شرح زاد المستقنع باب الذكاة


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله: [باب الذكاة].

الذكاة أصلها: الشيء الطيب، ومنه قولهم: رائحة ذكية، وقيل: الذكاة الحدة، والفراسة القوية، ولذلك وصف بها إنهار الدم؛ لأن الآلة تفري، وتنهر الدم، فكانت هناك مناسبة بين الإطلاق اللغوي والإطلاق الشرعي.

قوله رحمه الله: (باب الذكاة) أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بالذكاة الشرعية، والمناسبة: أن هذه الحيوانات المباحة، يحل أكلها إذا ذكيت وكانت من جنس ما يذكى.

فإن هناك حيوانات من حيث الأصل أمر بتذكيتها، وهناك حيوانات لا تذكى، وقد بين لنا المصنف ما يحل وما يحرم، فنستبعد الذي يحرم؛ لأن الذي يحرم لا يذكى، إلا في خلاف عند العلماء في حال الضرورة، كأن يكون مثلاً جائعاً ووجد أسداً، فهل يذكيه؟ هذا إذا ما كان الأسد سيبقى إلى تذكيته! لكن بعض العلماء يرى أنه يذكى، والأقوى أنه لا تجب الذكاة؛ لأنه أصلاً ليس من جنس ما يذكى.

الذكاة نوعان: منه ما أمر الله بذكاته، ومنه ما لم يأمر الله بذكاته، وهو حيوان البحر، وأيضاً ما لا نفس له سائلة؛ كالجراد، والدود، فهذا يؤكل بدون ذكاة، أما بالنسبة للذي يكون من غير حيوان البحر، ومما له نفس سائلة مما أحل الله أكله ففيه الذكاة.

أقسام الذكاة

وتنقسم الذكاة إلى قسمين:

الأول: الذكاة الأصلية.

الثاني: الذكاة المنزلة منزلة الأصل، فهي بدل عنه.

والذكاة الأصلية: تنقسم إلى قسمين أيضاً:

الذبح والنحر، وما جمع بينهما: فهناك حيوانات تذبح؛ كالغنم، وتيس الجبل.. ونحو ذلك، إذا كان مستأنساً.

وهناك حيوانات تنحر، كالإبل، فلا يوجد أحد يذبح الإبل وإنما ينحرها، ولذلك يقال: نحرت البعير، ولا يقال: ذبحت البعير.

وما يجمع الأمرين: كالبقر، ففيه موضع للذبح، وموضع للنحر، هذا بالنسبة لما يحل أكله من الحيوان الذي يذكى الذكاة الأصلية.

والذكاة البدلية: هي ذكاة الصيد، وقد نزلت منزلة هذه الذكاة الأصلية حتى نفقه عموم حكم الشريعة في الذكاة، فالحيوان الذي يكون برياً؛ إما أن يكون من جنس ما يذكى بالأصل، وهو الحيوان المستأنس، وإما أن يكون له ذكاة بدلية، وهو الصيد، وتعكس، فتقول: إذا صار الصيد مستأنساً عومل معاملة المستأنس، فلو أمسك بقر وحش، فإنه ينحره أو يذبحه، ولو أن المستأنس أصبح متوحشاً عومل معاملة الصيد.

ومعاملة الصيد على إحدى النوعين من الذكاة، فكما أن المستأنس له طريقتان، فالصيد له طريقتان:

الأولى: أن تكون تذكيته بالآلة، مثل: أن يرسل السهم، أو يثور السلاح كالبندقية، فتنهر الدم في أي موضع، فيحل أكله إذا وجده ميتاً، أما إذا وجده حياً فإنه يجب أن يعامله معاملة المستأنس، إذن هي بدلية، وليست أصلية.

الثانية: أن تكون بالحيوان، ثم إذا كانت بالحيوان؛ فإما أن تكون بالعاديات، كالكلب، والأسد، والنمر، ونحوها من الحيوانات العادية التي تعلم الصيد، وإما أن تكون بالطيور كالباز، والصقر، والنسر، والباشق، والشواهين مما يعلم من الطيور العادية.

