفال:7] وكما قال في مجلس المشاورة: (أشيروا عليَّ أيها الناس؛ العير قد نجت والنفير أقبلت)، فمن قائل يقول: كذا وكذا، حتى قالوا: يا رسول الله! لعلك خرجت لأمر وأراد الله أمراً آخر فامض إلى ما أراده الله. يعني: كانت الإرادة لله وليست لهم، ومن هنا التزم الحباب في سؤاله: أهذا المنزل بوحي من الله فنسكت ولا نجتهد، فقال: لا. هي الحرب والمكيدة، فقال: الرأي عندي -وكلمة عندي تحرز فقد يكون عند غيره مخالفاً لهذا- أن نذهب ونتقدم إلى آخر بئر فننزل عليها، ونبني لنا حوضاً نملأه ماءً فنكون على ماء ولا ماء للعدو، يريد أن يحاربوهم بالعطش أيضاً، وكان جبريل عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وسلم أول ما نزل، فإذا ملك ينزل من السماء ويقول: (يا محمد! إن الله يقرؤك السلام، ويقول لك: الرأي ما قال الحباب ، فنظر صلى الله عليه وسلم إلى جبريل وقال: أتعرف هذا يا جبريل؟ فقال جبريل: ما كل ملائكة السماء يعرفها جبريل) والظاهر أنه ملك وليس شيطاناً، ويهمنا هنا: لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ [الحجرات:7]، مفهوم ذلك: طاعتهم في القليل وكان فيها خير.

كذلك عند غزوة الأحزاب، علم صلى الله عليه وسلم بتجمع المشركين ومن تحزب معهم، وجاءه الخبر بأسرع ما يكون فشاور أصحابه، فلما تشاورا قام سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه فقال: يا رسول الله! كنا إذا حوربنا خندقنا. أي: عملنا خندقاً حول المدينة فيكون هذا حصناً طبيعياً أو مانعاً أو حاجزاً من العدو أن يصل إلينا، فأخذ برأيه صلى الله عليه وسلم، وحفر الخندق ما بين طرفي المدينة ويكون محيطاً بها إحاطة الحذوة كما يقول بعض الكتاب، مستطيلة ليست لها إلا فتحة واحدة، وهي في الوادي حينما ينزل النازل على بئر عثمان وينزل إلى باب الشام، فهذا مدخل المدينة فقط، وما عداها حرار وبساتين لا يمكن للجيوش أن تخترقها، فحفر صلى الله عليه وسلم الخندق ما بين الطرفين ليكون متمماً للحصن الطبيعي حول المدينة.

إذاً: أطاعهم في بعض الأمر، وكانت تلك الطاعة إنما هي لمصلحتهم جميعاً، لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ [الحجرات:7]، منعكم من أن تتقدموا بالكثير، وأن تقترحوا عليه الكثير، وأن تقبلوا منه ما جاءكم به ولو على غير رغباتكم ولو على غير ما تريدونه أن يأتي معكم فيه.

من هذه المواقف: غزوة بدر: لما خرجوا ووصلوا إلى بدر كان منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء القرآن: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا [الأنفال:42]، ووادي بدر ممتد من الشمال إلى الجنوب، وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ [الأنفال:42]، سبحان الله العظيم! فنزل النبي صلى الله عليه وسلم بحافة الوادي الدنيا من جهة المدينة، وكان منزل المشركين بالعدوة القصوى التي من جهة مكة، فنزلوا على أول بئر وصلوا إليه، وجاء النبي ونزل عند أول بئر، وفي هذه الحالة جاء الحباب بن المنذر ، وقال: (يا رسول الله! أمنزل أنزلكه الله فلا قول لأحد، أم هي الحرب والمكيدة؟ قال: لا. بل هي الحرب والمكيدة)، لأن قضية بدر من حيث هي كانت كما نقول: بقيادة السماء، وقد بين الله ذلك فقال: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ [الأنفال:5]، فهو خرج باختيار الله والعير التي كان يخرج إليها كل سنة كانت تروح وتغدوا، وخرج إليها حمزة قبل ذلك، وخرج إليها الرسول إلى العشيرة وما أصابها، ولكن في هذه المرة: (إن هذه عير لقريش لعلكم تخرجون، لعل الله ينقلنيها)، إذاً: كانت العير طعم فقط ليخرجوا: أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا [الأنفال:5]، لما جاءوا في الطريق كانت العير التي خرجوا إليها ذهبت، والنفير الذي لم يحسبوا له حساباً جاء.

