ثمار الأخوة


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعـد:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وأسأل الله العظيم أن يجزي أخانا أبا محمد كل خير ومن تسبب في هذا الاجتماع الطيب، وأسأله تعالى أن يوفقنا جميعاً فيه لما يحبه ويرضاه من صالح القول والعمل.

إخواني في الله: الأخوة في الله وشيجة بين المؤمنين وصلة بين عباد الله المتقين، جمعت القلوب على طاعة الله، وألفت بين الأفئدة في سبيل مرضاة الله، وهي أوثق عرى الإيمان، فما آمن عبد بالله عز وجل إلا أحب أحباب الله واتجه قلبه لمحبة إخوانه في الله، ولذلك بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن هذه الأخوة الصادقة لا تكون إلا لمن ذاق حلاوة الإيمان، كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يلقى في النار، وأن يحب الرجل لا يحبه إلا لله) فقلوب المؤمنين أحبت رب العالمين وأحبت أحباب رب العالمين وأولياءه المتقين، وسارت إلى الله وإلى سبيل محبة الله بموالاة أولياء الله وأحباب الله .

ومن هذا الأساس والمنطلق برئت قلوب المؤمنين من حمل الضغائن على إخوانهم، وبرئت قلوب المؤمنين من إيجاد الشحناء بينهم، ولو تأملت في كتاب الله عز وجل لوجدت نصوص الكتاب والسنة تدعوك دعوة صادقة لتكون مع أخيك ولأخيك، لكي نكون عباد الله إخواناً؛ ولكي تنتشر بيننا خصال الإيمان الصادقة التي انتشرت بين أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما وجدت أخوة أصدق من أخوة أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعضهم لبعض؛ ولذلك أثنى الله عز وجل عليهم وبين في الكتاب فضلهم، وجعلهم قدوة لنا، ووصف الأخيار التابعين لهم بإحسان أنهم على هذا المنهج.

وقال جل شأنه: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:10].

سبحان الله! أخوة الإيمان تبقى حتى بعد الوفاة، تبقى بينك وبين المؤمنين فتذكر أموات المسلمين بالخير فتترحم عليهم، وتسأل لمحسنهم أن يزداد إحساناً ولمسيئهم أن يشمله الله جل وعلا عفواً من لدنه وغفراناً، ومن تدبر القرآن وجده يهدي إلى هذه المحبة ويأمر بها ويحث عليها، ولذلك بين الله تبارك وتعالى فضل أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينما وصفهم بقوله مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29] فمن سمات الإخوان في الله والأحباب في الله أنهم رحماء وبينهم الرحمة التي هي نابعة من الإيمان، فالمؤمن حليم رحيم.

أحق من ترحمه أخوك في الدين

وأحق من ترحمه أخوك في الدين الذي قد تبلغ أخوته في الدين علواً وشرفاً فوق أخوة الحسب والنسب، ووالله ما دخل الإيمان إلى قلب عبد إلا أعز إخوانه في الله، وإن بعض الصالحين -يعلم الله عز وجل - أنه يحب أحبابه في الله وإخوانه في الله أكثر من محبته لإخوانه في الحسب والنسب؛ لأن الأخوة في الله عز وجل نابعة من عقيدة ونابعة من إيمان ونابعة من شعور، ولذلك توعد الله عز وجل من أراد قطع وشائج الأخوة في الله بأشد الوعيد، ولذلك جاء هدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبين فضل هذه الأخوة حينما حذر من قطعها، فلذلك نهى الإسلام عن القطيعة وحرم أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث ليال، فمع أخوة الإسلام لا تستديم الخلافات أكثر من ثلاث ليل وإن كان ولا بد فثلاثة أيام، أما الزائد عن ذلك فهو إثم وسيئة وخروج عن منهج الله، وخلاف للأخوة في الله، وهذا يدل دلالة واضحة على عظيم شأن الأخوة في الله عند الله، ثم بين فضلها حينما حرم على العباد أن يسعى بعضهم بين بعض بالقطيعة فبين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله تبارك وتعالى أعد لكل من قطع بين إخوانه المحبة بالنميمة أن الله أعد له فتنة القبر وعذاب القبر -والعياذ بالله- قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القبرين المعذبين: (أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنز من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) ما هي النميمة؟ هي نقل الأحاديث بين العباد لإفساد المودة بينهم، فلذلك توعد الله صاحب هذا الخلق الذي اعتدى على أخوة الإسلام توعده بهذا الوعيد الشديد، وبين الله تبارك وتعالى العكس أن من سعى في العكس وهو جمع القلوب على طاعة الله، وتأليف الإخوان على منهج الله ومحبة الله أن الله يحبه، قال الله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114].

