تفسير سورة ق (5)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

وها نحن مع سورة (ق) المكية، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات، والله نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:23-30].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين المؤمنات! ما زالت الآيات الكريمة تقرر عقيدة البعث والجزاء يوم القيامة؛ لأن هذا الركن من أركان العقيدة، من فقده كمن فقد الركن الأول، كالذي لا يؤمن بالله ولا بلقائه، والذين يؤمنون بالدار الآخرة وما يتم فيها من جزاء على العمل في الدنيا هؤلاء يستطيعون أن يستقيموا طول حياتهم، يؤدون الواجبات ويبتعدون عن المنهيات، وفاقد هذا المعتقد لا خير فيه، ويكفي أن السورة هذه كلها في هذه العقيدة.

قال تعالى: وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ [ق:23] من القائل؟ هذا الذي يكون مع الإنسان حين يخرج من قبره حيث يكون معه سائق وشهيد، فبين يدي الله يقول قرينه: هذا ما لدي، أي: ما كتبته وجمعته من أعماله حاضر بين يدي، هذا الذي يكتب الأعمال ويدونها يقدمها يوم القيامة أمام الله ويقول: هذا ما لدي حاضر بين يدي عتيد، وبذلك يحاسب ويجزى إما بالجنة وإما بالعذاب الأليم.

قال تعالى: وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ [ق:23]، فيقول الرب تبارك وتعالى: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ [ق:24] والأمر للسائق والشهيد، أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ [ق:24] اغمراه في جهنم، وماذا نقول في جهنم؟

دائماً نقول: انظر إلى الشمس فقط فكلها جحيم، ما فيها برد، أكبر من الأرض بمليون ونصف مليون مرة، هذا كوكب فقط، فكيف بعالم الشقاء عالم جهنم؟ إننا مقبلون على عظائم، اللهم تب علينا وثبتنا.

أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [ق:24-26]، هذه ست خصال من شر الخصال:

أولاً: كفار، كثير الكفر كبيره، ما يؤمن لا بالله ولا بلقائه، لا بوعد الله ولا وعيده، لا بالرسول ولا بكتابه، كفَّار ما يصدق والعياذ بالله تعالى.

ثانياً: عنيد، معاند، ما يقبل الحق أبداً، تقول كذا فيقول كذا، ما يستسلم ولا ينقاد بحال والعياذ بالله تعالى، متصلب شديد يعاند، تخبره بكذا فما يصدق.

ثالثاً: مناع للخير، ما يعطي الخير ولا يعرفه لأحد أبداً، يمنعه منعاً كاملاً، لا من قريب ولا من بعيد، مناع للخير، ما يصدر عنه الخير ولا يفعله، هذه طبيعته، هذه غريزته؛ لأن قلبه ميت ونفسه مظلمة بكفره بالله عز وجل.

رابعاً: معتد ظالم يظلم الناس في أموالهم، في أعراضهم، في كل ما لديهم لشدة ظلمه، طبعه الظلم، معتد ظالم يعتدي على القريب والبعيد، على القوي والضعيف، ما عنده أخلاق ولا آداب؛ لأن نفسه ميتة، ما له روح أبداً لكفره والعياذ بالله تعالى.

خامساً: مريب، كله شك، ما يعرف الصدق أبداً ولا يؤمن بشيء، يعيش على الريب والشك والعياذ بالله تعالى.

والخصلة السادسة: الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [ق:26] عبد الأوثان والأصنام مع الله، وجعلها آلهة تعبد مع الله، ست خصال من شر الخصال، نبرأ إلى الله أن نتصف بواحدة منها، نعوذ بالله أن نتصف بواحدة منها، ما هذه الخصال الست؟ تأملوها:

أولاها: أنه كفَّار، كثير الكفر كبيره.

الثانية: عنيد، العنيد هو المعاند، لكنه كثير العناد، ما يقبل الحق مهما كان، مهما تعرض عليه من شيء فإنه يرده ويعاندك، ولا يصدقك ولا يقبل منك كلامك.

الثالثة: مناع للخير، ما يخرج الخير أبداً، ولا يناله أحد سواه، لا درهم ولا دينار ولا تمر أبداً، مناع كثير المنع للخير والعياذ بالله تعالى.

الرابعة: معتد ظالم، يعتدي على القريب والبعيد، على الغني والفقير، طبعه الاعتداء والعياذ بالله تعالى.

الخامسة: الشك، مريب بمعنى: شاك، ما عنده يقين أبداً في شيء.

