تفسير سورة الحج (14)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

وها نحن ما زلنا مع سورة الحج المكية المدنية، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ [الحج:63-66].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه الآيات مكية نزلت بمكة لتعرف المشركين بربهم، فإنهم إذا عرفوه ما أشركوا به، إذ والله ما عرف الله أحد ثم أشرك به، ولكن ظلمة الجهل نشأ عنها الكفر والشرك، ولو أزيلت تلك الظلمة وتجلت حقائق العلم والمعرفة لآمنوا ووحدوا، وإلى الآن وبعد الآن، فالكافرون والمشركون والفاسقون والفاجرون والظالمون كلهم مصابون بظلمة الجهل، أي: ما عرفوا الله تعالى حتى يحبوه ويخافوه ويرهبوه ويطيعوه ويعبدوه، وهذه الآيات تعرف بالله عز وجل معرفة أكثر من معرفتنا لأنفسنا، لكن لمن تأمل وتدبر وتفكر وأصغى واستمع.

يقول تعالى: أَلَمْ تَرَ [الحج:63]، أي: ألم تعلم أيها الإنسان! ألم تر يا رسولنا! أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [الحج:63]، هل هناك من ينكر نزول الأمطار في الشرق والغرب في الليل والنهار؟ هل هناك من ادعى أنه ينزلها؟ هل هناك قبيلة من بني فلان ينزلونها أو الحكومة الفلانية تنزلها؟ ما للعالم معرض عن ربه؟! من خلق هذا الماء؟ من أوجده؟ من أنزله؟ فما دمنا لم ننزله ولا آباؤنا ولا جيراننا ولا الظلمة ولا الكفرة، إذاً فمن أنزله؟ ليس لك إلا أن تقول: الله تعالى، ولا توصف بالجهل ولا بالعمى ولا بالضلال.

ألم ينته إلى علمك يا عبد الله! أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً [الحج:63]، أرض جافة يابسة ميتة ينزل عليها الماء من السماء فإذا بها تهتز، وإذا بها خضرة بالأعشاب والنباتات، فمن يحيي هذه الأرض بعد موتها؟ أصابع البشر تستطيع أن تحول التراب إلى زهور وأنهار؟ مستحيل، الآلهة المدعاة المزعومة التي تعبد مع الله تقوى على هذا وتستطيعه وتقدر عليه؟ لا والله، فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً [الحج:63]، أي: مشاهدة الخضرة، وذلك بأنواع من الفواكه والخضرة والنباتات.

إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ [الحج:63]، بعباده، خَبِيرٌ [الحج:63]، بأحوالهم عليم بهم، ومن مظاهر علمه ولطفه: أن ينزل ماء من السماء لأجل أن يعيشوا ويسعدوا في حياتهم هذه، إنها صفتان من صفات الله: اللطف والقدرة الكاملة، فهل غير الله لطيف خبير؟ دلوا البشرية عن لطيف وخبير غير الله تعالى، والله لا أحد إلا الله تعالى، فلم إذاً لا نعبده وحده؟ لم نعرض عن عبادته ونعبد غيره؟!

قال تعالى: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الحج:64].

ثانياً: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [الحج:64]، من يشارك الله في كوكب من الكواكب؟ من يملك ربع الشمس أو نصف القمر؟ من يملك سحابة في السماء؟ لا أحد، لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [الحج:64]، خلقاً وإيجاداً وتدبيراً وملكاً وتصريفاً، إذاً كيف لا يعبد هذا؟ كيف لا يتعرف إليه؟ كيف لا يسأل عما يحب لنحبه، وعما يكره لنكره؟ كيف نعرض ونعطي أدبارنا ولا نريد أن نصغي فنعيش كالبهائم نأكل ونشرب وننكح؟ هل هذه هي الحياة التي خلقنا لها؟ ما علة وجودنا؟ ما سر هذه الحياة؟ نسأل حتى نعلم ونعرف، إن خالقها يقول: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وعبادة الله تعني طاعته مع الذل والاستكانة والصغار بين يديه، مع حبه وحب ما يحب وكره ما يكره، لَهُ [الحج:64]، وحده، مَا فِي السَّمَوَاتِ [الحج:64]، من الكائنات، وَمَا فِي الأَرْضِ [الحج:64]، من الكائنات.

وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الحج:64]، فغناه مطلق، فمن هو الغني بينكم؟ الذي لا يحتاج إليكم، والله عز وجل يحتاج إلى مخلوقاته؟ لا والله، بل المخلوقات كلها محتاجة إليه، وهذه صفات الجلال والكمال، وهذا الإنعام، وهذا الإفضال، وهذا الإحسان، وهذا الخلق، وهذا الإيجاد، ألا يستوجب منا حمده ومدحه؟ هو المحمود، وهو الغني الحميد سبحانه وتعالى.

قال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحج:65]. ‏

بيان إنعام الله وإفضاله على خلقه

ثم واجه رسول الله مرة أخرى -وكل عاقل يسمع- فقال: أَلَمْ تَرَ [الحج:65]، أي: ألم ينته إلى علمك يا عبد الله! ألم تر يا رسولنا! أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ [الحج:65]، من ينكر هذا فيقول: لا، ما سخر لنا شيئاً! فهذه الإبل وهذه الأبقار وهذه الأغنام وهذه الطيور وهذه الجبال وهذه المياه وهذه الأنهار، بل وكل هذه المخلوقات، من ذللها؟ من سخرها؟ من أوجدها؟ أليس الله؟ بلى، ثم لماذا أوجدها وسخرها؟ والله من أجل الآدميين، والله من أجل بني الناس، إذاً كيف يكفرون به؟ كيف لا يحبونه؟ كيف لا يعظمونه ولا يجلونه؟

والجواب: ما عرفوه، إذ إنهم يعيشون في ظلمة الجهل، بل وما حاولوا إزالة هذا الجهل، فما قرعوا أبواب أهل العلم، ولا سافروا إليهم في الشرق ولا في الغرب، وسألوهم عن خالق هذا الكون المدبر لهذا الملكوت، من هو؟ ما اسمه؟ كيف نطيعه؟ كيف نحبه؟ وإنما مشغولون بالأكل والشرب والنكاح كالبهائم، بل ووالله لهم شر من البهائم، لعلي واهم؟ أما تكرر على أسماعكم قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]؟ و(الْبَرِيَّةِ) بمعنى: الخليقة، فمن شر الخلق؟ القردة والخنازير؟ لا، والله إنهم الكفرة والمشركون، أما القردة والخنازير فهكذا خلقهم الله تعالى لحكم عالية، فما عصوا الله ولا كفروا به، ولكن هذا المخلوق الذي خلق الله كل شيء من أجله يكفر به ويتجاهله ليمشي في طريق الشيطان ويعبده والعياذ بالله.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ [الحج:65]، أي: من أجلكم، إذ ليس هو بمحتاج إلى شمس ولا قمر ولا تمر ولا ثمر، بل أنتم المحتاجون الضعفاء، سَخَّرَ لَكُمْ [الحج:65]، ماذا؟ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ [الحج:65]، سخرها بأمره، تَجْرِي فِي الْبَحْرِ [الحج:65]، وإن قلت: كيف سخر لنا الفلك في البحر؟ فأقول: أصابع النجار الذي نجر أخشابها من صنعها؟ والعلم والبصيرة التي حملته على أن يجمع الأخشاب ويصنع سفينة، من وهبه ذلك؟ والأخشاب والحديد من أوجده؟ والماء من أوجده؟ كل ذلك الله، إذاً فالله هو الذي سخر لنا الفلك تجري في البحر، ولو شاء والله ما جرت ولا سارت في البحر، ولكن من أجل إكرامنا وإسعادنا في دنيانا سخر لنا الفلك تجري في البحر من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، فتحمل البضائع والتجارات وما إلى ذلك، فمن فعل هذا؟ سيدي عبد القادر ؟ عيسى عليه السلام؟ الحجر؟ الصنم؟ لا جواب إلا الله تعالى، أحبوا أم كرهوا.

