شرح زاد المستقنع باب الحجر [4]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ويحجر على السفيه والصغير والمجنون لحظهم].

هذا النوع الثاني من الحجر، فبعد أن فرغ -رحمه الله- من الحجر على الشخص لمصلحة غيره وهو المفلس الذي يحجر عليه لمصلحة الغرماء، شرع في الحجر على الشخص لمصلحة نفسه.

وبالنسبة للنوع الأول فإنه تختلف تسمية العلماء له، فبعضهم يقول: باب التفليس، ويذكر أحكام المفلس، وبعضهم يجعله في باب الحجر، ويقدم هذا النوع وهو الحجر لحظ نفسه على الحجر لحظ غيره، والمصنف -رحمه الله- درج على تقسيم المفلس وإدراجه تحت باب الحجر، والحجر على المفلس -كما ذكرنا- لحظ الغير.

وهناك أنواع من الحجر لحظ الغير غير الحجر على المفلس، فيدخل فيها الحجر على صاحب الرهن في الرهن، وقد تقدم في باب الرهن، ويدخل فيها الحجر على المريض مرض الموت أن يتبرع بأكثر من الثلث، وهذا سيذكره المصنف -رحمه الله- في باب عطية المريض.

فالمريض مرض الموت لا يجوز له أن يتبرع بما زاد عن الثلث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم) وقال لـسعد : (الثلث والثلث كثير) حتى كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (لو أن الناس غضوا عن الثلث فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الثلث والثلث كثير)) فهذا لحظ الغير.

ولذلك قال بعض المالكية في نظم هذا النوع:

وزوجة في غير ثلث تعترض كذا مريض مات في ذاك المرض

أما بالنسبة للحجر على الشخص في مصلحة نفسه فيشمل الأنواع التالية:

النوع الأول: السفيه.

والنوع الثاني: المجنون.

والنوع الثالث: الصغير.

فهؤلاء ثلاثة أصناف يحجر عليهم لمصلحة أنفسهم.

والسبب في هذا: أن المقصود أن يمنعوا من التصرف في أموالهم حتى لا يتلفوها؛ لأنه ليست عندهم الأهلية للنظر في مصالح أنفسهم، فلو مكنوا من البيع والشراء خدعهم الناس وضاعت عليهم أموالهم وحصلت المفاسد كما قدمنا في المفلس.

الحجر على السفيه

قوله رحمه الله: (ويحجر على السفيه) أصل السفه: الخفة، والسفساف: الخفيف من الأشياء التي تسفه الريح، وقالوا: سمي السفيه سفيهاً لخفة عقله؛ لأن العاقل كامل العقل يحسن التصرف في أموره.

والسفيه يكون خفيف العقل بالتصرف في ماله من جهة الأخذ ومن جهة الإعطاء، ويحكم بكون الإنسان سفيهاً من جهتين:

إما من جهة المال نفسه إذا باع واشترى، وإما من جهة الاستمتاع بالمال، فهناك جانبان يحكم بهما على كون الإنسان سفيهاً. وقالوا: يكون سفيهاً إذا باع بأقل من الثمن الذي يباع به الشيء، أو إذا اشترى بأكثر من الثمن الذي يباع به الشيء.

وهذا النوع من السفهاء يعرفه العلماء بقولهم: هو الذي لا يحسن الأخذ لنفسه ولا الإعطاء لغيره.

لا يحسن الأخذ لنفسه: أن يشتري بأكثر مما تستحقه السلعة، ولا يحسن الإعطاء لغيره: أن يبيع بأقل مما تستحق السلعة.

مثال ذلك: أن تكون عنده سيارة قيمتها عشرة آلاف ويعلم أن قيمتها عشرة آلاف، فإذا جاء يبيعها جاءه رجل وقال له: بعنيها بتسعة آلاف أو بثمانية آلاف، فيبيعها وهو غير مضطر، لكن لو كان عنده ضرورة أو مقصد كأن يأتيه شخص يرى عليه آثار الضعف أو المسكنة فينوي الصدقة عليه فيقول: أبيعها بثمانية آلاف، والله يعلم في قرارة قلبه أنه لا يرضى إلا بالتسعة أو تسعة آلاف وخمسمائة وهي التي يمكن أن تباع بها السيارة، وإنما قصد التصدق بما بين القيمتين، فإن الله يأجره، وهذا ليس بسفه، هذا رشد الدين وهو الذي تكون فيه الدنيا تبعاً وليست بمقصد، فإذا كان مثل هذا فإنه مأجور.

