خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/68"> الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/68?sub=33614"> شرح كتاب زاد المستقنع
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح زاد المستقنع باب صفة الحج والعمرة [2]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المصنف رحمه الله: [وله الدفع بعد نصف الليل].
قوله: (وله) أي: يجوز أن يدفع بعد نصف الليل، وهذه مسألة خلافية:
فبعض العلماء يرى أنه يجب عليه المبيت إلى الفجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بات إلى الفجر ولم يأذن إلا للضعفة، وأصحاب الأعذار، وقالوا أيضاً: إن المقصود من مزدلفة الوقوف بالمشعر الحرام، فإذا كان يريد أن يمضي قبل ذلك فلم يتحقق المقصود، وفي الحقيقة هذا القول هو أقوى الأقوال، وهو أن يبقى بمزدلفة إلى الفجر ويصلي الفجر ثم يدعو بالمشعر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رخص للضعفة. والقاعدة في الأصول: أن الرخص لا يقاس عليها. فلا يعتبر ترخيصه للضعفة موجباً للإذن لكل الناس أن يمضوا من مزدلفة، لكن العلماء الذين أجازوا المضي بعد نصف الليل اجتهدوا وقالوا: إنه إذا بات بعد نصف الليل أو أكثر الليل فقد تحقق المبيت، ولكن من نظر إلى مقصود الشرع، وإلى العلة التي من أجلها شرع المبيت بمزدلفة وهو الوقوف بالمشعر والدعاء وسؤال الله من فضله، تبيّن له بجلاء أنه لا يرخص إلا لمن كان معذوراً، وهذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد وقف عليه الصلاة والسلام وجاءه عروة بن مضرس وذكر له أنه وقف بعرفات، فقال رضي الله عنه: (أقبلت من جبل طي أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، وما تركت جبلاً إلا وقفت عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاتنا هذه، ووقف موقفنا هذا، وكان قد أتى عرفات أي ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه) فانظر إلى قوله: (صلى صلاتنا ووقف موقفنا) فكأن المقصود من المبيت بمزدلفة أن يصلي الفجر وأن يدعو، ولذلك أمر الله عز وجل بذكره عند المشعر الحرام.
وفي الحقيقة القول بالبقاء وعدم الإذن إلا للضعفة ومن يرخص لهم من القوة بمكان.
[وقبله فيه دم كوصوله إليها بعد الفجر لا قبله].
قوله: (وقبله) أي: قبل نصف الليل، (فيه دم) يعني: أن الحاج لو جاء إلى مزدلفة ودفع منها قبل نصف الليل لزمه دم، وهذا بناء على أن العبرة عندهم بأكثر الليل، ولم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة إلا بعد نصف الليل، ففي الصحيحين من حديث أسماء رضي الله عنها أنها دفعت بعد مغيب القمر، وقالت لابنها عبد الله رضي الله عنه وأرضاه: (هل غاب القمر؟ فقال: لا بعد، ثم قامت تصلي، ثم قالت: أي بنيّ أغاب القمر؟ قال: لا بعد، ثم قال لها في المرة الثالثة أو الرابعة: غاب القمر، فدفعت رضي الله عنها، ثم وصلت إلى مكانها بمنى بغلس، فقال لها رضي الله عنه: أي هنتاه ما أرانا إلا غلسنا، فقالت رضي الله عنها: يا بني! إن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للظعن) أي: أذن للضعفة وأهل الأعذار، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (كنت فيمن قدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضعفة أهله) فدل هذا على أنه إذا وجد العذر شرع التخفيف وأذن بالرخصة، وأن من عداهم من القادرين المستطيعين يلزمهم البقاء بمزدلفة.
أحكام الدفع من مزدلفة
أي: من دفع من مزدلفة قبل نصف الليل فعليه دم؛ كوصوله إلى مزدلفة بعد الفجر لا قبله، هذه المسألة فيها ثلاثة أحكام: أن من تعجل ودفع من مزدلفة قبل نصف الليل عليه دم؛ لأنه لم يبت، وأن من وصل إليها بعد الفجر عليه دم؛ لأنه لم يبت، وأنه من وصل إليها بعد نصف الليل وقبل الفجر لا شيء عليه.