هذا بالنسبة لمجمل نظرة الذكاة، فإما أن تكون من جنس ما يذكى، وإما أن تكون من جنس ما لا يذكى.

فمما لا يذكى، حيوان البحر، وما لا نفس له سائلة.

أما الذي يذكى وهو البري، فإنه غير ما ذكر، فإن الذكاة فيه إما أن تكون أصلية، وإما أن تكون بدلية قائمة مقام الأصل.

هذا كله يسمى من حيث الأصل: الذكاة الاختيارية، وهناك نوع من الذكاة يسمى: الذكاة الاضطرارية: وهي مثلما ذكرنا: أن يفر المستأنس، ويعجز الإنسان عن إمساكه، فيرميه في أي موضع، فيعامله معاملة الصيد، مع أنه في الأصل يذكى الذكاة الشرعية.

وتنقسم الذكاة إلى قسمين:

الأول: الذكاة الأصلية.

الثاني: الذكاة المنزلة منزلة الأصل، فهي بدل عنه.

والذكاة الأصلية: تنقسم إلى قسمين أيضاً:

الذبح والنحر، وما جمع بينهما: فهناك حيوانات تذبح؛ كالغنم، وتيس الجبل.. ونحو ذلك، إذا كان مستأنساً.

وهناك حيوانات تنحر، كالإبل، فلا يوجد أحد يذبح الإبل وإنما ينحرها، ولذلك يقال: نحرت البعير، ولا يقال: ذبحت البعير.

وما يجمع الأمرين: كالبقر، ففيه موضع للذبح، وموضع للنحر، هذا بالنسبة لما يحل أكله من الحيوان الذي يذكى الذكاة الأصلية.

والذكاة البدلية: هي ذكاة الصيد، وقد نزلت منزلة هذه الذكاة الأصلية حتى نفقه عموم حكم الشريعة في الذكاة، فالحيوان الذي يكون برياً؛ إما أن يكون من جنس ما يذكى بالأصل، وهو الحيوان المستأنس، وإما أن يكون له ذكاة بدلية، وهو الصيد، وتعكس، فتقول: إذا صار الصيد مستأنساً عومل معاملة المستأنس، فلو أمسك بقر وحش، فإنه ينحره أو يذبحه، ولو أن المستأنس أصبح متوحشاً عومل معاملة الصيد.

ومعاملة الصيد على إحدى النوعين من الذكاة، فكما أن المستأنس له طريقتان، فالصيد له طريقتان:

الأولى: أن تكون تذكيته بالآلة، مثل: أن يرسل السهم، أو يثور السلاح كالبندقية، فتنهر الدم في أي موضع، فيحل أكله إذا وجده ميتاً، أما إذا وجده حياً فإنه يجب أن يعامله معاملة المستأنس، إذن هي بدلية، وليست أصلية.

الثانية: أن تكون بالحيوان، ثم إذا كانت بالحيوان؛ فإما أن تكون بالعاديات، كالكلب، والأسد، والنمر، ونحوها من الحيوانات العادية التي تعلم الصيد، وإما أن تكون بالطيور كالباز، والصقر، والنسر، والباشق، والشواهين مما يعلم من الطيور العادية.

هذا بالنسبة لمجمل نظرة الذكاة، فإما أن تكون من جنس ما يذكى، وإما أن تكون من جنس ما لا يذكى.

فمما لا يذكى، حيوان البحر، وما لا نفس له سائلة.

أما الذي يذكى وهو البري، فإنه غير ما ذكر، فإن الذكاة فيه إما أن تكون أصلية، وإما أن تكون بدلية قائمة مقام الأصل.

هذا كله يسمى من حيث الأصل: الذكاة الاختيارية، وهناك نوع من الذكاة يسمى: الذكاة الاضطرارية: وهي مثلما ذكرنا: أن يفر المستأنس، ويعجز الإنسان عن إمساكه، فيرميه في أي موضع، فيعامله معاملة الصيد، مع أنه في الأصل يذكى الذكاة الشرعية.

قال رحمه الله: [لا يباح شيء من الحيوان المقدور عليه بغير ذكاة]:

(لا يباح، ولا يحل): من الصيغ الصريحة في التحريم؛ وذلك لأن الله تعالى قال: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة:3] فدل على لزوم الذكاة، وهذا في جنس ما تجب ذكاته.

