شرح زاد المستقنع باب صيد الحرم


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

قال المصنف رحمه الله: [ باب صيد الحرم ].

لما فرغ من بيان حكم الصيد بالنسبة للمحرم شرع في بيان نوع خاص من الصيد، وهو الذي يشمل المحرم والحلال، وهو صيد مكة وكذلك صيد المدينة، وهذان الموضعان هما اللذان حرم الله ورسوله كما ثبتت بذلك النصوص في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: (باب صيد الحرم) أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام المتعلقة بحكم من قتل الصيد داخل مكة أو قتل الصيد داخل المدينة، فإذا كان مراده العموم يصبح حينئذٍ قوله: (الحرم) أي: باب حكم صيد حرم المدينة ومكة، وهذا هو الذي ذكره في الباب أنه اعتنى ببيان حكم صيد مكة والمدينة، أو يكون قوله: (الحرم) حرم مكة، فيكون ذكره لأحكام حرم المدينة من باب التبعية؛ وذلك لأن تحريم المدينة إنما وقع بعد تحريم مكة شرفها الله.

حرمة صيد الحرم

وقوله: [يحرم صيده على المحرم والحلال].

يحرم صيد الحرم على المحرم والحلال بإجماع المسلمين؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين: (إن هذا البلد حرم آمن) ، وقال في المدينة: (إنها حرم آمن) .

وقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس). قال بعض العلماء: قوله: (إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس) أي: أن حرمة مكة إنما كانت من الله تشريعاً ولم تكن شيئاً جبلياً في الناس، كأن يكون شيئاً كان الناس يألفونه ثم نشأ في الناشئة من بعد ذلك وهم على هذا التحريم، إنما هو تحريم من الله.

وقيل: (إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس) أي: أن الله حرمها؛ ولكن الناس استهانوا بهذه الحرمة العظيمة، كأن النبي صلى الله عليه وسلم ينبه على عظيم ما للبيت والحرم من حرمة عند الله عز وجل، وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن الله حرم هذا البلد يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة) ، فهذا نص صريح يدل على أن مكة حرم، وأنه لا يجوز أن يعتدى فيها، وأن تصاب فيها حدود الله عز وجل، ومن ذلك ما نهى الله عز وجل عنه من الصيد.

ففسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحرمة وبين وجهها فقال: (لا ينفّر صيدها، ولا يختلى خلاها، ولا يقطع شوكها، ولا تلتقط لقطتها، إلا من معرّف وفي رواية: إلا لمنشد)، فلما قال: (لا ينفّر صيدها) فانظر إلى تعبيره عليه الصلاة والسلام الذي يفيد أن تنفير الصيد واستثارته حرام، فكيف بقتله؟! وهذا كما يسميه علماء الأصول من باب التنبيه بالأدنى على ما هو أعلى منه، فإذا كان تنفير الصيد وهو تحريشه وتحريكه -كأن يرى حمامة فيهش عليها- حرام عليه، فكيف إذا قتلها؟! فإنه من باب أولى وأحرى يقع في حرمة أعظم.

فالمقصود: أن تحريم مكة وتحريم الصيد فيها خاصة وتحريمها من كل وجه من جهة العموم، حتى نص العلماء رحمة الله عليهم بتفصيلهم لهذه الحرمة حتى بلغ ببعضهم أن قال: إنه لو قتل ولجأ إلى الحرم لا يقتل، وإن كان الصحيح: أن من قتل عمداً ولجأ إلى الحرم أنه يقتل؛ لكن الشاهد: أن العلماء رحمة الله عليهم عظموا هذه الحرمة ونصوا عليها؛ وذلك لثبوت الأخبار المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعظيم حرمات الحرم.

وقوله: [وحكم صيده كصيد المحرم].

وحكم صيد الحرم بالنسبة لك كحكم صيد المحرم، أي: أن الصيد داخل حدود مكة حرام على المكلف سواء كان محرماً أو حلالاً، فكما أن المحرم لا يجوز له قتل الصيد، كذلك من دخل حدود مكة لا يجوز له قتل الصيد، وحدودها من جهة المدينة ثلاثة أميال وهي جهة التنعيم، وأما من جهة الطائف وجهة المشرق فهي سبعة أميال، ومثلها جهة اليمن، ومن جهة الجعرانة تسعة أميال، وأما من جهة جدة فعشرة أميال، هذا بالنسبة لحدود الحرم، وله أصل في حديث الحاكم في ذكر أثر ابن عباس رضي الله عنهما في نزول الحجر وانكسار شعبه -وقيل: إضاءته- فبلغت حدود الحرم، وأقيمت الأعلام عليها، وهي منصوبة معروفة ويعتبرها العلماء رحمة الله عليهم من نقل الكافة عن الكافة، فهذه المعالم والرسوم والأمارات التي بقيت وتوارثتها الأمة جيلاً بعد جيل ورعيلاً بعد رعيل تعتبر باقية ويعتبر وجودها ونقل الكافة عن الكافة دليلاً على ثبوتها، ولذلك نجزم بأن هذا هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذا هو جبل أحد من باب نقل الكافة عن الكافة، وهذا ما يسمونه نقل التواتر الذي لا يقبل التكذيب، وعليه فهذه المعالم هي حدود الحرم، فإذا دخل الإنسان إلى هذا الحد من أي جهة كان فإنه يجب عليه أن يرعى هذه الحرمة، ويطالب بحفظ حدود الله عز وجل واتقاء محارمه، ومما حرم الله: قتل الصيد.