قوله: (كوصوله إليها بعد الفجر لا قبله).
أي: من دفع من مزدلفة قبل نصف الليل فعليه دم؛ كوصوله إلى مزدلفة بعد الفجر لا قبله، هذه المسألة فيها ثلاثة أحكام: أن من تعجل ودفع من مزدلفة قبل نصف الليل عليه دم؛ لأنه لم يبت، وأن من وصل إليها بعد الفجر عليه دم؛ لأنه لم يبت، وأنه من وصل إليها بعد نصف الليل وقبل الفجر لا شيء عليه.
[فإذا صلى الصبح أتى المشعر الحرام فيرقاه أو يقف عنده ويحمد الله ويكبره ويقرأ: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ..) ويدعو حتى يسفر].
قوله: (فإذا صلى الصبح برغيبته أتى المشعر الحرام)، كان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه لما كانت صبيحة يوم النحر أُذّنَ للصلاة بغلس، ثم أقيم لها وصلى عليه الصلاة والسلام بالناس، ثم وقف بالمشعر ودعا الله عز وجل وسأله من فضله حتى أسفر، وقبل أن تطلع الشمس دفع عليه الصلاة والسلام من المزدلفة، وكانت قريش في الجاهلية ومن معها من المشركين يقفون بالمزدلفة، ولا يمكن أن ينصرفوا منها حتى تطلع الشمس، ولذلك كان يقول قائلهم: (أشرق ثبير كيما نغير) وثبير: هو الجبل الذي بحذاء منى؛ لأن منى بين ثبير والصانع يكتنفانها، وهما جبلان: أحدهما يسمى: ثبيراً، والثاني يسمى: الصانع. فقولهم: (أشرق ثبير كيما نغير) يريدون بذلك أنهم لا يدفعون من مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس، فخالفهم صلوات الله وسلامه عليه، ودفع قبل أن تطلع الشمس.
قوله: (الحرام فيرقاه أو يقف عنده).
السنة أن يقف عند المشعر، ولو وقف في أي موضع من مزدلفة أجزأه.
قوله: (ويحمد الله ويكبره ويقرأ: ( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ.. لقوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198] قال العلماء: قوله: (عند المشعر الحرام)، قيل: إن المراد به مزدلفة كلها، وقال بعض العلماء: إنه الجبل الذي بحذاء المصلى الذي وقف عنده عليه الصلاة والسلام، وأما تلاوة الآية فلم يثبت في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نص، ولا حاجة إلى التقيد بذكر آية أو دعاء مخصوص أو استحباب لذلك أو تعيينه إلا بدليل؛ لأن الشرع لم يرد فيه ما يدل على تلاوة ذكر معين، وإنما قال تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]، والقاعدة: أن المطلق يبقى على إطلاقه. فيقال للناس: اذكروا الله عز وجل، كما أطلق الله عز وجل، من حمد وتسبيح وتكبير وتهليل بل وتلبية، كل ذلك جائز ومشروع؛ لأن الله أطلق، وكل ما صدق عليه أنه ذكر يذكر به سبحانه، لكن أن يقال: تُتْلَى آية معينة، أو يُذْكَرُ دعاء مخصوص، فإن ذلك يعتبر بدعة وحدث، وتوضيح ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من دعائه المأثور: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً )، فلو قال رجل لرجل: إذا صليت في المسجد فقل: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً [البقرة:201] . نقول: إن هذا الدعاء مسنون، لكن كونك تلزمه به، أو تدعوه أن يقوله في هذا الموضع والمكان المخصوص هذا لا أصل له، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) فقد يقول لك قائل: إن تلاوة قوله تعالى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [البقرة:201] من الدين والشرع، تقول له: نعم، من الدين والشرع، ولكن الذي ليس من الدين والشرع أن يأمر بها في الموضع المخصوص، كأن يقول: قلها في هذا الوقت، أو قلها في هذا المكان، أو قلها في هذه الساعة، فكل ذلك يعتبر بدعة، ولا يلزم الناس بتلاوة آية معينة أو بدعاء مخصوص إلا إذا عين الشرع وخصص ذلك.