قال رحمه الله: [إلا الجراد، والسمك، وكل ما لا يعيش إلا في الماء]:

إلا الجراد: هذا ما لا نفس له سائلة؛ ولذلك كان الصحابة يضربونه بالرماح، ويقتلونه من غير ذكاة، ثم بعد ذلك يشوى، أو يقلى، ويؤكل.

والسمك والحوت: هذا لا يذكى؛ لأنه من حيوان البحر، وحيوان البحر يؤكل بدون ذكاة إلا على مذهب المدلسين، فإنهم يكتبون على بعض الكراتين: مذبوح بالطريقة الإسلامية، وهو سمك، وهذا-نسأل الله السلامة والعافية- من خداع المسلمين، والحرص على ترويج البضاعة ولو بأي شيء، ولو بالكذب في أمر الدين-نسأل الله السلامة والعافية-.

الشرط الأول: أهلية المذكي

قال رحمه الله: [ويشترط للذكاة أربعة شروط: الأول: أهلية المذكي]:

لا تصح الذكاة إلا إذا كان المذكي أهلاً، ويكون أهلاً [بأن يكون عاقلاً، مسلماً، أو كتابياً]:

قوله: (بأن يكون عاقلاً فالمجنون لا تصح ذكاته، وكذلك السكران أما المجنون: فلأنه لا يقصد الذكاة، وحكي الإجماع، لكن عند الحنفية أنه إذا كان المجنون يضبط، قالوا: تصح صلاته، أي: إذا جاء وذبح أو نحر، وضبط الذبح والنحر، تصح ذكاته، وهذا ضعيف؛ لأنه لا يوجد القصد، الذي ذكرناه في الإراقة على وجه التعبد.

أما بالنسبة للسكران؛ فإن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء:43]، فسيقول السكران: باسم الله، وهو لا يعلم ما يقول، وهذا يدل على أنه لا تصح ذكاة السكران؛ لأنه لا يعلم ما يقول، والمجنون في حكمه أيضاً، من باب أولى وأحرى، وهكذا من تعاطى المخدرات وزال شعوره، فإنه لا تصح تذكيته.

قوله: [مسلماً، أو كتابياً]:

سواء كان مسلماً، أو كان كتابياً من اليهود والنصارى، يقول تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة:5]، والشرط: أن يكون ذبحه ونحره وقيامه بالتذكية على المعروف في دينه، فطعام الذين أوتوا الكتاب حل لنا، وقد خص الله عز وجل من بين الكفار أهل الكتاب؛ لأن غيرهم لا يتقيد بشريعة، وهم متقيدون بشريعة، وهذا الوصف يقتضي التخصيص.

وهناك من يقول: لما قال: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ): يعني ما يأكلونه من ذبائحهم، بأي طريقة ذبحوه، فكل شيء جاءنا من عندهم يؤكل، ولو كان بالآلات، يا سبحان الله! لو أن مسلماً وضع آلة، وصرعت البهيمة ودوختها، أو جاء بالآلة، وجعلها هي التي تفري الأوداج، وهي التي تقطع الرءوس، فإننا نقول: حرام، ولا يجوز، وإذا جاء كتابي -يهودي، أو نصراني- نقول: إنه يجوز؛ لأن الله يقول:(وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) لا يمكن هذا، (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) ما حل طعام الذين أوتوا الكتاب إلا لطيبه؛ وطيبه لأنه من شرع سماوي، ولذلك أكل النبي صلى الله عليه وسلم من شاة اليهودية.

ومن أقوى الأدلة على ضعف القول بجواز أكل كل ما أكلوه: حديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إلا السن، والظفر، وأنا أنبئكم؛ أما السن فعظم-وتعرفون أن العظم زاد إخواننا من الجن، فإذا ذبح به فالدم المسفوح نجس- وأما الظفر فُمدى الحبشة) والحبشة كانوا من أهل الكتاب، وكانت الكنائس موجودة عندهم، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، فكانوا يذكون بأظفارهم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه التذكية، أحلال لأهل الكتاب حرام علينا؟! ويأتي المسلم يذكي به، إذن معناه: أنهم خرجوا عن دينهم، قال: (مدى الحبشة)، ما قال: (مدى النصارى)، ولذلك خص به: أهل الموضع.