إذاً: نزولهم في هذا المكان ونزول أولئك كان بأمر من الله، وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ [الأنفال:42]، وكذلك: وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ [الأنفال:7] وكما قال في مجلس المشاورة: (أشيروا عليَّ أيها الناس؛ العير قد نجت والنفير أقبلت)، فمن قائل يقول: كذا وكذا، حتى قالوا: يا رسول الله! لعلك خرجت لأمر وأراد الله أمراً آخر فامض إلى ما أراده الله. يعني: كانت الإرادة لله وليست لهم، ومن هنا التزم الحباب في سؤاله: أهذا المنزل بوحي من الله فنسكت ولا نجتهد، فقال: لا. هي الحرب والمكيدة، فقال: الرأي عندي -وكلمة عندي تحرز فقد يكون عند غيره مخالفاً لهذا- أن نذهب ونتقدم إلى آخر بئر فننزل عليها، ونبني لنا حوضاً نملأه ماءً فنكون على ماء ولا ماء للعدو، يريد أن يحاربوهم بالعطش أيضاً، وكان جبريل عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وسلم أول ما نزل، فإذا ملك ينزل من السماء ويقول: (يا محمد! إن الله يقرؤك السلام، ويقول لك: الرأي ما قال الحباب ، فنظر صلى الله عليه وسلم إلى جبريل وقال: أتعرف هذا يا جبريل؟ فقال جبريل: ما كل ملائكة السماء يعرفها جبريل) والظاهر أنه ملك وليس شيطاناً، ويهمنا هنا: لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ [الحجرات:7]، مفهوم ذلك: طاعتهم في القليل وكان فيها خير.

كذلك عند غزوة الأحزاب، علم صلى الله عليه وسلم بتجمع المشركين ومن تحزب معهم، وجاءه الخبر بأسرع ما يكون فشاور أصحابه، فلما تشاورا قام سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه فقال: يا رسول الله! كنا إذا حوربنا خندقنا. أي: عملنا خندقاً حول المدينة فيكون هذا حصناً طبيعياً أو مانعاً أو حاجزاً من العدو أن يصل إلينا، فأخذ برأيه صلى الله عليه وسلم، وحفر الخندق ما بين طرفي المدينة ويكون محيطاً بها إحاطة الحذوة كما يقول بعض الكتاب، مستطيلة ليست لها إلا فتحة واحدة، وهي في الوادي حينما ينزل النازل على بئر عثمان وينزل إلى باب الشام، فهذا مدخل المدينة فقط، وما عداها حرار وبساتين لا يمكن للجيوش أن تخترقها، فحفر صلى الله عليه وسلم الخندق ما بين الطرفين ليكون متمماً للحصن الطبيعي حول المدينة.

إذاً: أطاعهم في بعض الأمر، وكانت تلك الطاعة إنما هي لمصلحتهم جميعاً، لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ [الحجرات:7]، منعكم من أن تتقدموا بالكثير، وأن تقترحوا عليه الكثير، وأن تقبلوا منه ما جاءكم به ولو على غير رغباتكم ولو على غير ما تريدونه أن يأتي معكم فيه.

قال الله تعالى: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ [الحجرات:7]، أي: الذين جمعوا بين هذين الوصفين المتقابلين.

وهنا يأتي: (حَبَّبَ)، والإنسان قد يحب الشيء ولكنه مكروه لديه، من حيث تحقيق المصلحة يحبه، ولكن من حيث عين الموضوع هو يكرهه.

المريض مثلاً: يوجد الدواء مر حامض فهو يحبه؛ لأن وراءه الشفاء بإذن الله، ووقت أخذ الدواء يبكي، فهو قد يحب هذا الشيء ولكنه يكره ذاته، ولكن هنا جمع الله بين حبب وزين، فهو محبب لنتائجه الحسنة، ومزين عند الإنسان يأخذه برغبة وطواعية ومحبة، وفرق بعيد بين الأمرين، ولهذا كان (زينه) تتمة (لحببه) ليكون الأخذ بهذا المحبب برغبة واختيار لا عن إكراه كالمريض يتعاطى الدواء.

