شرح زاد المستقنع باب تعليق الطلاق بالشروط [5]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [ فصل: إذا علق طلقة على الولادة بذكر وطلقتين بأنثى فولدت ذكراً ثم أنثى حياً أو ميتاً طلقت بالأول وبانت بالثاني ولم تطلق به ]

هذا الفصل وصفه بعض العلماء بتعليق الطلاق بالولادة، والناس تختلف عباراتهم والجمل التي يستخدمونها في تعليق الطلاق، ولما كانت الجمل تشتمل على بعض الأمور المهمة التي يختلف فيها الحكم مع اختلاف الأحوال فإن العلماء -رحمهم الله- يعتنون بذكر المسائل فيها، لكي يكون في ذلك رياضة للذهن، ومعونة لطالب العلم على استيعاب هذه الصور وأمثالها، وقد بينا ذلك فيما تقدم في مسائل التعليق.

وتعليق الطلاق بالولادة: أن يرتب الطلاق على وجود الولادة، وقد يكون الطلاق متوقفاً على معرفة نوعية الولد الذي تلده المرأة، فتارة يقول: أنت طالق إذا ولدتِ ذكراً، فيجعل الطلاق مرتباً على كون المولود ذكراً، وتارة يقول: إذا ولدتِ أنثى، فيكون الطلاق مقيداً بولادة الأنثى، وتارة يخالف في عدد الطلاق باختلاف نوعية المولود، فيقول: إن ولدتِ ذكراً فأنتِ طالق طلقة وإن ولدتِ أنثى فطلقتين، وتارة يقول: إن كان الذي في بطنكِ ذكراً فأنتِ طالق طلقة وإن كان الذي في بطنكِ أنثى فأنتِ طالق طلقتين، وفي القديم يتوقفون في مثل هذه الحالة إلى الولادة، فيتوقف العالم والمفتي عن الفتوى في الطلاق إلى خروج الولد، أو يعطي الحكم مرتباً على حسب نوعية الولد، لاختلاف عدد الطلاق باختلافه.

والولادة مأخوذة من الولد، والولد في لغة العرب يطلق على الذكر والأنثى، فإذا قيل: ولد، شمل الذكر والأنثى، وإن كان بعض الناس يخصونه بالذكور، ولكن هذا خلاف الأصل اللغوي، وخلاف إطلاق القرآن كما قال سبحانه وتعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11] فجعل الولد شاملاً للذكر وللأنثى، وسميت الولادة ولادة؛ لأنها تشتمل على الذكور أو على الإناث وهذا في الغالب، وقد تشتمل على الخنثى الذي لا يعرف أذكر هو أو أنثى؟ لكنه نادر الوقوع، والحكم للغالب، وقولهم: يعلق الطلاق على الولادة أي: على الإنجاب وإخراج الولد، ويختلف الحكم بحسب اختلاف هذا الإخراج وما علق عليه الطلاق من صفات.

ومناسبة هذا الفصل للذي قبله: أننا كنا نتحدث عن تعليق الطلاق بالحمل، وبينا المسائل المتعلقة بتعليق الطلاق على الحمل، وبعد أن فرغ -رحمه الله- من بيان مسائل تعليق الطلاق بالحمل شرع في بيان المسائل المتعلقة بالولادة، وهذا من باب الترتيب؛ لأن الولادة تأتي بعد الحمل، والناس يعلقون الطلاق على الحمل، ويعلقون الطلاق على الولادة، وقد تتصل أحكام تعليق الطلاق بالولادة بأحكام تعليق الطلاق بالحمل، كما لو قال لها: إذا كان حملكِ ذكراً فأنتِ طالق، وإذا كان حملكِ أنثى فأنتِ لستِ بطالق، أو قال لها: إن كان الذي في بطنكِ ذكراً فأنتِ طالق. فحينئذٍ ننتظر إلى الولادة، فنحكم بوقوع الطلاق إن كان ذكراً من حين تكلم به، وتكون قد خرجت من عصمته وذلك بانتهاء عدتها بالولادة؛ لأننا نحكم بطلاقها منذ أن تلفظ بقوله: إن كان الذي في بطنكِ ذكراً فأنتِ طالق طلقة. فحينئذٍ إذا ولدت ذكراً علمنا أن الطلاق قد وقع من قوله: إن كان الذي في بطنكِ ذكراً، وقد كان الذي في بطنها ذكراً، فحينئذٍِ تطلق من حين تلفظه، ثم تبقى في عدتها إلى أن تخرج من العدة بولادة الولد؛ لأن المرأة الحامل تنتهي عدتها بوضع حملها، فنحكم بخروجها من العدة بمجرد خروج الذكر.