والسادسة: جعله مع الله إلهاً آخر، فماذا يقول الرب تبارك وتعالى فيه؟

فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ [ق:26] يا ملكان! ألقياه في العذاب الشديد ألا وهو عذاب جهنم، شديد والله! لا أشد منه، فاللهم أجرنا من نار جهنم، اللهم أجرنا من نار جهنم، تلفح وجوههم، تحول أدمغتهم إلى ماء والعياذ بالله تعالى، سرابيلهم من قطران، تغشى وجوههم جهنم والعياذ بالله تعالى، فاللهم أجرنا من نار جهنم.

هكذا يقول تعالى: فَأَلْقِيَاهُ [ق:26]، يأمر الملكين الشاهد والقرين بقوله تعالى: ألقياه في عذاب جهنم.

ثم قال تعالى: قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ [ق:27] هذه خصومة بينه وبين القرين من الشياطين، يقول: أنت الذي سببت لي هذا وأعنتني عليه وأعددتني للكفر والفسق والفجور، فيقول قرينه: كلا، ما أنا الذي فعلت بك هذا، هكذا تقع خصومة بينهما، والله يسمعها.

قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ [ق:27] لأنه قال: يا رب! هذا أطغاني، هذا الذي أفسدني، هذا الذي رماني في الباطل، دفع بي إلى الشر والفساد، فيتبرأ منه الشيطان ويقول: كلا أبداً، ما أنا أطغيتك ولا ألزمتك بفعل معصية أبداً.

هكذا يقول تعالى: قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ [ق:27] هذا قول القرين من الشياطين، يقول لله تعالى: ما أطغيته على هذا، لأن هذا العبد ادعى أن هذا الشيطان هو الذي أطغاه وأفسده وأكفره وفسقه، فتبرأ منه الشيطان أيضاً حتى لا يتحملها، فتقع خصومة بينهما.

قال تعالى لهما: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ [ق:28] لما اختصما وتنازعا وهذا طعن في هذا قال تعالى: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ [ق:28] ما عندي خصومة.

قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ [ق:28] قد قدمت إليكم كتبي وبعثت رسلي، وبينا الجنة وما فيها من نعيم، والنار وما فيها من عذاب أليم، وبينا الوعد والوعيد، كل هذا مفصل مبين جئناكم به فرفضتموه وما آمنتم به ولا أقبلتم عليه، واستمررتم على الكفر والفساد والظلم والشر، إذاً: هذا جزاؤكم، لا تختصموا عندنا، لقد قدمت إليكم بالوعيد، والوعيد مقابله الوعد، الوعد لأولياء الله والوعيد لأعداء الله، والسياق في الوعيد.

ثم قال تعالى: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ق:29] هذه كلمة الرب تبارك وتعالى.

مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ [ق:29] أبداً، الذي قلته لا بد أن ينفذ كما قلته، والذي حكمت به لا بد أن ينجز هذا الحكم ولا يتأخر أبداً، يشير إلى قوله عز وجل: لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة:13] هذا حكم الله.

وقد قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فما يبدل حكم الله أبداً، ما يدخل فاسق ومجرم الجنة ولا يدخل مؤمن تقي النار، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].

قال تعالى: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ [ق:29] هذا أولاً، إذا قلت، إذا حكمت، إذا وعدت فلا بد أن ينفذ ما قلته، لأني الحكيم العليم وعلى كل شيء قدير.

وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ق:29] إنسهم وجنهم، كافرهم ومؤمنهم، حاشا لله تعالى أن يظلم عبداً، والله! لا يظلم عبداً من عباده أبداً، وحاشاه أن يدخل مؤمناً صالحاً النار، ويدخل كافراً فاجراً الجنة، أبداً لن يكون هذا، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46]، وهنا يقول تعالى: وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ق:29].

ومعنى هذا معشر المستمعين والمستمعات: أن من آمن واستقام فلم يفسق ولم يفجر، لم يكفر ولم يشرك فمصيره، نهاية أمره الجنة دار السلام حسب وعد الرحمن، وأن من أشرك أو كفر، فسق أو فجر فخبثت نفسه فأصيبت بالظلم والعفن؛ فهذا أيضاً مصيره جهنم، والله عز وجل لا يظلم أحداً من عباده، وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ق:29].

ثم قال تعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ [ق:30]، اذكر يا رسولنا لقومك يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ [ق:30]؟ يقول الرب تبارك وتعالى لجهنم: هَلِ امْتَلأْتِ [ق:30]؟ بعدما يقذف فيها ويرمي فيها بلايين البشر من الإنس والجن لا يعرف عددهم إلا الله، فحينذاك يسألها: هل اكتفيتِ؟ هل امتلأتِ؟ فتقول هي: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30]؟ ما زلت أرغب في أن تزيد لي.

