شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة المسافر والمريض - حديث 456-457


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، وسلم تسليماً كثيراً، ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وهذا هو الدرس رقم: (165) من أمالي شرح بلوغ المرام ينعقد في هذه الليلة: ليلة الإثنين (14) من شهر ربيع الأول من سنة (1425هـ).

طيب, بعد ذلك المصنف رحمه الله انتقل إلى حديث آخر عن عائشة رضي الله عنها وهو: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم, ويصوم ويفطر ).

تخريج الحديث وكلام أهل العلم فيه

نَسَبَ المصنف هذا الحديث إلى الدارقطني قال: ورواته ثقات، إلا أنه معلول، طبعاً الحديث كما ذكر المصنف رحمه الله رواه الدارقطني , ورواه من طرق عديدة عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها.

والذين رووه عن الدارقطني هم في الغالب من الضعفاء، فإن هذه اللفظة أو هذا السياق روي عن عطاء من طرق: فرواه عنه طلحة بن عمرو وهو ضعيف، وهذا عند البيهقي والدارقطني .

وثانياً: رواه أيضاً دَلهم أو دُلهم عند البيهقي وهو ضعيف أيضاً.

الطريق الثالث: رواه المغيرة بن زياد عند الدارقطني والبيهقي والطحاوي في شرح معاني الآثار، وهذا تقريباً أشهر الطرق، طريق المغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة، حتى إن الحديث غالباً يعرف بحديث المغيرة بن زياد , ومع ذلك فإن المغيرة بن زياد قال فيه الإمام أحمد لما سأله ابنه عبد الله عن هذا الحديث قال: إن هذا الحديث من مناكيره، بل ذكر ابن حزم عن الإمام أحمد أنه قال: إن كل ما رواه المغيرة فهو منكر، ولذلك ابن حزم أيضاً حكم على هذا الحديث بالنكارة, وأعله جماعة من أهل العلم بالمغيرة، أعله به كما ذكرنا الإمام أحمد وأعله به ابن حزم وأعله به عبد الحق الإشبيلي في كتاب الأحكام، وأعله به ابن الجوزي والهيثمي وسائر الأئمة, فإنهم أعلوا الحديث بـالمغيرة بن زياد.

وبناءً على ذلك فإننا نقول: إن هذا الحديث بهذا اللفظ منكر، وهو ما أشار إليه الحافظ رحمه الله بقوله: إنه معلول، وابن تيمية رحمه الله وابن حجر وضعوا احتمالاً أن يكون في لفظ الحديث تحريف, وأن اللفظ: ( كان يقصر في السفر وتتم )، يعني: عائشة رضي الله عنها، ( ويفطر وتصوم )، يعني: عائشة رضي الله عنها، فيكون اللفظ مختلفاً عما عند المصنف، يكون الإتمام ويكون الصيام من فعل عائشة وليس من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وهذا القدر أيضاً منكر، لما ذكرناه في الجلسة الماضية لما سقنا حديث الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم -وفي بعض الروايات: في عمرة في رمضان- فكان يقصر وأتم، ويفطر وأصوم، فلما رجعت سألته، فقال صلى الله عليه وسلم: أحسنت يا عائشة ! ) وذكرنا علة هذا الحديث وضعفه.

ذكرنا أولاً إعلاله من حيث المعنى، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان وإنما كانت عمره في ذي القعدة، وذكرنا أيضاً أنه كان يبعد أن تذهب معه عائشة رضي الله عنها وتخالفه ولا تستفتيه في الوقت ذاته، وحتى الرواية التي ليس فيها ذكر العمرة في رمضان، فإن قولها: ( ويفطر وأصوم )، دليل على أنهم سافروا في رمضان، وأسفاره صلى الله عليه وسلم في رمضان معروفة، فلذلك أعل العلماء هذا الحديث، ومن أكثر من تكلم فيه الإمام ابن تيمية رحمه الله في مواضع من الفتاوى حتى إنه أفرد فيه عشرات الصفحات، وبالغ رحمه الله في إنكاره، حتى إنه قال: إن هذا الحديث لا شك أنه مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتبعه في ذلك الإمام ابن القيم , ونقل كلامهم جماعة من الأئمة والعلماء والمحققين، هذا من جهة المتن.