تعليق عدد الطلقات بنوع المولود

قوله: (إذا علق طلقة على الولادة بذكر وطلقتين بأنثى).

قال: أنتِ طالق طلقة إن ولدتِ ذكراً، وأنتِ طالق طلقتين إن ولدتِ أنثى، فحينئذٍ اختلف عدد الطلاق باختلاف نوعية المولود، فالطلقة لازمة له إن كان الذي ولدته ذكراً، والطلقتان لازمة له إن كان الذي ولدته أنثى، وقد يعكس فيجعل الأكثر للذكر والأقل للأنثى، والحكم سواء، لكن من حيث التفصيل في الوقوع يختلف، فهو إذا قال لها: إن ولدتِ ذكراً فأنتِ طالق طلقة، وإن ولدتِ أنثى فأنتِ طالق طلقتين؛ فينبغي أن يعلم أن الطلاق موقوف على الولادة، فلا نطلق حتى تقع الولادة، فإذا حصلت الولادة حكمنا بوقوع الطلاق، إن كان ذكراً حكمنا بطلقة، وإن كان أنثى حكمنا بطلقتين.

ولا يخلو الذي في بطن المرأة من حالتين:

إما أن يكون مولوداً واحداً وإما أن يكون أكثر من مولود، فإن كان الذي في بطنها مولوداً واحداً؛ فإن أخرجته ذكراً فلا إشكال؛ وإن أخرجته أنثى فلا إشكال؛ لأنك ستحكم بوقوع الطلاق بمجرد الولادة، ثم تفصل في عدد الطلاق على حسب نوعية المولود، هذا إذا قال لها: إن كان ذكراً، إن كان أنثى، لكن لو قال لها: أنتِ طالق طلقة إن ولدتِ ذكراً وسكت، فنتوقف على شيئين: على الولادة، وأن يكون المولود ذكراً، فإن ولدت أنثى فلا طلاق؛ لأنه قيد الطلاق فيما بينه وبين الله عز وجل بكون المولود ذكراً فلا يقع إلا إذا وقع الذي اشترطه.

إذاً إذا قال لها: إن ولدتِ ذكراً، إن ولدتِ أنثى. وحدد الذكر أو الأنثى وجعل الطلاق لواحد منهما كأن يقول: إن ولدت ذكراً فأنتِ طالق طلقة، أو قال: إن ولدتِ أنثى فأنتِ طالق طلقة فلا تطلق عليه إلا بوجود الذكر إن اشترطه أو الأنثى إن اشترطها، لكن إذا جمع بين الذكر والأنثى في وقوع الطلاق فقال: إن ولدتِ ذكراً فأنتِ طالق طلقة وإن ولدتِ أنثى فأنتِ طالق طلقتين حينئذٍ تنظر في ولادتها، وتخالف في حكم الطلاق من حيث العدد بحسب المولود.

تعليق ذات الطلاق بنوع المولود

إذاً من حيث الأصل إذا ولدت مولوداً واحداً وعلق الطلاق على ولادتها فله صورتان: إما أن يعلق الطلاق على جنس واحد ذكراً أو أنثى فلا نطلق إلا بوجود الجنس الذي علق الطلاق عليه، مثل أن يقول: إن ولدت ذكراً فأنتِ طالق مفهوم اللفظ: أنكِ إن ولدتِ أنثى فلست بطالق، فننظر إن كان الذي ولدته ذكراً طلقنا، وإن كان الذي ولدته أنثى فلا طلاق، هذا في حال تردد الطلاق بين الوقوع وعدم الوقوع في حال وجود الحمل الواحد، يعني: ذكراً أو أنثى، وأما إذا قال: أنتِ طالق إن ولدتِ ذكراً طلقة وأنتِ طالق طلقتين إن ولدتِ أنثى، فحينئذٍ الطلاق سيقع سيقع لكنه يختلف من حيث العدد.