(وَكَرَّهَ)، حبب يقابلها كره، والمكروه الشيء الذي لا يرغب فيه الإنسان، إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ [الحجرات:7]، الكفر مقابل الإيمان ولوازم الإيمان؛ لأن الإيمان: تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان، فالكفر أول ما ينصب على جحود القلب وهو العقيدة.

وَالْفُسُوقَ [الحجرات:7]، يقولون: إن الفسوق يكون بالقول ويكون بالفعل، ولكنه بالقول أكثر؛ لأن مجيئه بالنبأ جعله فاسقاً.

وَالْعِصْيَانَ [الحجرات:7]، يكون بالأمرين لكنه في الفعل أكثر، وبعضهم يقول: الكفر معروف أنه قمة الإشراك، والفسوق يشمل الكبائر، والعصيان يكون للصغائر، ولكن التحقيق: أن العصيان يشمل الكبيرة والصغيرة.

ويهمنا هنا: أنه لا يتم تحقيق الإيمان وحبه في القلب حتى يخلو القلب من شوائب الكفر؛ لأن الكفر والإيمان لا يجتمعان أبداً، ولذا قال صلى الله عليه وسلم في آخر أمره: (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب)؛ لأن وجود دينين معاً في بلد واحد يقتضي وجود احتكاك بينهما، وأهل هذا الدين يخالطون أهل هذا الدين، وأهل ذاك الدين يخالطون أهل هذا الدين، وتكون بالمخالطة نقل بعض العادات أو نقل بعض الاعتقادات فيكون هناك شيء من التلاقح بين الأفكار والمشاركة بين الأعمال، فيكون في هذا مضرة على دين الإسلام، لذا قال: (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب)، وهكذا لا يجتمع دينان في قلب المسلم.

حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:7].

يقول الله: وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ [الحجرات:7] وكره إليكم الكفر حتى لا يوجد الضد مع الضد.

هؤلاء الذين اجتمع لهم محبة الإيمان وأخذه بطيب ورضا وقناعة ومحبة كرهوا الكفر والفسوق والعصيان وهذا من كمال الإيمان في قلوبهم، ولا ننس أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ [الحجرات:7]، والرشد هو الصلاح: أي: هم الذين أخذوا بطريق الرشد، وهو الصلاح في الدين والدنيا، وبعض العلماء كـالشافعي يقول: الرشد هو الصلاح في الدين، ويذكر ذلك في كتب الفقه عند بلوغ اليتيم، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا [النساء:6] أي: صلاحاً في دينهم، فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6].

ومالك رحمه الله يقول: الرشد في الدنيا بخصوص المال لليتيم، فإذا كان يحسن تصريف ماله وحفظه دفعناه إليه وجانب الدين هذا بينه وبين الله.

والشافعي يقول: لابد من رشد الدين مع رشد الدنيا؛ لأنه إذا كان يحسن التصرف في المال لكنه يصرفه فيما لا فائدة فيه أو فيما هو محرم؛ فيكون سفيهاً ولو كان يتقن ويحسن التصرف في المال.

يقول الله: فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً [الحجرات:8].

ما الفرق بين الفضل والنعمة؟

الفضل هو: التفضل بما عندك على الغير، والله متفضل على عباده بكل النعم وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ [النحل:53]، وبعض العلماء يتساءل: ما الفرق بين الفضل والنعم؟

فقالوا: أصل الفضل مأخوذ من الشيء الفاضل عند الإنسان وهو مستغنٍ عنه. تقول: أعطني من فضلك. أي: مما فضل عندك، وتقول: هذه فضلة طعام، هذا فضل ثياب. أي: الشيء الزائد عندك وأنت مستغنٍ عنه.

فالفضل من جانب المولى سبحانه؛ لأن كل خزائنه بما فيها من الخير فضل زائد وهو في غنى عنه، فهو يعطي عباده مما هو فاضل عنده، والنعمة بالنسبة من جهة العبد؛ لأن النعمة ما ينعم به الله لبعض خلقه لسد حاجته، فالعطاء واحد وهو من جانب الله فضل؛ لأنه موجود بكثرة ومستغنٍ عنه، ومن جانب العبد نعمة؛ لأنه به يسد حاجته ويستغني بما تفضل الله به عليه، وبهذا فَضْلًا مِنَ اللَّهِ [الحجرات:8]. أي: زيادة فيما أعطاه وزيادة في خزائنه مما هو مستغنٍ عنه، وَنِعْمَةً [الحجرات:8]؛ لأنه به ينعم عليكم وتكون حياتكم ناعمة وليست بخشنة.

وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الحجرات:8]، قالوا: ( عليم حكيم ) راجعة إلى كل ما تقدم في كل تصرفاته، وقالوا: لهذا الأخير (الفضل والنعمة) فهو عليم بما في خزائنه من واسع فضله، فيتفضل بما شاء.

(حكيم) لما يختار من عباده من يعطيه نعمه، فيعطي كل إنسان من نعمه سبحانه ما يلائم حاله، فهو سبحانه وتعالى يعطي كل إنسان بحكمة فيما تكون فيه مصلحته، ولذا قال: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ [الشورى:27].

فكذلك هنا (عليم) بما فيه خزائنه من واسع فضله، وحكيم فيما يعطي من هذا الفضل من النعم لعباده بقدر ما يصلحهم، إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، وفي الحديث أيضاً: (إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لفسد حاله، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لفسد حاله).

إذاً: عليم: بما في خزائنه من واسع فضله وخيراته، حكيم: حيث يعطي من هذا الفضل للعباد بقدر ما يصلحهم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:9-10].

لاحظوا هذا الترتيب والنسق في آيات السورة الكريمة، وهكذا في جميع السور، لكنه قد يظهر قريباً لبعض الناس، وقد يخفى ولا يظهر إلا للخواص، لما نبه سبحانه وتعالى على وجوب التبين والتحفظ من نبأ الفاسق، وحذر أن تصيبوا قوماً بجهالة، فمعنى ذلك: قد يأتي الفاسق بنبأ ونسمعه، ولو لم يكن في حق رسول الله أو في حياة رسول الله، وليس عندنا من يبين لنا حقيقة كذبه، لكن في الوقت الحاضر الآن لو جاءنا فاسق بنبأ ولم نتبين ما الذي سيترتب على مجيء الفاسق بالنبأ، أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا [الحجرات:6].

إذاً: من المتوقع ومن الترتيب الطبيعي أن الفاسق إذا جاء إلى قوم بنبأ كذب على قوم آخرين، وجاء بنميمة وجاء بأخبار كاذبة وقال: إنهم يقولون فيكم كذا، إنهم يعدون إليكم كذا، إنهم سيوقعون بكم كذا وكذا، ما الذي سيفعله من جاءهم هذا النبأ؟ سيتهيئون إليهم وربما بادروهم بسوء.

إذاً: لما حذر المولى سبحانه من قبول خبر الفاسق الواجب أن نتحرز ونتبين إذا قصرنا، فإذا سارع قوم بأخذ نبأ الفاسق ما الذي سيكون؟ سيقع القتال والفتنة، ولذا جاء بهذه الآية الكريمة كأنها بيان لما عساه أن يقع بالمخالفة وعدم التبين والمسارعة بأخذ خبر الفاسق، فيقع مضرة على هؤلاء الناس، ويقع القتال بين فريقين: فريق نقل عنه نبأ فاسد وفريق ألقي إليه نبأ فاسق، فكان سبباً في قتال الفريقين.

فيكون هذا العلاج: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجرات:9]، فكأنه يقول: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا بسبب نبأ فاسق جاءهم يكون الحكم: تداركوا الأمر، وأصلحوا بينهم، ولا تتركوهم على ما هم عليه، وإن كانوا فرطوا في عدم التثبت لا تفرطوا أنتم في عدم الإصلاح، وهذا ترتيب في غاية الإعجاز والقوة.

سبب وصف الطائفتين بالإيمان

بقي هنا نقاش عند العلماء في سبب نزولها أو عدم نزولها، فهم يقولون: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الحجرات:9]، يقول بعض العلماء: لماذا لم يقل: وإن طائفتان منكم، وقد قال في أولها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الحجرات:6]؟ وهم فعلاً منهم؛ لأنه من المؤمنين، لكن قال: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:23]، كأنه يثير معنى الإيمان في هؤلاء وهؤلاء من المخاطبين، كأنه يقول: ما كان ينبغي للمؤمنين أن يقتتلوا، وما كان ينبغي أن يقع ذلك؛ فإن وقع فهو نادر وعلى خلاف الأولى.

