شرح زاد المستقنع باب موانع الشهادة وعدد الشهود [3]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ولا تقبل الشهادة على الشهادة إلا في حق يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي].

بعد أن بين المصنف رحمه الله أصول باب الشهادة، والأمور المعتبرة في قبول الشهادة وردها؛ شرع في بيان حكم الشهادة على الشهادة، والشهادة على الشهادة مركب يكون بعد بيان المفرد، والمراد بالشهادة على الشهادة: أن يكون هناك شاهدان على حق من الحقوق، فتعذر إقامة الشاهدين في القضاء، أو مات الشاهدان، وهناك شهود شهدوا على شهادتهما، وهذا من نعم الله عز وجل ولطفه بعباده.

وقد نص الأئمة رحمهم الله واتفقت المذاهب الأربعة على قبول الشهادة على الشهادة من حيث الجملة، والدليل على قبولها عموم الأدلة التي دلت على قبول الشهادة، فإن الله تعالى لم يفرق بين كونها شهادة أصل أو شهادة فرع، فإن الله أمرنا بقبول شهادة العدل والعمل بها، فإذا جاء شهود على شهود وهم عدول، أي: شهود الأصول عدول، فإننا نقبل الشهادة كالشهادة الأصلية؛ لأن الفرع آخذ حكم أصله، فالشهادة على الشهادة مركبة على أصل، فإذا كان الأصل مقبولاً فالشهادة على الشهادة مقبولة؛ لأن حفظ الحقوق مقصود شرعاً، وهو يتأتى بالشهادة على الشهادة.

وقد بيّن رحمه الله: أن الشهادة على الشهادة تكون فيما يكون فيه كتاب القاضي، وقد تقدم بيانه، فلا تقبل الشهادة على الشهادة في قصاص، ولا في إثبات حد من الحدود، وذلك لما ذكرناه، ومن أهل العلم من قال بعمومها، ولكن لوجود الشبهة وخوف الخطأ والخلل استثنى الحنابلة رحمهم الله الدماء وما لا يقبل فيه كتاب القاضي.

ويشترط في الشهادة على الشهادة ما يشترط في الشهادة الأصلية، ولكن لا بد أن يكون الشاهد بالغاً عاقلاً عدلاً غير متهم في شهادته، ضابطاً للشهادة، فإذا استوفى الشروط المعتبرة، فيرد السؤال: هل تقبل فيها شهادة النساء، أو لا تقبل؟

أولاً: الشهادة على الشهادة، الأصول تقتضي قبول شهادة الرجال والنساء عموماً، وهذا مذهب طائفة من العلماء، والحنابلة عندهم لا تقبل شهادة النساء في الشهادة على الشهادة.

والصحيح: أنه تقبل شهادة امرأتين وتنزل منزلة شهادة الرجل الواحد، وتتعدد بتعدد شهادة الأصول في الرجال.

متى تقبل الشهادة على الشهادة

قال رحمه الله: [ولا يحكم بها إلا أن تتعذر شهادة الأصل بموته]

إذاً: لو أن رجلاً كبيراً في السن عنده شهادة فجاء وقال: إن هذه الأرض ملك لوقف فلان، وهناك كبير سن آخر يشهد بنفس الشهادة، فيأتي شاهدان ويشهدان على شهادة الشاهد الأول الذي اسمه عبد الله في ثبوت الحق، ويسترعيهم الشهادة، وأيضاً يأتي شاهدان آخران لشهادة عبد الرحمن كبير السن الآخر، فإذا حصلت الشهادة فمعنى ذلك: أن أربعة شهود سيشهدون في مقابل شهادة الاثنين، وسينقلون شهادة الاثنين، وكلٌ منهما شاهدٌ على صاحبه، كل اثنين سيشهدان على ما شهد عليه، وحينئذٍ تقبل الشهادة إذا تعذر، إما لموت الأصل أو غيره من الأسباب، مثل أن أكون أنا وأخي سمعنا والدنا يقول كذا وكذا، ثم توفي الوالد، فأنا وأخي ملزمان شرعاً بأداء هذا الحق الذي طُلب منا، فهذا فيه حفظ للحقوق وصيانة لها.