فالذي نجده الآن في الذبائح المستوردة، نجد شيئاً خارجاً عن السنن، لا ينضبط بضوابط الشريعة الإسلامية، ولا بضوابط أهل الكتاب، فالشركة تبحث عن كثرة الإنتاج، وتبحث عن كثرة ما تصدره من الذبائح، فتقتل بأي طريقة، وتزهق بأي طريقة، وبأي وسيلة، ثم بعد ذلك لا يُسأل، ونقول: إن هذا حلال، لا، ينبغي التقيد بالوارد، وهذا الوارد هو الذي وردت النصوص باعتباره، قال تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [المائدة:5].

ومن طرق أهل الكتاب الموجودة الآن ما يأتي:

أولاً: لا نجد تقيداً من شركات الذبائح بذبيحة أهل الكتاب، بل تعمل هذه الشركات بالطرق التي يراد منها تكثير الإنتاج، بغض النظر عن كونه موافقاً أو مخالفاً، ولذلك لا يتقيد أحد من أهل الكتاب عدا اليهود في ذبائحهم، ومن هنا أكل النبي صلى الله عليه وسلم شاة اليهودية، وكان بعض مشايخنا مثل الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله عندما سافر إلى الغرب ما أكل إلا من ذبائح اليهود؛ لأنهم يتقيدون بشريعتهم، والذي يتقيد بشريعة أهل الكتاب تقيد بملة، ودين، وحينئذ يجوز أكل ذبيحتهم.

لكن الذي يجري في اللحم المستورد أنه يتم قتله -بالنسبة لما يتاجر به- على مرحلتين:

المرحلة الأولى: التمهيدية؛ وهي السيطرة على البهيمة.

والمرحلة الثانية: مرحلة الإزهاق.

والمحظور موجود في المرحلتين، فمرحلة السيطرة على البهيمة هذه أصلاً ليست من شرع أهل الكتاب، إنما هي من بقايا اليونانية, فإنهم كانوا لا يقتلون إلا بضرب البهيمة بالعصا على رأسها حتى تدوخ، ثم بعد ذلك يذكونها، وهذا الضرب قد يقتل البهيمة قبل أن تزهق روحها، ويقولون: إن هذا أرحم بالبهيمة.

والمصدّر من الطعام: منه ما يكون من الدجاج، ومنه ما يكون من الغنم، ومنه ما يكون من البقر، فالنسبة للحيوانات الكبيرة، يُعتنى بصرعها وتدويخها، ومسألة التدويخ تكون بطريقة الصعق الكهربائي بالمسدس في النخاع، أو الدائرة الكروانية، وهناك طريقة للدجاج خاصة؛ لأنه لا يحتاج إلى سيطرة عليه مثل البقر والغنم، وهي التي تسمى بالطريقة الإنجليزية، وهي مشهورة: يخزعون -وحتى في البهائم البقر والغنم يفعلون هذا- ما بين العظم الرابع والخامس في عظام الصدر بالمنفاخ، ثم يضخون الهواء، عندها تتخثر البهيمة، ويضعف النفس.

وهذا التدويخ من سلبياته: معارضته للشريعة، فإن الشريعة قصدت الإزهاق وإنهار الدم، قال صلى الله عليه وسلم: (ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه).

قالوا: إن البهيمة تستطاب بخروج الدم منها؛ لأنه بمجرد حدوث أي نزيف يسترسل الدم، وهذا أبلغ في طهارة المذبوح كما هو معروف طبياً، وأبلغ في طهارة اللحم، واستطابته، والعملية التي يفعلونها - وهذا إذا سلمت البهيمة- الدجاج أول شيء: يقلب، ثم يحضر بالماء ويعلق من رجليه، ولا يصل إلى المكان الذي فيه الآلات إلا وشيء منه يموت أثناء حمله، وشيء منه يموت أثناء تعليقه، ثم لا يبالى أهو حي أو ميت، ثم بعد ذلك يرش بالماء لتنظيفه بطريقة معروفة، وهذه الطريقة أبدى بعض الذين حضروا ورأوا أنه قد يحصل خنق للبهيمة بسبب الماء المبرد، ثم بعد ذلك يحضر بالتدويخ، كل هذه المراحل تأتي بعد مرحلة الزهوق.