فالفرق بين الصورة الأولى والصورة الثانية، أن الصورة الأولى: لا يقع الطلاق إلا إذا تحقق ما ذكره من كونه ذكراً أو كونه أنثى، وفي الصورة الثانية سيقع الطلاق سيقع، إن ولدت ذكراً طلقة، وإن ولدتِ أنثى طلقتين، فحينئذٍ إما أن تلد ذكراً وإما أن تلد أنثى، فإذا ولدت وليس هنا أكثر من واحد، فإن ولدت ذكراً وقع الطلاق، وإن ولدت أنثى وقع الطلاق، لكن يختلف العدد بحسب ما جعل في شرطه للأنثى من عدد وبحسب ما جعل في شرطه للذكر من عدد.

ففي الصورة الثانية يتنوع الحكم ويختلف بحسب اختلاف نوعية المولود، فإن جعل الأكثر من الطلاق للأنثى حكمنا بالطلقتين إن كان المولود أنثى، وحكمنا بطلقة إن كان المولود ذكراً، والعكس بالعكس، هذا في قوله: إن ولدتِ ذكراً أو أنثى وخالف في العدد، وكان المولود واحداً.

الحكم إذا علق الطلاق بنوع وولدت توأمين

لكن لو قال لها: إن ولدتِ ذكراً فأنتِ طالق طلقة وإن ولدتِ أنثى فأنتِ طالق طلقتين وولدت توأمين، ففي الصورة الأولى إذا قال لها: أنتِ طالق طلقة إن ولدت ذكراً، ننظر في التوأم، فلا نوقع الطلاق إلا إذا كان ذكراً، فلو كان التوأم صبيتين فلا طلاق؛ لأنه جعل الطلاق مرتباً على الذكر، وبينه وبين الله أن امرأته طالق إن ولدت الذكر ولم تلد ذكراً، وأما إذا علقه على الجنسين فقال: أنتِ طالق طلقة إن ولدتِ ذكراً وطلقتين إن ولدتِ أنثى فأخرجت توأمين، إما أن تخرجهما ذكوراً أو تخرجهما أناثاً أو تخرجهما ذكراً وأنثى، فإذا كانت أخرجته ذكراً وقال لها: أنتِ طالق طلقة إن ولدتِ ذكراً وطلقتين إن ولدتِ أنثى نحكم بالطلقة الأولى بخروج الذكر الأول، وبمجرد خروجه يقع الطلاق، فتبقى المرأة معتدة بعد خروجه، فإن خرج المولود الثاني وهو الذكر الثاني أخرجها من عدتها ووقع الطلاق الثاني على امرأة خلو من نكاح؛ لأنها أجنبية عنه، فإنها بمجرد إخراج المولود الثاني أصبحت خارجة من عدتها، والطلاق الثاني لا يقع إلا بعد خروج الذكر الثاني، فخرج الذكر الثاني فأخرجها من عصمته وحينئذٍ جاء طلاقه ولم يصادف محلاً موجباً للوقوع.