والجنة أيضاً يزيد الله تعالى فيها ويخلق خلقاً ما خلقوا بعد ليملئوا الجنة، والنار كذلك، أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد حتى يضع رب العرش فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط بعزتك وكرمك )، أي: يكفي يكفي! وهذا في صحيح البخاري وغيره، لما يسألها وتقول: هل من مزيد؟ إذاً: ماذا يزيدها؟ كل الإنس والجن من الكفار والفجار في جهنم، ما بقي أحد، إذاً: يضع الجبار قدمه عليها فيدخل بعضها في بعض وتقول: قط قط، أي: يكفي يكفي.

هكذا يقول تعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30]، ومعنى هذا: أن الفسقة، الفجرة، الكفرة، أصحاب الأرواح الخبيثة والنفوس المنتنة العفنة بالشرك والكفر وأوضار الذنوب وكبائرها هم أهل النار، ولا ينجو إلا من كان في نفسه طهر وصفاء، وهذا هو معنى قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] ومن دساها خسر، والخسران ما هو؟ يوم يفقد الإنسان في النار أباً وأماً وأخاً وعماً وعبداً كان يعرفه، ولا يلقى إلا وحده في أتون جهنم، فأي خسران أعظم من هذا؟ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15]، قل يا رسولنا وبلغ عنا: إن الخاسرين ما هم الذين خسروا وظيفة ولا ديناراً ولا درهماً ولا ولداً ولا امرأة، ليس هذا بخسران، الخسران خسران الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، يوضع أحدهم في تابوت من حديد ما يأكل ولا يشرب ولا يرى شيئاً ملايين السنين وهو في ذلك الصندوق ولا يموت، هكذا شاء الرحمن، هكذا شاء خالقنا، ما خلق هذه العوالم للعبث، ما خلق النار ولا الجنة للهو والباطل، ما خلقنا نحن للهو والعبث أبداً، أوجد هذه العوالم كلها وأوجد الإنس والجن فيها والملائكة، فالملائكة ما عصوه ولا خرجوا عن طاعته إذ طبعهم على ذكره وتسبيحه، أما العالم الثاني من الإنس والجن فهم ممتحنون في سطح هذه الأرض، فمن استجاب لله فآمن به واستقام على شرعه زكت نفسه وطابت وطهرت وأصبح أهلاً للجنة، والله! ما إن تخرج روحه حتى تدخل الجنة، ومن أعرض وتنكر -والعياذ بالله تعالى- وقسا قلبه وأنتنت وتعفنت نفسه بأوضار الذنوب والآثام فهو -والعياذ بالله تعالى- من الخاسرين.

وهكذا نسأل الله تعالى أن يتوب علينا وأن يغفر لنا ويرحمنا ويدخلنا الجنة مع الأبرار.

هداية الآيات

والآن مع هداية الآيات.

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

[ هداية الآيات:

من هداية الآيات:

أولاً: تقرير عقيدة البعث والجزاء ].

من هداية هذه الآيات التي تدارسناها: تقرير عقيدة البعث والجزاء، لا بد منها، بل السور المكية كلها تقرر هذه العقيدة، لأنها أعظم عقيدة، فالذي ما يؤمن بلقاء الله ولا بالحساب والجزاء على الكسب في الدنيا شر الخلق، ما يستقيم أبداً، ومن امتلأ قلبه بنور الإيمان وأصبح كأنه يرى الله عز وجل، وكأنه واقف بين يدي الله ويسأله فهذا يستقيم، يجوع فلا يأكل حراماً، يعرى فلا يكتسي بحرام، كل ما يصيبه يتحمله من أجل لقاء ربه والوقوف بين يديه، وفاقد هذه العقيدة ميت، وهو شر الخلق.

[ ثانياً: التحذير من الصفات الست التي جاءت في الآية، وهي: الكفر والعناد ومنع الخير والاعتداء والشك والشرك ].

التحذير من تلك الصفات الست، وهي من شر الصفات والعياذ بالله تعالى، حتى لا يتصف مؤمن ولا مؤمنة بها، بل ولا بصفة منها، ما هذه الصفات الست؟

أولاً: الكفر والعياذ بالله، فلا كفر، فنحن آمنا، ما أخبرنا الله بشيء إلا آمنا به، ما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء إلا آمنا به أدركناه أو لم ندركه، فهمناه أو لم نفهمه، نحن مستعدون لتصديق الله ورسوله، بعيدون عن الكفر وأهله.

