شرح زاد المستقنع باب قتال أهل البغي [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

صور الخروج على الإمام وجماعة المسلمين

فيقول المصنف رحمه الله: [باب: قتال أهل البغي].

تقدم تعريف القتال، أما البغي فأصله الاعتداء، ومجاوزة الحد والعلو والاستطالة، هذه كلها معانٍ ذكرها أئمة اللغة رحمهم الله، يقال: (بغى) إذا طغى وجاوز الحد في أذية الناس وأذية الغير، وبغى على فلان إذا استطال عليه.

وقوله رحمه الله: [باب قتال أهل البغي] البغاة هم الخارجون عن إمام المسلمين وجماعته، ويوصف هذا الباب بباب قتال أهل البغي، أو باب أهل البغي، كما يعبر بذلك بعض العلماء رحمهم الله، وظاهر صنيع المصنف رحمه الله أنه ربط بين باب الحرابة وباب قتال أهل البغي، وحينئذ تكون المناسبة كالآتي: وهو أن الخروج على الإمام وجماعة المسلمين له صورتان:

الصورة الأولى: أن يكون الخروج بدون تأويل سائغ، بمعنى أنه لا يكون هناك شبهة ولا تأويل، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله.

والصورة الثانية: أن يكون الخروج بتأويل وشبهة.

فأما ما كان بدون تأويل وشبهة فهو خروج المحاربين، وقد بينه رحمه الله وانتهى من أحكامه التي فصلناها فيما مضى.

وأما الخروج بشبهة وتأويل فهو الذي يعتني العلماء رحمهم الله ببيانه في باب قتال أهل البغي، فلما انتهى من بيان حكم الحرابة شرع في بيان قتال أهل البغي، والمناسبة من هذا الوجه واضحة، حيث يجتمع البابان في حكم الخروج، فينفرد الباب الأول بأنه خروج من دون تأويل، والباب الثاني بأنه خروج بتأويل وشبهة.

ومن أهل العلم رحمهم الله من فصل بين البابين، وجعل قتال أهل البغي منفرداً عن باب الحرابة، ولكن يلاحظ أن العلماء رحمهم الله ذكروا باب قتال أهل البغي في كتاب الجنايات، وجعلوه متصلاً بالحدود والجنايات.

والسبب في هذا أن البغاة والخارجين عن جماعة المسلمين قد جنوا جناية شرعية توجب عقوبتهم بالقتل، كما سيأتي إن شاء الله تفصيله؛ وذلك لورود النصوص في الكتاب والسنة بمعاقبتهم بذلك، قطعاً لدابرهم واستئصالاً لشأفتهم، ودفعاً لمفاسدهم وشرورهم عن الإسلام والمسلمين؛ فهذه العقوبة تتصل بباب الجنايات من جهة المؤاخذة على الفعل في كل منهما، ومن هنا يعتني العلماء رحمهم الله بذكر قتال أهل البغي في كتاب الجنايات من هذا الوجه.

فمنهم من يقدمه كما يفعل بعض أئمة الشافعية، ومنهم من يؤخره كما يفعل أئمة الحنابلة رحمة الله على الجميع.

ومما ينبغي التنبيه عليه: أن الخروج على الأئمة من حيث الأصل فيه جانبان:

الجانب الأول: التقعيد والتأصيل لمسألة الإمامة وشروط الإمام والإمام العدل، والطائفة المتعلقة به وهم الذي يسمون بأهل العدل.

الجانب الثاني: ما يتعلق بعقوبة الخروج عن هذه الجماعة.

فأما بالنسبة للفقهاء والمحدثين رحمهم الله فقد تناولوا جانب العقوبة وهذا هو المتصل بكتاب الجنايات، وهو محل حديثنا.

وأما الإمامة فهذا من شأن أئمة العقيدة، يبحثونه في مسائل العقيدة تقريراً لمنهج أهل السنة والجماعة رحمهم الله في وجوب لزوم جماعة المسلمين، وعدم الخروج على الأئمة، وتقعيد ذلك وتأصيله بنصوص الكتاب والسنة.

ومن هنا نجد الفقهاء رحمهم الله يبحثون في هذا الباب عن: متى تكون العقوبة؟ وما هي الشروط التي ينبغي توفرها لمعاقبة أهل البغي؟ وماذا يجب على الإمام أن يصنع؟ وكيف تتم محاورتهم؟ ونحو ذلك من الأمور المتعلقة بمواجهة هذا البلاء، ولكن لا يبحثون في باب الإمامة لاتصاله بالعقيدة أكثر من اتصاله بالفقه.

