إلى كل متقول: { قل إنما أتبع ما يوحى إلي }
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
إلى كل متقول﴿قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾
يخرج علينا من يدعي أنه يمتلك هو والجماعة التي ينتمي إليها، الفهم الوحيد الصحيح للقرآن بفهم أهل البيت أو بفهم علي بن أبي طالب، ابن عم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصهره، وأحد المبشرين بالجنة، حيث نشأ في كنف النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم صغيرًا قبل أن يبلغ الحلم، وكان من أوائل من أسلم، نافح عن الإسلام صغيرًا وشابًا وكهلًا، وشارك في غزوات الإسلام الكبرى، عُرف بالشجاعة وتوقد الذكاء والفقه بأمور الدين والحكمة.
وكأن الله قد ميزَّ هذا المدعي وجماعتَه وفضَّلَه على باقي العالمين واصطفاه لهذا الفهم دون غيره من البشرية، وأن هذا الفهم للقرآن لا يكون إلا بواسطة هؤلاء، أو هؤلاء، ومن أراد فهمه فعليه باتباعهم والسير في ركابهم والامتثال لهم.
ولكن الله يكذب هؤلاء وهؤلاء حيث يقول: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16].
وقال – سبحانه -: ﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 52].
فالقرآن كتاب مبين واضح مفصل من عند الله، وليس أدق ولا أصدق ولا أدل على طبيعة هذا الكتاب (القرآن) وعلى طبيعة هذا المنهج (الإسلام) من أنه نور للمؤمنين.
إنها حقيقة يجدها المؤمن في قلبه وفي كيانه وفي حياته وفي رؤيته وتقديره للأشياء والأحداث والأشخاص..
يجدها بمجرد أن يجد حقيقة الإيمان في قلبه (نور) نور تشرق به كينونته فتشف وتخف وترف، ويشرق به كل شيء أمامه فيتضح ويتكشف ويستقيم.
إنه نور، وكتاب مبين..
وصفان للشيء الواحد..
لهذا الذي جاء به الرسول الكريم.
كما أوضح الله أن هذا لكل العالمين؛ ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 28].
وإن كان زعمُ هؤلاء وهؤلاء صحيحًا، فأين وجدوا هذا الفهم الذي فهمه الصحابة أو أهل البيت أو علي بن أبي طالب؟ هل تم حفظه بالكتابة؟ وهم يحتفظون به في خزائنهم دون غيرهم من البشر؟! فلا ينشرونه.
وهل هم الورثة لهم؟ أم إن هؤلاء وهؤلاء قد اصطفاهم الله بذلك؟ ﴿ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ص: 5].
ألم يقل الله لسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 50].
فلست أدعي فوق منزلتي، التي أنزلني الله إيَّها، ﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾؛ أي: هذا غايتي ومنتهى أمري وأعلاه، إن أتبع إلا ما يوحى إلي، فأعمل به في نفسي، وأدعو الخلق كلهم إلى ذلك، فإذا عرفت منزلتي، فلأي شيء يبحث الباحث معي، أو يطلب مني أمرًا لست أدعيه، وهل يلزم الإنسان، بغير ما هو بصدده؟ ولأي شيءٍ إذًا دعوتُكم، بما أوحي إلي أن تلزموني أني أدعي لنفسي غير مرتبتي، وهل هذا إلا ظلم منكم، وعناد، وتمرد؟ ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 50]، فتنزلون الأشياء منازلها.
وظيفتي اتباع ما يوحى إلى من ربي، فأنا عبده وممتثلٌ لأمره، وحاشاى أن أدعى شيئًا من تلك الأشياء التي تدعونها، قل لهم: هل يستوي أعمى البصيرة الضال عن الصراط المستقيم، وذو البصيرة المنيرة التي اهتدت إلى الحق فآمنت به واتبعته؟
إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يؤمر من ربه أن يقدم لهم نفسه بشرًا مجردًا من كل الأوهام التي يدعونها، وأن يقدم لهم كذلك هذه العقيدة بذاتها مجردة من كل ادعاء، إنها عقيدة يحملها رسول، لا يملك إلا هداية الله، تنير له الطريق!
ولا يتبع إلا وحي الله يعلمه ما لم يكن يعلم.
إنها العقيدة هتاف هذه الفطرة، وقوام هذه الحياة ودليل الطريق إلى الآخرة، ولا تبديل لكلمات الله، فهو الذي سمانا المسلمين من قبل ورضي لنا الإسلام دينا، ومن يسمي نفسه بغير الإسلام، فقد ابتدع لنفسه غير طريق الإسلام، ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [المائدة: 3].
﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 50].