و(عظيماً) من الله ليست بالهينة (من يفعل ذلك) أي: من يفعل الصلح بين الناس ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً [النساء:114] ولذلك كم هي خطوات عزيزة عند الله عز وجل إذا خطاها المؤمن للجمع بين المفترقين والتأليف بين عباد الله المؤمنين.

المسلم يجمع بين المفترقين من أجل طاعة الله ومرضاة الله ولا يعرف القطيعة، والمسلم أحرص ما يكون على تأليف قلوب إخوانه وأحبابه على طاعة الله ومرضاة الله.

فهذه من الأمور التي تعين على وشيجة الأخوة في الإسلام، إنها الوشيجة التي تنفع العبد بإذن الله يوم لا ينفع مال ولا بنون، فقد يبتلى الإنسان بسيئة من السيئات تثقل بها كفة السيئات -والعياذ بالله- فينجيه الله عز وجل بشفاعة أخ له في الله.

ولذلك قال تعالى في كتابه العزيز لما ذكر عن أصحاب النار: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء:100-101].

قال بعض العلماء: لأنهم يرون المؤمنين يشفع بعضهم لبعض.

كونوا عباد الله إخواناً

والله إن لذة العيش إذا صفيت القلوب من الضغائن، ولذة الحياة إذا خلت القلوب من الأحقاد والحسد والبغضاء، ففيمَ التحاسد؟! وفيمَ التهاجر؟ وفيمَ التقاطع وفيما التدابر، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوصي أهل الإيمان وينادينا فيقول: (لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً

لا تحاسدوا؛ لأن الحسد طريق الفساد، ولا تباغضوا؛ لأن أهل الإيمان لا يعرفون البغضاء، ولا تدابروا؛ فالمؤمن لا يولي دبره إلى أخيه كناية عن القطيعة، ولكن كونوا عباد الله إخواناً، أمر من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نكون عباداً لله في الله إخواناً، وكل واحد منا يتوجه إليه هذا الحديث، كن مع عباد الله أخاً لهم في الله ولله.

وأحق من ترحمه أخوك في الدين الذي قد تبلغ أخوته في الدين علواً وشرفاً فوق أخوة الحسب والنسب، ووالله ما دخل الإيمان إلى قلب عبد إلا أعز إخوانه في الله، وإن بعض الصالحين -يعلم الله عز وجل - أنه يحب أحبابه في الله وإخوانه في الله أكثر من محبته لإخوانه في الحسب والنسب؛ لأن الأخوة في الله عز وجل نابعة من عقيدة ونابعة من إيمان ونابعة من شعور، ولذلك توعد الله عز وجل من أراد قطع وشائج الأخوة في الله بأشد الوعيد، ولذلك جاء هدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبين فضل هذه الأخوة حينما حذر من قطعها، فلذلك نهى الإسلام عن القطيعة وحرم أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث ليال، فمع أخوة الإسلام لا تستديم الخلافات أكثر من ثلاث ليل وإن كان ولا بد فثلاثة أيام، أما الزائد عن ذلك فهو إثم وسيئة وخروج عن منهج الله، وخلاف للأخوة في الله، وهذا يدل دلالة واضحة على عظيم شأن الأخوة في الله عند الله، ثم بين فضلها حينما حرم على العباد أن يسعى بعضهم بين بعض بالقطيعة فبين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله تبارك وتعالى أعد لكل من قطع بين إخوانه المحبة بالنميمة أن الله أعد له فتنة القبر وعذاب القبر -والعياذ بالله- قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القبرين المعذبين: (أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنز من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) ما هي النميمة؟ هي نقل الأحاديث بين العباد لإفساد المودة بينهم، فلذلك توعد الله صاحب هذا الخلق الذي اعتدى على أخوة الإسلام توعده بهذا الوعيد الشديد، وبين الله تبارك وتعالى العكس أن من سعى في العكس وهو جمع القلوب على طاعة الله، وتأليف الإخوان على منهج الله ومحبة الله أن الله يحبه، قال الله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114].