طيب! من جهة الإسناد، هناك أحد يعرف علة الحديث؟

ضعفنا الحديث لوجود العلاء فيه، فلذلك قلنا: إن الحديث ضعيف سنداً ومتناً, وهو بهذا يجتمع مع حديث الباب في أن عائشة كانت هي التي تتم وهي التي كانت تصوم، والمصنف هنا قال: إن الحديث معلول كما ذكرنا.

الفرق بين حكمي قصر الصلاة والفطر للمسافر

أيضاً مما يعلق به على الحديث الفرق بين الإتمام وبين الفطر، فإن الفطر عن عائشة رضي الله عنها ثابت كما في صحيح البخاري ذكرناه سابقاً عن عروة وقد سألها عن ذلك، فقالت: [إنه لا يشق علي]، بالنسبة للصوم في رمضان، وقال العلماء كما ذكره ابن حجر وابن تيمية : إن عائشة رضي الله عنها لو كان عندها توقيف أو خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ما احتاجت إلى أن تتأول وتقول: [إنه لا يشق علي] لما سئلت, ولقالت: لقد صمت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر علي, وقال لي: أحسنت يا عائشة ! فلما لم تقل ذلك وإنما تعللت بعلة تأويل، وهو أن الأمر لا يشق عليها دل على أنه لم يكن عندها فيه خبر في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، هذا أيضاً مما يضاف.

ويضاف إليه: أن الأمر واضح في الفرق بين الإتمام في الصلاة وبين الصوم في رمضان؛ لأن الصوم في رمضان كما أنه ثابت عن عائشة رضي الله عنها من فعلها, وتأولها إلا أنه بالنسبة لإتمام الصلاة ثابت عنها، أنها كانت تتم وتقول: (لا يشق عليَّ)، لكن بالنسبة للفطر في رمضان لم يثبت عنها أنها كانت تصوم في السفر، وبينهما فرق؛ لأنه كما ذكرنا وأشرنا أن حكم الفطر في السفر غير حكم الإتمام، يعني: ليسا مترابطين، وهذا أشار إليه ابن تيمية رحمه الله أن الحكم مختلف بالنسبة للصيام، من كان لا يشق عليه الصوم مثلاً في السفر ولا يكلفه هل يكره له الصيام؟ لا.

وإنما الأمر فيه تفصيل: بعضهم يرى أنه إذا كان الأمر مستوياً فإن الصوم أفضل؛ لأنه أسرع في إبراء الذمة، لكن ليس الأمر كذلك بالنسبة لإتمام الصلاة؛ لأن النصوص في إتمام الصلاة أوضح وأقوى, وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه في حديث صحيح ولا حسن أنه أتم في السفر، ولا أحد من أصحابه أتموا بحضرته كما في حديث ابن عمر أيضاً وابن مسعود أنهم صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان صدراً من خلافته, فلم يكونوا يتمون الصلاة، إلا أنه بالنسبة للصيام ورد أنهم كانوا يصومون في السفر، مثلما جاء في حديث عمرو بن حمزة الأسلمي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ( إن شئت فصم وإن شئت فأفطر )، يعني: في السفر، وكذلك الحديث الآخر: ( فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، والمفطر على الصائم ) من حديث أنس، والحديث الآخر: ( أنه كان منهم الصائم ومنهم المفطر, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذهب المفطرون اليوم بالأجر )، ولم يعب على الصوام.

