شرح زاد المستقنع فصل: صلاة الخوف


الحلقة مفرغة

سبب مشروعيتها

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله: [فصل: وصلاة الخوف صحت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصفات كلها جائزة].

صلاة الخوف: هي صلاة القتال، وهذه الصلاة شرعها الله في كتابه، وكذلك شرعت بهدي رسوله عليه الصلاة والسلام، وقال بها جماهير السلف والخلف رحمة الله عليهم، وفعلها النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع، حتى ذكر الإمام ابن العربي رحمه الله أن لها ثماني عشرة صفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي اشتهر في المرويات -كما أشار إليه الإمام أحمد- سبع صفات وردت عن النبي صلى لله عليه وسلم.

والسبب في صلاة الخوف: أنه لما التقى النبي صلى الله عليه وسلم بالمشركين وكان المشركون يومها بعسفان -كما في حديث أبي عياش الزرقي -، وأصل الحديث في الصحيح عن جابر رضي الله عنه- وكان على المشركين يومها خالد بن الوليد، فصلى المسلمون صلاة الظهر، فلم ينتبه المشركون لغفلة المسلمين فقالوا: لقد أصبنا منهم غرة لو أنّا قتلناهم، فقال بعضهم لبعض: انتظروا فإن لهم صلاة هي أحب إليهم من أهليهم وأولادهم. وهذا يدل على ما كان لصلاة العصر من مكانة في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم، فأوحى الله إلى نبيه، وشرعت صلاة الخوف.

صفات صلاة الخوف

صلاة الخوف على صفات، لكن سنذكر منها المشروع:

الصفة الأولى: أن يقسم الإمام الجيش إلى طائفتين، فيكون الجيش صفين: الصف الأول يلي الإمام، والثاني من بعده، ويصلون وهم حاملون للسلاح، فتقام الصلاة وكل واحد معه سلاحه الذي لا يزعجه في صلاته، كالسلاح الذي يدفع به العدو ولا يمنعه من الركوع والسجود، ولا يمنعه من أداء أركان الصلوات:

وقد اختلف العلماء في حكم حملة سلاحه، فقال بعضهم: يجب عليهم أن يأخذوا السلاح لظاهر قوله سبحانه وتعالى: وَخُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:102] ، فأمر سبحانه وتعالى بأخذ الحذر بأخذ السلاح، وقال تعالى: وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102] ، فكونه يأمر بأخذ السلاح يدل على الوجوب؛ لأن الأصل في الأمر أنه للوجوب، وهذا مذهب الظاهرية وطائفة، وهو أقوى القولين، أنهم يأخذون السلاح.

فعند انقسام الجيش إلى صفين تقام الصلاة فيصلي الإمام الركعة الأولى، فإذا ركع الإمام ركع معه الصف الأول وبقي الصف الثاني واقفاً، ثم بعد أن ينتهي من الركوع يرفع معه الصف الأول ثم يسجد السجدتين الأوليين من الركعة الأولى والصف الثاني قائم، وهذا وجه في هذه الصفة.

الوجه الثاني وهو الأقوى: أنه يركع الركعة الأولى ويرفع، فإذا رفع الصف الأول ركع الصف الثاني، وينتظر الإمام بعد الركوع بقدر ما يرفع الصف الثاني، ثم بعد ذلك يهوي للسجود الصف الأول ويبقى الصف الثاني في وجه العدو، فإذا سجد الصف الأول مع الإمام السجدتين قام الإمام بهم، فإذا استتم قائماً نزل الصف الثاني وسجد السجدتين، ثم بعد انتهائه من السجود يقوم فيتقدم الصف الثاني إلى مكان الصف الأول، ويرجع الصف الأول إلى مكان الصف الثاني، فإذا رجع ركع الصف الثاني معه في نفس الركعة الثانية، وبقي الصف الأول الذي كان أولاً وأصبح ثانياً واقفاً في وجه العدو، وهذا من باب العدل، فإذا صلى بهم يعدل بين الطائفتين، فلا يفضل إحداهما على الأخرى، فإذا ركع ورفع ركعت الطائفة التي تليها ثم رفعت، ثم ينزل للسجود وهم وقوف، فإذا سجد السجدتين وجلس للتشهد نزلت الطائفة الثانية وسجدت؛ لأنه في التشهد يكون الصف الأول منتبهاً للعدو، فتسجد الطائفة الثانية ويتشهد بالجميع ويسلم، فهذه الصفة الأولى، وهي التي وردت في حديث عسفان ؛ لأنه في عسفان كان المشركون جهة القبلة، فهذه الصفة في حالة أن يكون العدو في جهة القبلة.

وهذه الصفة الأولى جاءت في حديث أبي عياش الزرقي، وأصلها في الصحيح.