وكذا لو أنه جاء يشتري شيئاً فقال له البائع: الشيء بعشرة، ويرى عليه آثار الضعف أو يراه محتاجاً أو عاملاً عند الغير فيعطيه عشرة، ويزيده ريالاً أو ريالين من باب الإحسان والإكرام والرفق به، فهذا ليس بسفه؛ لأنه عامل بالدنيا وانفكت الجهة في الآخرة، فالريالان اللذان دفعهما لم يكن مقصوده منهما المعاوضة وإنما قصد منهما الآخرة، فهذا لا يدخل في السفه، إذ السفه شرطه ألا تكون هناك أسباب تقتضي الزيادة أو النقص، فإن وجدت الأسباب فلا، مثلاً: ابن عمي لو جاء يشتري مني سلعة قيمتها مائة، وبعتها بسبعين وأنا لا أقصد البيع حقيقة، وإنما قصدت أن أبيع بالسبعين والعشرون أو الخمسة والعشرون التي هي فضل القيمة قصدت بها الصدقة على ابن العم أو صلة الرحم، أو أحببت أن مالي يذهب إلى قريبي فهـذا يؤجر عليه الإنسان.

فمثل هذه الأحوال لا يحكم فيها بسفه الإنسان إنما السفيه هو الشخص الذي عنده تلاعب بالأموال وتساهل فيها.

وكذلك النوع الثاني من السفه الذي يبذر لشهوة نفسه، كرجل يدمن السفر، ويكثر في هذه الأسفار من إنفاق المال في متع مباحة، أما إذا كانت محرمة فبالإجماع أنه سفيه ولا إشكال، لكن إذا كان في متع مباحة كأن يشتري الأشياء الفاضلة الزائدة عن حاجته، فيكون بإمكانه أن يشتري سيارة بخمسين ألفاً فيذهب ويشتري السيارة بمائة ألف، فالسيارة شهوة وفيها مصلحة، وصحيح أنها في بعض الأحيان تكون حاجة لكن الزيادة على الخمسين في قيمتها يعتبر سفهاً؛ لأنه تبذير للمال في الشهوة وهو يحب المظاهر، فتجده يشتري ثوباً قيمته مائة، وبإمكانه أن يشتري ثوباً يستره بخمسين، فيأخذ ضعف الشيء، فمثل هذا يعتبر سفيهاً، وقد أشار إلى ذلك بعض العلماء -رحمهم الله- بقوله:

والسفه التبذير للأموال في شهوة ولذة حلال

فلما قال: في شهوة ولذة حلال. دل على أنه من باب أولى إذا كانت شهوته ولذته في حرام.

وعلى كلٍ: هذا السفيه إذا ثبت سفهه؛ فإنه يحجر عليه القاضي، بعد ثبوت سفهه من خلال التعامل وشهادة شاهدين عدلين أنه اشترى سلعة قيمتها مائة ألف ومثلها يباع بخمسين.

فإذا ثبت ذلك عند القاضي بشهادة العدول أو بإقراره حكم بالحجر عليه للسفه.

والأصل في مشروعية الحجر على هؤلاء قوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5].

الحجر على الصغير

قوله: (والصغير)

والصغير هو الصبي، وهو الذي دون البلوغ، والصبي مأخوذ من الصبى وهو ضد الحلم والبلوغ، والأصل في الحجر عليه عموم قوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5] ولذلك قال طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمفسرين من التابعين وغيرهم: إنه يدخل فيهم الصغار، ولذلك أمر بالحجر على الأيتام.

واليتيم من توفي أبوه وهو دون البلوغ، فلو كان الصبي يستحق أخذ ماله لأخذه اليتيم، والله نهى عن إعطاء اليتيم ماله، وأمر باختباره عند البلوغ فقال تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6] فقال: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا [النساء:6] وجعل الابتلاء لما قبل البلوغ، واشترط لفك الحجر على اليتيم شرطين:

الشرط الأول: أن يبلغ، فدل على أنه قبل البلوغ لا يزال تحت الحجر.

والشرط الثاني: أن يكون رشيداً بعد بلوغه، فإن بلغ غير رشيد فإنه يستمر الحجر عليه كما سيأتي.

قال المصنف: (الصغير) ولم يقل: اليتيم؛ لأن الصغير يشمل الصغير الذي أبوه موجود، واليتيم الذي فقد أباه، وهذا صحيح، ولذلك من الخطأ أن نقول: يحجر على السفيه واليتيم، ولذلك انظر إلى دقة العلماء قال: (والصغير) وبعضهم يقول: (والصبي) والصغير أفضل لأن المراد به جنس الصغير ذكراً كان أو أنثى.

الحجر على المجنون

قوله: (والمجنون لحظهم).

سواءً كان جنونه متقطعاً أو مستديماً، فهؤلاء يحجر عليهم، أما المجنون المتقطع فإنه إذا أفاق وكان رشيداً رد إليه ماله، وأما إذا كان جنونه مستديماً فإنه يستمر عليه الحجر.

