تفسير سورة الأنبياء (3)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ * وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:16-20].

معشر المستمعين والمستمعات! قول ربنا جل ذكره: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ [الأنبياء:16]. هذا خبر من أخبار الله تعالى يخبر بذلك عن نفسه، فيقول جل جلاله وعظم سلطانه: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا [الأنبياء:16] من الكائنات والمخلوقات لاعِبِينَ [الأنبياء:16]. وحاشا وكلا! وتنزه الله عن اللعب. وقبل هذه الآية أخبر الله تعالى: أنه قصم أمم ودمرها؛ لأنهم كفروا به، وأشركوا في عبادته، وكذبوا رسله، وحاربوا أولياءه. وسبب تدميرهم هو ما ذكره سبحانه وتعالى بقوله: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ [الأنبياء:16]. مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ [الدخان:39]، أي: خلقناهما لتكونا آية للعقلاء، بها يعرفون خالقهم عز وجل، وبها يستدلون على ربهم السميع العليم، وبها يعرفون عظمة الله خالقهم، ويعرفون جلاله وكماله.

والذين كفروا بالله وأشركوا به وحاربوا رسوله يستوجبون العذاب والدمار في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا [الأنبياء:16] من المخلوقات كالأمطار والسحب وما إلى ذلك لاعِبِينَ [الأنبياء:16]. وحاشا لله تعالى أن يلعب أو يلهو. بل لما كفروا بنا وحاربوا رسلنا ودمروا دعوتنا ووقفوا في وجهها قصمنا ظهورهم، وقتلناهم ودمرناهم؛ لأننا مَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ [الأنبياء:16]. بل خلقناهما لنُعرف، فنعبد ونوحد، ولا يشرك بنا.

قال تعالى: لَوْ أَرَدْنَا [الأنبياء:17] وهذا من باب الفرض والتقدير أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:17]. وحاشا لله أن يفعل! والمراد باللهو الزوجة بلغة بعض اليمن، فاللهو يطلق على المرأة وعلى الزوجة في بعض لغة أهل اليمن، فالمراد بها الزوجة. وذلكم لأن من العرب من زعموا: أن الله أصهر إلى الجن وأنجب الملائكة، فبعض العرب كانوا يعتقدون أن الله أصهر إلى الجن، أي: تزوج جنية وأنجب الملائكة، والنصارى قالوا: الرب تزوج مريم وأنجبت عيسى، فهو ابن الله، واليهود لعلة من العلل وحدث من الأحداث قالوا: العزير ابن الله، ولن يكون إلا ابن الله.

ونسبة الزوجة والولد إلى الله نسبة فيها العجز والافتقار والحاجة، ومن يقول للشيء: كن فيكون لا يفتقر إلى امرأة أو ولد، بل هو خالق كل النساء والرجال والأولاد، ومع هذا ما زال النصارى إلى الآن يعتقدون هذا الباطل، وما زال اليهود يعتقدون أن العزير ابن الله، ولو بقي من مشركي العرب لما زالوا يعتقدون، ولكن الله نجاهم.

فالله تعالى يقول هنا: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا [الأنبياء:17]، أي: من عندنا من الحور العين في دار السلام، إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:17]، أي: ولكنا لم نكن فاعلين؛ لأن اتخاذ الزوجة والولد بسبب الفقر والحاجة والضعف، فيتزوج الرجل لضعفه وحاجته، والمرأة كذلك يحتاج إلى الولد ليقوم بواجبه معه.

وأما الذي هو غني عن كل ما سواه وبيده ملكوت كل شيء وإليه مصير كل شيء فلا ينسب إليه الزوجة والولد. ولكن البشرية هبطت إلى هذا المستوى، وإن قلت: ما أظن هذا يقع؛ لأن العرب انتهوا، فهاهم النصارى يقولون: عيسى ابن الله، ومعنى ابن الله: أنه تزوج مريم وأنجبت له عيسى.

فاستأصل الله هذه النظرية الفاسدة الهابطة من أصلها، فقال عز وجل: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا [الأنبياء:17]، أي: زوجة أو ولداً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:17]. ولكنا ما فاعلين. وحاشا الله أن يتخذ زوجة أو ولداً! فهو الغني عن كل ما سواه، والخليقة كلها هو خالقها، وأمرها بيده، فإن شاء أماتها، وإن شاء أحياها.

قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ [الأنبياء:18]. وتقول: دمغه إذا ضربه وشج رأسه حتى وصل إلى المخ، هذا هو الدمغ. وقوله: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ [الأنبياء:18] أي: بالقرآن والتوحيد. وهذا هو القذف، فقد دمر هذه النظريات وأبطلها. والحق هو أن الله لا إله إلا هو، ولا رب سواه، وأنه منزه عن صفات المحدثين، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

وقوله تعالى: فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء:18]. وهو إبليس عليه لعائن الله. فالشيطان هو الذي يوحي إلى أوليائه بهذه الأباطيل والترهات والخرافات، وبأن ربكم كذا، وله كذا، وبيده كذا، وهو الذي يزين هذا، ولكن لما يجيء الوحي الإلهي يهرب الشيطان وإلا يزهق، ولذلك قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء:18].

وأخيراً: وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18]. والويل واد في جهنم لا يعرف مداه إلا الله، وهذا الويل لما يصفون الله بصفات النقص والعجز، والكذب والباطل، ونسبتهم الولد والشريك والزوجة إليه، وهذا باطل. إذاً: وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18] الرب تعالى من صفات المحدثين، ومن صفات العجز والنقص، والحاجة والضعف، وهو الغني عمن سواه، فقد استوجبوا عذاب الدار الآخرة بوصفهم لله تعالى بالنقص والعجز؛ لأن وصفه بالزوجة والولد وصف له بالعجز والضعف. فلكم الويل مما تصفون الله بهذه الصفات، التي هي صفات المحدثين باتخاذ الولد والشريك، والمثيل والمساعد والمعاون له؛ لأن الذين اتخذوا أصناماً عبدوها قد عبدوها مع الله بحجة أنها مع الله، تفتح عليهم أبواب الخير وتساعدهم.

قال تعالى في خبر عظيم: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الأنبياء:19] من الملائكة والإنس والجن، فالكل مملوك لله، وهم عباد الله عز وجل، يتصرف فيهم كيف يشاء، فهو يحيي ويميت، ويعطي ويمنع، ويضر وينفع، والذي له من في السماوات والأرض لا يحتاج إلى زوجة، ولكنهم لا يستحون أن ينسبوا إليه الزوجة، وهو لا يحتاج إلى ولد، ويقال: ولده.

ولا عجب فإبليس عدو الله الشيطان هو الذي يزين هذا الباطل، ويحسنه لأوليائه، ويرغبهم في الدعوة إليه والانتصار له، ولكن الله وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ [الأنبياء:19] من الملائكة لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ [الأنبياء:19]. والذين عنده من الملائكة والله لا يحصي عددهم إلا الله. وقد كان الصحابة جالسين في الروضة ففاجأهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ( أطت السماء )، أي: تأرجحت من الثقل ( وحق لها أن تئط، ما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم ) . وهنا قال: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ [الأنبياء:19] أي: من الملائكة لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ [الأنبياء:19] إذا لم تعبدوا الله أنتم، وزين لكم الشيطان الكفر والشرك، فالله غني عنكم، وعنده من الملائكة بليارات يعبدونه الليل والنهار، ولا يتعبون وَلا يَسْتَحْسِرُونَ [الأنبياء:19] أبداً. وليس في حاجة إليكم أنتم. فهم إذا قال لهم: اركعوا .. اسجدوا .. اذكروا .. سبحوا .. افعلوا كذا لم يستكبروا عن عبادته أبداً، ولا يستحسرون ولا يتعبون ولا يعيون.

إن الملائكة يسبحون الدهر كله ليله ونهاره على حد سواء، كما قال تعالى: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20].

وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم وغيره: كيف ولهم أعمال يقومون بها؟ فقال: أنت تذهب إلى بيتك وتجلس مجلسك مع إخوانك وتتحدث وتأكل وتشرب وتركب دابتك ولا يقف نفسك، فأنت تتنفس دائماً، فهم كذلك يسبحون، فالتسبيح لهم كالنفس عندنا لا يحتاج إلى شيء أبداً. فهؤلاء الملائكة المخلوقون لعبادة الله يسبحون الليل كاملاً، والنهار كاملاً، فهم يسبحون الدهر كله لا يفترون ولا لحظة، فهم وإن كانت لهم أعمال يقومون بها فالتسبيح لا يفارقهم أبداً لا ليل ولا نهار، وهم لا ينامون ولا يأكلون ولا يشربون، بل هم مخلوقون فقط لعبادة ربهم وللتسبيح. ثم يأتي المشرك ويشرك بالرحمن، ويعبد غيره، ويصفه بصفات العجز والنقص، وهذا من الجهل واتباع الشياطين.

معنى الآيات

لنستمع إلى شرح الآيات في الكتاب:

[ معنى الآيات:

كونه تعالى يهلك ] ويدمر [ الأمم الظالمة بالشرك والمعاصي دليل أنه لم يخلق الإنسان والحياة لعباً وعبثاً ] ولهواً، بل خلقه ليعبده، وخلق كل شيء من أجلهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم عن ربه: ( يا ابن آدم! لقد خلقت كل شيء من أجلك ). فلولا نحن ما خلق الله الشمس ولا القمر، ولا السحاب ولا المطر، ولا السماء ولا الأرض ولا الحيوانات، بل خلق كل هذا من أجلنا، كما قال: ( يا ابن آدم! لقد خلقت كل شيء من أجلك، وخلقتك من أجلي ). فنحن مخلوقون من أجل الله؛ لنذكره ونشكره طول حياتنا، فقد خلقنا للعبادة، ولهذا الذي يرفض العبادة يستحق الموت، وليس بأهل للحياة أبداً؛ لأنه يأكل ويشرب، ويمشي ويركب، ولا يعبد الله، فإذا رفض العبادة فلا حق له في الحياة.

قال: [ بل خلق الإنسان وخلق الحياة ليذكر ] تعالى [ ويشكر، فمن أعرض عن ذكره وترك شكره أذاقه بأسه في الدنيا والآخرة، وهذا ما دلت عليه الآية السابقة، وقررته الآية وهي قوله تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ [الأنبياء:16]، أي: عابثين، لا قصد حسن لنا، بل خلقناهما بالحق، وهو وجوب عبادتنا بالذكر والشكر لنا.

وقوله تعالى: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا [الأنبياء:17] أي: صاحبة أو ولداً كما يقول المبطلون من العرب القائلون بأن الله أصهر إلى الجن فأنجب الملائكة. وكما يقول ضُلاّلُ النصارى: إن الله اتخذ مريم زوجته، فولدت له عيسى الابن، تعالى الله عما يأفكون ] أي: يكذبون [ فرد تعالى هذا الباطل بالمعقول من القول، فقال: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا [الأنبياء:17] نتلهى به من صاحبة وولد لاتخذنا من لدنا من الحور العين والملائكة، ولكن لم نرد ذلك، ولا ينبغي لنا، إنا نملك كل من في السموات ومن في الأرض عبيداً لنا، فكيف يعقل اتخاذ مملوك لنا ولداً، ومملوكة زوجة. والناس العجزة الفقراء لا يجيزون ذلك، فالرجل لا يجعل مملوكته زوجة له ] أبداً [ ولا عبده ] فالرجل لا يجعل خادمه ولداً بحال من الأحوال، ومع ذلك ينسبوهم إلى الله، هم عبيده، ويتخذون له زوجة وولداً.

وقوله تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء:18]. فتلك الأباطيل والترهات تنزل حجج القرآن عليها فتدمغها، فإذا هي ذاهبة مضمحلة، لا يبقى منها شيء ] وتذهب [ وَلَكُمُ الْوَيْلُ [الأنبياء:18] أيها الكاذبون! مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18] الله بالزوجة والولد، والشريك والرسول بالسحر والشعر، والكهانة والكذب. العذاب لازم لكم من أجل كذبكم، وافترائكم على ربكم ورسوله ] صلى الله عليه وسلم.

قال: [ وقوله تعالى: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الأنبياء:19] برهان آخر على بطلان دعوى أن له تعالى زوجة وولداً، فالذي يملك من في السموات ومن في الأرض غنى عن الصاحبة والولد؛ إذ الكل له ملكاً وتصرفاً.

وقوله: وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ [الأنبياء:19] برهان آخر ] وحجة أخرى. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20]، أي: فكيف يفتقر إلى الزوجة والولد، ومن عنده من الملائكة وهم لا يحصون عداً يعبدونه، لا يستكبرون عن عبادته، ولا يملون منها، ولا يتعبون من القيام بها؟ يسبحونه ] في [ الليل والنهار والدهر كله. لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20]، أي: لا يسأمون، فيتركون التسبيح فترة بعد فترة للاستراحة، إنهم في تسبيحهم وعدم سآمتهم منه وعدم انشغالهم عنه كالآدميين في تنفسهم وطرف أعينهم، هل يشغل عن التنفس شاغل؟ ] والجواب: لا [ أو ] عن [ طرف العين آخر؟ ] والجواب: لا [ وهل يسأم الإنسان من ذلك؟ والجواب: لا ] فليس هناك أبداً من يسأم من التنفس ويقول: قد عجزت [ فكذلك الملائكة يسبحون الليل والنهار ولا يفترون ] وجربوا إن خلوتم بأنفسكم بأن تسبحوا الله: سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم .. لا إله إلا الله فإنكم تبقون الساعة والساعات ولا تملون أبداً، فجرب وسترى، فستصبح ما تترك التسبيح إلا إذا كنت مع الناس أو تتحدث، ولن تشعر بالسآمة أو الملل من ذلك.

هداية الآيات

قال: [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات:

[ من هداية الآيات:

أولاً: تنزه الرب تعالى ] وبعده وطهارته [ عن اللهو واللعب، والصاحبة والولد ] وهناك من يصف لله زوجة وولد، كما قال كتابه الذي بين أيديكم، فالنصارى إلى الآن ينسبون إليه عيسى، ويقولون: إن أمه زوجة لله تعالى. وقد تنزه الله عن هذا، فحاشاه أن يتخذ زوجة أو ولداً، فالخلق كلهم هو خالقهم.

وقد ضربنا لكم المثل بأن الذي يملك جارية لا يتزوجها ويعدها زوجته، وهي خادمة، والذي عنده خادم يخدمه لا يجعله ولده، وبالأولى فالله لا يجعل من مخلوقاته الزوجة والولد، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

[ ثانياً: حجج القرآن هي الحق، متى رمي بها الباطل دمغته، فذهب واضحمل ] والحجج جمع حجة، فحجج القرآن هي التي تمحو الباطل وتدمره وتقضي عليه، وقد قضت على هذه الترهات والأباطيل، ولم يبقى إلا أن الله لا إله إلا هو، لا رب غيره، ولا إله سواه، منزه عن صفات المخلوقات كلها، لم يتخذ شريكاً ولا زوجة ولا ولداً.

[ ثالثاً: إقامة البراهين العقلية على إبطال الباطل أمر محمود، وقد يكون لا بد منه ] فاستخدام العقل واستعماله في النظريات محمود؛ لأنه لو عقل وفكر الذين قالوا: لله زوجة، وفكروا كيف يجعلون مريم بنت عمران زوجة للرب خالق السماوات والأرض، وخالق كل شيء، وهو الذي رفع السماء، وأوجد هذه الكواكب والشموس؟ لوجدوا أنه ليس هناك عقل يقبل هذا الكلام، فالذي خلق آدم وذريته لا ينسب إليه عيسى، ويقال: إنه ابنه، ووالله لو فكروا بعقولهم لما وصلوا إلى هذا الباطل ولكن عقولهم مصروفة، والشياطين تمنعها من التفكير، والتقليد الأعمى ومصالح الدنيا وأوساخها تبقيهم على الباطل، ولم تدعهم يفكروا.

وعندنا نحن جماعات من المسلمين ضالون والله، لا يفكرون ولا يتأملون ولا يتدبرون ولا يسألون أهل العلم، ويبقون على باطلهم كالمحجوبين حجباً.

[ رابعاً: بيان غنى الله المطلق عن كل مخلوقاته ] فالله غني عن كل مخلوقاته، وليس هو في حاجة إلى أحد، لا الملائكة ولا الحور العين، ولا الإنس ولا الجن، ولا المخلوقات كلها، فهو غني عنها بدليل أنه كان ولم يكن شيء، وهو خالق كل شيء، فلا ينسب إليه مخلوق من مخلوقاته.

[ خامساً ] وأخيراً: [ بيان حال الملائكة في عبادتهم وتسبيحهم لله تعالى ] فقد عرفنا أن الملائكة يسبحون الليل والنهار، والدهر كله، لا يفترون فترة أبداً، ومن شك في ذلك قيل له: أنت تتنفس طول النهار ولا تتعب من التنفس وأنت تتكلم، ولا تقول: لقد عجزت، فلن أتنفس، وكذلك هم لا يفترون.

وحسبنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أطت السماء، وحق له أن تئط، ما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم ).

وحتى تفهموا أقرب من ذلك: الواحد منا معه أربعة ملائكة بالليل والنهار، اثنان بالنهار، واثنان بالليل، بل وهناك الحفظة عشرة يحفظوننا.

والله تعالى نسأل أن يشرح صدورنا، ويزكي نفوسنا، وأن يختم لنا بخاتمة السعادة. إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.