كذلك أيضاً: لا يعضد شجرها، ولا يختلى خلاها، فحشيشها لا يحش ولا يؤخذ منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يحتش حشيشها) ، وفي رواية: (ولا يختلى خلاها) كل ذلك يدل على أنه حرم ينبغي اتقاؤه، وعدم التعرض لما فيه من الصيد والزرع.

حرمة قطع شجر مكة وحشيشها إلا الإذخر

وقوله: [ويحرم قطع شجره].

ويحرم قطع الشجر، أي: بمكة وداخل حدودها، والشجر له حالتان:

الحالة الأولى: أن يكون نابتاً من الله عز وجل بدون أن يكون هناك فعل للآدمي، فهذا لا يجوز لأحد أن يقطعه، ولكن استثنى بعض العلماء وجود الضرورة، فإذا كانت ضرورة متعلقة بالكافة كمرور الناس في الطريق وهذه شجرة شوك ستسقط عليهم وتؤذيهم، قالوا: يجوز قطعها كما قطع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الدوحة بالمطاف.

وقال بعض العلماء: إذا قطعت مع وجود الحاجة والضرورة لزم الجزاء فيها، وهو قضاء ابن عباس رضي الله عنهما، كما سيأتي إن شاء الله بيانه.

وعلى هذا فإن الشجر الذي نبت وأنبته الله عز وجل وليس للآدمي فيه دخل فإنه لا يجوز قطعه، وأما إذا انكسر من نفسه وسقط فهذا شيء آخر، فإذا انكسر الغصن أو سقط، أو أن الشجرة يبست وسقطت من نفسها، أو اقتلعتها الريح ويبست، فحينئذٍ قالوا: يجوز أن يحتطب منها، ويجوز أن ينتفع منها، ولا حرج في ذلك، كالحشيش اليابس؛ لأن هذا ليس بعضد، فهو لم يعضدها، وحينئذٍ يجوز له أن ينتفع ويرتفق بها.

أما إذا كان الشجر قد أنبته الإنسان كأن يزرع في بيته زرعاً ثم يريد جزّه وقصه أو عضده فلا حرج عليه أن يفعل ذلك إذا كان مما أنبته أو يكون اشتراه من رجل زرعه فصار في ملكه، فإن يجوز له حينئذٍ أن يحش، ويجوز له أن يقص، ولا حرج عليه في ذلك.

وقوله: [وحشيشه الأخضرين].

والحشيش ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: إما أن يكون أخضر، كالمراعي النابتة، وذلك حين ينزل مطر أو تصيب السماء فينبت الرعي في مكة فهذا لا يحشّ، لكن لو كان عندك إبل أو بقر أو غنم ورعت فيه فلا حرج، فهناك فرق بين أن ترعاه البهيمة وبين أن تحش بنفسك، ولذلك كان للصحابة رضوان الله عليهم إبلهم ودوابهم حينما قدم عليه الصلاة والسلام مكة ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يكمموا أفواهها، ولم يحرم عليهم أن ترعى هذه الإبل داخل مكة، وإنما جعل التحريم من فعل المكلف، فدل على أنه يجوز أن يرسل إبله أو بقره أو غنمه للرعي، ولا حرج عليه في ذلك، وهذا إذا كان الحشيش أخضر.

أما إذا كان الحشيش يابساً فيجوز لك أن تجزّه، وأن تأخذ الهشيم ونحوه، فإنه ليس بحشيش وإنما هو هشيم تذروه الرياح إن لم تأخذه أنت، وحينئذٍ يجوز للإنسان أن يأخذه.

وقوله: [إلا الإذخر].

لما خطب الناس كما في حديث أبي شريح رضي الله عنه وأرضاه في حديثه الذي سمعته أذناه، وأبصرت عيناه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تكلم به، ووعاه قلبه حينما قام عليه الصلاة والسلام خطيباً في يوم الفتح فذكر حرمة مكة، وفيه قوله عليه الصلاة والسلام: (إن هذا البلد قد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة) ، وفي الرواية الأخرى: (إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ثم رجعت حرمتها، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يقطع شوكها، ولا ينّفر صيدها، ولا يختلى خلاها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف، قال العباس رضي الله عنه وأرضاه: يا رسول الله! إلا الإذخر فإنه لقينهم وبيوتهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر) فدل هذا على أن الإذخر يستثنى، ويجوز أن يجزّ، ولا حرج في ذلك.