إذاً: مسألة القصر في الصلاة غير مرتبطة بالفطر في السفر، القصر له حكم, والفطر له حكم آخر، فالقصر نقول: الراجح أن الصلاة يستحب قصرها في السفر استحباباً مؤكداً، وبعضهم يرى الوجوب، بينما بالنسبة للفطر نقول: ليس الأمر كذلك، وإنما يفطر إذا كان يشق عليه، وإذا لم يشق عليه وصام، كذلك جائز، وقد يكون فاضلاً عند بعض أهل العلم، فليس الأمر مرتبطاً بين إتمام الصلاة وبين الصوم في السفر في رمضان، فهذا جانب مهم؛ لأن حديث عائشة -حديث الباب- وإن كان بالضعف الذي ذكرنا إلا أن هناك من أهل العلم من قد أخذ بظاهره, وممن وقع في هذا: الإمام الشافعي رحمه الله، فإنه ساق الحديث وكأنه احتج به، وكذلك اغتر به بعض الحنابلة مثلما ذكره جمع من أهل العلم وأخذوا بظاهره، وكأنهم بذلك يسوون بين القصر في السفر وبين الفطر.

طيب, إذاً: هذا هو الحديث الأول حديث عائشة، وقلنا: إنه حديث كما ذكر المصنف معلول أو منكر كما أشار إليه أحمد وغيره، وأن الرواية الصحيحة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تصوم وكانت تتم الصلاة، وليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه الرواية أن عائشة كانت تروي فعلها هي وليس فعل النبي صلى الله عليه وسلم، هي الرواية التي ذكرها عمر بن ذر وهو كوفي ثقة عنها رضي الله عنها .

طبعاً المصنف رحمه الله ذكر بعد ذلك لفظاً آخر، قال: والمحفوظ عن عائشة رضي الله عنها من فعلها، وقالت: (إنه لا يشق علي)، ونسبه إلى البيهقي، فهذا اللفظ هو اللفظ الصحيح، وهو من رواية عروة عن عائشة، هذا اللفظ عند البيهقي أنها قالت: (إنه لا يشق علي)، بينما في صحيح البخاري أن عروة رضي الله عنه قال: (إنها تأولت كما تأول عثمان)، وتأول عائشة رضي الله عنها اختلف فيه، والأرجح هو أنها رأت أن الأمر مرتبط بالمشقة، وبعضهم قالوا: لأنها كانت ترى نفسها أم المؤمنين، فكل بلاد الإسلام بلاد لها، وهي متأهلة في كل مكان، وهذا وجه ضعيف.

نَسَبَ المصنف هذا الحديث إلى الدارقطني قال: ورواته ثقات، إلا أنه معلول، طبعاً الحديث كما ذكر المصنف رحمه الله رواه الدارقطني , ورواه من طرق عديدة عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها.

والذين رووه عن الدارقطني هم في الغالب من الضعفاء، فإن هذه اللفظة أو هذا السياق روي عن عطاء من طرق: فرواه عنه طلحة بن عمرو وهو ضعيف، وهذا عند البيهقي والدارقطني .

وثانياً: رواه أيضاً دَلهم أو دُلهم عند البيهقي وهو ضعيف أيضاً.

الطريق الثالث: رواه المغيرة بن زياد عند الدارقطني والبيهقي والطحاوي في شرح معاني الآثار، وهذا تقريباً أشهر الطرق، طريق المغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة، حتى إن الحديث غالباً يعرف بحديث المغيرة بن زياد , ومع ذلك فإن المغيرة بن زياد قال فيه الإمام أحمد لما سأله ابنه عبد الله عن هذا الحديث قال: إن هذا الحديث من مناكيره، بل ذكر ابن حزم عن الإمام أحمد أنه قال: إن كل ما رواه المغيرة فهو منكر، ولذلك ابن حزم أيضاً حكم على هذا الحديث بالنكارة, وأعله جماعة من أهل العلم بالمغيرة، أعله به كما ذكرنا الإمام أحمد وأعله به ابن حزم وأعله به عبد الحق الإشبيلي في كتاب الأحكام، وأعله به ابن الجوزي والهيثمي وسائر الأئمة, فإنهم أعلوا الحديث بـالمغيرة بن زياد.