على هذا نقول: إن قال لها: أنتِ طالق طلقة إن ولدتِ ذكراً، وطلقتين إن ولدتِ أنثى، وحملت بذكرين فولدتهما وكانت الولادة متعاقبة كما هو المعروف حكمنا بالطلقة الأولى بالذكر الأول، وحكمنا بكونها معتدة قبل خروج الذكر الثاني؛ لأن كل طلاق له عدته إلا ما استثناه الشرع، فنحكم بكونها معتدة قبل خروج التوأم الثاني، فلما خرج التوأم الثاني خرجت من عدة طلاق الأول؛ لأن الله يقول: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4] فلما خرجت من العدة؛ والطلاق الثاني لا يقع إلا بعد تمام الولادة؛ لأنه قال: أنتِ طالق إن ولدتِ ذكراً، فيأتي الطلاق الثاني وهي أجنبية فلا يقع الطلاق الثاني فتطلق طلقة واحدة في هذه المسألة، والعكس في الأنثى، إن قال لها: أنتِ طالق إن ولدتِ أنثى طلقتين فولدت صبيتين فإن الطلقتين تقع بالأنثى الأولى ثم تخرج من العدة بالأنثى الثانية فلا تصادف الطلقة الثالثة محلاً، فلا تبين وإنما تكون أجنبية مطلقة طلقتين فقط.

إذاً: في حال حملها بالتوأم إن تمحض ذكوراً طلقت بالذكر الأول وبانت بالذكر الثاني ولم يقع طلاقها بالثاني، وهكذا في الأنثى، واختلف الحكم في عدد الطلاق بحسب ما علقه على الذكر والأنثى، هذا إذا اتحد التوأم، وكان ذكراً أو أنثى، لكن لو قال لها: أنتِ طالق طلقة إن ولدتِ ذكراً، وأنتِ طالق طلقتين إن ولدتِ أنثى، وحملت بتوأمين ذكر وأنثى، فإن حملت بتوأمين أحدهما ذكر والثاني أنثى فلا يخلو إما أن يخرج أحدهما قبل الآخر، وإما أن يخرجا مع بعضهما دفعة واحدة، فإن خرج الذكر طلقت طلقة واحدة، وأصبحت أجنبية بخروج الأنثى بعده؛ لأنها قد وضعت حملها فجاء طلاق الأنثى -وهما الطلقتان- على أجنبية، مثل ما ذكرنا في تمحض الذكور وتمحض الإناث، فنحكم بكونها طالقاً طلقة إن سبق الذكر وطلقتين إن سبقت الأنثى ولا نتبع الطلقة الأولى في الذكر ولا نتبع الطلقتين في الأنثى؛ لأنها تكون أجنبية بولادة التوأم الثاني، فنوقع الطلاق بالأول، ونخرجها من عصمته بولادة التوأم الثاني ثم نفصل في الأول على حسب ما رتب من العدد، إن طلقة فطلقة وإن طلقتين فطلقتين، لكن لو أنهما خرجا مع بعضهما، وقد قال: إن ولدتِ ذكراً فأنتِ طالق طلقة، وإن ولدتِ أنثى فأنت طالق طلقتين، فإن كان قد قصد أن يكون الولد واحداً منهما، إن ولدتِ ذكراً متمحضاً أو ولدتِ أنثى متمحضة فحينئذٍ لا تطلق؛ لأنها لم تلد ذكراً محضاً ولم تلد أنثى محضة؛ لأنه ما قصد الجمع وإنما قصد أن يكون متمحضاً بالذكورة أو متمحضاً بالأنوثة، فحينئذٍ لا تطلق إلا إذا تمحض الذي في بطنها مولوداً ذكراً أو مولوداً أنثى، هذا إذا كان قوله بصيغة التمحض، وقصد أن يكون مولودها ذكراً أو يكون مولودها أنثى دون أن يكون معه شريك، فلا تطلق؛ لأنه لم يتحقق الشرط الذي بنى عليه تعليقه، لكن لو قصد مطلق الولادة وقصد أنها إذا ولدت ذكراً أو أنثى مجموعين أو متفرقين فإنها تطلق ثلاثاً، طلقتان بالأنثى وطلقة بالذكر، ففي حال كونه يرتب الطلاق على الأنثى طلقتين وعلى الذكر طلقة ويخرجان مع بعضهما، إن قصد تمحض الولادة ذكراً أو تمحض الولادة أنثى وصرح بذلك فحينئذٍ لا تطلق؛ لأنها لم تضع ولداً ذكراً ولم تضع ولداً أنثى وإنما وضعت الاثنين، وهذه المسألة مشهورة حتى في الأيمان، لو حلف وقال: والله لا ألبس ثوباً من غزل فلانة، ثم لبس ثوباً فيه شيء من غزل فلانة، فالثوب ليس كله من غزلها، فهل ننظر إلى تمحض الثوب من غزلها؟ أو ننظر إلى مطلق الوجود؟ فإذا كنا ننظر إلى مطلق الوجود فحينئذٍ يحنث في يمينه، وإن نظرنا إلى التمحض فإنه لا يحنث في يمينه، وكلاهما وجهان في مذهب الإمام أحمد رحمه الله كما حكاه القاضي أبو يعلى وأشار إلى ذلك الإمام ابن قدامة رحمه الله في المغني.