وبالنسبة للبقر والغنم فإنهم يدخلونه بين نوعين: الدوار، والمثبت، وهي معروفة في الغرب، وجميع هذه الأحوال للبقر، والغنم، والدجاج، والآلة هي التي تزهق، فهذا هو التحضير كله، وهناك التدويخ الذي يأتي على نفس البهيمة، وقد تموت بفعل الخزع بالنخاع، ومعروف أن خزع النخاع قد يقضي على البهيمة، ولذلك من العلماء من قال: إذا ذبح الذابح، وأدخل السكين، وقطع النخاع قبل قوة المور في فري الأوداج، والحلقوم والمريء، أصبحت شبهة؛ لاحتمال أن البهيمة ماتت بخزع النخاع ولم تمت بفري الأوداج والحلقوم والمريء، وهذا سيأتي في فصل الرأس، ومن هنا قال بعض العلماء بعدم حلها، وإذا قطع النخاع وصبرت قبل الزهوق تذبح من الخلف، كل هذا من أجل أن يكون الفوات للنفس عن طريق النزف وإنهار الدم، وهذا كله مصادم لما في الشرع فيترك.

ثم تأتي المصيبة العظمى وهي: عمل الآلة، أي: أن الذي يقتل هو الآلة؛ فليس هناك آدمي؛ لا كتابي ولا غيره، بل الآلة هي التي تذكي، إلا إذا كانت الآلة من أهل الكتاب، لا أدري!!

فما العجب من أن نسأل: هل ذكوا أو لم يذكوا، أهل لأن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إن أناساً يأتوننا بلحم، حديثو عهد بجاهلية، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أو لا) فهذا الحديث خارج عن مسألتنا؛ فمسألتنا: خرجت فيها الذكاة عن الصورة الشرعية المعتبرة عند الكتابيين وعند المسلمين، أما حديث عائشة: (إن أناساً حديثو عهد بجاهلية) فمعناه: أنهم أسلموا، لكن لا ندري عندما ذبحوا؛ هل ذبحوا على طريقة الإسلام، أو على الطريقة التي ألفوها. والأصل: أنهم لما أسلموا يعاملون معاملة المسلمين لا معاملة أهل الجاهلية، ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم لها: (سم الله) يعني هذا لا يسأل عنه؛ لأن الأصل في المسلم إذا ذبح أن تؤكل ذبيحته، وقال صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وذبح ذبيحتنا، فذلك المسلم).

فهؤلاء الأصل فيهم: أنهم إذا أسلموا أن يعملوا بوفق شريعة الإسلام، ولذلك ألغى النبي صلى الله عليه وسلم الشك، وهذا ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بمسألتنا، فالذي معنا: إعمال الذكاة، وإنفاذ الذكاة على الأصل الذي لا يمت لا إلى الشريعة الإسلامية، ولا إلى ذبائح أهل الكتاب بصلة، فوجب العمل بالأصل الشرعي: أننا نقول: هذا ليس من طعام أهل الكتاب؛ لأنه لا يحل لهم في دينهم، وإنما هو خارج عن الأصل، فلا يحل أكله حتى يكون ذبحه من المحافظين؛ فإذا كان نصراني يذبح بذبيحة النصرانية فأقبل، ولو جئت نصرانياً، وذبح ذبيحته على طريقته أقبل وآكل، كما أكل النبي صلى الله عليه وسلم من شاة اليهودية، أما أن تذبح الآلات، وتسفك، وتنهر الدم الآلات، فهذا ليس بداخل تحت قوله: :(وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) والجمهور على أن العبرة في طعام أهل الكتاب: أن يكون وفق شريعتهم، وليس على كل ما فعلوه أنه يقبل منهم، خاصة وحديث مدى الحبشة يدل على أنهم إذا استطابوا شيئاً أو أكلوا شيئاً، لا يأخذ حكم الأصل من جواز أكله.