وبناءً على ذلك فإننا نقول: إن هذا الحديث بهذا اللفظ منكر، وهو ما أشار إليه الحافظ رحمه الله بقوله: إنه معلول، وابن تيمية رحمه الله وابن حجر وضعوا احتمالاً أن يكون في لفظ الحديث تحريف, وأن اللفظ: ( كان يقصر في السفر وتتم )، يعني: عائشة رضي الله عنها، ( ويفطر وتصوم )، يعني: عائشة رضي الله عنها، فيكون اللفظ مختلفاً عما عند المصنف، يكون الإتمام ويكون الصيام من فعل عائشة وليس من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وهذا القدر أيضاً منكر، لما ذكرناه في الجلسة الماضية لما سقنا حديث الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم -وفي بعض الروايات: في عمرة في رمضان- فكان يقصر وأتم، ويفطر وأصوم، فلما رجعت سألته، فقال صلى الله عليه وسلم: أحسنت يا عائشة ! ) وذكرنا علة هذا الحديث وضعفه.

ذكرنا أولاً إعلاله من حيث المعنى، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان وإنما كانت عمره في ذي القعدة، وذكرنا أيضاً أنه كان يبعد أن تذهب معه عائشة رضي الله عنها وتخالفه ولا تستفتيه في الوقت ذاته، وحتى الرواية التي ليس فيها ذكر العمرة في رمضان، فإن قولها: ( ويفطر وأصوم )، دليل على أنهم سافروا في رمضان، وأسفاره صلى الله عليه وسلم في رمضان معروفة، فلذلك أعل العلماء هذا الحديث، ومن أكثر من تكلم فيه الإمام ابن تيمية رحمه الله في مواضع من الفتاوى حتى إنه أفرد فيه عشرات الصفحات، وبالغ رحمه الله في إنكاره، حتى إنه قال: إن هذا الحديث لا شك أنه مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتبعه في ذلك الإمام ابن القيم , ونقل كلامهم جماعة من الأئمة والعلماء والمحققين، هذا من جهة المتن.

طيب! من جهة الإسناد، هناك أحد يعرف علة الحديث؟

ضعفنا الحديث لوجود العلاء فيه، فلذلك قلنا: إن الحديث ضعيف سنداً ومتناً, وهو بهذا يجتمع مع حديث الباب في أن عائشة كانت هي التي تتم وهي التي كانت تصوم، والمصنف هنا قال: إن الحديث معلول كما ذكرنا.

أيضاً مما يعلق به على الحديث الفرق بين الإتمام وبين الفطر، فإن الفطر عن عائشة رضي الله عنها ثابت كما في صحيح البخاري ذكرناه سابقاً عن عروة وقد سألها عن ذلك، فقالت: [إنه لا يشق علي]، بالنسبة للصوم في رمضان، وقال العلماء كما ذكره ابن حجر وابن تيمية : إن عائشة رضي الله عنها لو كان عندها توقيف أو خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ما احتاجت إلى أن تتأول وتقول: [إنه لا يشق علي] لما سئلت, ولقالت: لقد صمت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر علي, وقال لي: أحسنت يا عائشة ! فلما لم تقل ذلك وإنما تعللت بعلة تأويل، وهو أن الأمر لا يشق عليها دل على أنه لم يكن عندها فيه خبر في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، هذا أيضاً مما يضاف.

ويضاف إليه: أن الأمر واضح في الفرق بين الإتمام في الصلاة وبين الصوم في رمضان؛ لأن الصوم في رمضان كما أنه ثابت عن عائشة رضي الله عنها من فعلها, وتأولها إلا أنه بالنسبة لإتمام الصلاة ثابت عنها، أنها كانت تتم وتقول: (لا يشق عليَّ)، لكن بالنسبة للفطر في رمضان لم يثبت عنها أنها كانت تصوم في السفر، وبينهما فرق؛ لأنه كما ذكرنا وأشرنا أن حكم الفطر في السفر غير حكم الإتمام، يعني: ليسا مترابطين، وهذا أشار إليه ابن تيمية رحمه الله أن الحكم مختلف بالنسبة للصيام، من كان لا يشق عليه الصوم مثلاً في السفر ولا يكلفه هل يكره له الصيام؟ لا.