لكن أن يقال للإنسان: اذكر الله عند المشعر الحرام، واحرص على أدعية النبي صلى الله عليه وسلم المأثورة، وجوامع كلمه التي ثبتت عنه، فذلك هو الهدي، وذلك هو الأفضل والأكمل، فيقال هنا: يقف بمزدلفة عند المشعر بعد صلاة الصبح ويضرع إلى الله، ويسأل الله من عظيم فضله، ويأخذ بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه؛ من استفتاحه بحمد لله والثناء عليه، وسؤال الله من خيري الدنيا والآخرة، مع اعتقاد عظيم الفقر إلى الله، والاستغناء بالله سبحانه وتعالى، وأنه هو الغني الذي لا تنفد خزائنه، وأن يده سحاء الليل والنهار لا تغيضها نفقة. وكان العلماء رحمهم الله يعظمون الدعاء بالمشعر الحرام، حتى أثر عن بعض السلف أنه قال: وقفت هاهنا أكثر من ثلاثين حجة أسأل الله العظيم أن لا يجعله آخر العهد ويردني إليه، وإني لأستحي من الله أن أسأله، فرجع ومات من سنته.
فالمقصود: أن هذا الموقف وهذا الموطن يعتبر ثاني المواطن تشريفاً وتكريماً بعد موقف عرفة، وكان العلماء يعظمونه؛ لأن الله عز وجل خصه وقال: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ [البقرة:198] ، فإذا وقف الحاج بهذا الموقف هيأ من نفسه أسباب الدعاء الخاشع الخاضع، الذي يكون سبباً لاستجابة دعائه، فيحس أن الله عز وجل أكرمه وتفضل عليه ببلوغ هذا المكان، وأنه ما كان ليبلغه لولا حول الله وقوته وتوفيقه له، ولذلك إذا استشعر ذلك خضع لله وخشع له ودعا من قلبه.
قوله: (ويدعو حتى يسفر) أسفر الصبح إذا بان، والمراد بذلك أنه يقارب طلوع الشمس، ويسفر جداً؛ لأن الرواية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بمزدلفة حتى أسفر جداً) .
ثم يدفع بعد الإسفار، فلما قال: إن الموقف إلى أن يسفر، فمعنى ذلك: أنه يدفع بعد الإسفار، والسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من دعائه ركب ناقته القصواء وأردف معه الفضل بن عباس ، وهو ثاني من أردف في الحج؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أردف معه أسامة من عرفة إلى مزدلفة، ومن مزدلفة إلى منى أردف معه الفضل بن العباس ابن عمه رضي الله عنه وعن أبيه، قال الفضل : (فلما مر في الطريق قال: القط لي سبع حصيات)، فالسنة أن يلتقط الحاج سبع حصيات من مزدلفة قبل أن يبلغ محسراً، وأثر عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (بمثل هذا فارموا، وإياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)، فدل على أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى السنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن لا يزيد في العبادات، وأن لا يتنطع ولا يبالغ فيها؛ لأنه لا خير إلا في اتباعه عليه الصلاة والسلام، والشر كل الشر في الزيادة على هديه ومجاوزته والغلو في الدين.
[فإذا بلغ محسراً أسرع رمية حجر].
