تفسير سورة الأنبياء (8)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ * قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ * وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:44-47].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهانكم تذكيراً وتعليماً: أن السور المكية هي التي نزلت في مكة المكرمة، وذلك قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. وهذه السور المكية تعالج العقائد فقط، وليس فيها بيان حلال وحرام، وإنما توجد العقيدة السليمة الصحيحة، التي متى وجدت هذه العقيدة في نفس الإنسان أصبح حياً يقوى على أن يفعل ما يؤمر به، ويقدر على أن يترك ما نهي عنه. فكل السور المكية مهمتها التي تعالجها وتريد تحقيقها: الإيمان بالله، لا إله غيره، ولا رب سواه، وإثبات النبوة والرسالة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، بأنه رسول الله حقاً وصدقاً، يتلقى الوحي من السماء، وينشره في الأرض ويبنه، وعقيدة الجزاء على العمل في هذه الدنيا وذلك يوم القيامة.

وأنتم تعلمون أن أركان الإيمان ستة كما في القرآن والسنة، لكن أعظم هذه الأركان: التوحيد، والنبوة المحمدية، والبعث الآخر.

وهذه الآيات الكريمة التي تلوناها نجدها تقرر التوحيد، وإثبات النبوة، والبعث الآخر، والجزاء على الكسب في هذه الدنيا. وقد علمنا وبينا هذا، وفهمتموه. ولكن لنا إخوان زوار ينبغي أن يعملوا ما علمنا، ويفهموا ما فهمنا، بحيث لو سئل أحدهم: لم خلقك الله؟ وما السر في خلق الله لك؟ لا يجيب بقوله: لآكل وأشرب وأحيا، بل يقول في الجواب: خلقني لأذكره وأشكره، وقد أوجد هذه الحياة كلها من أجلي من أجل أن أعبده بذكره وشكره. والعبادة ذكر وشكر لله تعالى، وفي القرآن الكريم يقول تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ [الذاريات:56]. هذان العالمان على هذه الأرض، إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] فقط. فهو لم يخلقهم لشيء سوى أن يعبدوه، كما قال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ [الذاريات:56] لشيء إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. وفي الحديث القدسي الشريف: يقول تعالى: ( يا ابن آدم! ) فقل: لبيك اللهم لبيك! ( لقد خلقت كل شيء من أجلك ). فما أكرمنا! وما أعظمنا! فكل شيء مخلوق من أجلنا، فلا نستحي أن نذكر الله ونشكره، فقد خلق كل شيء في هذا الوجود من أجلنا، ثم نحن لا نعبده ولا نذكره ولا نشكره. ولهذا شر الخليقة هو والله لشر من القردة والخنازير، وهو ذلك الذي لا يعبد الله.

إذاً: السر في خلقنا: أن نعبد الله، كما قال تعالى: ( يا ابن آدم! لقد خلقت كل شيء من أجلك، وخلقتك من أجلي )، أي: من أجل هذا الخلاق العليم، رب السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، الذي أنزل هذا الكتاب الذي نقرؤه، والذي خلقنا وخلق آباءنا وأمهاتنا، وخلق البعوضة والنملة، والبغلة والبقرة والبعير. فهو الذي يجب أن يعبد.

ومرة أخرى نقول: لو سئلت: لم خلق الله الدار الآخرة؟ والجواب: خلق هذه الدار فقط للعمل، والجزاء يكون في الدار الآخرة، فهذه دار عمل، وتلك دار جزاء، وهي يوم القيامة، لما تقوم الخليقة من قبورها، وتجتمع في صعيد واحد، ويجري الحساب والجزاء.

والجزاء إما نعيم مقيم في دار السلام في الجنة دار الأبرار، وإما عذاب مهين أليم في النار دار الخزي والبوار، ولا شيء بعد ذلك، وإنما أهل النعيم في نعيمهم، وأهل العذاب في عذابهم بلا نهاية.

