شرح زاد المستقنع باب الخلع [1]


الحلقة مفرغة

تعريفه ومناسبته لباب الطلاق تقديماً وتأخيراً

قال رحمه الله تعالى: [ باب الخلع ]

هذا الباب سمي بالخلع أخذاً من خلع الثوب، فالمرأة لباس الرجل، والرجل لباس المرأة، وإذا وقع الخلع والفراق خلع هذا اللباس، وفرق بينهما، فحُلَّت العصمة، ووقع الفراق.

وباب الخلع يذكره بعض العلماء بعد الطلاق، فيؤخر الخلع إلى ما بعد الطلاق، فيذكر مسائل الطلاق والعدد، والإيلاء، والخلع، وبعضهم يذكر الطلاق والإيلاء، ثم الخلع، ثم العدد، وعلى العموم فمنهم من يقدمه على الطلاق، ومنهم من يؤخره، والمصنف -رحمه الله تعالى- قدمه على الطلاق.

ومناسبة تقديمه: أن الخلع رابط بين هذا الباب وبين باب الطلاق، وذلك لأن الخلع إنما ينبني من جهة الحقوق، فالمرأة في الأصل مطالبة بالقيام بحق زوجها، والزوج مطالب بحق زوجته، فإذا وقع بينهما النشوز والنفرة -كما ذكرنا- فإن هذا النشوز قد يكون سبباً في الخلع، فإذا نشز الرجل فأضر بالمرأة أو كان منه أمر يضيق عليها فيه، فإنها تخالعه، وتفتك من أذيته وإضراره بالخلع؛ لأنه لن يطلقها، فأصبح الخلع وسيلة لدفع الضرر؛ لأن الخلع شرع من أجل دفع الضرر والضرر يكون بالنشوز، والنشوز قد يكون بحق وقد يكون بغير حق، وأياً ما كان فالخلع مناسبته للنشوز من جهة وجود الضرر، فإذا كان الخلع مشروعاً لدفع الضرر فالرابط بينهما واضح.

وأما مناسبة تأخيره بعد الطلاق، فلكون الخلع مرتبطاً بالطلاق، والحنابلة لا يرون الخلع مرتبطاً بالطلاق، ولذلك لا يرونه طلاقاً إلا إذا نواه، والجمهور يرونه طلاقاً، فاختلف المنهجان، ولذلك نقول: علم مناسبة الأبواب في المتون الفقهية مهم؛ لأنه ينبني على النظر إلى الباب نفسه، فلما رأى الجمهور أن الخلع نوع من أنواع الطلاق جعلوه بعد الطلاق، والحنابلة لما رأوه باباً مستقلاً، ويوجب الفرقة، ويوجب الفسخ، أعطوه حكماً مستقلاً، وأدخلوه بين الطلاق وبين العشرة الزوجية؛ لأن الخلع يأتي من جهة سوء العشرة الزوجية، فالمرأة تمل زوجها من جهة العشرة، إما لدمامة خُلُقٍ، أو خِلْقِةٍ، ثم تطلب الخلع دفعاً لهذا الضرر الموجود من نشوز، أو من سوء خلقة، أو خلق، فهذا كله يعتبر بمثابة الرابط والوسط بين البابين.

أدلة مشروعية الخلع

قال رحمه الله: [ من صح تبرعه من زوجة وأجنبي صح بذله لعوضه ]

الخلع مشروع بدليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة، أما الكتاب: فإن الله سبحانه وتعالى يقول: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، فأحل للمرأة أن تدفع الفدية، وهي فدية الخلع، فترد للرجل مهره وتخالعه، ونفى الحرج فقال: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا [البقرة:229]، وقد تقرر في علم الأصول أن صيغة (لا جناح) و(لا بأس) و(لا حرج) من صيغ الإباحة، فلما قال تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، دل على أنه لا حرج في ذلك وأنه من المباحات.

وأما دليل السنة: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اشتكت إليه امرأة ثابت بن قيس بن شماس ، وقالت له عن ثابت : (والله ما أعيبه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر بعد الإسلام)، قال عليه الصلاة والسلام: (أتردين عليه حديقته؟ -أي: مهره الذي أمهركِ إياه- قالت: نعم، فقال صلى الله عليه وسلم لـثابت: اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة)، فدل على مشروعية الخلع، وأنه لا بأس به إذا اشتكت المرأة وأرادت أن تخرج من عصمة الرجل، وأجمع المسلمون من حيث الجملة على مشروعيته.

