تفسير سورة الأحقاف (3)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فها نحن مع سورة الأحقاف سابعة آل حم، ومع هذه الآيات، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ * وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ * إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:10-14].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ [الأحقاف:10] تذكرون أن كفار مكة ومشركي مكة مكذبون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، مكذبون بأن القرآن كلام الله، مكذبون بأن البعث والدار الآخرة حق.

هذا هو كفرهم، يضاف إلى ذلك شركهم، وأنهم يعبدون اللات والعزى ومناة، فاسمع ما يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم.

قُلْ [الأحقاف:10] يا رسولنا لهؤلاء الكافرين المكذبين المشركين: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الأحقاف:10]، أخبروني إن كان هذا القرآن من عند الله، وَكَفَرْتُمْ بِهِ [الأحقاف:10] فما هو جزاؤكم؟ هل تتحملون الجزاء وتطيقونه؟

أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الأحقاف:10] هذا الذي أقوله، وحيه أوحاه إلي لأبلغكم إياه، وَكَفَرْتُمْ بِهِ [الأحقاف:10] ولم تؤمنوا ولم تصدقوا، كيف يكون جزاؤكم؟ كيف يكون مصيركم؟

معنى قوله تعالى: (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم)

ثم قال تعالى: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ [الأحقاف:10]، لنا أن نقول: هذا الشاهد هو موسى، والمشهود بمثله هو التوراة، فالذي أنزل التوراة على موسى وأرسله لِمَ ينكر عليه أن ينزل القرآن على محمد ويرسله؟ أي داع لهذا؟

والآية تحمل أيضاً وجهاً آخر صحيحاً، وهو: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأحقاف:10] أي: عبد الله بن سلام الذي كان من علماء يهود المدينة من كبارهم، وأسلم بين يدي رسول الله، وفاز بالبشرى بالجنة، عبد الله بن سلام يشهد بأن الله أنزل التوراة وفي التوراة -والله- وصف محمد صلى الله عليه وسلم ونعوته، فآمن عبد الله بن سلام وكفرتم أنتم، فكيف يكون جزاؤكم؟ إنكم -والله- لظالمون.

معنى قوله تعالى: (إن الله لا يهدي القوم الظالمين)

والله يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأحقاف:10] الظالم لا يهدى، لا يقبل الهداية، فمن هو الظالم، وما هو الظلم؟

نكرر القول للمستمعين والمستمعات: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، فبدل أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر تقول: لا، لا أؤمن بهذا، هذا وضع الشيء في غير موضعه.

فالله يرسل رسوله وينبئه وينزل عليه وحيه، ويعلمه كيف يدعو عباد الله إلى عبادة الله، فترفضون ذلك وتكفرون به، والله! إنه لهو الظلم، ومن استمر على الكفر والشرك والفسوق والفجور عناداً ومكابرة يحرم الهداية، لا يقبلها ولا يهتدي: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأحقاف:10]، فإن كان المرء عادلاً طيباً صالحاً ليس شديد الكفر ولا بمعاند؛ فبمجرد أن يدعى إلى الإسلام يدخل في الإسلام، فإن كان معانداً مكابراً ظالماً فهذا الذي يرفض وما يقبل الإسلام؛ لأن الإسلام يمنعه من شركه وفسقه وفجوره، ويقومه ويجعله مستقيماً كما يستقيم الناس، وهم ما يريدون الاستقامة، فكذبوا بالقرآن وبمن نزل عليه.

والآن لم أمة الإسلام معرضة عن كتاب الله لا تطبق شرع الله الذي فيه؟ لماذا؟ لأن أكثرهم فاسقون، ما يريدون أن يستقيموا استقامة حق فيجتنبوا ما حرم الله وينهضوا بما أوجب الله، فلهذا يتنصلون وما يريدون أن يطبق القرآن عليهم وبينهم، وإلا لطالبوا بهذا في كل بلد وطبقوه، فما يهتدون لأنهم ظالمون، هذه سنة ماضية، فالذي توغل في الفسق وفي الفجور وفي الظلم وفي الشرك وفي الكفر ما يقبل الهداية، ما يهتدي، ما يستجيب للداعي، سنة الله عز وجل.