قوله: (فإذا بلغ محسراً) أي: وادي محسر، وهو الوادي الذي حسر الله فيه الفيل، فأنزل فيه نقمته وعذابه على من حادّه وأراد هدم بيته، وذلك في القصة التي ذكرها الله في كتابه حيث قال: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل:3-5]، فهذا الوادي إذا بلغه يعتبر موطن عذاب، والسنة: أن مواطن العذاب والسخط -والعياذ بالله- إذا مر بها الإنسان فعليه أن يسرع في مروره منها؛ وذلك لما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام، أنه لما مر بمدائن صالح -وهي المدائن التي أهلك الله فيها ثمود- أرخى على رأسه الثوب ثم ضرب دابته وأسرع، يقول بعض العلماء: كأنه يقول: إني مصدق ولو لم أر. فلما مر عليه الصلاة والسلام بموطن العذاب ضرب دابته وقال: (لا تدخلوها إلا وأنتم باكون أو متباكون)، أي: لا تدخلوا هذه المواطن إلا وأنتم معتذرون مدكرون، يصحبكم الخوف من الله؛ حتى لا يصيبكم ما أصابهم، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث الصحيح: (لا يصيبكم ما أصابهم)، ويعرف إلى الآن في بعض المواطن السخط والعذاب، وأن من دخلها قد يتغير عقله، وقد يصاب بمس، وقد يصاب بشيء من العذاب والعياذ بالله! خاصة إذا نزل فيها ضاحكاً لاهياً غافلاً عمّا أوجد الله فيها من العبرة والعظة، ولذلك قال: (لا يصيبكم ما أصابهم) ، ولا زال يعرف إلى الآن مما يسمى عند العامة: لعنة الفراعنة، وقد تكون من عذاب الله، وليس للفراعنة لعنة، وإنما هي نقمة الله عز وجل التي يصيب بها من غفل عن آياته وعظاته، ولذلك فالمرور بهذه المواطن لا يجوز كما ذكر العلماء إلا وهو مصحوب بالخوف قال تعالى: وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ [إبراهيم:45]، فورد هذا مورد الذم، فكل من دخل أماكن العذاب أو مر بها، فينبغي عليه أن يستصحب الخوف من الله عز وجل، والاستشعار لعظيم نقمة الله عز وجل، وأنه الجبار المنتقم، فأخذه أخذ عزيز مقتدر، فعلى العموم هذا الموطن موطن عذاب لا يجوز النزول فيه ولا يجوز المبيت فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب دابته وأسرع لما مر به، وهو قدر رمية حجر، أي: أنه ليس بعريض.
[وأخذ الحصى وعدده سبعون بين الحمص والبندق]
كان الأولى والأفضل أن يذكر أخذ الحصى قبل ذكر محسر؛ لأن السنة أن يؤخذ الحصى من مزدلفة، وهذا هو الوارد عنه عليه الصلاة والسلام حيث أمر الفضل أن يلتقط له سبع حصيات من مزدلفة، أما ما ذكره المصنف من سبعين حصاة فهذا لا أصل له، والسنة أن يلتقط سبعاً فقط، وهذا هو المحفوظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه السبع هي لجمرة العقبة، وأما بقية الجمرات فالسنة أخذ حصاها من منى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الحصى من منى، ولذلك ما يفعله العامة من أخذ جميع حصيات الرمي أيام التشريق ويوم العيد من مزدلفة لا أصل له، كما نُبِّه على ذلك.
قوله: (بين الحمص والبندق)، أي: أنها ليست بكبيرة، فالحمص والبندق معروفان، ولا يبالغ فيها، فأخذ الحصى الكبير ليس من السنة، بل قال بعض العلماء: إنها إذا كانت كبيرة جداً ورمى بها لم يجزه؛ لأنها ليست من أصول الرمي المعتبر شرعاً، وعلى هذا قالوا: إنه يتقيد فيها بالوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا أخذ الحصى الكبير فإنه لا يأمن أن تنحرف يده فيصيب مسلماً، ويريق بذلك الدم الحرام في المكان الحرام في الشهر الحرام، ولذلك ينبغي أن يتقيد بالوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يزيد على ذلك ولا ينقص منه، فلا يكون الحصى كبيراً جداً ولا يكون صغيراً، بل لا يكون أكبر من الحصى الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: وحدُّه الذي تحمله باليد في الغالب ويمكن الرمي به، يعني: الخذف، بحيث يضعه بين أصبعيه ويخذف به، ولذلك قال: (بمثل حصى الخذف فارموا وإياكم والغلو) فهذا هو القدر الذي ينبغي أن يتقيد به، وينبغي أن يكون حجراً، أما إذا كانت من غير مادة الحجر كالطين الصلب أو كانت من الخشب أو كانت من الإسمنت أو الجص، فإنه لا يجزئ الرمي بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمى بالحصيات ولم يرم بغيرها.