الخلاصة: أن المجنون واليتيم بإجماع العلماء يحجر عليهما، والخلاف في السفيه فقط، فجمهور العلماء على أن السفيه يحجر عليه، وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية وأهل الحديث -رحمة الله على الجميع- أن من كان بالغاً ولا يحسن التصرف في ماله فإنه يحجر عليه لقوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5] .

وخالف في هذه المسألة الإمام أبو حنيفة النعمان -عليه من الله الرحمة والرضوان- فقال: لا يحجر على من بلغ خمساً وعشرين، وقال: إن البالغ لا يحجر عليه. واحتج بآيات الكفارة، وقال في بعض الروايات عنه: إذا بلغ إحدى وعشرين سنة فلا يحجر عليه، وفصل في اليتيم إذا بلغ سفيهاً فقال: يستمر الحجر عليه إلى خمس وعشرين.

وأما من بلغ إحدى وعشرين ثم حصل منه سفه بعد الواحد والعشرين فلا يحجر عليه، واستدل بآيات الكفارات، فقال: إن الله تعالى أوجب على من جامع أهله في نهار رمضان أن يكفر بعتق الرقبة، ففعل هذا الجماع وهو صائم في نهار رمضان سفه بل جمع بين سفه الدين والدنيا، ومع ذلك خاطبه الله بعتق الرقبة وبإطعام ستين مسكيناً، فدل على أنه يملك المال وأن من حقه أن يتصرف في المال وأنه لا يحجر عليه، وهذا ضعيف؛ فإن الآية صريحة في قوله: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5] وهي نص في موضع النـزاع.

وأما مسائل الكفارات فإنه لا تعارض بين عام وخاص، نقول: هذا عام وهذا خاص، ويستثنى من ذلك حقوق الكفارات كما استثناها الجمهور.

المسألة الثانية في قوله: إنه إذا بلغ إحدى وعشرين صار جداً، والجد لا يحجر عليه، يقول: لأن الرجل يمكن أن يصبح جداً وعمره واحد وعشرون سنة، فلا يتأتى ولا يليق أن الرجل جد -وهو والد لولد وولد الولد- ويحجر عليه، وهذا دليل النظر والعقل، وهذا ضعيف؛ لأنه عقل في مقابل نقل، وثانياً أن مسألة كونه جداً أو ليس بجد لا يؤثر فالعبرة بإحكام النظر في المال.

ولو سألناهم: لم توافقون على الحجر على اليتيم؟ قالوا: لأنه لا يحسن النظر لنفسه. نقول: إن هذا الكبير مع اليتيم شاركه في عدم إحسان النظر في ماله، فحجر عليه كما حجر على اليتيم، وأياً ما كان فالصحيح مذهب الجمهور: أنه يحجر على السفيه سواءً كان بلغ إحدى وعشرين أو لم يبلغها، ويستمر الحجر عليه ولو بلغ خمساً وعشرين سنة.

قوله رحمه الله: (ويحجر على السفيه) أصل السفه: الخفة، والسفساف: الخفيف من الأشياء التي تسفه الريح، وقالوا: سمي السفيه سفيهاً لخفة عقله؛ لأن العاقل كامل العقل يحسن التصرف في أموره.

والسفيه يكون خفيف العقل بالتصرف في ماله من جهة الأخذ ومن جهة الإعطاء، ويحكم بكون الإنسان سفيهاً من جهتين:

إما من جهة المال نفسه إذا باع واشترى، وإما من جهة الاستمتاع بالمال، فهناك جانبان يحكم بهما على كون الإنسان سفيهاً. وقالوا: يكون سفيهاً إذا باع بأقل من الثمن الذي يباع به الشيء، أو إذا اشترى بأكثر من الثمن الذي يباع به الشيء.

وهذا النوع من السفهاء يعرفه العلماء بقولهم: هو الذي لا يحسن الأخذ لنفسه ولا الإعطاء لغيره.

لا يحسن الأخذ لنفسه: أن يشتري بأكثر مما تستحقه السلعة، ولا يحسن الإعطاء لغيره: أن يبيع بأقل مما تستحق السلعة.

مثال ذلك: أن تكون عنده سيارة قيمتها عشرة آلاف ويعلم أن قيمتها عشرة آلاف، فإذا جاء يبيعها جاءه رجل وقال له: بعنيها بتسعة آلاف أو بثمانية آلاف، فيبيعها وهو غير مضطر، لكن لو كان عنده ضرورة أو مقصد كأن يأتيه شخص يرى عليه آثار الضعف أو المسكنة فينوي الصدقة عليه فيقول: أبيعها بثمانية آلاف، والله يعلم في قرارة قلبه أنه لا يرضى إلا بالتسعة أو تسعة آلاف وخمسمائة وهي التي يمكن أن تباع بها السيارة، وإنما قصد التصدق بما بين القيمتين، فإن الله يأجره، وهذا ليس بسفه، هذا رشد الدين وهو الذي تكون فيه الدنيا تبعاً وليست بمقصد، فإذا كان مثل هذا فإنه مأجور.