واسمعوا قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ [الأحقاف:10] إذاً: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأحقاف:10] فما يهتدون.

وليس معنى هذا أن الله أغلق باب الهداية، فبابها مفتوح، اقرع باب الله ليل نهار، اطلب الهداية فستهتدي، ولكن المتكبر والفاسق الفاجر المصر على الفساد لا يدعو الله ولا يرغب في الهداية ولا يطلبها، فلهذا لا يهتدي.

ثم قال تعالى: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ [الأحقاف:10]، لنا أن نقول: هذا الشاهد هو موسى، والمشهود بمثله هو التوراة، فالذي أنزل التوراة على موسى وأرسله لِمَ ينكر عليه أن ينزل القرآن على محمد ويرسله؟ أي داع لهذا؟

والآية تحمل أيضاً وجهاً آخر صحيحاً، وهو: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأحقاف:10] أي: عبد الله بن سلام الذي كان من علماء يهود المدينة من كبارهم، وأسلم بين يدي رسول الله، وفاز بالبشرى بالجنة، عبد الله بن سلام يشهد بأن الله أنزل التوراة وفي التوراة -والله- وصف محمد صلى الله عليه وسلم ونعوته، فآمن عبد الله بن سلام وكفرتم أنتم، فكيف يكون جزاؤكم؟ إنكم -والله- لظالمون.

والله يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأحقاف:10] الظالم لا يهدى، لا يقبل الهداية، فمن هو الظالم، وما هو الظلم؟

نكرر القول للمستمعين والمستمعات: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، فبدل أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر تقول: لا، لا أؤمن بهذا، هذا وضع الشيء في غير موضعه.

فالله يرسل رسوله وينبئه وينزل عليه وحيه، ويعلمه كيف يدعو عباد الله إلى عبادة الله، فترفضون ذلك وتكفرون به، والله! إنه لهو الظلم، ومن استمر على الكفر والشرك والفسوق والفجور عناداً ومكابرة يحرم الهداية، لا يقبلها ولا يهتدي: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأحقاف:10]، فإن كان المرء عادلاً طيباً صالحاً ليس شديد الكفر ولا بمعاند؛ فبمجرد أن يدعى إلى الإسلام يدخل في الإسلام، فإن كان معانداً مكابراً ظالماً فهذا الذي يرفض وما يقبل الإسلام؛ لأن الإسلام يمنعه من شركه وفسقه وفجوره، ويقومه ويجعله مستقيماً كما يستقيم الناس، وهم ما يريدون الاستقامة، فكذبوا بالقرآن وبمن نزل عليه.

والآن لم أمة الإسلام معرضة عن كتاب الله لا تطبق شرع الله الذي فيه؟ لماذا؟ لأن أكثرهم فاسقون، ما يريدون أن يستقيموا استقامة حق فيجتنبوا ما حرم الله وينهضوا بما أوجب الله، فلهذا يتنصلون وما يريدون أن يطبق القرآن عليهم وبينهم، وإلا لطالبوا بهذا في كل بلد وطبقوه، فما يهتدون لأنهم ظالمون، هذه سنة ماضية، فالذي توغل في الفسق وفي الفجور وفي الظلم وفي الشرك وفي الكفر ما يقبل الهداية، ما يهتدي، ما يستجيب للداعي، سنة الله عز وجل.

واسمعوا قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ [الأحقاف:10] إذاً: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأحقاف:10] فما يهتدون.

وليس معنى هذا أن الله أغلق باب الهداية، فبابها مفتوح، اقرع باب الله ليل نهار، اطلب الهداية فستهتدي، ولكن المتكبر والفاسق الفاجر المصر على الفساد لا يدعو الله ولا يرغب في الهداية ولا يطلبها، فلهذا لا يهتدي.

ثم قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ [الأحقاف:11] كان في مكة الطغاة الجبابرة، ويوجد فقراء ضعفاء كـبلال وسمية وزنيرة وصهيب ومن إلى ذلك ممن آمنوا، فيقول أولئك الطغاة الجبابرة الأغنياء: لو كان هذا الذي جاء به محمد -وهو الدين الإسلامي والقرآن- خيراً ما سبقونا إليه، لكنا نحن أول من يؤمن ويدخل فيه! وهذه نظرية باطلة وفاسدة، وقولة الجهال والفساق والمعاندين فقط.