و(عظيماً) من الله ليست بالهينة (من يفعل ذلك) أي: من يفعل الصلح بين الناس ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً [النساء:114] ولذلك كم هي خطوات عزيزة عند الله عز وجل إذا خطاها المؤمن للجمع بين المفترقين والتأليف بين عباد الله المؤمنين.

المسلم يجمع بين المفترقين من أجل طاعة الله ومرضاة الله ولا يعرف القطيعة، والمسلم أحرص ما يكون على تأليف قلوب إخوانه وأحبابه على طاعة الله ومرضاة الله.

فهذه من الأمور التي تعين على وشيجة الأخوة في الإسلام، إنها الوشيجة التي تنفع العبد بإذن الله يوم لا ينفع مال ولا بنون، فقد يبتلى الإنسان بسيئة من السيئات تثقل بها كفة السيئات -والعياذ بالله- فينجيه الله عز وجل بشفاعة أخ له في الله.

ولذلك قال تعالى في كتابه العزيز لما ذكر عن أصحاب النار: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء:100-101].

قال بعض العلماء: لأنهم يرون المؤمنين يشفع بعضهم لبعض.

والله إن لذة العيش إذا صفيت القلوب من الضغائن، ولذة الحياة إذا خلت القلوب من الأحقاد والحسد والبغضاء، ففيمَ التحاسد؟! وفيمَ التهاجر؟ وفيمَ التقاطع وفيما التدابر، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوصي أهل الإيمان وينادينا فيقول: (لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً

لا تحاسدوا؛ لأن الحسد طريق الفساد، ولا تباغضوا؛ لأن أهل الإيمان لا يعرفون البغضاء، ولا تدابروا؛ فالمؤمن لا يولي دبره إلى أخيه كناية عن القطيعة، ولكن كونوا عباد الله إخواناً، أمر من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نكون عباداً لله في الله إخواناً، وكل واحد منا يتوجه إليه هذا الحديث، كن مع عباد الله أخاً لهم في الله ولله.

كل منا مأمور أن يكون أخاً لأخيه صادقاً في أخوته ومحبته، وهذه الأخوة لها ثمرات طيبة ومن أعظمها وأجلها وأكرمها عند الله، حينما تكمل نقص أخيك وحينما تكون عوناً لأخيك على طاعة الله ومرضاة الله، كل منا والله ولو كان عالماً يحتاج إلى من يناصره، يحتاج إلى من يؤازره، يحتاج إلى من يكون قريباً منه يذكره بالله إذا نسي، ويعينه على ذكر الله إذا غفل، كلنا نحتاج إلى ذلك.

ووالله إني لمن أحوج الناس أن أجد أخاً صادقاً يذكرني بالله إذا نسيت، ويعينني على ذكر الله إذا غفلت، فمن منا الكامل؟! فلذلك من أجل نعم الله بعد الهداية وجود الإخوان الصادقين، كلنا سيعاشر أخاه ولكن والله شتان بين عبدين، عبدٌ إذا ذكر في المجالس قيل: نعم فلان والله. نِعم الأخ ونِعم الأخوة، ونِعم الحبيب ونِعم المحبة، سيقال عنك ذلك إن كنت على كمال الأخوة في الله وإلا -والعياذ بالله- العكس بالعكس.