الصفة الثانية: وردت في حديث ابن عمر في الصحيحين، وهي مما اتفق عليه البخاري ومسلم ، والظاهر -كما يقول جمع من العلماء-: أنها إذا كان العدو في غير القبلة، فلو كان العدو في الظهر والقبلة في الأمام فإنه يقسمهم طائفتين، فيأمر طائفة أن تحرس في وجه العدو، ويأخذ طائفة ويصلي بهم ركعة، فإذا انتهى من الركعة وسجد السجدة الثانية وقام للركعة الثانية انصرفت هذه الطائفة ولم تسلم وكأنها في غير صلاة، فتنصرف وتقف في وجه العدو وهي في صلاة، ويطول الإمام في القراءة حتى تدركه الطائفة الثانية، فتأتي هذه الطائفة الثانية وتكبر تكبيرة الإحرام وتصف معه ويصلي بهم الركعة الأولى، فإذا انتهى الإمام من هذه الركعة وسجد السجدتين فإنها الثانية بالنسبة له، فيجلس للتشهد فتقوم هذه الطائفة الثانية وتنصرف إلى العدو مثل ما انصرفت الطائفة الأولى، ثم يتشهد الإمام لوحده ويسلم، فترجع الطائفة الأولى وتصلي الركعة الثانية قضاءً، وتكون صلاتهم فرادى، فكلٌ يصلي لوحده ركعة فيتم صلاته، ثم يتشهدون ويسلمون، ثم يرجعون إلى وجه العدو، فتأتي الطائفة الثانية وتصلي أيضاً ركعة كما صلت هذه وينصرفون إلى وجه العدو، فهذه هي الصفة الثانية التي اشتمل عليها حديث عبد الله بن عمر .

الصفة الثالثة: أن يقسمهم الإمام قسمين، فيصلي بالطائفة الأولى ركعتين تامتين ويسلم ويسلمون معه، ثم يقيم مرة ثانية ويصلي بالطائفة الثانية ركعتين ويسلم بهم، وهذه واضحة لا إشكال فيها، وغاية ما فيها أن الإمام يصلي الصلاة الثانية نافلة ومن وراءه مفترضون.

الصفة الرابعة: هي مثل الصفة الثالثة، إلا أن الإمام لا يسلم، فيصلي ويتشهد التشهد الأول ويترك الطائفة الأولى تتم التشهد وتسلم وتنصرف وهو في التشهد، ثم للعلماء وجهان في هذه الصفة:

قال بعض العلماء: يثبت في التشهد حتى يحس بالطائفة الثانية، فإذا أحس بالطائفة الثانية يقوم ويكبر، ولا يكبر إلا بعد حضورها. فهذا وجه.

الوجه الثاني: تبقى معه الطائفة الأولى، فإذا قال: (الله أكبر) قائماً للثالثة سلموا وقام هو وقرأ الفاتحة وأطال في ذكر الله عز وجل حتى تأتي الطائفة الثانية، فهذا بالنسبة إذا جمع وصارت له أربع ركعات.

الصفة الخامسة: هي صفة حديث ابن عباس ، وكانت في غزوة ذي قرد، وحديث ابن عباس مشكل عند العلماء، لكن أجاب عنه جمع من الأئمة، فحديث ابن عباس مثل حديث ابن عمر ، وهو أنه يصلى بالطائفة الأولى ركعة فتنصرف إلى العدو وتجزيها عن الركعة الثانية، ويصلي بالطائفة الثانية ركعة وتجزيها عن صلاتها كلها، ولكن هذا الوجه ضعيف على الصحيح.

الصفة الأخيرة: أن يصلي بسهم ركعة ثم يتمون بأنفسهم، ثم يصلي الركعة الثانية بالطائفة الثانية وتتم لنفسها فيتشهد بها ويسلم.

فهذه ست صفات في صلاة الخوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الست الصفات قد تصل إلى اثنتي عشرة صفة، فنفس هذه الست تجعلها في صلاة السفر والحضر، ففي السفر يصلي ركعة، وفي الحضر يصلي ركعتين فتصير اثنتي عشرة، صفة، ثم إذا أدخلت صفات المغرب فيها قد تصل إلى ثماني عشرة صورة، فهذا بالنسبة لصلاة الخوف، وهذا أشهر ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة أدائها.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله: [فصل: وصلاة الخوف صحت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصفات كلها جائزة].

صلاة الخوف: هي صلاة القتال، وهذه الصلاة شرعها الله في كتابه، وكذلك شرعت بهدي رسوله عليه الصلاة والسلام، وقال بها جماهير السلف والخلف رحمة الله عليهم، وفعلها النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع، حتى ذكر الإمام ابن العربي رحمه الله أن لها ثماني عشرة صفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي اشتهر في المرويات -كما أشار إليه الإمام أحمد- سبع صفات وردت عن النبي صلى لله عليه وسلم.

والسبب في صلاة الخوف: أنه لما التقى النبي صلى الله عليه وسلم بالمشركين وكان المشركون يومها بعسفان -كما في حديث أبي عياش الزرقي -، وأصل الحديث في الصحيح عن جابر رضي الله عنه- وكان على المشركين يومها خالد بن الوليد، فصلى المسلمون صلاة الظهر، فلم ينتبه المشركون لغفلة المسلمين فقالوا: لقد أصبنا منهم غرة لو أنّا قتلناهم، فقال بعضهم لبعض: انتظروا فإن لهم صلاة هي أحب إليهم من أهليهم وأولادهم. وهذا يدل على ما كان لصلاة العصر من مكانة في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم، فأوحى الله إلى نبيه، وشرعت صلاة الخوف.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3698 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3616 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3438 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3370 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3336 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3317 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3267 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3223 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3183 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3163 استماع