وقوله: [ولو مراهقاً]:

ولو: إشارة إلى الخلاف المذهبي. (مراهقاً) مثلاً: صبي قبل البلوغ؛ في الثانية عشرة أو في الثالثة عشرة، ولم يحتلم، ولكنه يعقل، وسمى الله وذبح الذبيحة، قال: تحل ذبيحته.

قوله: [أو امرأة]:

وكذلك المرأة، كما ثبت في صحيح البخاري في قصة المرأة عندما عدا الذئب على شاتها، فقطعت حجراً ثم ذبحتها.

قوله: [أو أقلف]:

وهو غير المختتن، فلا تأثير له في الذكاة، وتصح ذكاته.

قوله: [أو أعمى]:

جمهور العلماء على صحة تذكية الأعمى إذا ضبط ذكاته، وقال الإمام النووي وبعض العلماء: إنها مكروهة؛ لأنه قد لا يحسن، والصحيح: أنها تجوز إذا لم تخالف.

قال رحمه الله:[ولا تباح ذكاة سكران]:

هذا التفريع على ما تقدم؛ لأنه لا يعي ما يقول.

قوله: [ومجنون]:

كما تقدم.

قوله: [ووثني، ومجوسي، ومرتد]:

لا تباح لنا ذبائح الوثنيين؛ لأن الله خص الحل بأهل الأديان، فلا تباح ذبيحة المشرك، ولا اللاديني -الملحد- والمرتد؛ كل هؤلاء من الكفار، فمن كان من غير أهل الكتاب فلا تحل ذبائحهم.

الشرط الثاني: الآلة الشرعية

قال رحمه الله:[الثاني: الآلة]:

الشرط الثاني: الآلة.

[فتباح الذكاة بكل محددٍ].

لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنهر الدم)، وقال: (وليحد أحدكم شفرته)، فدل على أن المحدد من جنس ما يذكى به، مثل: السكاكين، والزجاج، فلو أنه لم يجد سكينة فله أن يذبح بالزجاج، فالزجاج له مور ونفاذ، فإذا أمسك البهيمة وذبحها بالزجاجة، أو ذبحها بنحاس له مور ونفاذ كل ذلك مؤثر ما دام أنه ينهر الدم، ولذلك لما سأل أبو ثعلبة رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيد بقوسه، قال: (ما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل)، وفي بعض الروايات: (إن أصاب فخزق) وهذا يدل على اعتبار المور، والنفاذ وقد تقدم معنا في القتل العمد بيان مسألة المحدد.

قوله: [ولو مغصوباً]:

إشارة إلى خلاف مذهبي، قال بعض العلماء، وهو موجود في مذهب الحنابلة: أنه لو غصب سكيناً وذكى بها، لم تصح التذكية، والصحيح مذهب الجمهور: أنه لو أخذ سكيناً فذكى بها، صحت التذكية.

قوله: [من حديدٍ، وحجرٍ، وقصبٍ.. وغيره]:

(من): بيانية، من حديد: مثلما ذكرنا: محددة، كالسكاكين.

[وحجرٍ]:

لحديث المرأة؛ لأنها كسرت حجراً.

[وقصبٍ.. وغيره]:

القصب معروف، فإذا كان له مور ونفاذ، فإنه يذبح به وينحر.

[إلا السن، والظفر]:

لأن النبي صلى الله عليه وسلم استثناهما كما في الحديث الصحيح: (أما السن فعظم) والعظم زاد إخواننا من الجن، فلو أخذ ناباً.. ونحو ذلك من بهيمة، وأراد أن يطعن به خزقاً كما ذكر بعض العلماء وكان بعض العرب في القديم يأخذ البهيمة بسنه، كما لو صاد عصفوراً. فهذا من المخصصات لحديث: (ما أنهر الدم) لأن السن ينهر الدم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتبره ذكاة.

(والظفر) كذلك: وهو معروف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فمدى الحبشة).

الشرط الثالث: قطع الحلقوم والمريء

قال رحمه الله:[الثالث: قطع الحلقوم والمريء]:

الشرط الثالث: قطع الحلقوم والمريء.