فكن رحمك الله ذلك الأخ الموفق ولن تكون كذلك إلا إذا ابتدأت من أسس أهمها: براءة الصدر للمسلمين.

صدرك لا تدخل فيه غلاً على مسلم وإياك أن تضع رأسك وتسلم روحك لربك وفي قلبك غل على مسلم، ووالله إن بعض الصالحين يأرق في ليلته ويتأخر نومه وهو يجاهد قلبه على إنسان أخطأ عليه حتى ينام وقلبه مرتاح، ويقول: إن خطأه لعله يقصد كذا وكذا، ولعله يقصد كذا وكذا، والله لو أن كل واحد حاول من الليلة أن يبيت سليم الصدر للمسلمين لوجد والله حلاوة الإيمان.

هذه الضغينة التي تدخلها في قلبك أو لا سمح الله يدخلها الإنسان في قلبه قد تطفئ نور الإيمان، وقد تحدث قسوة في القلب، وقد تحدث صدوداً وإعراضاً عن الرب، فقد يستهين الإنسان باحتقار مسلم، وقد يستهين الإنسان بازدراء مسلم وهو عند الله عظيم.

قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره) فلا تستخف بالمسلمين، وإياك وسوء الظن بعباد الله المؤمنين، كن ذلك الرجل الذي إذا ذكرت مسلماً كأنك تذكر نفسك لنفسك؛ فإن الله تعالى يقول: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ [النور:12] الله أكبر! نزل المؤمن منـزلة النفس، فإذا أردت أن تعرف كمال إيمانك فانظر إذا ذكر أخوك بالغيب، إذا نزلت نفسك منزلته فاعلم أن الله أعطاك إيماناً، وإذا كان العكس فكان كلما ذكر للإنسان أخوه لم يأبه أن يذكر بسوء أو غير ذلك فليبكِ على نفسه، فإن الله وصف المؤمنين بهذه الصفة والله أعلم بخلقه من خلقه بأنفسهم، فهذه قضية مهمة وهي: سلامة الصدور وبراءتها من الإحن، وإياك ثم إياك أن تمسي وتصبح إلا وأنت نقي السريرة محسن الظن بالعباد، وإذا قيل لك فلان أو فلان فقل: أنا المخطئ، أنا الذي مني التقصير، أنا الذي أحتاج إلى من يسد ثغرتي ولمن يجبر كسري، وكذلك يكمل نقص العيب فيّ.

المؤمن دائماً يتهم نفسه؛ فالمؤمن في نفسه له شغل عن ذنوب العباد.

ولكن هناك أحوال خاصة قد يجب فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة للمسلمين، فهذه مستثناة، كأن يكون إنسان على بعد عن طاعة ومنهج الله، يفسد بين عباد الله، أو إنسان حاد عن صراط الله المستقيم عقيدة أو سلوكاً أو خلقاً، فهذا له حكمه المستثنى، وإنما قضيتنا الأصلية وكلامنا في الأصل، وهو ما ينبغي أن يكون للمسلم الذي لم تثبت عليه شائبة تشوبه في دينه وخلقه.

ثم هناك قضايا ينبغي أن نلم بها وهي:

إبليس وتفريق قلوب المؤمنين

إن هناك أعداء أعظمهم عدونا إبليس الذي أقسم على تفريق هذه القلوب، هذا العدو دائماً يأتيك بالضغائن وبالمنغصات التي تنغص الأخوة، ولذلك يقع الخطأ من بعض إخوانك - مثلاً - يمر عليك ولا يسلم لكونه مشغول البال، فيأتيك الشيطان فيقول: فلان لا يحبك، فلان يكرهك، فلان يخالفك، فلان كذا وكذا، وهكذا وحتى تتربى أو يتربى في ذلك القلب الحقد على أخيه المسلم؛ فلذلك يحذر المسلم إذا جاءته وساوس الشيطان أو ألمت به خطرات ذلك العدو اللدود برئ إلى الله وضرع إلى الله فقال: أعوذ بالله، قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء:53] قل لعبادي، أي: قل لأهل الإيمان، قل للذين يرجون لقائي، انظر أسلوب التشويق، ووالله بمجرد ما تقرأ بداية الآية: (قل لعبادي) كأنها تشعر بأن الذي يتخلق بهذا الخلق عبد صادق لله.