مظاهر قدرة الله تعالى في إمساك السماء أن تقع على الأرض

أَلَمْ [الحج:65]، أيها العاقل! أيها الإنسان! أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ [الحج:65]، فأسألكم بالله! لو سقطت الشمس عليكم هل تبقون لحظة؟ من أمسك الشمس؟ أما تمر بكم على دياركم كل يوم؟ لو نزلت قليلاً ماذا بقي؟ انتهى الوجود، وهذه الأفلاك وهذه الكواكب وهذه السماء من أمسكها حتى لا تقع على الأرض وتدمر الوجود؟ هل هناك من يقول: فلان أو فلان سوى الله فعل ذلك؟! والله ما هو إلا الله تعالى، فلمَ لا يفكرون في هذا وينظرون؟ فيشاهدون الشمس بأنوارها وبحرارتها والقمر ما يقولون: من خلق هذا؟ أو لمَ خلق هذا؟ هيا نسأل عمن خلق هذا حتى تعرف أن هذا عليم، هذا حكيم، هذا جبار، هذا عظيم، يجب أن يحب، ويجب أن يطاع ويرهب.

والجواب: والله إن الشياطين مستولية على قلوب الجاهلين، فلو تضع بين يديه كأس حليب فإنه يسأل من أين هذا الحليب؟ ولو تعطيه حفنة تمر فإنه يقول: من أين جاءت؟ ولو تعطيه ثوباً سيقول: كيف؟ فلا يمكن أبداً أن يلبس أو يأكل فلا يقول: لماذا؟ بينما هو موجود لا يقول: من أوجدني؟ ولم أوجدني؟ نسأل أهل العلم في الهند أو في السند أو في الشرق أو في الغرب.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ [الحج:65]، أي: ذلل لكم، مَا فِي الأَرْضِ [الحج:65]، تنتفعون به، وَالْفُلْكَ تَجْرِي [الحج:65]، أيضاً سخرها بأمره في البحر، وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ [الحج:65]، أي: حتى لا تقع على الأرض، إِلَّا بِإِذْنِهِ [الحج:65]، لو أراد أن تقع لوقعت، بل وهناك صواعق في السماء بالملايين، فلو أراد الله أن يسقطها على البشرية لهلكت، لكنه تعالى أمسكها حتى لا تقع على البشرية فتدمرها.

رأفة الله ورحمته بخلقه

ثم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ [الحج:65]، أبيضهم وأسودهم، عربهم وعجمهم، كافرهم ومؤمنهم، بارهم وفاجرهم، لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحج:65]، فلولا رأفته لكان كل من عصاه أذابه، وكل من خرج عن طاعته أحرقه ولا يسمح له بالبقاء، لكنه رءوف رحيم، وهذه مظاهر الرأفة والرحمة، فهم يعصونه ويفسقون عن أمره ويسبونه ويكفرون به ويقتلون أولياءه وأنبياءه، ومع هذا لا يسخط عليهم فينزل العذاب على الفور، وإنما يمهلهم ليتوب من يتوب، ويرجع من يرجع.

ثم واجه رسول الله مرة أخرى -وكل عاقل يسمع- فقال: أَلَمْ تَرَ [الحج:65]، أي: ألم ينته إلى علمك يا عبد الله! ألم تر يا رسولنا! أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ [الحج:65]، من ينكر هذا فيقول: لا، ما سخر لنا شيئاً! فهذه الإبل وهذه الأبقار وهذه الأغنام وهذه الطيور وهذه الجبال وهذه المياه وهذه الأنهار، بل وكل هذه المخلوقات، من ذللها؟ من سخرها؟ من أوجدها؟ أليس الله؟ بلى، ثم لماذا أوجدها وسخرها؟ والله من أجل الآدميين، والله من أجل بني الناس، إذاً كيف يكفرون به؟ كيف لا يحبونه؟ كيف لا يعظمونه ولا يجلونه؟