الحلقوم: مجرى النفس، والمريء: مجرى الطعام.

وهناك أربعة أشياء ينتبه لها:

الحلقوم: مجرى النفس.

المريء: مجرى الطعام.

ثم الجانب الأيمن والأيسر من رقبة البهيمة فيها الودجان -العرقان- وبقطعهما يكون زهوق الروح. وقد أجمع العلماء على أنه إذا قطع الحلقوم، والمريء، والودجين، أنها تحل البهيمة، وهناك من العلماء من اشترط ثلاثة من أربعة: الحلقوم، والمريء، وأحد الودجين، ومنهم من اشترط ثلاثة من أربعة دون تعيين، أن يأخذ ثلاثة من هذه الأربعة دون أن يحدد، ومنهم من اشترط الحلقوم والمريء، كما درج عليه المصنف، وبهما يتحقق الزهوق والإنهار للدم، فهذا هو القدر الذي اقتصر عليه.

[فإن أبان الرأس بالذبح لم يحرم المذبوح]

الذبح يكون تحت الجوزة، أو الغلصمة كما تسمى، فإذا كان من تحتها أو عليها نفسها وفصلها، فلا إشكال، لكن لو أنه ارتفع -من فوقها- فقطع من هذا الموضع؛ فالجمهور على صحة ذلك، والمالكية عندهم قول بالمنع، والصحيح مذهب الجمهور لعموم الخبر.

قال رحمه الله: [وذكاة ما عُجز عنه من الصيد، والنعم المتوحشة، والواقعة في بئر ونحوها: بجرحه في أي موضع كان من بدنه]

بعد أن بين رحمه الله ذكاة المقدور عليه، شرع في حكم ذكاة الصيد، وذكاة المعجوز عنه، فقال رحمه الله:

[وذكاة ما عجز عنه من الصيد]:

هذا النوع الأول.

[والنعم المتوحشة]:

سيأتي في الصيد بيان أحكامه.

[وما يشرد] فمثلاً: لو أن شاة شردت، وهو في بر، وغلب على ظنه أنه لا يستطيع أن يمسكها، وأنها ستنفق في مقطعة، أو نحو ذلك، فإنه يأخذ السلاح ويرميها في أي موضع.

رأى الشاة فرت منه إلى الشارع، وهو جازم بأنها ستضربها السيارة وتموت، وإذا ضربتها السيارة فإنها حينئذ تموت بالصدم، وهذا أشبه بالارتطام وبالتردية، وحينئذ أراد أن يدرك ذكاتها، فقتلها قبل أن تصدمها السيارة.

أو جاءت على بئر، أو على هاوية، أو على شفير جبل، وهو يعلم أنها ستموت، فحينئذ لو ثور السلاح وقتلها، حلت، وتكون ذكاتها.

والدليل على ذلك: حديث أبي رافع رضي الله عنه وأرضاه: أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فند بعير وشرد، فأهوى رجل بسهمه فعقره وقتله، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن لهذه الحيوانات أوابد كأوابد الوحش، فما ند منها فاصنعوا به هكذا) فدل على أن المستأنس إذا توحش يعامل معاملة الصيد، وهذا ما عناه المصنف رحمه الله، ولم يخالف في هذه المسألة إلا الإمام مالك ، فالجمهور على أنه يقتل في أي موضع، ويرمى في أي موضع، وأنه يحل بهذه التذكية، واستدلوا بحديث أبي رافع، ولذلك كان الإمام أحمد يقول: لعل مالكاً لم يبلغه حديث أبي رافع، ما قال: أخطأ مالك، أو: هذه من أوهام مالك ومن شذوذه، لا. بل قال: لعل مالكاً .. هكذا وإلا فلا، هكذا يطيب العالم، ويطيب قوله، ويُطيّب بما يكون منه من حسن المعذرة لأهل العلم رحمة الله عليهم، وقد ضرب أئمة الإسلام المثل السامي في حسن الأدب رحمهم الله وفي رعاية الحرمة، وفي حفظ الحق لذي الحق، مع أن الإمام مالكاً يقول: إذا وجدتم قولي يخالف قول الرسول فاضربوا بقولي عرض الحائط، والظن به: أنه لو بلغته السنة لعمل بها، فيقول: لعل مالكاً لم يبلغه حديث أبي رافع .