[فإذا وصل إلى منى وهي من وادي محسر إلى جمرة العقبة رماها بسبع حصيات متعاقبات]
رمي جمرة العقبة
وقوله: (وهي من وادي محسر إلى جمرة العقبة) أي: أن حد منى بداية ونهاية من وادي محسر إلى جمرة العقبة، ولذلك أثر عن عمر بن الخطاب : أنه أمر أن من وجدوه وراء جمرة العقبة أن يردوه إلى داخل منى؛حتى لا يكون قد بات خارج منى، وكذلك بالنسبة لوادي محسر فهو الفاصل بين منى ومزدلفة، وأما بالنسبة للجانبين فيكتنف منى جبلان: أحدهما: ثبير، والثاني: الصانع، فما أقبل من الجبلين فإنه من منى، وما أدبر من الجبلين وهما الظهر يعتبر خارجاً عن منى، فمن بات في سفح الجبل من جهة منى فإنه يعتبر بائتاً داخل منى، ومن بات بالظهر فإنه لا يعتبر بائتاً بمنى.
وسميت منى؛ لكثرة ما يمنى فيها من الدماء، أي: ما يراق فيها من الدم؛ لأنها موضع يتقرب فيه إلى الله عز وجل بنحر الهدي والأضاحي في يوم النحر.
قوله: (رماها بسبع حصيات متعاقبات) فلا يفصل.
انقطاع التلبية عند آخر حصاة يرمى بها جمرة العقبة
فقال جمهورهم: انقطعت تلبيته في حجه صلوات الله وسلامه عليه عندما أراد أن يرمي الجمرة، فعند بداية الرمي انقطعت التلبية.
وقال بعض أهل الحديث -وهو رواية عن الإمام أحمد ، وقول إسحاق بن راهويه -: يرمي ويلبي أثناء الرمي، فيقول: الله أكبر ويرمي الحصاة، ثم يقول: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، ثم يرمي. فالمقصود أنه يواصل الرمي والتكبير والتلبية حتى ينتهي من آخر حصاة، وهذا هو الذي دل عليه حديث الفضل لما كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فلم يزل يلبي حتى رمى آخر حصاة من جمرة العقبة) فقوله: (آخر حصاة من جمرة العقبة) يدل على أن انقطاع التلبية كان عند آخر حصاة رمى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة.
وعندها تنقطع التلبية، وبالإجماع على أنه لا تشرع التلبية بعد الانتهاء من رمي جمرة العقبة.
موضع رمي جمرة العقبة
صفة الرمي المجزئ
لم يحفظ في صفة الرمي رفعه عليه الصلاة والسلام ليده، لكن قد يكون المصنف أراد من هذا أن الرفع لليد عند الرمي أبعد من مزاحمة الناس؛ لأنه إذا زاحمه الناس ربما سقطت الحصى من يده، أو ارتدت يده، فهذا هو السبب الذي يجعل بعض العلماء يوصي بأن تكون يده مرفوعة؛ حتى يتيسر له أن يلتقط باليمنى من اليسرى دون أن يسقط الحصى من يده، وحيثما كان فالأمر في هذا واسع، سواءً رفع أولم يرفع، وبعض العلماء يعلل رفع اليد حتى يرى بياض إبطه؛ حتى يستطيع أن يتمكن من الرمي بقوة، ولكن ليس ذلك بشيء؛ لأنه لو كان قريباً من الحوض ورمى بخفة أجزأه.
والعبرة في الرمي أن تقع الحصاة في بطن الحوض، ولو لم تصب الشاخص، فالعبرة بوصولها إلى داخل الحوض، فلو ضربت الحصاة الشاخص وانحرفت فلم تسقط في الحوض لم يجزئ ولم يعتد بتلك الحصاة؛ لأن المراد بالرمي أن تقع في الحوض وهو محل الرمي وموضع الاعتداد.
إن الرمي لا يكون إلا بالحذف، فلو جاء ووضع الحصاة في الحوض لم يجزه؛ لأنه لم يرم حقيقة.
إذاً لابد من الأمرين:
الأول: أن يحصل الرمي بالحذف فلا يجزئ الوضع.
الثاني: أن تنتهي الحصاة وتستقر في الحوض، فلو رمى وخرجت عن الحوض فإنه لا يجزيه.
والعبرة في وقوعها في الحوض بغالب الظن، فإن تيقن ورأى حصاته في الحوض فلا إشكال، وإن غلب على ظنه أجزأه؛ لأن الغالب كالمحقق كما هو معروف في القاعدة الشرعية.