بذل العوض في الخلع ومن الذي يصح منه بذله

قال رحمه الله تعالى: (من صح تبرعه من زوجة)

مما ينبغي أن يعلم أن ميزة الفقه وميزة المتون الفقهية أنها تربط المادة الفقهية بعضها ببعض، فإذا جئت إلى باب الخلع تجد أن الخلع صورته: أن المرأة تدفع المال في مقابل فراق الزوج لها، فإن قلت: الخلع فسخ، فمعناه أنها تطلب أن ينفسخ النكاح بينهما، فيذهب هذا لسبيله وهذه لسبيلها وتتزوج من تشاء، وإن قلت: الخلع طلاق، فمعناه أنها تعطيه المال ليطلقها مقابل هذا المال، والمال الذي تعطيه هو مهرها الذي أمهرها إياه على تفصيل سنذكره -إن شاء الله- من جهة ما تخالع به، فإذا كانت الصورة قائمة على أن المرأة تفتدي، والله تعالى يقول: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، فكأنها تدفع المال من أجل أن تنفك من عصمة الزوجية، وهنا تجد الترابط بين الكتاب والسنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول في النساء: (إنما هن عوان عندكم)، والعواني: الأسيرات، فكأنها بالزواج أسيرة، والله تعالى يقول: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، والفدية تدفع لفك الأسير.

فانظر إلى تعبير النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من الأدب مع الكتاب فتتأدب مع الوحي حتى في الكلمات التي تقولها، وتحاول أن يكون هناك محبة لكتاب الله عز وجل حتى في عباراتك إذا كنت فقيهاً أو عالماً.

وتجد هذا جلياً في كتاب الإمام البخاري رحمه الله، وأئمة الحديث رحمة الله عليهم في تراجم الأبواب، فكتبهم في غاية الأدب مع الوحي، فتجد أئمة الصحاح والسنن إذا ترجم الواحد منهم للباب يذكر لفظ الحديث، وهذا والله عين الأدب مع الكتاب والسنة، فالفقه والعلم إذا كان مربوطاً بالوحي فهو الفقه الصافي، الفقه الذي انبنى على أصل، وعلى حق، وعلى نور من الوحي، ومن الكتاب والسنة، وهذا ما ينبغي على العالم.

فالخلع فيه فدية وفيه مال، فإذا وصفت الخلع بكونه افتداءً، فمعنى ذلك أن هناك مالاً يُدفع، فهو يقوم على كون المرأة تدفع المال، فإذا كانت تدفع المال فإنه ينبغي أن ننظر في هذه المرأة، فإن كانت من جنس من يصح تعامله وتبرعه بالمال صح خلعها، وإن كانت ممن لا يصح بذله للمال فإنه لا يصح خلعها.

فانظر كيفية الارتباط في الأبواب الفقهية، ففي الخلع ارتباط مع باب التبرعات، وباب المعاوضات المالية، وباب الحجر.

فلو كانت محجوراً عليها لسفه فلا يصح خلعها؛ لأنها ممنوعة من التصرف المالي، والخلع يقوم على التصرف المالي، فكما لا يصح بيعها معاوضة لا يصح خلعها معاوضة، فإذاً هذا وجه قول المصنف.

ففقه المسألة: أن الخلع في الأصل قائم على دفع المال من أجل أن تفتدي المرأة من زوجها، ففقهه يقوم على أهلية دفع المال.

وقوله رحمه الله تعالى: (من صح تبرعه من زوجة)

(مِنْ) في قوله: (من زوجة) بيانية والأصل أن الخلع يكون من الزوجة لزوجها.

وقوله: (وأجنبي)

أي: إذا كان الأجنبي مخالعاً عنها، كولي المجنونة وولي السفيهة.

وقوله: (صح بذله لعوضه)

الضمير في (بذله) عائد للشخص المفتدي، والضمير في (لعوضه) عائد إلى الخلع، أي: صح بذله لعوض الخلع، وإذا صح بذله صح خلعه، وإذا لم يصح بذله لم يصح خلعه، فاللفظ له منطوق ومفهوم، فمنطوق العبارة دال على أنه إذا كان الشخص أهلاً للمعاوضة ومثله تصح معاوضته فإنه يصح خلعه، ومفهوم العبارة: أنه إن كان شخصاً لا يصح بذله، ولا يصح تعامله بالمال، كالسفيه والمحجور فإنه لا يصح خلعه.