قل يا محمد لعبادي الذين يرجون لقائي ويرجون محبتي، قل لعبادي وينسبهم إليه جل شأنه مثلما قال: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ [الفرقان:63].

يقول بعض العلماء: من أجل الأوصاف وصف العبد بالعبودية لله، ولذلك لما أراد الله أن يشرف نبيه قال: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1] فرفعه وشرف قدره، كذلك أهل الإيمان شرفهم فقال: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء:53] إذا جاءك إنسان بضغينة أو جاءك فقال لك: فلان يقول كذا وكذا، فهناك حسن وهناك أحسن ما قال: يقولوا حسنى، بل: يقولوا التي هي أحسن أفعل التفضيل، يدل على أنك لا تبادل الإساءة بالإساءة؛ لأنه إذا أساء الغير فمن حقك أن ترد الإساءة بالإساءة، ولكن الأحسن أن ترد الإساءة بالإحسان: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] يقول تعالى مبيناً فضل عباده المتقين: فَبَشِّرْ عِبَادِ [الزمر:17] من هم يا رب ؟: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ [الزمر:18].

العفو عمن ظلمك

إذا وقفت في موقف بينك وبين أخيك فاعلم أنك بين الجنة والنار، واعلم والله أنه إذا أساء إليك أخوك أنك أولاً وقبل كل شيء ممتحن من الله، نحن بحاجة إلى من يغذي قلوبنا عند حصول الفتن، فقد تحصل بعض الخلافات فلا يوجد أحد كامل، فرب يوم من الأيام يزل أخوك بكلمة أو تخرج من فمه زلة، أو يذكر أمراً من أمور الجاهلية؛ فما العمل؟ جاء الإسلام بالعلاج، جاء بالعلاج حينما ذكرك بأنه ينبغي عليك أن تعامل الله عز وجل وأن ترجو الله والدار الآخرة. وكيف ترجو الله والدار الآخرة؟

ترجو الله والدار الآخرة حينما تقول لأخيك: أنا عاف عنك لوجه الله.

هذه الكلمة لها ثقل عند الله. كأنك تقول: أنا لا أعفو إلا من أجل أنني إذا لقيت الله أجد عنده حسنة هذا العفو، لوجه الله أي: من أجل وجه الله عز وجل.

ولذلك ثبت في الأثر وقد حكاه بعض أهل التفسير في قوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ آل عمران:134] ورد في الأثر أن الله تبارك وتعالى يقول: (من كان أجره على الله فليقم - في عرصات يوم القيامة- فتقول الملائكة: ومن هذا الذي أجره على الله؟ يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فلا يقوم إلا من عفا عن ذنب).

وهذا من أسمى ما يكون المنهج؛ لأن منهج التشريع كماله أن يضع المشرع فرضاً واحتمالاً بأن تقع خلافات، فالشريعة حببت الأخوة وذكرت ثمارها في الدنيا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي في طاعة الله، وذكرت ثمارها في الآخرة من الشفاعة، وجاءت بالفرض المحتمل وهو فرض الخلافات، فعالجت المختلفين، وأيضاً عالجت من خارج المختلفين، عالجت المختلفين حينما أمرتهم أن يقولوا التي هي أحسن، وعالجت من خارج المختلفين: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] كأنهم ما خلقوا إلا من أجل الأخوة: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10] عالجت من الخارج وعالجت من الداخل ثم كذلك حببت فيما عند الله عز وجل من الأجر، والفضل والثناء وحسن الذكر.