فبين رحمه الله أنه عند التعذر من موت أو مرض كأن يشهد ثم مرض، وتعذر عليه أن يأتي إلى مجلس القضاء، وعلى هذا فتقبل الشهادة عند وجود العذر، أما إذا لم يوجد العذر فللعلماء وجهان:

الوجه الأول: لو كان الأصل موجوداً في المدينة أو موجوداً في مدينة أخرى، ويمكن أن يسافر ويأتي، فمن أهل العلم من قال: إنه إذا كان على مسافة القصر فإنه يسقط عنه الحضور.

الوجه الثاني: إذا كان في داخل المدينة فإنه لا تقبل الشهادة على الشهادة؛ لأن القدرة على اليقين تمنع من الشك؛ ولأن نقل الشهادة على الشهادة مزلة الخطأ والخلل، فينبغي إشهاد الأصل، وهذا القول فيه احتياط، وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله، والأصول تقتضي القبول.

قال رحمه الله: [ أو غيبة مسافة قصر ].

كما ذكرنا، كأن يكون في مدينة والقاضي في مدينة أخرى.

متى يشهد الفرع بدلاً عن الأصل

قال رحمه الله: [ ولا يجوز لشاهد الفرع أن يشهد إلا أن يسترعيه شاهد الأصل ].

كأن يقول له: اشهد على شهادتي أن فلاناً له على فلان كذا وكذا، واشهد على شهادتي أن فلاناً أوقف داره أو أوقف أرضه، أو أن فلاناً وهب، أو أن فلاناً شارك فلاناً، أو أن فلاناً أعطى فلاناً قرضاً، فقوله: اشهد على شهادتي هذا استرعاء.

قال رحمه الله: [ فيقول: اشهد على شهادتي بكذا، أو يسمعه يقر بها عند الحاكم ].

إذا شهد بها عند الحاكم فهي شهادة شرعية وحينئذٍ ينقل هذه الشهادة.

قال رحمه الله: [ أو يعزوها إلى سبب من قرض أو بيع أو نحوه ].

كأن يقول: إن لفلان على فلان مائة من أصل بيع، سواء كان من قيمة أرض أو من قيمة سيارة، فيسندها إلى أصل، أما لو قال: إن له في ذمته كذا ولم يبين السبب، فلا تقبل.

قال رحمه الله: [ولا يحكم بها إلا أن تتعذر شهادة الأصل بموته]

إذاً: لو أن رجلاً كبيراً في السن عنده شهادة فجاء وقال: إن هذه الأرض ملك لوقف فلان، وهناك كبير سن آخر يشهد بنفس الشهادة، فيأتي شاهدان ويشهدان على شهادة الشاهد الأول الذي اسمه عبد الله في ثبوت الحق، ويسترعيهم الشهادة، وأيضاً يأتي شاهدان آخران لشهادة عبد الرحمن كبير السن الآخر، فإذا حصلت الشهادة فمعنى ذلك: أن أربعة شهود سيشهدون في مقابل شهادة الاثنين، وسينقلون شهادة الاثنين، وكلٌ منهما شاهدٌ على صاحبه، كل اثنين سيشهدان على ما شهد عليه، وحينئذٍ تقبل الشهادة إذا تعذر، إما لموت الأصل أو غيره من الأسباب، مثل أن أكون أنا وأخي سمعنا والدنا يقول كذا وكذا، ثم توفي الوالد، فأنا وأخي ملزمان شرعاً بأداء هذا الحق الذي طُلب منا، فهذا فيه حفظ للحقوق وصيانة لها.

فبين رحمه الله أنه عند التعذر من موت أو مرض كأن يشهد ثم مرض، وتعذر عليه أن يأتي إلى مجلس القضاء، وعلى هذا فتقبل الشهادة عند وجود العذر، أما إذا لم يوجد العذر فللعلماء وجهان:

الوجه الأول: لو كان الأصل موجوداً في المدينة أو موجوداً في مدينة أخرى، ويمكن أن يسافر ويأتي، فمن أهل العلم من قال: إنه إذا كان على مسافة القصر فإنه يسقط عنه الحضور.

الوجه الثاني: إذا كان في داخل المدينة فإنه لا تقبل الشهادة على الشهادة؛ لأن القدرة على اليقين تمنع من الشك؛ ولأن نقل الشهادة على الشهادة مزلة الخطأ والخلل، فينبغي إشهاد الأصل، وهذا القول فيه احتياط، وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله، والأصول تقتضي القبول.

قال رحمه الله: [ أو غيبة مسافة قصر ].

كما ذكرنا، كأن يكون في مدينة والقاضي في مدينة أخرى.