وَإِنْ طَائِفَتَانِ [الحجرات:9]، قال: وإن طائفتان بدل فرقتان أو جماعتان أو شخصان، قالوا: الطائفة أقل من الفرقة، بدليل قوله: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ [التوبة:122].

اقْتَتَلُوا [الحجرات:9]، لم يقل: يقتتلوا؛ لأن يقتتلوا للحاضر، وقد تكون واقعة عين وينتهي الحكم، واقتتلوا. أي: وقع القتال بين طائفتين في أي زمان ومكان، فعليكم أن تقوموا بالإصلاح.

نوع الصلح بين الطائفتين المتقاتلتين

قال الله: فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9].

ما نوعية الصلح بين الطائفتين، وما أسباب القتال، وما نوع الصلح الذي يقوم به المسلمون؟

نجد أن الصلح هنا جاء مرتين: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ [الحجرات:9] هناك في الأول: فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ [الحجرات:9]، ما جاء وصف العدل في الأول، وهنا: فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ [الحجرات:9]، لماذا جيء بالعدل في الإصلاح الثاني ولم يأت به في الإصلاح الأول؟

قالوا: لأن الغرض بالإصلاح الأول هو كف الطائفتين بعضهما عن بعض بالقتال، بينهما هدنة، أن يكف كل منهما عن الآخر ليمكن التفاهم بين الفريقين ومعرفة أسباب القتال، وتصفية ما بينهما فيما وقع من خسائر أو من دماء أو غير ذلك، فهناك يأتي العدل.

إذاً: هنا: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ [الحجرات:9]، أي: كفوا أيديهم عن القتال، وهذا إصلاح أولي، ثم بقي معنا الطائفتين.

يقول بعض العلماء: قد يكون القتال بين الطائفتين وهما من الأمة؛ قبيلتان أو أسرتان، وربما قطران، لكن كما يقولون: سبب النزول: أن ابن أُبي لما مر عليه صلى الله عليه وسلم راكباً حمار وذاهباً إلى سعد بن عبادة في منطقتهم، فوقف على ابن أُبي يدعوه إلى الإسلام، فقال: إليك عني، اذهب فقد آذاني نتن ريح حمارك، فقام عبد الله بن رواحة وقال: والله لنتن حماره أطيب ريحاً منك، فقام لـابن أُبي رئيس المنافقين من انتصر له وانتصر لـابن رواحة المسلمون وكان بينهما مناوشات، فنزلت الآية.

وبعضهم يقول: لا. بل كان الأمر بين الأوس والخزرج.

وقيل: كانت هناك امرأة عند رجل اسمها أم زيد ، وكان بينه وبين زوجه ما يكون بين الأزواج، ومنعها أن تذهب إلى أهلها، فجاء أهلها في غيبته ليأخذونها وينزلونها من عليتها، فقام أهل الرجل في الحي ومنعوهم ووقع بينهما ما وقع فنزلت الآية.

وأياً كان سبب النزول فإنه انتهى وبقي صريح النقل، وكما قيل: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، فيقولون: إن كانت الطائفة الباغية من الأمة كان على ولي أمر المسلمين أن يكف الباغية؛ لأن له سلطان عليها، وإن كان البغي من جانب الأمير فعلى المسلمين نصحه بقدر الإمكان والتدرج بشرط أن لا يتوقع مفسدة أكثر مما يكون بين الطائفتين.

إذاً: نوع الإصلاح يتوقف على نوعية الخلاف وعلى نوعية الطائفتين، حتى لو كانا شخصان متنازعان فوجب على الأمة الإصلاح بينهما، وكما قيل: طبيعة الإصلاح من سيماء الإسلام، والله سبحانه وتعالى أوجب الصلح بين المتنازعين، وأوجب الصلح أيضاً حتى بين الزوجين، فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35] .. وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128].