ووالله لن يتسع صدرك لأذية مؤمن يؤذيك فترجو رحمة الله ويتسع صدرك وتقول: أنا عاف لوجه الله إلا رفع الله قدرك، ففي الصحيح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً) لا تظن أنك إذا عفوت ذليل، لا، صحيح أن الذلة للمؤمن مستحبة: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] أقوام ليل وصوام نهار لا. أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [المائدة:54].

هذا أول شيء، كيف أذلة على المؤمنين؟ بمعنى أنه إذا أساء إليه الغير لا يقابل الإساءة، بل يذل له ؛ لأنه يأتيه الشيطان ويقول له كيف تترك؟ أنت ضعيف .. أنت جبان .. أنت تخاف، يقول: نعم ضعيف جبان أمام لا إله إلا الله، أريد أن أنتقم لكن بيني وبينه كلمة " لا إله إلا الله " لا أستطيع أن أضرب مسلماً، وهذا يدل على كمال الإيمان، يدل على أن الإيمان قد توغل إلى أعماق ذلك الفؤاد وذلك القلب.

ثبوت الأخوة باتساع الصدور

إذاً: لا بد لهذه الأخوة أن تثبت ولكنها تحتاج إلى رجال صادقين، تحتاج منا أن تتسع صدورنا إذا حصل أي خلاف أو شقاق، فلا نعين أهل الخلاف والشقاق على الخلاف والشقاق، وإنما قول بالحسنى وابتغاء لمرضاة الله جل وعلا، وإحسان لا إساءة، وجمع لا تفريق، وتأليف لا شتات، فهي وصية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ومن رحمة الله أن الغالب في أهل الإيمان مهما وقع بينهم من الخلافات، ومهما وقع بينهم من الشقاق؛ فإن صدورهم رحبة، أهل الإيمان -غالباً- مهما يقع بينهم فإن صدورهم رحبة.

وأذكر ذات مرة أن شابين كانا دعاة في بلدهما، وكان بينهما من العداوة والفرقة شيء كثير، وحصل ما حصل وكنت لا أعرفهما، فجاء شخص وأخبرني وشاء الله أنهما اجتمعا في المدينة في مناسبة من المناسبات فدعوتهما -وهذه أقصها لكي أبين أن القلوب لا زال فيها خير- وكان بينهم من القطيعة والتهم وبينهم من الشقاق الشيء الكثير، فشاء الله أني انفردت بأحدهما وذكرته بالله عز وجل، وبينت له ما للعفو وللصفح من خير، وما للإسلام من مقصد في جمع القلوب إلى آخره، ورهبته بالله، كيف يكون هذا من هذه القلوب البريئة؟! يقسمون المسلمين وكل ذلك لمصالح شخصية، وكل ذلك لأشياء لا تمت إلى الإسلام بصلة، كل يتهم الآخر، وكل منهما ينابذ الآخر، كلمت الأول وكلمت الثاني ثم جمعتهما مع بعضهما، فشاء الله أنني رغبتهما بالصلح قبل أن يصطلحا وبينت لهما الخير والفضل في الذي يبدأ قبل الآخر، ووالله بمجرد أن انتهيت من الحديث وكل منهما يهجم على الآخر يريد أن يكون هو البادئ بالسلام، يريد أن يكون هو الذي يعفو ويبكي ويقول له: سامحني! وكل منهم يحس أن التقصير منه، وببداية الأمر كل منهما يحس أنه هو صاحب الكمال، لكن إذا قرعت قلوب أهل الإيمان بقوارع التنـزيل عرفت قدر نفسها؛ ولذلك لا يعرف إنسان قدر نفسه بشيء مثل خشية الله، خشية الله إذا دخلت إلى القلب جعلت صاحبها في الحضيض وجعلت تتهمه بكل تقصير.