هذا حاصل الكلام في مسألة اختلاف عدد الطلاق بالذكورة والأنوثة.

(إذا علق طلقة على الولادة بذكر وطلقتين بأنثى، فولدت ذكراً ثم أنثى حياً أو ميتاً، طلقت بالأول وبانت بالثاني ولم تطلق به).

قال: (ولدت ذكراً ثم أنثى) لاحظ كلمة (ثم) وهي تقتضي الترتيب، إذا ولدت الذكر ثم ولدت بعده الأنثى؛ نطلقها بحسب السابق ذكراً كان أو أنثى، ثم نحكم بكونها معتدة، ثم نخرجها من العدة بمجرد وضعها للثاني، ونحكم بأن الطلاق الثاني لم يصادف محلاً، وهذا بيناه وفصلناه، لكن لو أنه قال لها: أنتِ طالق طلقة إن ولدتِ ذكراً، وطلقتين إن ولدتِ أنثى، ثم ولدت ذكراً فلما جاءها في وضعها وعنائها فقالت له: هكذا طلقتني يا فلان، قال: راجعتكِ، فراجعها، فجاء المولود المبارك الثاني فحينئذٍ تكون في عصمته ويأتي طلاق الثاني موجباً للبينونة، إذا راجعها قبل خروج الثاني فإننا نحكم بوقوع طلاق الثاني؛ لأن سقوط طلاق الثاني محله أن تكون أجنبية ولم تقع مراجعة، أما لو راجعها وعادت إلى عصمته فإذا خرج المولود الثاني فإنه يوجب الطلاق.

(حياً -كان المولود- أو ميتاً) لأنه قال: إن ولدتِ، والولادة تصدق بمجرد الخروج، فإذا أخرجته حياً فهو مولود وإن أخرجته ميتاً فهو مولود؛ لأن الولادة تقع على مطلق الإخراج، لكن إذا أخرجته ميتاً ففيه تفصيل:

إذا كان كامل الخلقة فلا إشكال ويحكم بوقوع الطلاق، وأما إذا كان ناقص الخلقة، فهذه مسألة خلافية، بعض العلماء يقول: كل ما تخرجه المرأة وتسقطه من رحمها قبل تمام خلقته وفيه صورة الخلقة فإنه يتبعه أثر المولود في مسائل، منها: الدم، يعني: لو أنها أسقطت بعض الخلقة، وخرج معها الدم بعد إسقاطه أربعين يوماً، فهل نقول: يأخذ حكم المولود التام فيكون الدم دم نفاس؟ أو نقول: إن الإسقاط قبل تمام الخلقة لا يعتبر نفاساً فلا تأخذ حكم النفاس؟ والذي قواه غير واحد وانتصر له غير واحد من العلماء: أنها إن وضعت شيئاً فيه صورة الخلقة أنها تأخذ حكم النفساء، وعلى هذا فيكون دمها آخذاً حكم دم النفاس، ومن هنا تتفرع مسألة وقوع الطلاق؛ لأنها قد ولدت، والولادة تصدق على إخراج الحمل، وحينئذٍ قالوا: إنه يستوي في ذلك أن يكون تام الخلقة أو ناقص الخلقة، وبعض العلماء يشترط تمام الخلقة، ثم يبقى الإطلاق في كونه حياً أو ميتاً على التفصيل الذي ذكره المصنف رحمه الله.