[والواقعة في بئر، ونحوها]:

لو وقعت شاة في بئر، فإنها ستموت بأحد أمرين: إما أن ترتطم بأرض البئر إذا لم يكن فيه ماء، وحينئذ تكون متردية، وإما أن تموت بخنق الماء إذا كان هناك ماء في البئر، فحينئذ يعاجلها بضربها في أي موضع، ويزهق روحها قبل وصولها إلى الماء.

يقول رحمه الله: [بجرحه في أي موضع كان من بدنه، إلا أن يكون رأسه في الماء.. ونحوه، فلا يباح].

قوله: [إلا -استثناء- أن يكون رأسه في الماء]: هذه مسألة اجتماع الحاضر والمبيح، فإنه إذا رمى الشاة، أو الطير، أو البط، أو الإوز وهو على النهر، وانغمس، وشُك: هل مات بالخنق، أو مات بالذكاة؟ فخذها قاعدة: الأصل في الصيد-يعني في الشيء الذي لا تمسكه، ولا تذكيه الذكاة الشرعية- أنه ميتة حتى تحله الذكاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعدي : (فإن أكل-يعني الكلب من الصيد- فلا تأكل، فإني أخاف -لم يجزم- أن يكون إنما أمسك لنفسه) لم يجزم بالتحريم، والأصل: حل الأشياء، لكنه غلّب التحريم، ومن هنا استنتج العلماء قاعدة: الشك في الرخص يوجب الرجوع إلى الأصل.

فالصيد بضرب البهيمة في أي موضع رخصة، وتوسعة من الله، لكن لما شككنا أنها أزهقت النفس، أو أزهقها الماء بالخنق، قدمنا الحاضر على المبيح، ومُنع من أكل الطير، وإذا رأى الشاة ساقطة من علو ورماها، وغلب على ظنه أن المرمى يزهق نفسها قبل الوصول إلى الأرض، أو تكون مستنفذة الروح، حل، لكن لو رماها -مثلاً- في رجلها، وارتطمت، وقوي وغلب على الظن أن موتها كان بقوة الارتطام، فحينئذ لا تحل له، وهذا معنى قوله: إلا أن يرى رأسه في الماء، وهذا فيه أثر عنه عليه الصلاة والسلام.

الشرط الرابع: التسمية

قال رحمه الله:[الرابع: أن يقول عند الذبح: باسم الله]:

وهذا لقوله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:118]، ولقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ[الأنعام:121]، وهذا يدل على لزوم التسمية، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه فكل) وهذا شرط يدل على أنه إذا أرسله ولم يذكر اسم الله عليه لم يحل أكله، وأجمع العلماء على أن الأصل بالتذكية: أن تكون بذكر اسم الله عز وجل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (باسم الله) عند تذكيته صلوات الله وسلامه عليه كما في حديث أنس وغيره رضي الله عن الجميع.

[ولا يجزيه غيرها]:

لا يجزيه غير باسم الله، فلو ذكر غير اسم الله-والعياذ بالله- ولو كان نبياً، أو ملكاً، فإنها تعتبر ميتة لا يحل أكلها، فلو قال: باسم النبي، أو باسم الولي فلان، أو الشيخ فلان؛ لأن الذبح لغير الله شرك (كفر) والعياذ بالله، فالذبح لا يكون إلا لله، قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الأنعام:162]، وقال تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[الكوثر:2]، وهذا يدل على أنه لا يجوز ذكر غير اسم الله عز وجل مع اسم الله عز وجل عند الذبح.

[فإن تركها سهواً أبيحت، لا عمداً]:

هذه مسألة خلافية، فمن العلماء من يرى أنه تحل الذبيحة إذا تركت البسملة نسياناً، ومنهم من يبقى على الأصل: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ[الأنعام:121]وهذا أقوى، أن العبرة بذكر اسم الله، وأنه تحل الذبيحة به، وأنه لازم في الذكر والنسيان.