[ويكبر مع كل حصاة]
وهو كما ذكرنا.
عدم إجزاء الرمي بغير الحصى أو بحصى قد رمى بها
قوله: (ولا يجزئ الرمي بغيرها) يعني: بغير الحصى، (ولا بها ثانياً) أي: لا يرمي بالحصى التي رمى بها أولاً مرة ثانية؛ لأنه قد تحقق بها المأمور.
[ولا يقف].
أي: ولا يقف عند جمرة العقبة، وإنما يقف بعد الجمرة الصغرى والوسطى، وأما الكبرى (العقبة) فلا يقف عندها، ولذلك يقول العلماء: لا يشرع الدعاء بعد الرمي إلا إذا كان بعده رمي، توضيح ذلك: أن الجمرة الصغرى إذا رميتها فإن وراءها الوسطى ترمى فتدعو، ولذلك يدعو بعد الجمرة الصغرى، ويدعو بعد الجمرة الوسطى؛ لأن وراءها الكبرى (العقبة)، لكن الكبرى (جمرة العقبة) إذا رماها ليس بعدها شيء، فلا يشرع الدعاء بعد جمرة لا رمي بعدها، وهذا الذي جعل بعض العلماء يقولون: يدعو في كل جمرة بعدها رمي، وبعضهم يختصر ويقول: لا يدعُ عند جمرة العقبة، فيفهم من ذلك أنه يدعو عند غيرها.
[ويقطع التلبية قبلها]
قوله: (ويقطع التلبية قبلها) يعني: قبل رمي جمرة العقبة، والصحيح: ما ذكرناه أنه يستمر في التلبية حتى يرمي آخر حصاة من جمرة العقبة.
بيان وقت الكمال ووقت الإجزاء للرمي
قوله: (ويرمي بعد طلوع الشمس)؛ لأنه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الأكمل والأفضل، خرج عليه الصلاة والسلام من مزدلفة إلى منى، فما وصل جمرة العقبة إلا وقد طلعت الشمس، فرماها عليه الصلاة والسلام وحيا برميه منى.
قوله: (ويجزئ بعد نصف الليل) وهي مسألة خلافية بين العلماء رحمة الله عليهم:
فمن أهل العلم من يرى أنه يجوز الرمي بعد نصف الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للضعفة أن يدفعوا من مزدلفة بعد نصف الليل، فدل على أن وقت الرمي يبتدئ من بعد منتصف الليل.
وقال بعض العلماء: إنه لا يجزئ الرمي بعد طلوع الفجر.
ومنهم من يقول: لا يجزئ الرمي إلا بعد طلوع الشمس، وإنما يرخص للحطمة والضعفة أن يرموا مبكرين، واحتجوا بما جاء في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لحق أصحابه وقال: (لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) وفي رواية: (حتى يطلع الفجر) وهذا القول، أعني: أن يتأخر فلا يرمي قبل طلوع الفجر هو أقوى الأقوال، وهو أحوطها؛ لأن مجرد الإذن بعد منتصف الليل لا يستلزم أن يكون هناك رمي في هذا الوقت؛ لأنه سيأخذ مسافة، خاصة الحطمة والضعفة، إذا قدر مضيهم من مزدلفة إلى منى مع الثقل وكبر السن، ويكون الضعفة وصغار الأطفال معهم، فالغالب أنهم لا يصلون إلى وقت الفجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أذن بعد مغيب القمر، وما بين مغيب القمر وطلوع الفجر في ليلة العيد وقت يتسع إلى أن يكون وصولهم قرب طلوع الفجر كما لا يخفى، خاصة إذا كانوا من الحطمة وضعفة السن فإنهم يتأخرون في مضيهم.
جواز التوكيل في نحر الهدي
النحر يكون للإبل والبقر، والذبح يكون للغنم، وفي البقر موضعين للذبح والنحر.