(طلقت بالأول وبانت بالثاني ولم تطلق به)

(طلقت بالأول) لأن بينه وبين الله أنها إذا وضعت فهي طالق، وقد وضعت مولودها فهي طالق، (وبانت بالثاني) أي: أنها إذا طلقت الطلقة الأولى أو الطلقتين إن كان السابق أنثى فإن المولود الثاني يخرجها من عصمة الرجل؛ لأنها قبل ولادة المولود الثاني في عدتها، وكل امرأة حامل إذا وضعت حملها خرجت من عدتها على ظاهر نص التنزيل: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4] فتصبح أجنبية بوضع الثاني، فإن أصبحت أجنبية بوضع الثاني فلا يقع عليها الطلاق الثاني على التفصيل الذي تقدم في حال التمحض أو حال الاختلاف.

الحكم إذا علق الطلاق بنوع وولدت توأمين ولم ندر من السابق منهما

قال المصنف رحمه الله: [ وإن أشكل كيفية وضعهما فواحدة ]

أنت تلاحظ أن المصنف جاء بمسألة إذا قال: إن كان ذكراً، إن كان أنثى، وما إذا سبق أحدهما وتأخر الثاني، ولم يتكلم على بقية المسائل التي أشرنا إليها؛ لأن العلماء عندهم أشياء بدهية معروفة لا ينبهون عليها، خاصة في المختصرات، سواءً كانت من النظم أو النثر، وهم يذكرون المسائل المشكلة والمسائل التي تكون أصولاً لغيرها؛ لأنه حينما نبهك هنا على مسألة الاختلاف فقد وضع لك الأصل في حال التمحض الذي هو أخف حالاً من حال الاختلاف.

في هذه المسألة: إذا قال لها: إن ولدتِ ذكراً فأنت طالق طلقة، وإن ولدتِ أنثى فأنتِ طالق طلقتين، وكان في بطنها توأماً ذكر وأنثى، فحينئذٍ يرد السؤال: إن سبق أحدهما الآخر ولم نعلم هل السابق الذكر أو الأنثى؟ فهل نحكم بطلقة أو نحكم بطلقتين؟

هو قال لامرأته: إذا ولدتِ ذكراً فأنتِ طالق طلقة وإذا ولدتِ أنثى فأنتِ طالق طلقتين فوضعت توأمين، سبق أحدهما الآخر، وأحدهما ذكر والآخر أنثى، فهل نقول: إنها تطلق طلقة واحدة أو نقول: تطلق طلقتين؟ وقد ذكرنا أنه إذا سبق أحدهما فالطلاق للسابق، فإن سبق الذكر فطلقة وإن سبقت الأنثى فطلقتان، فبالتأكيد أنه سبق أحدهما، ولكن المرأة أثناء نفاسها لم يكن عندها أحد، أو وضعت في ظلام وأخرجت الأول ثم الثاني، أو وضعت وعلمت أن الأول أنثى والثاني ذكر أو العكس ثم نسيت، أو التي وضعت كانت لا تعي ولا تتنبه وجاءت التي تقوم على ولادتها فأخرجت ذكراً وأخرجت أنثى ولم نعلم هل الذي سبق الذكر أم الأنثى؟