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا [الأحقاف:11] يقولون للرسول هذا، ولـأبي بكر وللمؤمنين، لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ [الأحقاف:11] هؤلاء الفقراء والمساكين، نحن أولى بهذا منهم، ولكنا لا نؤمن بأنه كلام الله ولا بأن محمداً رسول الله، فصلى الله عليه وسلم.

هكذا يقول تعالى عنهم ويخبر ونحن نسمع: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ [الأحقاف:11] حين لا يهتدون بالقرآن النازل من السماء على رسول الله يقولون: هذا من أكاذيب قديمة موجودة في أوراق وفي كذا توارثها الناس، ما هو بوحي ولا أنزله الله ولا هو كلام الله، هذا إفك، كذب قديم يتناقله الناس فقط ما هو كلام الله، والله! إنهم يقولون كذلك، لماذا؟ لأنهم لا يريدون أن يدخلوا في الإسلام فيتخلوا عن الشرك والكفر والظلم والشر والفساد، وهم أغنياء طغاة متجبرون، هكذا يقول تعالى عنهم وهو الحق.

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ [الأحقاف:11] لكن لو اهتدوا وآمنوا فمحال أن يقولوا هذه الكلمة؛ إذ كيف يكون كلام الله تعالى كذباً؟ من يكذب هذا الكلام؟ كيف يستطيع كذبه؟ وهل تناقله جيل بعد جيل؟ كيف ذلك وهو وحي الله الجديد نزل في هذه الأيام على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؟

ثم يقول تعالى: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً [الأحقاف:12] ومن قبل القرآن الكريم كتاب موسى التوراة، إمام للناس يمشون وراءه يقودهم إلى سعادة الدارين، ورحمة يغمرهم برحمته، فلا ظلم واعتداء ولا فسق ولا فجور، وهذا قبل القرآن، فإذا كنتم تؤمنون بأن التوراة نزلت فلم تكفرون بالقرآن؟ اسألوا اليهود، هذا القرآن جاء بعد التوراة فكيف ينكر؟ كيف يكذب به؟ مسبوق بكتاب أعظم كتاب، وفي ذلك الكتاب نعوت وصفات لهذا الكتاب ومن نزل عليه.

وَمِنْ قَبْلِهِ [الأحقاف:12] أي: ومن قبل القرآن كِتَابُ مُوسَى [الأحقاف:12] الذي هو التوراة إِمَامًا وَرَحْمَةً [الأحقاف:12]، الكتاب إمام يقود الناس إلى الجنة، يمشون وراءه ويقودهم إلى السعادة في الدنيا والآخرة، فهو إمامهم، ورحمة تغمرهم.

ولو طبق القرآن في قرية فهل سيبقى ظالم، فاسق، فاجر، حاسد، مبغض، متكبر؟ والله! لن يبقى، لو يطبق كتاب الله -وهو رحمة الله- في أي مكان فسيسود أهل ذلك المكان الطهر والصفاء والإخاء والمودة والحب والولاء، لكن الذي يشاهد من الفسق والظلم والاعتداء نتيجة الكفر، والإلحاد، والفسق والفجور.‏

معنى قوله تعالى: (وهذا كتاب مصدق لساناً عربياً لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين)

ثم قال تعالى: وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا [الأحقاف:12]، وبعد التوراة الإنجيل، وبعد الإنجيل هذا القرآن الكريم، وهذا كتاب عظيم جليل مصدق لما سبق من الكتب وما فيها من الدعوة إلى الله وعبادة الله والاستقامة على دين الله، والوعد والوعيد، حال كونه لساناً عربياً، أي: بلسان العرب؛ لأن العرب فيهم المشركون والملحدون والزنادقة والفساق والفجار.

وهنا لطيفة: لماذا قال: (لساناً)؟

الجواب: حتى يسلخ منه الصفات الأخرى التي عند العرب من الشرك والباطل والشر والفساد.

قال تعالى: لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأحقاف:12] القرآن ينذر أو لا؟ ومن نزل عليه ينذر أو لا؟ ومنزل القرآن وباعث الرسول صلى الله عليه وسلم ينذر أو لا؟ وكل مؤمن داع إلى الله ينذر، لِيُنْذِرَ [الأحقاف:12] من؟ الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأحقاف:12] هذا القرآن نزل على رسول الله لينذر الذين ظلموا.

حقيقة الظلم وأنواعه

والظلم هنا أولاً: الشرك، وظلم النفس بصب الآثام والذنوب عليها، وظلم الآخرين بالكذب عليهم، بسبهم، بأخذ أموالهم، بالاعتداء على أعراضهم، بسفك دمائهم، بالتكبر عليهم، بحسدهم، هذه مظاهر الظلم الثلاثة ما ننساها أبداً: ظلم الإنسان لربه، بأن يعبد غيره، فهو تعالى خلقك يا عبد الله لتعبده، ورزقك وخلق الكون كله من أجلك، ثم تعبد حجراً أو صنماً أو شهوة أو رجلاً أو امرأة؟ أي ظلم أفظع من هذا الظلم؟

فالظلم: وضع الشيء في غير موضعه، فالعبادة من يستحقها؟ والله! لا يستحقها إلا الله، لماذا؟ لأنه هو خالق الإنسان ورازقه ومحييه ومميته، وأعد له الجنة أو النار، هذا الذي يستحق العبادة، فكيف يعبد غيره؟

ولهذا قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]؛ لأن الظلم بيننا هو سلب حقوق الآخرين، فلو تسلب مني هذه الغترة لظلمتني، أليس كذلك؟ لو تأخذ نعلي لظلمتني، إذاً: والذي يأخذ عبادة الله كاملة ويعطيها لصنم أو حجر أو إنسان أي ظلم أفظع من هذا الظلم؟

ثم ظلم الإنسان لنفسه، وهل الإنسان يظلم نفسه؟

الجواب: إي والله إنه ليظلمها، وذلك بصب الذنوب والآثام عليها حتى تتدسى وتخبث وتنتن وتصبح -والعياذ بالله- من أهل جهنم بعدما كانت طيبة طاهرة نقية كأرواح الملائكة، فالذنوب والآثام تصب عليها وتراق عليها بالأطنان كما نشاهد فتصبح منتنة عفنة لا تقبل الهدى ولا تستجيب لداع الهدى ولا تعبد الله عز وجل، وتعيش على الفسق والفجور، فلا يحل لأحدنا أن يظلم نفسه أبداً.

ثالثاً: ظلمك لغيرك من الناس، فلا يحل ظلم أحد كافراً كان أو مؤمناً، ولا قريباً ولا بعيداً، ولا عزيزاً ولا ذليلاً أبداً، فالظلم حرام.

فالذي يسلب مال أخيه أما ظلمه؟ والذي يسفك دمه أما ظلمه؟ الذي ينتهك عرضه فيطأ زوجته أو بنته أما ظلمه؟ الذي يسب المؤمن ويشتمه أما ظلمه؟ الذي يخونه ويغشه في بيع أو عمل ويخدعه أما ظلمه؟ والله! لقد ظلمه.

إذاً: الظلم حرام، حرم الله الظلم على نفسه فضلاً عن غيره، فلا يحل الظلم أبداً، وأعظمه ظلم الشرك والعياذ بالله تعالى، أي: سلب حق الله وإعطاؤه لحجر أو صنم.

حقيقة الإحسان وأثره في العبادات

هكذا يقول تعالى وقوله الحق: وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ [الأحقاف:12] أيها المحسنون، أيتها المحسنات! بشراكم، القرآن يبشركم برضا الله والبعد من عذابه، والدخول في رحمته، والحمد لله، ولكن من هم المحسنون؟

المحسنون: جمع محسن، والمحسنات: جمع محسنة، لكن القرآن ما يذكر النساء، يبقيهن بعيداً هكذا حتى لا يختلطن بالرجال، وإلا فالمقصود الرجال والنساء.

فالمحسن: ضد المسيء، وهو المحسن لعبادة الله يؤديها على الوجه الذي تنتج له الطاقة وتولد له الحسنات، وذلك أولاً بأن تحسن عبادة ربك، من الوضوء، بل من الاستنجاء، العبادة كما هي، والإحسان فيها هو الذي يجعلها أداة لتزكية النفس وتطهيرها؛ إذ النفوس البشرية وهي بين صدورنا -والله- لا تزكو ولا تطيب إلا بالعبادات، فمن هنا يجب أن تكون العبادات مؤداة على الوجه الذي بين رسول الله ونقله عباد الله وبينه للمؤمنين، فلو أن أحداً يصوم ويفسد صومه ما ينتفع به، أو يصلي ويفسد صلاته ما ينتفع بها، لا بد من أداء العبادة على الوجه الذي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، لماذا؟ لأن هذه العبادات تزكي النفس، أي: تطيبها وتطهرها، فإذا طابت النفس وزكت وطهرت قبلها الله، ورضي الله عنها وأنزلها بعد الموت في جواره، واقرءوا: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] قد أفلح من زكى نفسه، بم تزكى النفوس؟ هل بالأغاني؟ بالطبول والمزامير؟ بالأضاحيك، بالقمار؟ باللهو وبالباطل؟ والله! ما تزكو على ذلك، ما تزكو إلا بعبادة تعبد الله بها على أن تؤدى كما نزل بها جبريل وبينها رسول رب العالمين، فأيما عبادة لم تؤد على الوجه المطلوب صاحبها ما أحسنها، فبطل مفعولها، فوالله! ما تزكي النفس.

ونضرب المثل دائماً فنقول: قم صل العصر بين يدي فقيه خمس ركعات، فسيقول: لم زدت الخامسة؟ تقول: زدتها لله، فهل يقول الفقيه: صلاتك صحيحة؟ والله! لا تصح، صلاتك باطلة، أعد، فماذا فعل؟ زاد فيها ركعة.

أو صلى العشاء ثلاث ركعات وقال: هي كالمغرب، أو أنا مشغول! فهل هناك فقيه يقول: صلاتك صحيحة؟ والله! لا يوجد.

ولو أنه دخل في الصلاة وقال: الله أكبر، وقرأ السورة وركع وسجد، وترك الفاتحة، فهل هناك فقيه يقول لك: صلاتك صحيحة؟ والله! ما يقول، لماذا؟ ما أداها على الوجه المطلوب، وهكذا كل العبادات يجب أن نحسن أداءها، والله يحب المحسنين في العبادات، والمحسنين إلى عباد الله من كافرين ومؤمنين.

فالإحسان إلى الناس ضد الإساءة إليهم، والإساءة محرمة، فلا حسد، لا كبر، لا عناد، لا مكابرة، لا فسق ولا فجور، لا ظلم، ولا اعتداء، ونحسن إلى من يستحق الإحسان بإطعامه، بكسوته، هذا هو الإحسان العام.

فالله يحب المحسنين، وأما المسيئون فلا، فهل قال تعالى: (والله يحب المسيئين)؟ إنما يحب المسيئين إبليس عليه لعائن الله، والله العظيم! إنه ليحب المسيء حباً عجباً، لماذا؟ لأنه أخوه وأصبح مثله مصيرهما واحد هو الخلود في النار والعياذ بالله تعالى، فهو يفرحه ويضحكه.

هكذا يقول تعالى: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأحقاف:12] أولاً، وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ [الأحقاف:12].

ثم قال تعالى: وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا [الأحقاف:12]، وبعد التوراة الإنجيل، وبعد الإنجيل هذا القرآن الكريم، وهذا كتاب عظيم جليل مصدق لما سبق من الكتب وما فيها من الدعوة إلى الله وعبادة الله والاستقامة على دين الله، والوعد والوعيد، حال كونه لساناً عربياً، أي: بلسان العرب؛ لأن العرب فيهم المشركون والملحدون والزنادقة والفساق والفجار.

وهنا لطيفة: لماذا قال: (لساناً)؟

الجواب: حتى يسلخ منه الصفات الأخرى التي عند العرب من الشرك والباطل والشر والفساد.

قال تعالى: لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأحقاف:12] القرآن ينذر أو لا؟ ومن نزل عليه ينذر أو لا؟ ومنزل القرآن وباعث الرسول صلى الله عليه وسلم ينذر أو لا؟ وكل مؤمن داع إلى الله ينذر، لِيُنْذِرَ [الأحقاف:12] من؟ الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأحقاف:12] هذا القرآن نزل على رسول الله لينذر الذين ظلموا.