قال رحمه الله تعالى: [ باب الخلع ]

هذا الباب سمي بالخلع أخذاً من خلع الثوب، فالمرأة لباس الرجل، والرجل لباس المرأة، وإذا وقع الخلع والفراق خلع هذا اللباس، وفرق بينهما، فحُلَّت العصمة، ووقع الفراق.

وباب الخلع يذكره بعض العلماء بعد الطلاق، فيؤخر الخلع إلى ما بعد الطلاق، فيذكر مسائل الطلاق والعدد، والإيلاء، والخلع، وبعضهم يذكر الطلاق والإيلاء، ثم الخلع، ثم العدد، وعلى العموم فمنهم من يقدمه على الطلاق، ومنهم من يؤخره، والمصنف -رحمه الله تعالى- قدمه على الطلاق.

ومناسبة تقديمه: أن الخلع رابط بين هذا الباب وبين باب الطلاق، وذلك لأن الخلع إنما ينبني من جهة الحقوق، فالمرأة في الأصل مطالبة بالقيام بحق زوجها، والزوج مطالب بحق زوجته، فإذا وقع بينهما النشوز والنفرة -كما ذكرنا- فإن هذا النشوز قد يكون سبباً في الخلع، فإذا نشز الرجل فأضر بالمرأة أو كان منه أمر يضيق عليها فيه، فإنها تخالعه، وتفتك من أذيته وإضراره بالخلع؛ لأنه لن يطلقها، فأصبح الخلع وسيلة لدفع الضرر؛ لأن الخلع شرع من أجل دفع الضرر والضرر يكون بالنشوز، والنشوز قد يكون بحق وقد يكون بغير حق، وأياً ما كان فالخلع مناسبته للنشوز من جهة وجود الضرر، فإذا كان الخلع مشروعاً لدفع الضرر فالرابط بينهما واضح.

وأما مناسبة تأخيره بعد الطلاق، فلكون الخلع مرتبطاً بالطلاق، والحنابلة لا يرون الخلع مرتبطاً بالطلاق، ولذلك لا يرونه طلاقاً إلا إذا نواه، والجمهور يرونه طلاقاً، فاختلف المنهجان، ولذلك نقول: علم مناسبة الأبواب في المتون الفقهية مهم؛ لأنه ينبني على النظر إلى الباب نفسه، فلما رأى الجمهور أن الخلع نوع من أنواع الطلاق جعلوه بعد الطلاق، والحنابلة لما رأوه باباً مستقلاً، ويوجب الفرقة، ويوجب الفسخ، أعطوه حكماً مستقلاً، وأدخلوه بين الطلاق وبين العشرة الزوجية؛ لأن الخلع يأتي من جهة سوء العشرة الزوجية، فالمرأة تمل زوجها من جهة العشرة، إما لدمامة خُلُقٍ، أو خِلْقِةٍ، ثم تطلب الخلع دفعاً لهذا الضرر الموجود من نشوز، أو من سوء خلقة، أو خلق، فهذا كله يعتبر بمثابة الرابط والوسط بين البابين.

قال رحمه الله: [ من صح تبرعه من زوجة وأجنبي صح بذله لعوضه ]

الخلع مشروع بدليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة، أما الكتاب: فإن الله سبحانه وتعالى يقول: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، فأحل للمرأة أن تدفع الفدية، وهي فدية الخلع، فترد للرجل مهره وتخالعه، ونفى الحرج فقال: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا [البقرة:229]، وقد تقرر في علم الأصول أن صيغة (لا جناح) و(لا بأس) و(لا حرج) من صيغ الإباحة، فلما قال تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، دل على أنه لا حرج في ذلك وأنه من المباحات.

وأما دليل السنة: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اشتكت إليه امرأة ثابت بن قيس بن شماس ، وقالت له عن ثابت : (والله ما أعيبه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر بعد الإسلام)، قال عليه الصلاة والسلام: (أتردين عليه حديقته؟ -أي: مهره الذي أمهركِ إياه- قالت: نعم، فقال صلى الله عليه وسلم لـثابت: اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة)، فدل على مشروعية الخلع، وأنه لا بأس به إذا اشتكت المرأة وأرادت أن تخرج من عصمة الرجل، وأجمع المسلمون من حيث الجملة على مشروعيته.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3704 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3620 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3441 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3374 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3339 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3320 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3273 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3228 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3185 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3169 استماع