بعد هذا يقول تعالى: بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ [الأنبياء:44]. والذي يعنيهم هنا هم أهل مكة، كفار قريش وما حولهم، فهو يقول: بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ [الأنبياء:44] بالطعام والشراب، والمال والأمن، والراحة والخير، فقريش كانت أسعد العرب، بل أسعد الخلق، وقد قال تعالى: بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ [الأنبياء:44] أيضاً، وليس الموجودين فقط، بل آباءهم وأجدادهم كانوا في ذاك الرخاء، وذاك الأمن والطمأنينة، واقرءوا: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ [قريش:1-2]. إذاً: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:3-4]. فقد كانوا آمنين لا يعرفون الخوف أبداً في مكة والحرم وخارجها، ولا يجوعون كما تجوع البشرية في ظروف عديدة.

وهنا يخبر تعالى فيقول: بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ [الأنبياء:44]. وهذه لطيفة علمية، وهي: أن الشخص إذا صح جسمه وأمن من الأمراض والأوجاع، وكثر ماله وطال عمره يقسو قلبه، فيعرض عن ذكر الله، ولا يلتفت إلى ذلك؛ لأنه أحب الحياة. وحبك الشيء يعمي ويصم. ولا يعد يرى إلا أن يأكل ويشرب، وينكح ويلبس ويركب، ويرى أن هذه هي مهمته، ويدور حول هذه الحياة، وهذا ما أخبر به تعالى عن أهل مكة ومن حولهم، فقد قال: بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ [الأنبياء:44] بالأكل والشرب، والأمن والراحة حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ [الأنبياء:44] وامتدت بهم الحياة.

معنى إنقاص الأرض من أطرافها

قال تعالى: أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الأنبياء:44]. والآية تحمل معنى: أن أهل الجزيرة بدءوا يدخلون في الإيمان، وأن الإيمان أخذ في أطراف الجزيرة؛ لأن الإيمان والإسلام بدأا من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقبلهما وآمن بهما أناس كثيرون. إذاً: فقوله: أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الأنبياء:44]، بمعنى: تسلم المدينة الفلانية، وتسلم القرية الفلانية، وتنقص حتى يصل الإسلام إلى مكة.

وكذلك يتناول معنى أعم من هذا، وهو إخباره بالغيب بأن الله سينقص الأرض من أطرافها، بأن ينهي الشرك والكفر بلاد بعد بلاد إلى أن يستقر الإيمان، وينتصر الإسلام، وقد حصل هذا. فالقرآن نزل في مكة، وأصبح يتلى وراء نهر الصين والهند إلى الأندلس. فهذا الخبر وقع كما هو. فيكون معنى قوله تعالى هنا: أَفَلا يَرَوْنَ [الأنبياء:44] هؤلاء المصرون على الشرك المعاندون المبطلون، الذين يؤلهون غيرنا، ويكفرون برسالة نبينا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ [الأنبياء:44]. وهذا كما فعلنا بغيرهم، فقد دمرناهم ومن حولهم، وكذلك نفعل بهم، فقد دمر عاداً في الجنوب، وثموداً في الشمال، وفرعون في الغرب، وهكذا. فكما فعل بأولئك يفعل بهؤلاء إن أراد أن يفعل. أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ [الأنبياء:44]؟ وهم لن يغلبوا، بل هم المغلوبون المهزومون.

وهذه الآية أولاً: تقوي موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتثبت عزيمته، وتحمله على الصبر.

وثانياً: هي إعلام بمستقبل المشركين الكافرين، وأنه الدمار والخسار، والغلبة والانهزام وإن طال الزمان.

قال تعالى: أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الأنبياء:44]. والآية تحمل معنى: أن أهل الجزيرة بدءوا يدخلون في الإيمان، وأن الإيمان أخذ في أطراف الجزيرة؛ لأن الإيمان والإسلام بدأا من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقبلهما وآمن بهما أناس كثيرون. إذاً: فقوله: أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الأنبياء:44]، بمعنى: تسلم المدينة الفلانية، وتسلم القرية الفلانية، وتنقص حتى يصل الإسلام إلى مكة.