وقوله: [يحرم صيده على المحرم والحلال].

يحرم صيد الحرم على المحرم والحلال بإجماع المسلمين؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين: (إن هذا البلد حرم آمن) ، وقال في المدينة: (إنها حرم آمن) .

وقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس). قال بعض العلماء: قوله: (إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس) أي: أن حرمة مكة إنما كانت من الله تشريعاً ولم تكن شيئاً جبلياً في الناس، كأن يكون شيئاً كان الناس يألفونه ثم نشأ في الناشئة من بعد ذلك وهم على هذا التحريم، إنما هو تحريم من الله.

وقيل: (إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس) أي: أن الله حرمها؛ ولكن الناس استهانوا بهذه الحرمة العظيمة، كأن النبي صلى الله عليه وسلم ينبه على عظيم ما للبيت والحرم من حرمة عند الله عز وجل، وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن الله حرم هذا البلد يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة) ، فهذا نص صريح يدل على أن مكة حرم، وأنه لا يجوز أن يعتدى فيها، وأن تصاب فيها حدود الله عز وجل، ومن ذلك ما نهى الله عز وجل عنه من الصيد.

ففسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحرمة وبين وجهها فقال: (لا ينفّر صيدها، ولا يختلى خلاها، ولا يقطع شوكها، ولا تلتقط لقطتها، إلا من معرّف وفي رواية: إلا لمنشد)، فلما قال: (لا ينفّر صيدها) فانظر إلى تعبيره عليه الصلاة والسلام الذي يفيد أن تنفير الصيد واستثارته حرام، فكيف بقتله؟! وهذا كما يسميه علماء الأصول من باب التنبيه بالأدنى على ما هو أعلى منه، فإذا كان تنفير الصيد وهو تحريشه وتحريكه -كأن يرى حمامة فيهش عليها- حرام عليه، فكيف إذا قتلها؟! فإنه من باب أولى وأحرى يقع في حرمة أعظم.

فالمقصود: أن تحريم مكة وتحريم الصيد فيها خاصة وتحريمها من كل وجه من جهة العموم، حتى نص العلماء رحمة الله عليهم بتفصيلهم لهذه الحرمة حتى بلغ ببعضهم أن قال: إنه لو قتل ولجأ إلى الحرم لا يقتل، وإن كان الصحيح: أن من قتل عمداً ولجأ إلى الحرم أنه يقتل؛ لكن الشاهد: أن العلماء رحمة الله عليهم عظموا هذه الحرمة ونصوا عليها؛ وذلك لثبوت الأخبار المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعظيم حرمات الحرم.

وقوله: [وحكم صيده كصيد المحرم].

وحكم صيد الحرم بالنسبة لك كحكم صيد المحرم، أي: أن الصيد داخل حدود مكة حرام على المكلف سواء كان محرماً أو حلالاً، فكما أن المحرم لا يجوز له قتل الصيد، كذلك من دخل حدود مكة لا يجوز له قتل الصيد، وحدودها من جهة المدينة ثلاثة أميال وهي جهة التنعيم، وأما من جهة الطائف وجهة المشرق فهي سبعة أميال، ومثلها جهة اليمن، ومن جهة الجعرانة تسعة أميال، وأما من جهة جدة فعشرة أميال، هذا بالنسبة لحدود الحرم، وله أصل في حديث الحاكم في ذكر أثر ابن عباس رضي الله عنهما في نزول الحجر وانكسار شعبه -وقيل: إضاءته- فبلغت حدود الحرم، وأقيمت الأعلام عليها، وهي منصوبة معروفة ويعتبرها العلماء رحمة الله عليهم من نقل الكافة عن الكافة، فهذه المعالم والرسوم والأمارات التي بقيت وتوارثتها الأمة جيلاً بعد جيل ورعيلاً بعد رعيل تعتبر باقية ويعتبر وجودها ونقل الكافة عن الكافة دليلاً على ثبوتها، ولذلك نجزم بأن هذا هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذا هو جبل أحد من باب نقل الكافة عن الكافة، وهذا ما يسمونه نقل التواتر الذي لا يقبل التكذيب، وعليه فهذه المعالم هي حدود الحرم، فإذا دخل الإنسان إلى هذا الحد من أي جهة كان فإنه يجب عليه أن يرعى هذه الحرمة، ويطالب بحفظ حدود الله عز وجل واتقاء محارمه، ومما حرم الله: قتل الصيد.

كذلك أيضاً: لا يعضد شجرها، ولا يختلى خلاها، فحشيشها لا يحش ولا يؤخذ منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يحتش حشيشها) ، وفي رواية: (ولا يختلى خلاها) كل ذلك يدل على أنه حرم ينبغي اتقاؤه، وعدم التعرض لما فيه من الصيد والزرع.