وإنما الأمر فيه تفصيل: بعضهم يرى أنه إذا كان الأمر مستوياً فإن الصوم أفضل؛ لأنه أسرع في إبراء الذمة، لكن ليس الأمر كذلك بالنسبة لإتمام الصلاة؛ لأن النصوص في إتمام الصلاة أوضح وأقوى, وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه في حديث صحيح ولا حسن أنه أتم في السفر، ولا أحد من أصحابه أتموا بحضرته كما في حديث ابن عمر أيضاً وابن مسعود أنهم صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان صدراً من خلافته, فلم يكونوا يتمون الصلاة، إلا أنه بالنسبة للصيام ورد أنهم كانوا يصومون في السفر، مثلما جاء في حديث عمرو بن حمزة الأسلمي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ( إن شئت فصم وإن شئت فأفطر )، يعني: في السفر، وكذلك الحديث الآخر: ( فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، والمفطر على الصائم ) من حديث أنس، والحديث الآخر: ( أنه كان منهم الصائم ومنهم المفطر, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذهب المفطرون اليوم بالأجر )، ولم يعب على الصوام.

إذاً: مسألة القصر في الصلاة غير مرتبطة بالفطر في السفر، القصر له حكم, والفطر له حكم آخر، فالقصر نقول: الراجح أن الصلاة يستحب قصرها في السفر استحباباً مؤكداً، وبعضهم يرى الوجوب، بينما بالنسبة للفطر نقول: ليس الأمر كذلك، وإنما يفطر إذا كان يشق عليه، وإذا لم يشق عليه وصام، كذلك جائز، وقد يكون فاضلاً عند بعض أهل العلم، فليس الأمر مرتبطاً بين إتمام الصلاة وبين الصوم في السفر في رمضان، فهذا جانب مهم؛ لأن حديث عائشة -حديث الباب- وإن كان بالضعف الذي ذكرنا إلا أن هناك من أهل العلم من قد أخذ بظاهره, وممن وقع في هذا: الإمام الشافعي رحمه الله، فإنه ساق الحديث وكأنه احتج به، وكذلك اغتر به بعض الحنابلة مثلما ذكره جمع من أهل العلم وأخذوا بظاهره، وكأنهم بذلك يسوون بين القصر في السفر وبين الفطر.

طيب, إذاً: هذا هو الحديث الأول حديث عائشة، وقلنا: إنه حديث كما ذكر المصنف معلول أو منكر كما أشار إليه أحمد وغيره، وأن الرواية الصحيحة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تصوم وكانت تتم الصلاة، وليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه الرواية أن عائشة كانت تروي فعلها هي وليس فعل النبي صلى الله عليه وسلم، هي الرواية التي ذكرها عمر بن ذر وهو كوفي ثقة عنها رضي الله عنها .

طبعاً المصنف رحمه الله ذكر بعد ذلك لفظاً آخر، قال: والمحفوظ عن عائشة رضي الله عنها من فعلها، وقالت: (إنه لا يشق علي)، ونسبه إلى البيهقي، فهذا اللفظ هو اللفظ الصحيح، وهو من رواية عروة عن عائشة، هذا اللفظ عند البيهقي أنها قالت: (إنه لا يشق علي)، بينما في صحيح البخاري أن عروة رضي الله عنه قال: (إنها تأولت كما تأول عثمان)، وتأول عائشة رضي الله عنها اختلف فيه، والأرجح هو أنها رأت أن الأمر مرتبط بالمشقة، وبعضهم قالوا: لأنها كانت ترى نفسها أم المؤمنين، فكل بلاد الإسلام بلاد لها، وهي متأهلة في كل مكان، وهذا وجه ضعيف.