العلماء -رحمهم الله- عندهم قاعدة تقول: (اليقين لا يزال بالشك)، فإذا ولدت المرأة توأمين متعاقبين مختلفين، بهذين الشرطين: أن يكونا توأمين، وأن يكونا متعاقبين، أي: تلد الأول ثم الثاني بخلاف ما إذا ولدتهما مع بعضهما، إذا ولدت توأمين متعاقبين، وكان طلاقها مختلفاً بحسب اختلاف التوأمين جنساً، بأن يكون طلقة للذكر وطلقتين للأنثى أو العكس، طلقتان للذكر وطلقة للأنثى، وقد تأكدنا أن أحدهما سبق، فعند العلماء قاعدة، يقولون: نحن لا نشك في وقوع طلقة واحدة، أي: متحققون وعلى يقين أنها قد طلقت طلقة واحدة، وهذا ما فيه إشكال؛ لأنه إما أن يكون سبق الذكر وإما أن تكون سبقت الأنثى، والذكر يوجب طلقة والأنثى توجب طلقتين، فهناك طلقة لا إشكال في وقوعها، وهناك طلقة محتملة، حيث يحتمل أن الذي سبق هو الأنثى فتكون قد طلقت طلقتين وتأخر الذكر الذي يوجب الطلقة أو يكون الأمر بالعكس، بأن يكون سبق الذكر وتأخرت الأنثى فوقعت طلقة ولم تقع الطلقة الثانية؛ لأن الأنثى لا طلاق لها؛ لأن المرأة قد بانت بخروجها، فقالوا: اليقين عندنا طلقة والشك في الطلقة الثانية، فنقول: اليقين لا يزال بالشك، والأصل عدم وقوع الطلاق حتى يدل الدليل على وقوعه، فنحن ليس عندنا أمارة ولا غلبة ظن بسبق أحدهما، فتطلق طلقة واحدة، وهذا في حال ما إذا تحققنا أنه سبق أحدهما -بمعنى: التعاقب- ويكون قد خالف في عدد الطلاق، لكن لا تقع هذه المسألة إلا إذا حصل الشك، إذا شك في الذي سبق هل الأنثى أو الذكر؟ أما لو استطعنا أن نميز، ووجدت قرينة تدل على السبق، فحينئذٍ نحكم بالقرينة، مثال ذلك: لو أن المرأة دهمها الطلق فقذفت بالأول ثم قذفت بالثاني، فلما قذفت بالثاني حملته من بجوارها، فحينئذٍ الأول المتلطخ يمكن أن يعلم أو يعرف أنه الذي سبق فننظر فيه: إن كان ذكراً فذكر وإن كان أنثى فأنثى، فهنا علامة، إما أن يكون موضوعاً على الأرض والثاني حملته من تقوم على ولادتها، أو يكون المكان مختلفاً فوضعت الأول ثم نقلت إلى مكان آخر فوضعت الثاني، فنعلم أن الذي ولد في الغرفة الأولى هو السابق والذي في الغرفة الثانية هو اللاحق، فحينئذٍ إذا وجدت أمارة أو علامة تدل على سبق أحدهما على الآخر حكم بذلك، أو بالصوت الذي هو الصراخ، كأن تكون ولدت وكان الأول لا صوت له فوجد ميتاً، والثاني صرخ، فنعلم أن الحي هو الثاني، فإن كان ذكراً احتسبت الطلقتان بالسابق وهو الأنثى، والعكس بالعكس.

فإذا وجدت قرائن أو أمارات أو علامات تدل على سبق أحد المولودين للآخر فإنه يحكم بهذه العلامات، فمحل التفصيل أن يستويا ولا يمكن التمييز، أما إذا أمكن التمييز فإنه يحكم به، والقاعدة الشرعية تقول: (الغالب كالمحقق)، فغلبة الظن والشيء الغالب الوقوع نحكم به، وما دام أنه غلب على ظننا -بهذه الأمارات والعلامات- أنه السابق حكم بذلك واعتد به.

قوله: (إذا علق طلقة على الولادة بذكر وطلقتين بأنثى).

قال: أنتِ طالق طلقة إن ولدتِ ذكراً، وأنتِ طالق طلقتين إن ولدتِ أنثى، فحينئذٍ اختلف عدد الطلاق باختلاف نوعية المولود، فالطلقة لازمة له إن كان الذي ولدته ذكراً، والطلقتان لازمة له إن كان الذي ولدته أنثى، وقد يعكس فيجعل الأكثر للذكر والأقل للأنثى، والحكم سواء، لكن من حيث التفصيل في الوقوع يختلف، فهو إذا قال لها: إن ولدتِ ذكراً فأنتِ طالق طلقة، وإن ولدتِ أنثى فأنتِ طالق طلقتين؛ فينبغي أن يعلم أن الطلاق موقوف على الولادة، فلا نطلق حتى تقع الولادة، فإذا حصلت الولادة حكمنا بوقوع الطلاق، إن كان ذكراً حكمنا بطلقة، وإن كان أنثى حكمنا بطلقتين.