فلذلك -سبحان الله عجبت!!- فما تمالكت نفسي في موقف عجيب! كان بينهما من القطيعة والتهم الشيء الكثير وكل منهما يحاول أن يسبق الشخص الآخر وجمع الله قلوبهما، ونسأل الله أن يجمعها إلى يوم الدين، ويجمع قلوبنا أيضاً معهم على طاعته ومرضاته، المقصود أن هذا يدل على أن القلوب فيها خير.

من شواهد عهد النبوة في الأخوة

ومن شواهد عهد النبوة لما جاء أهل النفاق فأورثوا الشحناء والبغضاء بين الأوس والخزرج وقال الأوسي: يا للأوس! وقال الخزرجي: يا للخزرج! فثاروا إلى السلاح حينما تذاكروا يوم بعاث، هذه الضغينة التي كانت بينهم حركها ذلك اليهودي قاتله الله وعامله بما يستحق، وهو شاس بن قيس اليهودي لما حركها وبلغت تلك الصيحة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يجر رداءه لكي يتدارك أخوة الإسلام، اشتغل بثوبه يجر رداءه من أجل أن يدرك هذه الأمة الطاهرة ، فجاءهم وهم يريدون أن يقتتلوا، يا للأوس! وياللخزرج! كل منهم ينادي أخاه للفتنة والضغينة، فشاء الله عز وجل أنه نادى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالناس فاجتمعوا، فرقى المنبر وتلا آيات من الكتاب عليه الصلاة والسلام في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ [آل عمران:100-101].

سبحان الله! أساليب ربانية تحرك هذه القلوب وتدل على أن بيننا صفاء ومودة عظيمة.

صفاء ومودة بماذا؟ بعقيدة الإيمان التي هي أقدس شيء وجد على وجه الأرض: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ [آل عمران:101] استفهام إنكاري وأسلوب رباني رفيع في معالجة الداء: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّه وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ِوَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:101] ثم بين لهم أهمية الأخوة، ثم أوجد لهم الأمل: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ [آل عمران:101] كأنه يقول لهم: ارجعوا واعتصموا بالله واتركوا هذا الخلاف: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:101] ثم يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً [آل عمران:102-103] .

يقول بعض العلماء: إن ذكر الاعتصام بعد الإسلام والوصية بالإسلام يدل على أن من آكد الفرائض بعد التوحيد والإيمان تحقيق الأخوة في الله، هذه من آكد الفرائض بعد الإيمان، ولذلك قال الله: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] هذه العقيدة والأساس والأصل: وَاعْتَصِمُوا [آل عمران: 103] هذه ثمار العقيدة وفروع العقيدة ولازم العقيدة.

ما دمنا أننا أهل إيمان ماذا نفعل: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا [آل عمران:103].

يقول الوالد رحمة الله عليه في تفسيرها: يمتن بجمع القلوب قبل النجاة من النار قال الله: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا [آل عمران: 103] ولذلك السياق له تأثير، يعني: ذكر الشيء قبل الشيء يدل على أهميته؛ لأن العناية بالبداية تدل على فضل الشيء المبتدأ به .

فالمقصود: قيل إنه أراد أن يبين خطر الفرقة، وهذه الآيات ما إن تلاها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أقوام قد غلت قلوبهم من الأحقاد والذكريات الأليمة من ذلك الخبيث الذي أشعل نار الفتنة، ما إن تلاها وإذا بتلك العيون تدمع من خشية الله، قاموا يتباكون ويعانق بعضهم بعضاً من شدة أثر القرآن في قلوبهم، ما استطاع أحد منهم فرموا السلاح وأقبلوا يتعانقون ويبكون من شدة أثر القرآن في قلوبهم فرضي الله عنهم وأرضاهم، نعم والله القوم! نعم والله العبد الذي ما إن تبلغه الآية من كتاب الله، أو تبلغه الوصية من وصايا الله إلا وجدته أسبق الناس إلى فعلها والعمل بها! جعلنا الله وإياكم ذلك الرجل.