صفات أهل الصلح بين الطائفتين

الصلح من سمات الإسلام، وهو مبني على التسامح والتنازل عن بعض الحقوق كما يقول الله : وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ [النساء:128]، فلابد للمتصالحين أن يتنازل كل منهما من جانبه ويتغلب على شح نفسه.. لكن من الذي سيتدخل ويصلح بين الطائفتين؟

نحتاج إلى من يكون عالماً خبيراً بأسباب الخلاف والنزاع، وأسباب الخلاف إذا كانت طائفتان كبيرتان أو قبيلتان أو حتى قطران، إما أن يكون أمراً اقتصادياً أو جنائياً أو أدبياً أو سياسياً... أو إلى آخره؛ فنحتاج إلى تكوين لجنة عدل من كل تلك الفرق لتصل إلى حقيقة الخلاف وتفصل فيه، وتقول للباغية: أنتِ باغية قفي عند حدكِ، فإن وقفت والتزمت فبها ونعمت، وإن لم تقبل وبغت على أختها كان واجب المسلمين أن يردوها عن بغيها، كما في الحديث: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: مظلوماً ننصره، وظالماً كيف ننصره؟ قال: ردك إياه عن ظلمه فهو نصرة له).

وهكذا نحتاج كما قيل: إلى هيئة تكون خبيرة بأسباب النزاع تبحث مع وقف القتال؛ لأن البحث في أسباب النزاع والعمل على إيجاد صلح مع وجود القتال لا يتم أبداً، ونحن نشاهد الآن في كثير من الحركات بين الدول أو بين قطر داخلياً أو خارجياً يجلسون للمفاوضات وإطلاق النار ما زال مستمراً، فلا نلبث أن يعقد اتفاق وقف إطلاق النار، وربما لا يلبث ساعتين أو عشر ساعات أو يوم وليلة أو عدة أيام حتى ينقض، لماذا؟

لأنهم لم يتوصلوا إلى نتيجة معرفة سبب الخلاف وإلى الواجب الذي يجب على كل طائفة أن تكون عليه، فيكونوا أصلحوا بينهما مبدئياً أن يكفوا عن القتال فيما بينهم. وهذا إصلاح.

ثم بعد البحث وإعلان النتيجة؛ فإن التزمت الطائفتان بذلك فالحمد لله، وإن لم يلتزما أو كان الالتزام من جانب واحد كانت الأمة ملزمة أن تقاتل الباغية التي بغت على أختها، حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9]، أي: ترجع، ليس إلى هيئة الأمم ولا مجلس الأمن، ولكن ترجع إلى حكم الله؛ لأن رجوع الظالم مهما كان ظلمه وشخصه وطغيانه إذا عرف أنه راجع إلى الله وقف عند حده؛ ولأن الرجوع إلى الله هو عين العدل والإنصاف والحكمة، ولذا جاء هناك حينما تكون المفاهمة بعد كف القتال، فَإِنْ فَاءَتْ [الحجرات:9]، وامتثلت ورجعت وانتهى القتال هناك يكون الحكم بالعدل، وليس هناك كما يقال: حق الفيتو بأن ينقض القرار إذا كان لصالح دولة كبرى ولا أن يكون لمصلحة دولة صغرى، ومتى ينقض حق؟ إذا كان العدو بيده السلاح، وهذا كما أشرنا سابقاً: أخذ نظام هيئة محكمة عدل إسلامية دولية يمكن أن تفض جميع المنازعات بين الأمم المسلمة على هذا القانون على مقتضى هذا التشريع: أن تقوم بالعدل والقسط. أن تكف بينهما أولاً، ثم تشرع في بحث الخلاف، ثم تصدر قرارها فيما يلزم، فإن التزموا بذلك فالحمد لله، وإلا فالأمة كلها مسئولة عن ردعها.

بقي من من الأمة يتدخل في شئون الآخرين؟ يجب أن تجرد قوة باسم الأمة الإسلامية قوة ردع لمن بغى، ولو وجد هذا النظام باسم الإسلام لما احتاج المسلمون أن يذهبوا إلى خارج بلادهم أو أن يتحاكموا إلى غيرهم، والمجال في هذا واسع طويل، والله أسأل أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه.

وهناك عودة إلى موجب هذه المسئولية وتحملها بسبب إخوة الإيمان، الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، يعني: ضريبة هذا الإصلاح، وتحمل هذه النفقات، أو ربما يكون هناك قتلى بسبب الإصلاح وردع الباغية، كل ذلك في سبيل الأخوة في الله، وسيأتي لها زيادة بيان إن شاء الله، وبالله تعالى التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.