وكذلك يتناول معنى أعم من هذا، وهو إخباره بالغيب بأن الله سينقص الأرض من أطرافها، بأن ينهي الشرك والكفر بلاد بعد بلاد إلى أن يستقر الإيمان، وينتصر الإسلام، وقد حصل هذا. فالقرآن نزل في مكة، وأصبح يتلى وراء نهر الصين والهند إلى الأندلس. فهذا الخبر وقع كما هو. فيكون معنى قوله تعالى هنا: أَفَلا يَرَوْنَ [الأنبياء:44] هؤلاء المصرون على الشرك المعاندون المبطلون، الذين يؤلهون غيرنا، ويكفرون برسالة نبينا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ [الأنبياء:44]. وهذا كما فعلنا بغيرهم، فقد دمرناهم ومن حولهم، وكذلك نفعل بهم، فقد دمر عاداً في الجنوب، وثموداً في الشمال، وفرعون في الغرب، وهكذا. فكما فعل بأولئك يفعل بهؤلاء إن أراد أن يفعل. أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ [الأنبياء:44]؟ وهم لن يغلبوا، بل هم المغلوبون المهزومون.

وهذه الآية أولاً: تقوي موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتثبت عزيمته، وتحمله على الصبر.

وثانياً: هي إعلام بمستقبل المشركين الكافرين، وأنه الدمار والخسار، والغلبة والانهزام وإن طال الزمان.

قال تعالى وقوله الحق: قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ [الأنبياء:45] يا رسولنا صلى الله عليه وسلم! فقل لهؤلاء المشركين والمكذبين والكافرين المنكرين للوحي والبعثة والنبوة، فـ قُلْ [الأنبياء:45] لهم: إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ [الأنبياء:45]. وليس عندي شيئاً أقوله من رأيي أو من رأسي أو من عقلي، بل أنا أتلقى الوحي من الله، وأنذركم به، ولهذا إنذاركم له عاقبته، فأنا أنذركم، والإنذار ما هو إلا تخويف بعقاب سيأتي. وأنا أنذركم بالوحي، فلذا فالعقوبة ستنزل بكم إن بقيتم على كفركم وعنادكم وشرككم، كما قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ [الأنبياء:45]، وليس بعلم عندي ومعرفة وعقل واسع النظر أبداً، وإنما أتلقى الوحي من الله، وأنذركم بالعذاب بهذا الوحي، ويكفي. وكما قال تعالى: أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ [الأنبياء:44]؟ ولا يقول أحد: نحن نغلب، وهم مشركون، بل الله هو الغالب وأوليائه.

ثم قال تعالى: وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ [الأنبياء:45]، أي: ولكن ومع الأسف أنذركم بالوحي ولكنكم صم لا تسمعون. والرسول قد أنذرهم، ومئات الآيات تنذرهم، وتخوفهم من عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة، وهم يسمعون الآيات، ولكن لا يفهمونها ولا يتأملونها ولا يتدبرونها، بل كانوا يرمونها بعيداً، ويقولون: هذا سحر، وهذا كذا وكذا؛ وذلك لأنهم صم، والأصم لا يسمع. وكما قدمنا يقال: حبك الشيء يعمي ويصم. فهم لما أحبوا آلهة الباطل وعكفوا حولها، ونذروا لها النذور، وساقوا لها الإبل، وفعلوا ما فعلوا لم يصبح عندهم مكان أو مجال لأن يؤمنوا بالله، ولا إله إلا الله! فقد كانوا مؤمنين بالله رباً، ولكن لم يؤمنوا به إلهاً، لا يعبد إلا هو. ومن هنا فإن انكبابهم على أصنامهم وأحجارهم وشهواتهم وأعيادهم وأباطيلهم أصم آذانهم، فلم يسمعوا ما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم. وإلى الآن الدنيا تعيش على هذا كما قدمنا البارحة. فالقرآن مازال موجوداً بين أيدينا، واليهود والنصارى والمجوس والبوذيون كلهم يعلمون ذلك، ومع ذلك لا يتلونه ولا يقرءونه، ولا يطلبون من يبين لهم ما في كتاب الرب إن كانوا لا يعلمون؛ لأنهم معرضون إعراضاً كاملاً. وكذلك أهل الضلال والفسق والفجور من المسلمين معرضين لا يسمعون أبداً، بل والله إنهم كالصم كأنهم لا يسمعون، والذي لا يسمع هو الأصم، وقد قال تعالى عنهم: وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ [الأنبياء:45]. ومعنى هذا: أنهم صم، ولهذا ينذرهم الرسول بأمر الله، وبكتابه وبوحيه، ولا يستجيبون أبداً ولا يسمعون، فلا تحزن يا رسول الله! ولا تأسف.

قال تعالى: وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ [الأنبياء:46]، أي: عقوبة خفيفة وضربة سريعة، مثل ما أصابهم القحط سبع سنوات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال: وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ [الأنبياء:46] كنفحة الطيب، يعني: سريعة، وعقوبة عاجلة فإنهم يقولون: يَا وَيْلَنَا [الأنبياء:46]! ويصرخون بأصواتهم إلى عنان السماء: إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:46]. وهذا الخبر خبر الله، فهو القائل: وَلَئِنْ [الأنبياء:46]، أي: وعزتي وجلالي لئن مستهم نفحة من عذابنا لصرخوا بالويل، وقالوا: يا ويلنا! ومع هذا فهم مصرون على الشرك، وعلى الباطل وعلى حرب رسولنا والمؤمنين، ثم وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:46]. ولا ينفعهم الاعتراف عند نزول العذاب، كالذي يعيش فاجراً فاسقاً ثم لما تحشرج النفس في الصدر يقول: تبت، أو يقول: لا إله إلا الله إلا الله، فإنها والله لا تنفعه. فهم لا تنفعهم التوبة، ولا قولهم: إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:46] بعد ما شاهدوا العذاب ينزل. والمراد بالظلم هو الشرك.

أنواع الظلم

هنا معاشر المستمعين أقرر هذه الحقيقة التي تكررت عندنا، وهي: أن الظلم ثلاثة أنواع، ظلم الإنسان لنفسه، وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وظلم الإنسان لربه رب الإنسان. وأفظع الظلم وأقبحه: ظلم الإنسان لربه.

وظلمك لنفسك هو: أن ترتكب الذنوب والآثام، فتصيبها بالظلمة والعفن والنتن، حتى تصبح شر خلق الناس. فظلم النفس هو: أن تصب عليها أطنان الذنوب وقناطير الآثام، وذلك بترك الواجبات، وفعل المحرمات من الغيبة والنميمة والزنا، وشرب الخمر والحشيش، وقول الباطل والمنكر، وترك الصلاة، وكل واجب تتركه فإن إثمه ينصب على النفس، وكل محرم تفعله الإنسان ينصب أثره على النفس. فالإنسان ظالم لنفسه، كما قال تعالى: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ [هود:101]. فهم الذين يظلمون أنفسهم. وأنت تظلم نفسك، ولما نفخها الملك في جسمك في بطن أمك كانت أكثر صفاء من هذا النور، وأكثر إشراقاً من هذا النور، وتبقى صافية إلى أن تبلغ، فإذا بلغت سن الرشد فحينئذٍ إذا واليت العبادة والطاعة بقي نورها وإشراقها، ويتجلى ذلك في استقامتك في حياتك، بلا انحرف ولا انكسار ولا اعوجاج، وإن أنت صببت عليها الذنوب والآثام اسودت وأظلمت، وأصبحت منتنة عفنة، ويبين لك ذلك من أن صاحبها يكذب ويفجر، ويسرق ويخون ويتكبر، وكل هذه آثار الذنوب بظلمه لنفسه.

وظلمك لأخيك الإنسان يكون بأذيته في عرضه .. في ماله .. في بدنه، فيقال: فلان ظلمنا إذا سبنا وشتمنا، وأكل أموالنا وأراق دمائنا، وانتهك حرماتنا، فهو ظالم.

والظلم للرب تبارك وتعالى: أن تأخذ حقه وتعطيه لغيره. ولله حق علينا وهو العبادة التي من أجلها خلقنا ورزقنا، ومن أجلها خلق الحياة كلها. فهذه العبادة هي حق الله مقابل الخلق والرزق، فإذا صرفتها للصنم أو وثن أو إنسان أو حيوان أو ملك من الملائكة أو نبي من الأنبياء فقد ظلمت ربك، وأخذت حقه وأعطيته لغيره.

والقاعدة هي: أن الظلم: وضع الشيء في غير موضعه. فالآن لو ترفع رأسك وتقف وتدخل أصبعيك في أذنيك وتغني: يا ليلى هذا ظلم؛ إذ لا يصح الغناء، وهذا ليس مكان غناء. فهذا ظلم؛ لأنه وضع الشيء في غير موضعه. ولو أتيت إلى أمام باب المسجد ورفعت ثيابك تتغوط لم يجز هذا، وهو ظلم؛ لأنه وضع الشيء في غير موضعه. وكذلك لو أنك بدلاً أن تقول: يا الله! يا رب العالمين! قلت: يا فاطمة ! أو يا حسين ! فقد جعلتهم كالله، وكذلك لو قلت: يا أرحم الراحمين! يا رب العالمين! ثم قلت: يا رسول الله! أو لو قال شخص: يا سيدي فلان! يا مولاي فلان!؛ لأن هذا الدعاء حق من يسمع، ويعطي ويمنع، ويضر وينفع، وليس حقاً لميت بينك وبينه ألف سنة. ولكن الشياطين هي التي تحمل الناس على الشرك والكفر؛ ليكونوا مثلهم في الخزي والعذاب الأليم.

إذاً: الظلم هو: وضع الشيء في غير موضعه.

وأنواع الظلم ثلاثة: ظلم الإنسان لنفسه. والإنسان يظلم نفسه، فلو أتيت بالغاز وصببته على جسمك فقد ظلمت نفسك، ولو أدخلت يدك في النار تحرقها فقد ظلمت.

والبدن غير النفس، فظلمه لنفسه أي: التي بها ينطق ويسمع ويبصر، ويمشي ويتحرك، وهي هذه التي تعمر جسده وتملأه. وظلمها أن يعصي الله ورسوله بفعل ما حرما، أو بترك ما أوجبا، فينتقل الأثر إلى النفس، فتصاب بالظلمة والعفن والنتن. وقد بينت لكم أن أصحاب النفوس الخبيثة هم أصاب الشر والظلم، والفساد والخبث. وهذا أمر واضح كالشمس. وأصحاب النفوس الطاهرة الزكية هم الذين لا تشاهد معهم فسقاً ولا فجوراً، ولا ظلماً ولا كذباً؛ لأن أرواحهم مشرقة طاهرة نقية.

هذا معنى قوله تعالى: وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:46]، أي: مشركين عابدين لغير رب العالمين.

هنا معاشر المستمعين أقرر هذه الحقيقة التي تكررت عندنا، وهي: أن الظلم ثلاثة أنواع، ظلم الإنسان لنفسه، وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وظلم الإنسان لربه رب الإنسان. وأفظع الظلم وأقبحه: ظلم الإنسان لربه.

وظلمك لنفسك هو: أن ترتكب الذنوب والآثام، فتصيبها بالظلمة والعفن والنتن، حتى تصبح شر خلق الناس. فظلم النفس هو: أن تصب عليها أطنان الذنوب وقناطير الآثام، وذلك بترك الواجبات، وفعل المحرمات من الغيبة والنميمة والزنا، وشرب الخمر والحشيش، وقول الباطل والمنكر، وترك الصلاة، وكل واجب تتركه فإن إثمه ينصب على النفس، وكل محرم تفعله الإنسان ينصب أثره على النفس. فالإنسان ظالم لنفسه، كما قال تعالى: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ [هود:101]. فهم الذين يظلمون أنفسهم. وأنت تظلم نفسك، ولما نفخها الملك في جسمك في بطن أمك كانت أكثر صفاء من هذا النور، وأكثر إشراقاً من هذا النور، وتبقى صافية إلى أن تبلغ، فإذا بلغت سن الرشد فحينئذٍ إذا واليت العبادة والطاعة بقي نورها وإشراقها، ويتجلى ذلك في استقامتك في حياتك، بلا انحرف ولا انكسار ولا اعوجاج، وإن أنت صببت عليها الذنوب والآثام اسودت وأظلمت، وأصبحت منتنة عفنة، ويبين لك ذلك من أن صاحبها يكذب ويفجر، ويسرق ويخون ويتكبر، وكل هذه آثار الذنوب بظلمه لنفسه.

وظلمك لأخيك الإنسان يكون بأذيته في عرضه .. في ماله .. في بدنه، فيقال: فلان ظلمنا إذا سبنا وشتمنا، وأكل أموالنا وأراق دمائنا، وانتهك حرماتنا، فهو ظالم.

والظلم للرب تبارك وتعالى: أن تأخذ حقه وتعطيه لغيره. ولله حق علينا وهو العبادة التي من أجلها خلقنا ورزقنا، ومن أجلها خلق الحياة كلها. فهذه العبادة هي حق الله مقابل الخلق والرزق، فإذا صرفتها للصنم أو وثن أو إنسان أو حيوان أو ملك من الملائكة أو نبي من الأنبياء فقد ظلمت ربك، وأخذت حقه وأعطيته لغيره.

والقاعدة هي: أن الظلم: وضع الشيء في غير موضعه. فالآن لو ترفع رأسك وتقف وتدخل أصبعيك في أذنيك وتغني: يا ليلى هذا ظلم؛ إذ لا يصح الغناء، وهذا ليس مكان غناء. فهذا ظلم؛ لأنه وضع الشيء في غير موضعه. ولو أتيت إلى أمام باب المسجد ورفعت ثيابك تتغوط لم يجز هذا، وهو ظلم؛ لأنه وضع الشيء في غير موضعه. وكذلك لو أنك بدلاً أن تقول: يا الله! يا رب العالمين! قلت: يا فاطمة ! أو يا حسين ! فقد جعلتهم كالله، وكذلك لو قلت: يا أرحم الراحمين! يا رب العالمين! ثم قلت: يا رسول الله! أو لو قال شخص: يا سيدي فلان! يا مولاي فلان!؛ لأن هذا الدعاء حق من يسمع، ويعطي ويمنع، ويضر وينفع، وليس حقاً لميت بينك وبينه ألف سنة. ولكن الشياطين هي التي تحمل الناس على الشرك والكفر؛ ليكونوا مثلهم في الخزي والعذاب الأليم.

إذاً: الظلم هو: وضع الشيء في غير موضعه.

وأنواع الظلم ثلاثة: ظلم الإنسان لنفسه. والإنسان يظلم نفسه، فلو أتيت بالغاز وصببته على جسمك فقد ظلمت نفسك، ولو أدخلت يدك في النار تحرقها فقد ظلمت.

والبدن غير النفس، فظلمه لنفسه أي: التي بها ينطق ويسمع ويبصر، ويمشي ويتحرك، وهي هذه التي تعمر جسده وتملأه. وظلمها أن يعصي الله ورسوله بفعل ما حرما، أو بترك ما أوجبا، فينتقل الأثر إلى النفس، فتصاب بالظلمة والعفن والنتن. وقد بينت لكم أن أصحاب النفوس الخبيثة هم أصاب الشر والظلم، والفساد والخبث. وهذا أمر واضح كالشمس. وأصحاب النفوس الطاهرة الزكية هم الذين لا تشاهد معهم فسقاً ولا فجوراً، ولا ظلماً ولا كذباً؛ لأن أرواحهم مشرقة طاهرة نقية.

هذا معنى قوله تعالى: وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:46]، أي: مشركين عابدين لغير رب العالمين.