ثلاثون يوما من أجل اللقاء
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
ثلاثون يومًا من أجل اللقاءالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:
فيقول المولى - عز وجل -: ﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ * وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 142، 143].
لما أنجى الله - عز وجل - موسى ومن معه من المؤمنين من بني إسرائيل، طلب بنو إسرائيل من موسى أن يجعل لهم إلهًا كما للمشركين إله، فقال - عز وجل -: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [الأعراف: 138]، فأدَّبهم موسى بأنه ذاهب إلى لقاء ربه يُناجيه وسيعود بعد ثلاثين ليلة.
فصام موسى - عليه السلام - شهرًا ينتظر لقاء الله، صام موسى شهرًا وهو يأمُل أن يُنزِّل الله - عز وجل - عليه التوراة، صام موسى شهرًا لعله يرجع إلى قومه، حتى إذا جاء موعد اللقاء وجد رائحة كريهة في فمه؛ فاستاك بلحاء شجرة، فأوحى الله إليه: يا موسى، أما علِمت أن خُلُوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك؟ فأجَّله ربُّنا عشر ليالٍ أخرى.
ثم جاء اللقاء المرتقَب: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 143].
لقد صمنا أيها الأحبَّة شهرًا كاملاً في رمضان لله، كما صامه موسى - عليه السلام - صمنا ثلاثين ليلة نُحيي فيها ذِكرى نزول القرآن كما فعل موسى - عليه السلام - وهو ينتظر نزول التوراة عليه، وها هو اللقاء به - سبحانه - يوم العيد كما حصل لموسى - عليه السلام.
يقول أحد السلف: فيرجع أقوام من المصلَّى كيومَ ولَدتْهم أمهاتهم، اللهم فاجعلنا منهم!
أيها الفضلاء:
الناس صِنفان؛ إما سابقون صاموا كما صام موسى، ونالوا اللقاء وكرامته، وإما متأخِّرون عبدوا العجل حين تأخَّر عليهم موسى وهم يائسون.
فانظر على أي الحالين أنت يرعاك الله.
واشكر ربَّك على عظيم نِعمة الصيام والقرآن؛ فقد قال - سبحانه -: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].
وأكمل الصيام ستًّا من شوال كما أكمل موسى - عليه السلام - عشرًا، ليستمرَّ ركْبُ الصائمين القائمين دون كللٍ أو ملل، وأنت منهم في كل زمان ومكان.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه.