انتصف رمضان يا دمعة المتهجد


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله! انتصف رمضان وبدأ العد التنازلي لأيام رمضان ومن المفترض أنه كلما تقدمت أيام رمضان ولياليه زدنا في النشاط والعبادة، فإن الأجير يوفى أجره إذا انتهى من عمله.

عجيب ما نراه من قسوة في القلوب وهجر للقرآن، فلا يعرف ختم القرآن إلا من رمضان إلى رمضان، يقول تعالى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30]! عجيب ما نراه من تفريط بالنوافل بل بالفرائض، فالصلاة أصبحت مجرد حركات من قيام وقعود! وعجيب ما نراه من تخلف عن تكبيرات الإحرام ورضاً بالصفوف الأخيرة، اعلم أنه: من أراد إدراك المفاخر لم يرض بالصف الآخر!

عجيب ما نراه من تكاسل عن الجمعة والجماعة وشح في البذل والصدقات، ما كـأن اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ.

إن حاجتنا للعبادة كحاجة الأرض للمطر فلا تحيا القلوب إلا بذكر علام الغيوب، نحن في أمس الحاجة إلى تقوية الصلة بالله؛ حتى نكون من أوليائه الذين قال عنهم: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]، وهل تنتصر الأمة إلا بأوليائها، بالعباد والزهاد الصادقين، قال عز وجل: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر:51] أي: تنتصر الأمة بالصادقين والمخلصين وبالذين يدعون ويتضرعون، عن علي رضي الله عنه قال: (ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح يناجي ربه ويتضرع: اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصبة لا تعبد بعد اليوم، اللهم إنهم حفاة فاحملهم، عراة فاكسهم، حتى سقط رداءه عن ظهره، فقال له: أبو بكر رضي الله عنه: هون عليك يا رسول الله! إن الله منجزك وعده، ثم غفا إغفاءة، ثم قال: أبشر يا أبا بكر هذا أخي جبريل آخذ بعنان فرسه، فأنزل الله: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:9-13]) بالعباد والأولياء تنتصر الأمة، برهبان الليل وفرسان النهار.

فأهل العصور الماضية كانوا يعيشون في محيط إسلامي تسوده الفضائل، ويسوده التواصي بالحق، أما اليوم فغفلة وقسوة في القلوب، وانشغال بتوافه الأمور، نحتاج إلى أولئك الذين يثبت الناس برؤياهم وكلامهم.

حكى ابن القيم عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: وعلم الله ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش، وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها، وما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً وأشرحهم صدراً، وأقواهم قلباً وأسرهم نفساً، تلوح نظرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت منا الأرض أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة، قال الله عنهم: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24]، فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.

اسمع شيئاً عنهم: عن جعفر بن سليمان قال: بكى ثابت البناني حتى كادت تذهب عيناه، فجاءه رجل يعالجها فقال الطبيب: أعالجك على أن تعطيني شرطاً أشرطه عليك، قال ثابت : على أي شيء أطيعك؟ قال: على ألا تبكي، قال ثابت : فما خيرهما إن لم تبكيا، أما قال الله: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا [مريم:58]، أما قال الله عن أوليائه: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [الإسراء:109]،

سهر العيون لغير وجهك باطل

وبكاؤهن لغير فقدك ضائع

عن سلام بن أبي مطيع قال: جيء للحسن بكوز من ماء ليفطر عليه وكان صائماً، فلما أدناه إلى فيه بكى، فقيل ما أبكاك؟ قال: ذكرت أمنية أهل النار: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ [الأعراف:50]، قال وذكرت الجواب: قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ [الأعراف:50]، أجل إن الله حرمهما على الكافرين: الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [الأعراف:51].

دخلت امرأة على أهل الأوزاعي فنظرت في مصلاه فوجدت بلللاً في موضع سجوده، فقالت لزوجته: ثكلتك أمك أراك غفلت عن الصبيان حتى بالوا في مسجده وفي مصلاه، فقالت زوجة الأوزاعي للمرأة: ويحك هذا أثر دموعه في مسجده وليس من بول الصبيان، لله درهم أما قال الله عنهم: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]، لسان حالهم:

والله ما طلعت شمس ولا غربت

إلا وحبك مقرون بأنفاسي

ولا جلست إلى قوم أحدثهم

إلا وأنت حديثي بين جلاسي

كان يزدجرد ملك الفرس قد أرسل يستنجد بملك الصين، ووصف له المسلمين، فكان من أوصافهم: لا ينامون بالليل ولا يأكلون بالنهار، شعث رءوسهم، بالية ثيابهم، فأجابه ملك الصين: إنه يمكنني أن أبعث لك جيشاً أوله في منابت الزيتون -يعني: في الشام- وآخره في الصين، لكن إن كان هؤلاء القوم كما تقول، فإنه لا يقوم لهم أهل الأرض، فأرى لك أن تصالحهم وتعيش في ظلهم، وتأمن في عدلهم،

يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً

يشيدون لنا مجداً أضعناه

عباد ليل إذا جن الظلام بهم

كم عابد دمعه في الخد أجراه

وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم

هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه

صفات أولياء الله تعالى

قال الحافظ ابن حجر : المراد بولي الله: المواظب على طاعته المخلص في عبادته، ومن أعظم ما يتبين به الولي: أن يكون مجاب الدعوة راضياً عن الله في كل حال، قائماً بالفرائض، مجتهداً بالنوافل، تاركاً للنواهي، له هدف غير أهداف الناس الدنيوية، وغير حريص على الدنيا، إذا وصل إليه القليل صبر، وإذا وصل إليه الكثير شكر، يستوي عنده المدح والذم والفقر والغنى، غير معجب بما منَّ الله عليه من خصال الولاية، كلما زاده الله رفعة زاد تواضعاً وخضوعاً، من صفاته: حسن الأخلاق، كريم الصحبة، عظيم الحلم، كثير الصبر والاحتمال، فمن اتصف بهذه الصفات فغير بعيد أن تظهر على يديه الكرامات؛ لأن الله تعالى قال عنه: (إذا سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).

قال الحافظ ابن حجر : المراد بولي الله: المواظب على طاعته المخلص في عبادته، ومن أعظم ما يتبين به الولي: أن يكون مجاب الدعوة راضياً عن الله في كل حال، قائماً بالفرائض، مجتهداً بالنوافل، تاركاً للنواهي، له هدف غير أهداف الناس الدنيوية، وغير حريص على الدنيا، إذا وصل إليه القليل صبر، وإذا وصل إليه الكثير شكر، يستوي عنده المدح والذم والفقر والغنى، غير معجب بما منَّ الله عليه من خصال الولاية، كلما زاده الله رفعة زاد تواضعاً وخضوعاً، من صفاته: حسن الأخلاق، كريم الصحبة، عظيم الحلم، كثير الصبر والاحتمال، فمن اتصف بهذه الصفات فغير بعيد أن تظهر على يديه الكرامات؛ لأن الله تعالى قال عنه: (إذا سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).

عباد الله! من كان بالله أعرف كان من الله أخوف، فاسمع بارك الله فيك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأوابين وسيد العابدين المتبتلين، لم تتخلف نفسه عن أغراض حياته العظمى قيد أنملة أو قيد شعرة، ولم يخلف موعده مع الله في عبادة ولا جهاد لا في ليل ولا في نهار، ولله در أمهات المؤمنين حين يصفن علو همته صلى الله عليه وسلم للصحابة، فتقول إحداهن: (وأيكم يطيق ما كان يطيق)، وتقول الأخرى: (ما لكم وصلاته صلى الله عليه وسلم)، همة عالية في كل مقامات الدين، فلقد كان صلى الله عليه وسلم سيد المجاهدين والعابدين والصابرين والصائمين والقائمين، كان أعلى الناس توكلاً، وأوفر الناس نصيباً من الرضا والحمد والدعاء والشكر والتبتل، وأعلى الناس يقيناً، وكان أشجع الناس، وأرحم الناس، وأشد الناس حياء، وكان أحسن الناس خلقاً ومروءة وتواضعاً، ومن أكثر الناس مراقبة لربه تبارك وتعالى، ومن أعلى الناس خشوعاً، ومن أشد الناس عبادة لربه، وكان من أطول الناس صلاة، فعن حذيفة : (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فكان يقول: الله أكبر -ثلاثاً- سبحان ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة، ثم استفتح فقرأ البقرة، ثم ركع فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم رفع رأسه فكان قيامه نحواً من ركوعه، ثم سجد فكان سجوده نحواً من قيامه، ثم رفع رأسه من السجود فكان يقعد فيما بين السجدتين نحواً من سجوده، ففي أربع ركعات قرأ البقرة والنساء وآل عمران والمائدة أو الأنعام)، شك الراوي في ذلك.

يقول أبو هالة في وصفه صلى الله عليه وسلم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكر، ليست له راحة).

تقول عائشة رضي الله عنها: (قام ليلة بآية يرددها حتى الفجر وهو يبكي، وهي قوله تعالى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118]).

يقول عبد الله بن الشخير : (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل).

قال له ربه: قُمْ فَأَنذِرْ [المدثر:2]، فانطلق يبلغ دعوة الله، وقال له ربه: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل:2] ، فقام حتى تفطرت قدماه، قال لـعائشة ليلة: (دعيني أتعبد لربي، تقول: فقام يصلي وجعل يبكي حتى بل لحيته، ولا زال يبكي حتى بل الثراء تحته، فجاءه بلال ليعلمه بدخول وقت الصلاة فوجده يبكي، فقال له: تبكي بأبي أنت وأمي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال صلوات ربي وسلامه عليه: كيف لا أبكي يا بلال وقد تنزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتدبرها، ثم تلا قوله تبارك وتعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:190-194]).

كم مرت على مسامعنا مثل هذه الآيات؟ فهل وجدنا لها في قلوبنا أثراً، أو في أنفسنا مكاناً؟ إنها آيات تصور العابدين في ليلهم ونهارهم وفي جميع أحوالهم، تصور خوفهم ورجاءهم وتفكرهم ودعاءهم.

لما علمت بأن قلبي فارغ ممن سواك ملأته بهواك

وملأت كلي منك حتى لم أدع مني مكاناً خالياً لسواك

فالقلب فيك هيامه وغرامه والروح لا تنفك عن ذكراك

والسمع لا يصغي إلى متكلم

إلا إذ ما حدثوا بحلاك

والطرف حيث أجيله متلفتاً في كل شيء يجتلي معناك

حرص النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الجماعة

كان سيد العابدين صلوات ربي وسلامه عليه حريصاً على صلاة الجماعة في أشد الأحوال، وفي أصعب الظروف، روى البخاري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: (دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: ألا تحدثيني عن مرض النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: بلى، قالت: ثقل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك، قال: فضعوا لي ماء في المخضب، قالت: ففعلنا فاغتسل فقام لينوء -يعني: ليقوم- فأغمي عليه -بأبي هو وأمي- ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: ضعوا لي ماء في المخضب، قالت: فقعد فاغتسل ، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه فسقط، ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله! فقال: ضعوا لي ماء في المخضب فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه الثالثة، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله! والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس)، الله أكبر! كم كان حريصاً عليه الصلاة والسلام على صلاة الجماعة، يشتد مرضه فيغتسل ثم يغمى عليه فيفيق فيغتسل ثم ثانية وثالثة، كل ذلك لعله يجد خفة ونشاطاً يمكنه بفضل الله تعالى من حضور صلاة الجماعة، فكيف كانت تلك الخفة؟ وكيف كان خروجه صلى الله عليه وسلم، اسمع ما رواه البخاري قال: (فوجد النبي صلى الله عليه وسلم خفة فخرج يهادى بين رجلين، كأني أنظر رجليه تخطان من الوجع)، سبحان الله! لم يكن صلى الله عليه وسلم يتمكن من المشي إلا اعتماداً على رجلين، ولم يكن يقدر على تمكين رجليه على الأرض لشدة ضعفه، ومع هذا ما تخلف عن صلاة الجماعة مع شدة مرضه وشدة تعبه، فلماذا يتخلف الأقوياء؟! ولماذا ينام الأصحاء؟! أين نحن من هؤلاء؟! أما آن أن نفيق ونستيقظ؟! خرج المصطفى عليه الصلاة والسلام ليبين للناس أن العابدين لا يتخلفون عن الصلوات في المساجد، خرج ليبين أن العابدين لا يصنعون إلا في المساجد والمحاريب، فأي استقامة لا تنطلق من المسجد والمحراب لا خير فيها.

إن سجود المحراب واستغفار الأسحار ودموع المناجاة من أهم صفات الصادقين والعابدين، ولئن ظن أهل الدنيا أن جنتهم في الدينار والنساء والقصور، فإن جنة العابدين في محرابهم في خلواتهم بربهم، أما سمعت قول الله لزكريا: فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ [آل عمران:39]، إن خلوات العباد في المحاريب تربية لهم، وتيجان على رءوسهم أحلى من التيجان التي على رءوس الملوك.

كان سيد العابدين صلوات ربي وسلامه عليه حريصاً على صلاة الجماعة في أشد الأحوال، وفي أصعب الظروف، روى البخاري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: (دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: ألا تحدثيني عن مرض النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: بلى، قالت: ثقل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك، قال: فضعوا لي ماء في المخضب، قالت: ففعلنا فاغتسل فقام لينوء -يعني: ليقوم- فأغمي عليه -بأبي هو وأمي- ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: ضعوا لي ماء في المخضب، قالت: فقعد فاغتسل ، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه فسقط، ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله! فقال: ضعوا لي ماء في المخضب فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه الثالثة، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله! والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس)، الله أكبر! كم كان حريصاً عليه الصلاة والسلام على صلاة الجماعة، يشتد مرضه فيغتسل ثم يغمى عليه فيفيق فيغتسل ثم ثانية وثالثة، كل ذلك لعله يجد خفة ونشاطاً يمكنه بفضل الله تعالى من حضور صلاة الجماعة، فكيف كانت تلك الخفة؟ وكيف كان خروجه صلى الله عليه وسلم، اسمع ما رواه البخاري قال: (فوجد النبي صلى الله عليه وسلم خفة فخرج يهادى بين رجلين، كأني أنظر رجليه تخطان من الوجع)، سبحان الله! لم يكن صلى الله عليه وسلم يتمكن من المشي إلا اعتماداً على رجلين، ولم يكن يقدر على تمكين رجليه على الأرض لشدة ضعفه، ومع هذا ما تخلف عن صلاة الجماعة مع شدة مرضه وشدة تعبه، فلماذا يتخلف الأقوياء؟! ولماذا ينام الأصحاء؟! أين نحن من هؤلاء؟! أما آن أن نفيق ونستيقظ؟! خرج المصطفى عليه الصلاة والسلام ليبين للناس أن العابدين لا يتخلفون عن الصلوات في المساجد، خرج ليبين أن العابدين لا يصنعون إلا في المساجد والمحاريب، فأي استقامة لا تنطلق من المسجد والمحراب لا خير فيها.

إن سجود المحراب واستغفار الأسحار ودموع المناجاة من أهم صفات الصادقين والعابدين، ولئن ظن أهل الدنيا أن جنتهم في الدينار والنساء والقصور، فإن جنة العابدين في محرابهم في خلواتهم بربهم، أما سمعت قول الله لزكريا: فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ [آل عمران:39]، إن خلوات العباد في المحاريب تربية لهم، وتيجان على رءوسهم أحلى من التيجان التي على رءوس الملوك.


استمع المزيد من الشيخ خالد الراشد - عنوان الحلقة اسٌتمع
انها النار 3543 استماع
بر الوالدين 3428 استماع
أحوال العابدات 3413 استماع
يأجوج ومأجوج 3350 استماع
البداية والنهاية 3336 استماع
وقت وأخ وخمر وأخت 3271 استماع
أسمع وأفتح قلبك - ذكرى لمن كان له قلب 3255 استماع
أين دارك غداً 3205 استماع
هذا ما رأيت في رحلة الأحزان 3099 استماع
أين أنتن من هؤلاء؟ 3097 استماع