ومن هنا سيكون الحديث عن موجب وسبب الجناية، ثم بعد ذلك العقوبة المتعلقة بالخروج، وهذا شأنه شأن بقية الجنايات التي ذكرناها في الحدود والقصاص.

معالم أهل البغي

يقول رحمه الله: [باب: قتال أهل البغي] سيذكر المصنف رحمه الله ضابط البغي، وهذا يتعلق بالتعريف الاصطلاحي، وسنؤخره إلى أن يذكره رحمة الله عليه.

فالبغاة لهم ضوابط ذكرها العلماء أشبه بالتعريف لأهل البغي من جهة الاصطلاح: وهم القوم الخارجون على الإمام وجماعة المسلمين، ولهم شوكة ومنعة بتأويل وشبهة.

هذه أهم المعالم التي ينبغي توفرها للحكم على من خرج بكونهم بغاة وآخذين حكم أهل البغي.

قوله: [إذا خرج قوم لهم شوكة ومنعة على الإمام بتأويل سائغ فهم بغاة]

ذكر أربعة شروط:

الشرط الأول: الخروج على الإمام وجماعة المسلمين.

الشرط الثاني: أن يكونوا قوماً وجماعة ذات عدد على تفصيل عند العلماء رحمهم الله في هذا الموضع.

الشرط الثالث: أن تكون لهم شوكة ومنعة.

الشرط الرابع: أن يكون عندهم تأويل سائغ، أو كما يقول بعض العلماء: عندهم شبهة.

فهذه أربعة شروط لابد من توفرها للحكم بكونهم بغاة.

وهناك من العلماء أو الأئمة -مذهب الشافعية وغيرهم- من ذكر اشتراط أن يبايعوا إماماً لهم، أي: ينفردوا بإمام، وهذا اختلفت فيه أنظار العلماء، فمنهم من اشترط ذلك لمقاتلتهم، ومنهم من قال: إنه ليس بشرط أصلاً، فإن مجرد خروجهم وانعزالهم عن جماعة المسلمين، وكونهم لهم شوكة ومنعة، يكفي للحكم بأنهم أهل بغي، ولا يشترط أن يكون لهم إمام، وهذا أقوى في الحقيقة.

فيقول المصنف رحمه الله: [باب: قتال أهل البغي].

تقدم تعريف القتال، أما البغي فأصله الاعتداء، ومجاوزة الحد والعلو والاستطالة، هذه كلها معانٍ ذكرها أئمة اللغة رحمهم الله، يقال: (بغى) إذا طغى وجاوز الحد في أذية الناس وأذية الغير، وبغى على فلان إذا استطال عليه.

وقوله رحمه الله: [باب قتال أهل البغي] البغاة هم الخارجون عن إمام المسلمين وجماعته، ويوصف هذا الباب بباب قتال أهل البغي، أو باب أهل البغي، كما يعبر بذلك بعض العلماء رحمهم الله، وظاهر صنيع المصنف رحمه الله أنه ربط بين باب الحرابة وباب قتال أهل البغي، وحينئذ تكون المناسبة كالآتي: وهو أن الخروج على الإمام وجماعة المسلمين له صورتان:

الصورة الأولى: أن يكون الخروج بدون تأويل سائغ، بمعنى أنه لا يكون هناك شبهة ولا تأويل، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله.

والصورة الثانية: أن يكون الخروج بتأويل وشبهة.

فأما ما كان بدون تأويل وشبهة فهو خروج المحاربين، وقد بينه رحمه الله وانتهى من أحكامه التي فصلناها فيما مضى.

وأما الخروج بشبهة وتأويل فهو الذي يعتني العلماء رحمهم الله ببيانه في باب قتال أهل البغي، فلما انتهى من بيان حكم الحرابة شرع في بيان قتال أهل البغي، والمناسبة من هذا الوجه واضحة، حيث يجتمع البابان في حكم الخروج، فينفرد الباب الأول بأنه خروج من دون تأويل، والباب الثاني بأنه خروج بتأويل وشبهة.

ومن أهل العلم رحمهم الله من فصل بين البابين، وجعل قتال أهل البغي منفرداً عن باب الحرابة، ولكن يلاحظ أن العلماء رحمهم الله ذكروا باب قتال أهل البغي في كتاب الجنايات، وجعلوه متصلاً بالحدود والجنايات.