وكذا لو أنه جاء يشتري شيئاً فقال له البائع: الشيء بعشرة، ويرى عليه آثار الضعف أو يراه محتاجاً أو عاملاً عند الغير فيعطيه عشرة، ويزيده ريالاً أو ريالين من باب الإحسان والإكرام والرفق به، فهذا ليس بسفه؛ لأنه عامل بالدنيا وانفكت الجهة في الآخرة، فالريالان اللذان دفعهما لم يكن مقصوده منهما المعاوضة وإنما قصد منهما الآخرة، فهذا لا يدخل في السفه، إذ السفه شرطه ألا تكون هناك أسباب تقتضي الزيادة أو النقص، فإن وجدت الأسباب فلا، مثلاً: ابن عمي لو جاء يشتري مني سلعة قيمتها مائة، وبعتها بسبعين وأنا لا أقصد البيع حقيقة، وإنما قصدت أن أبيع بالسبعين والعشرون أو الخمسة والعشرون التي هي فضل القيمة قصدت بها الصدقة على ابن العم أو صلة الرحم، أو أحببت أن مالي يذهب إلى قريبي فهـذا يؤجر عليه الإنسان.

فمثل هذه الأحوال لا يحكم فيها بسفه الإنسان إنما السفيه هو الشخص الذي عنده تلاعب بالأموال وتساهل فيها.

وكذلك النوع الثاني من السفه الذي يبذر لشهوة نفسه، كرجل يدمن السفر، ويكثر في هذه الأسفار من إنفاق المال في متع مباحة، أما إذا كانت محرمة فبالإجماع أنه سفيه ولا إشكال، لكن إذا كان في متع مباحة كأن يشتري الأشياء الفاضلة الزائدة عن حاجته، فيكون بإمكانه أن يشتري سيارة بخمسين ألفاً فيذهب ويشتري السيارة بمائة ألف، فالسيارة شهوة وفيها مصلحة، وصحيح أنها في بعض الأحيان تكون حاجة لكن الزيادة على الخمسين في قيمتها يعتبر سفهاً؛ لأنه تبذير للمال في الشهوة وهو يحب المظاهر، فتجده يشتري ثوباً قيمته مائة، وبإمكانه أن يشتري ثوباً يستره بخمسين، فيأخذ ضعف الشيء، فمثل هذا يعتبر سفيهاً، وقد أشار إلى ذلك بعض العلماء -رحمهم الله- بقوله:

والسفه التبذير للأموال في شهوة ولذة حلال

فلما قال: في شهوة ولذة حلال. دل على أنه من باب أولى إذا كانت شهوته ولذته في حرام.

وعلى كلٍ: هذا السفيه إذا ثبت سفهه؛ فإنه يحجر عليه القاضي، بعد ثبوت سفهه من خلال التعامل وشهادة شاهدين عدلين أنه اشترى سلعة قيمتها مائة ألف ومثلها يباع بخمسين.

فإذا ثبت ذلك عند القاضي بشهادة العدول أو بإقراره حكم بالحجر عليه للسفه.

والأصل في مشروعية الحجر على هؤلاء قوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5].

قوله: (والصغير)

والصغير هو الصبي، وهو الذي دون البلوغ، والصبي مأخوذ من الصبى وهو ضد الحلم والبلوغ، والأصل في الحجر عليه عموم قوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5] ولذلك قال طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمفسرين من التابعين وغيرهم: إنه يدخل فيهم الصغار، ولذلك أمر بالحجر على الأيتام.

واليتيم من توفي أبوه وهو دون البلوغ، فلو كان الصبي يستحق أخذ ماله لأخذه اليتيم، والله نهى عن إعطاء اليتيم ماله، وأمر باختباره عند البلوغ فقال تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6] فقال: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا [النساء:6] وجعل الابتلاء لما قبل البلوغ، واشترط لفك الحجر على اليتيم شرطين:

الشرط الأول: أن يبلغ، فدل على أنه قبل البلوغ لا يزال تحت الحجر.

والشرط الثاني: أن يكون رشيداً بعد بلوغه، فإن بلغ غير رشيد فإنه يستمر الحجر عليه كما سيأتي.

قال المصنف: (الصغير) ولم يقل: اليتيم؛ لأن الصغير يشمل الصغير الذي أبوه موجود، واليتيم الذي فقد أباه، وهذا صحيح، ولذلك من الخطأ أن نقول: يحجر على السفيه واليتيم، ولذلك انظر إلى دقة العلماء قال: (والصغير) وبعضهم يقول: (والصبي) والصغير أفضل لأن المراد به جنس الصغير ذكراً كان أو أنثى.