ثانياً: العناد، العناد تكرهونه فيما بينكم في أمور دنياكم، فكيف في أمور الدين والعياذ بالله تعالى؟ فنبرأ إلى الله من أن نكون من أهل العناد ومن المعاندين، يجب أن نعرف الحق وأن نأخذ به، وأن نعرف الباطل وأن نتجنبه، لا نصر على أن هذا ينبغي أو لا ينبغي معاندين، فالحكم لله عز وجل ثم لرسوله، ما حكم الله به وحكم به رسوله قبلناه وسلمنا له.

ثالثاً: منع الخير، نبرأ إلى الله أن نكون مناعين للخير، ما نمنع الخير أبداً ونحن قادرون على إعطائه وبذله لمن يحتاج إليه.

رابعاً: الاعتداء وهو الظلم، لا على قريب ولا بعيد، ما نعتدي حتى على الحيوانات أبداً، لا نظلم مخلوقاً من المخلوقات.

خامساً: الريب والشك والعياذ بالله، نبرأ إلى الله منه، قلوبنا يقينية صافية طاهرة، ما فيها ريب أبداً.

وأخيراً: ألا نشرك بالله ولو بكلمة واحدة، فلا نستطيع أن نقول: يا رسول الله! المدد، يا رسول الله! أغثنا، يا رسول الله! نحن في بيتك أو في دارك فأعطنا، فمن تخاطب؟ بدل أن تخاطب الرحمن رب العالمين السميع العليم تخاطب ميتاً وتقول: يا كذا ويا كذا؟!

فلا نجعل مع الله إلهاً آخر، ما عندنا أبداً من نحبه كما نحب الله، ولا من نخافه كما نخاف الله، حبنا لله وخوفنا من الله، ما نعرف أبداً كائناً في الكائنات يعطينا أو يمنعنا أو يضرنا أو ينفعنا إلا بإذن الله وبقدرة الله، فلا إله إلا الله حتى نموت على ذلك.

[ ثالثاً: بيان خصومة أهل النار من إنسان وشيطان ]، فالإنسان يقول: أنت أغويتني وأنت غررت بي ورميتني في الزنا والباطل، فيقول الشيطان: كلا، ربنا ما أطغيته أبداً، وتقع خصومة بينهما، فيقول الله تعالى: لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم كتابي ورسولي بالبيان.

[ رابعاً: نفي الظلم عن الله تبارك وتعالى، وهو كذلك، فلا يظلم الله أحداً من خلقه ].

من هداية هذه الآيات: نفي الظلم عن الله، والله! لا يظلم ربنا أحداً، ولم يظلم؟ إنما يظلم الفقير والمحتاج، أما الغني الغنى المطلق فكيف يظلم؟ الذي يقول للشيء: كن فيكون هل يظلم؟ لقد نفى الله تعالى الظلم عن نفسه: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46]، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ [الزخرف:76] حاشا لله تعالى أن يظلم، والله ما من عبد صالح إلا ويدخله الجنة، وما من عبد فاسق فاجر كافر إلا ويدخله النار بالعدل والحق والحكم السليم، حاشا لله تعالى أن يظلم.

[ خامساً: إثبات صفة القدم للرب تعالى كما هي ].

هذه لطيفة علمية، معاشر المستمعين والمستمعين! يقول الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، ليس كمثل الله شيء، والله! لا يوجد في الملكوت الأعلى ولا الأسفل مثل الله، لا من الملائكة ولا من الجن ولا من الإنس فضلاً عن الحيوان، ليس كمثله شيء، فمن هنا إذا وصف تعالى نفسه بيده فلا تقل: لا، ما هي بيد الله، نؤولها! بل هي يد الله، لكن مستحيل أن يخطر ببالي أن تكون كيد المخلوقات.

فالله تعالى يضع قدمه على النار فتضطرب ويدخل بعضها في بعض حتى تقول: قط قط، فهذه القدم إياك أن يخطر ببالك أنها تشبه أقدام المخلوقات، مستحيل، فآمن بذلك ولا تؤول ولا تحرف، وأنت موقن أن لله قدماً ليست كأقدام المخلوقات أبداً؛ إذ هو خالقها، فكيف يكون ما له مثلها؟ فيد الله وقدمه وسمع الله وبصره، كل ذلك لا يخطر ببالك أن تشبهه بالمخلوقات وهو خالقها، آمن فقط وقل: آمنت بالله وبلقائه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.