والجواب: ما عرفوه، إذ إنهم يعيشون في ظلمة الجهل، بل وما حاولوا إزالة هذا الجهل، فما قرعوا أبواب أهل العلم، ولا سافروا إليهم في الشرق ولا في الغرب، وسألوهم عن خالق هذا الكون المدبر لهذا الملكوت، من هو؟ ما اسمه؟ كيف نطيعه؟ كيف نحبه؟ وإنما مشغولون بالأكل والشرب والنكاح كالبهائم، بل ووالله لهم شر من البهائم، لعلي واهم؟ أما تكرر على أسماعكم قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]؟ و(الْبَرِيَّةِ) بمعنى: الخليقة، فمن شر الخلق؟ القردة والخنازير؟ لا، والله إنهم الكفرة والمشركون، أما القردة والخنازير فهكذا خلقهم الله تعالى لحكم عالية، فما عصوا الله ولا كفروا به، ولكن هذا المخلوق الذي خلق الله كل شيء من أجله يكفر به ويتجاهله ليمشي في طريق الشيطان ويعبده والعياذ بالله.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ [الحج:65]، أي: من أجلكم، إذ ليس هو بمحتاج إلى شمس ولا قمر ولا تمر ولا ثمر، بل أنتم المحتاجون الضعفاء، سَخَّرَ لَكُمْ [الحج:65]، ماذا؟ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ [الحج:65]، سخرها بأمره، تَجْرِي فِي الْبَحْرِ [الحج:65]، وإن قلت: كيف سخر لنا الفلك في البحر؟ فأقول: أصابع النجار الذي نجر أخشابها من صنعها؟ والعلم والبصيرة التي حملته على أن يجمع الأخشاب ويصنع سفينة، من وهبه ذلك؟ والأخشاب والحديد من أوجده؟ والماء من أوجده؟ كل ذلك الله، إذاً فالله هو الذي سخر لنا الفلك تجري في البحر، ولو شاء والله ما جرت ولا سارت في البحر، ولكن من أجل إكرامنا وإسعادنا في دنيانا سخر لنا الفلك تجري في البحر من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، فتحمل البضائع والتجارات وما إلى ذلك، فمن فعل هذا؟ سيدي عبد القادر ؟ عيسى عليه السلام؟ الحجر؟ الصنم؟ لا جواب إلا الله تعالى، أحبوا أم كرهوا.

أَلَمْ [الحج:65]، أيها العاقل! أيها الإنسان! أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ [الحج:65]، فأسألكم بالله! لو سقطت الشمس عليكم هل تبقون لحظة؟ من أمسك الشمس؟ أما تمر بكم على دياركم كل يوم؟ لو نزلت قليلاً ماذا بقي؟ انتهى الوجود، وهذه الأفلاك وهذه الكواكب وهذه السماء من أمسكها حتى لا تقع على الأرض وتدمر الوجود؟ هل هناك من يقول: فلان أو فلان سوى الله فعل ذلك؟! والله ما هو إلا الله تعالى، فلمَ لا يفكرون في هذا وينظرون؟ فيشاهدون الشمس بأنوارها وبحرارتها والقمر ما يقولون: من خلق هذا؟ أو لمَ خلق هذا؟ هيا نسأل عمن خلق هذا حتى تعرف أن هذا عليم، هذا حكيم، هذا جبار، هذا عظيم، يجب أن يحب، ويجب أن يطاع ويرهب.

والجواب: والله إن الشياطين مستولية على قلوب الجاهلين، فلو تضع بين يديه كأس حليب فإنه يسأل من أين هذا الحليب؟ ولو تعطيه حفنة تمر فإنه يقول: من أين جاءت؟ ولو تعطيه ثوباً سيقول: كيف؟ فلا يمكن أبداً أن يلبس أو يأكل فلا يقول: لماذا؟ بينما هو موجود لا يقول: من أوجدني؟ ولم أوجدني؟ نسأل أهل العلم في الهند أو في السند أو في الشرق أو في الغرب.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ [الحج:65]، أي: ذلل لكم، مَا فِي الأَرْضِ [الحج:65]، تنتفعون به، وَالْفُلْكَ تَجْرِي [الحج:65]، أيضاً سخرها بأمره في البحر، وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ [الحج:65]، أي: حتى لا تقع على الأرض، إِلَّا بِإِذْنِهِ [الحج:65]، لو أراد أن تقع لوقعت، بل وهناك صواعق في السماء بالملايين، فلو أراد الله أن يسقطها على البشرية لهلكت، لكنه تعالى أمسكها حتى لا تقع على البشرية فتدمرها.


استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة المؤمنون (7) 3891 استماع
تفسير سورة المؤمنون (10) 3742 استماع
تفسير سورة الحج (11) 3654 استماع
تفسير سورة النور (12) 3646 استماع
تفسير سورة الأنبياء (9) 3504 استماع
تفسير سورة الأنبياء (5) 3492 استماع
تفسير سورة الأنبياء (14) 3491 استماع
تفسير سورة الأنبياء (15) 3416 استماع
تفسير سورة المؤمنون (6) 3340 استماع
تفسير سورة الحج (17) 3193 استماع