وأعني به أن كثيرا من الشرعيين لُبس عليهم عن طريق الأقيسة الفاسدة، وأحاطوا الأصول الإيمانية بحائط من الشبهات يظنه الناظر إليه قائما على أساس متين فإذا اتكأ عليه المتعب خر كأن لم يكن ثمة حائط، وهكذا من يقيس المسائل الشرعية على أصول باطلة تخر تلك المسائل بخرور أصولها الباطلة، ولهذا نجد كثيرا من القائسين يظنون أن قياس الإسلام بالغرب أو النصرانية قياس صحيح يخرس الألسن ويشل البنان ويحير الأذهان!!، وهؤلاء القائسون منهم من آثر النصوص وتخبط في الرد عليهم بأقيسة فاسدة مماثلة لأقيسهتم نظير من يسأل عن سبب المنع من بناء كنائس في جزيرة العرب مع أنهم يسمحون ببناء مساجد في بلدانهم!! فيجيب بأن سبب المنع هو أن الجزيرة عاصمة الإسلام كما أن الفاتكان في روما-عاصمة النصرانية- يمنعون من بناء مساجد!! وهذا قياس فاسد لا يحصل به المقصود؛ إذ يلزم منه أنهم لو سمحوا ببناء مساجد في الفاتكان فيلزمنا بناء كنائس في جزيرة العرب؟؟ كما يلزم منه جواز بناء كنائس في غير عاصمة الإسلام من بلدان المسلمين!! وخطأ مثل هؤلاء قريب وهو خطأ في الاستدلال لا في المدلول! على أن بعض الأجوبة قد يلزم منها لوازم كفرية لم يتفطن لها المجيب نظير من يرد على اليهود دعواهم في استحقاق أرض فلسطين بأنهم أول من سكنها فهم أحق بها! فيجيبهم بأن أول من سكنها هم العرب فهم أحق بها من غيرهم بل لا يحق لغيرهم السكن فيها البتة ثم يسرد البراهين في نصرة قوله!! ولم يتفطن هذا المجيب أنه يلزم من جوابه هذا معارضة القرآن الكريم في استحقاق موسى وبني إسرائيل لأرض فلسطين، حينما كتبها الله لهم بقوله: (ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) وموجب هذه الأقيسة ولوازمها ما لا يحصى من الفساد، ولو أجاب بما قرره ربنا تعالى في مواضع من كتابه لسلم من هذه اللوازم ودحض شبه المخالفين، فإن الله تعالى بين أن علاقة أهل الحق بالحق أقوى من علاقة الجنس والنسب، قال تعالى لنوح عليه السلام في شأن ابنه: (إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) وقال صلى الله عليه وسلم (نحن أحق بموسى منكم) [1] وقال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} وغير ذلك من البراهين .. ، ومنهم من آثر الأقيسة الفاسدة وقدمها على النصوص، ولوا أعناقها أو كسرها بتضعيف سندها من أجل الوصول إلى نتائج
(1) صحيح البخاري (5/ 134) رقم (2004) من حديث ابن عباس-رضي الله عنهما-