ولا يخلو الذي في بطن المرأة من حالتين:

إما أن يكون مولوداً واحداً وإما أن يكون أكثر من مولود، فإن كان الذي في بطنها مولوداً واحداً؛ فإن أخرجته ذكراً فلا إشكال؛ وإن أخرجته أنثى فلا إشكال؛ لأنك ستحكم بوقوع الطلاق بمجرد الولادة، ثم تفصل في عدد الطلاق على حسب نوعية المولود، هذا إذا قال لها: إن كان ذكراً، إن كان أنثى، لكن لو قال لها: أنتِ طالق طلقة إن ولدتِ ذكراً وسكت، فنتوقف على شيئين: على الولادة، وأن يكون المولود ذكراً، فإن ولدت أنثى فلا طلاق؛ لأنه قيد الطلاق فيما بينه وبين الله عز وجل بكون المولود ذكراً فلا يقع إلا إذا وقع الذي اشترطه.

إذاً إذا قال لها: إن ولدتِ ذكراً، إن ولدتِ أنثى. وحدد الذكر أو الأنثى وجعل الطلاق لواحد منهما كأن يقول: إن ولدت ذكراً فأنتِ طالق طلقة، أو قال: إن ولدتِ أنثى فأنتِ طالق طلقة فلا تطلق عليه إلا بوجود الذكر إن اشترطه أو الأنثى إن اشترطها، لكن إذا جمع بين الذكر والأنثى في وقوع الطلاق فقال: إن ولدتِ ذكراً فأنتِ طالق طلقة وإن ولدتِ أنثى فأنتِ طالق طلقتين حينئذٍ تنظر في ولادتها، وتخالف في حكم الطلاق من حيث العدد بحسب المولود.

إذاً من حيث الأصل إذا ولدت مولوداً واحداً وعلق الطلاق على ولادتها فله صورتان: إما أن يعلق الطلاق على جنس واحد ذكراً أو أنثى فلا نطلق إلا بوجود الجنس الذي علق الطلاق عليه، مثل أن يقول: إن ولدت ذكراً فأنتِ طالق مفهوم اللفظ: أنكِ إن ولدتِ أنثى فلست بطالق، فننظر إن كان الذي ولدته ذكراً طلقنا، وإن كان الذي ولدته أنثى فلا طلاق، هذا في حال تردد الطلاق بين الوقوع وعدم الوقوع في حال وجود الحمل الواحد، يعني: ذكراً أو أنثى، وأما إذا قال: أنتِ طالق إن ولدتِ ذكراً طلقة وأنتِ طالق طلقتين إن ولدتِ أنثى، فحينئذٍ الطلاق سيقع سيقع لكنه يختلف من حيث العدد.

فالفرق بين الصورة الأولى والصورة الثانية، أن الصورة الأولى: لا يقع الطلاق إلا إذا تحقق ما ذكره من كونه ذكراً أو كونه أنثى، وفي الصورة الثانية سيقع الطلاق سيقع، إن ولدت ذكراً طلقة، وإن ولدتِ أنثى طلقتين، فحينئذٍ إما أن تلد ذكراً وإما أن تلد أنثى، فإذا ولدت وليس هنا أكثر من واحد، فإن ولدت ذكراً وقع الطلاق، وإن ولدت أنثى وقع الطلاق، لكن يختلف العدد بحسب ما جعل في شرطه للأنثى من عدد وبحسب ما جعل في شرطه للذكر من عدد.

ففي الصورة الثانية يتنوع الحكم ويختلف بحسب اختلاف نوعية المولود، فإن جعل الأكثر من الطلاق للأنثى حكمنا بالطلقتين إن كان المولود أنثى، وحكمنا بطلقة إن كان المولود ذكراً، والعكس بالعكس، هذا في قوله: إن ولدتِ ذكراً أو أنثى وخالف في العدد، وكان المولود واحداً.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3698 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3616 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3438 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3370 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3336 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3317 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3267 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3223 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3183 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3163 استماع