قوله: (ينحر هديه) ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة، ثم نحر ثلاثاً وستين بدنة بيده الشريفة صلوات الله وسلامه عليه، والأفضل والأكمل أن يلي الإنسان بنفسه ذبح هديه ونحره؛ لما في ذلك من بالغ القربة لله عز وجل، وذلك أفضل؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله، ولا بأس أن يوكل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكل فيما بقي، وهي تتمة المائة بدنة التي أهداها عليه الصلاة والسلام، وإنما نحر ثلاثاً وستين بدنة، حتى قال بعض العلماء: عجبت من نحره لثلاث وستين وعمره ثلاث وستون سنة، لكن لا يعني هذا أن كل بدنة مقابل سنة، فهذا مما لا ينبغي البحث فيه ولا التكلف ولا الخوض فيه؛ لأنه أمر يحتمل أن يكون اتفاقاً، ويحتمل أن يكون قصداً، والله أعلم، فلا يبحث الإنسان في مثل هذه المسائل، ولذلك قال تعالى: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص:86] ، فلا يتكلف الإنسان البحث في مثل هذه الأعداد.
وجوب تعميم الحلق أو التقصير للتحلل من الإحرام
قوله: (ويحلق أو يقصر من جميع شعره) التحلل بالحلق أو التقصير لابد أن يعم جميع الرأس.
وقال بعض العلماء: يجزيه ثلاث شعرات.
وقيل: يجزيه ربع الرأس.
وقيل: يجزيه ثلث الرأس.
والصحيح: أنه لابد من تعميم الرأس كله؛ لقوله تعالى: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ [البقرة:196] فشمل جميع الرأس، ولا يقتصر على بعض الرأس دون بعض؛ لأنه إذا اقتصر على بعض الرأس دون بعض فقد ظلم، ولذلك (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع) ، والقزع: أن يحلق بعض الرأس ويترك بعضه، قال بعض العلماء: القزع أن يحلق نصف الرأس ويترك نصفه، فيكون النهي من أجل الظلم، كأنه إذا حلق نصف الرأس وترك النصف الثاني ظلم النصف الذي لم يحلق في الصيف، وظلم النصف الذي حلق في الشتاء؛ لأنه يعتبر نصف المكشوف في الشتاء مستضراً أكثر من الذي غطاه الشعر.
وقال بعض العلماء: إن القزع ليس حلق نصف الرأس، وإنما الحلق من أطرافه وهي القصة الموجودة الآن، وقد سرت -نسأل الله السلامة والعافية- إلى بعض أبناء المسلمين، وينبغي التنبيه عليها، ويُذكَّر الحلاق وهؤلاء بالله ويخوفون، وهي قضية حلق أطراف الشعر من الجانب الأيمن والأيسر ويبقى الشعر وفراً في منتصف الرأس، فهذه الحلقة أصلها حلقة اليهود، قالوا: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع) وهي هذه الحلقة؛ أن يحلق أطراف الشعر ويترك الوسط، وهي طريقة اليهود، ومن فعلها فإنه متشبه بهم نسأل الله السلامة والعافية! فينبه على من يفعلها ويذكر بالله ويوعظ؛ لأنه لا يجوز التشبه بالكفار، فالمقصود: أنه إذا حلق يعم جميع الرأس، وإذا قصر يعم جميع الرأس، ولا يقتصر على بعض الرأس دون بعض.
قدر أخذ المرأة من شعرها للتحلل
قوله: (وتقصر المرأة من شعرها قدر أنملة) فتجمع جميع شعرها في الأخير ثم تقص منه؛ لكن لا تقص لنفسها ولا يحلق الرجل لنفسه، وهذه من الأخطاء التي يقع فيها جميع النساء، حيث تقوم المرأة بجمع شعرها وتأخذ المقص وتقص لنفسها، فإن المتحلل لا يحلل لنفسه؛ لأنه محظور عليه أن يقص أو يتطيب حتى يخرج من نسكه، ولا يخرج إلا بحلق غيره، ولذلك كان من هديه عليه الصلاة والسلام أن يعطي الحلاق شقه الأيمن ثم الأيسر، فيحلق رأسه عليه الصلاة والسلام، والسنة أنه إذا أراد الإنسان أن يتحلل في الحج والعمرة أن يعطي الحلاق شقه الأيمن فيبدأ به، ثم ينتقل إلى شقه الأيسر، ولا يبتدئ بآخر الرأس أو بأعلى الرأس قبل الشق الأيمن؛ لأن السنة أن يبدأ بالشق الأيمن، ففي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: (أنه أعطى الحلاق شقه الأيمن).