والسبب في هذا أن البغاة والخارجين عن جماعة المسلمين قد جنوا جناية شرعية توجب عقوبتهم بالقتل، كما سيأتي إن شاء الله تفصيله؛ وذلك لورود النصوص في الكتاب والسنة بمعاقبتهم بذلك، قطعاً لدابرهم واستئصالاً لشأفتهم، ودفعاً لمفاسدهم وشرورهم عن الإسلام والمسلمين؛ فهذه العقوبة تتصل بباب الجنايات من جهة المؤاخذة على الفعل في كل منهما، ومن هنا يعتني العلماء رحمهم الله بذكر قتال أهل البغي في كتاب الجنايات من هذا الوجه.

فمنهم من يقدمه كما يفعل بعض أئمة الشافعية، ومنهم من يؤخره كما يفعل أئمة الحنابلة رحمة الله على الجميع.

ومما ينبغي التنبيه عليه: أن الخروج على الأئمة من حيث الأصل فيه جانبان:

الجانب الأول: التقعيد والتأصيل لمسألة الإمامة وشروط الإمام والإمام العدل، والطائفة المتعلقة به وهم الذي يسمون بأهل العدل.

الجانب الثاني: ما يتعلق بعقوبة الخروج عن هذه الجماعة.

فأما بالنسبة للفقهاء والمحدثين رحمهم الله فقد تناولوا جانب العقوبة وهذا هو المتصل بكتاب الجنايات، وهو محل حديثنا.

وأما الإمامة فهذا من شأن أئمة العقيدة، يبحثونه في مسائل العقيدة تقريراً لمنهج أهل السنة والجماعة رحمهم الله في وجوب لزوم جماعة المسلمين، وعدم الخروج على الأئمة، وتقعيد ذلك وتأصيله بنصوص الكتاب والسنة.

ومن هنا نجد الفقهاء رحمهم الله يبحثون في هذا الباب عن: متى تكون العقوبة؟ وما هي الشروط التي ينبغي توفرها لمعاقبة أهل البغي؟ وماذا يجب على الإمام أن يصنع؟ وكيف تتم محاورتهم؟ ونحو ذلك من الأمور المتعلقة بمواجهة هذا البلاء، ولكن لا يبحثون في باب الإمامة لاتصاله بالعقيدة أكثر من اتصاله بالفقه.

ومن هنا سيكون الحديث عن موجب وسبب الجناية، ثم بعد ذلك العقوبة المتعلقة بالخروج، وهذا شأنه شأن بقية الجنايات التي ذكرناها في الحدود والقصاص.

يقول رحمه الله: [باب: قتال أهل البغي] سيذكر المصنف رحمه الله ضابط البغي، وهذا يتعلق بالتعريف الاصطلاحي، وسنؤخره إلى أن يذكره رحمة الله عليه.

فالبغاة لهم ضوابط ذكرها العلماء أشبه بالتعريف لأهل البغي من جهة الاصطلاح: وهم القوم الخارجون على الإمام وجماعة المسلمين، ولهم شوكة ومنعة بتأويل وشبهة.

هذه أهم المعالم التي ينبغي توفرها للحكم على من خرج بكونهم بغاة وآخذين حكم أهل البغي.

قوله: [إذا خرج قوم لهم شوكة ومنعة على الإمام بتأويل سائغ فهم بغاة]

ذكر أربعة شروط:

الشرط الأول: الخروج على الإمام وجماعة المسلمين.

الشرط الثاني: أن يكونوا قوماً وجماعة ذات عدد على تفصيل عند العلماء رحمهم الله في هذا الموضع.

الشرط الثالث: أن تكون لهم شوكة ومنعة.

الشرط الرابع: أن يكون عندهم تأويل سائغ، أو كما يقول بعض العلماء: عندهم شبهة.

فهذه أربعة شروط لابد من توفرها للحكم بكونهم بغاة.

وهناك من العلماء أو الأئمة -مذهب الشافعية وغيرهم- من ذكر اشتراط أن يبايعوا إماماً لهم، أي: ينفردوا بإمام، وهذا اختلفت فيه أنظار العلماء، فمنهم من اشترط ذلك لمقاتلتهم، ومنهم من قال: إنه ليس بشرط أصلاً، فإن مجرد خروجهم وانعزالهم عن جماعة المسلمين، وكونهم لهم شوكة ومنعة، يكفي للحكم بأنهم أهل بغي، ولا يشترط أن يكون لهم إمام، وهذا أقوى في الحقيقة.