واختلف العلماء: هل العبرة في التيمن بالحالق، أو المحلوق؟
وهذه المسألة تقع على صورتين:
الصورة الأولى: أن يكون الحلاق وراء ظهرك فلا إشكال؛ لأن يمينه يمين لك.
الصورة الثاني: أن يكون الحلاق أمام وجهك، يعني: يستقبلك ويحلق أمامك، ففي الحالة يمينه يسار لك ويسارك يمين له، فحينئذٍ هل العبرة إذا وقف أمام وجهك وصار يحلق وهو مقابل لك بيمينك أو بيمينه؟
قال بعض العلماء: العبرة بيمين المحلوق.
وقال بعضهم: العبرة بيمين الحلاق؛ لأن الفعل من الحلاق فيأخذ بيمينه لا بيمين المحلوق؛ لأن العبرة بفعله.
والصحيح: أن العبرة بيمين المحلوق لا بيمين الحلاق؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الرواية: (أعطى الحلاق شقه الأيمن) فدل على أن العبرة بيمين المحلوق لا بيمين الحالق.
ما يباح للحاج بعد التحلل الأول
قوله: (ثم قد حل له كل شيء إلا النساء) فله أن يتطيب، ويلبس المخيط، ويحلق شعره، ويزيل التفث، قال تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29] ، فإذا فعل ذلك فقد تحلل التحلل الأول، وهذا التحلل يباح فيه كل شيء كما ذكرنا إلا النساء، ولا يباح له جماع النساء إلا بعد أن يطوف طواف الركن وهو طواف الزيارة، أما الدليل على أنه قد تحلل التحلل الأول، فلما ثبت في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل إحرامه، ولإحرامه قبل أن يطوف بالبيت) فقولها: (لإحرامه قبل أن يطوف بالبيت) يدل على جواز الطيب قبل أن يطوف طواف الإفاضة، فلذلك قال العلماء: إن هذا التحلل هو التحلل الأصغر أو التحلل الأول.
حكم ترك الحلق والتقصير وتأخيره أو تقديمه على الرمي والنحر
قوله: (والحلق والتقصير نسك) أي: إذا تركه فعليه دم.
قوله: (ولا يلزم بتأخيره دم) أي: أنه لو أخره عن يوم العيد لا دم عليه. وقال بعض العلماء: إن أخره عن أيام التشريق لزمه دم؛ وذلك لفوات المحل، وعلى هذا فإنه ينبغي التأسي بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، فمن أفضل ما يكون للإنسان في حجه وعمرته أن يفعل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرمي جمرة العقبة، ثم ينحر هديه، ثم يحلق رأسه، ثم بعد ذلك ينزل ويطوف بالبيت طواف الإفاضة متأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن ذلك أرجى لقبول الله عز وجل لحجه.
قوله: (ولا بتقديمه على الرمي والنحر).
أما تقديم الحلق على الرمي والنحر ففيه وجهان للعلماء:
فمن أهل العلم من قال: أما التقديم والتأخير فإنه قد جاء حديث النسائي في الرواية الصحيحة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: (ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم أو أخر مما يَنسى -وفي رواية: مما يُنسى- إلا قال: افعل ولا حرج) فقوله: (مما يُنسى) فهو يدل على أنه فعل لا شعوري، ولذلك جاء في الرواية الصحيحة الأخرى وهي ثابتة وصحيحة قال: (لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر، فقال: انحر ولا حرج؟ فقال: يا رسول الله! لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج) فالمقصود: أنه قال: (لم أشعر) واصطحبت بعلة مناسبة للحكم.
ولذلك قرر بعض المحققين -وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله عليه، ويقول بها جمع من العلماء-: أنه ينبغي الترتيب كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن حصل للإنسان عذر أو نسيان فإنه يعذر؛ لأن الأصل إيقاعها على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته، وأن يفعل هذه الأفعال كما وردت؛ حتى يكون ذلك أبلغ في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، أما لو قدم وأخر وهو معذور فإنه لا يلزمه بذلك التقديم والتأخير دم، ولا يلزمه شيء، وإنما هو معذور بوجود النسيان والخطأ.