اللغة وحقول الألسنية معنيّ بنقد الأنساق المضمرة التي ينطوي عليها الخطاب الثقافي بكل تجلياته وأنماطه وصيغه، ما هو غير رسمي وغير مؤسساتي وما هو كذلك سواء بسواء. ومن حيث دور كل منها في حساب المستهلك الثقافي الجمعي. وهو لذا معني بكشف لا الجمالي كما شأن النقد الأدبي، وإنما همه كشف المخبوء من تحت أقنعة البلاغي الجمالي، فكما أن لدينا نظريات في الجماليات فإن المطلوب إيجاد نظريات في القبحيات لا بمعنى عن جماليات القبح، مما هو إعادة صياغة وإعادة تكريس للمعهود البلاغي في تدشين الجمالي وتعزيزه، وإنما المقصود بنظرية القبحيات هو كشف حركة الأنساق وفعلها المضاد للوعي وللحس النقدي". (ص 83 - 84) "
وإذا كان الدكتور الغذّامي يرى أنّ مجال النقد الثقافي هو النص، فهو في الواقع يعمد إلى تفجير مفهوم النص نفسه الذي يتمدد ليصبح بحجم ثقافةٍ ما بأكملها. ومن ثمّ فأن هذا النص، الذي"لم يعد نصاً أدبياً جماليا فحسب، لكنه أيضا حادثة ثقافية"لا يُقرأ لذاته ولا لجماليته، وإنما يعامل بوصفه حامل نسق أو أنساق مضمرة يصعب رؤيتها بواسطة القراءة السطحية لأنها تتخفى خلف سحر الظاهر الجمالي. وبالتالي فمهمة القارئ/الناقد تكمن أساساً في الوقوف على أنساق مضمرة مرتبطة بدلالات"مجازية كلية"وليس على نصوص ذات دلالات صريحة (ص78 - ) .
والغذّامي لا يرفض الدلالة المتداولة لكلمة النسق"ما كان على نظام واحد أو البنية"، (ص 76) ، لكنه يؤكد أن هذه الكلمة تغدو في مشروعه النقدي"مفهوماً مركزياً يكتسب قيماً دلالية وسمات اصطلاحية خاصة". والنسق عنده لا يتحدد عبر وجوده المجرد بل من خلال وظيفته التي لا تتحقق إلا في وضع محدد ومقيّد. وذلك حين يتعارض نسقان أو نظامان من أنظمة الخطاب أحدهما ظاهر والآخر مضمر ومناقض للأول وناسخ له في نص واحد أو في ما هو في حكم النص. (ص77)
لذلك فالنقد الثقافي ـ كما ينظر إليه الغذّامي ـ يسعى إلى كشف حيل الثقافة في تمرير أنساقها تحت أقنعة ووسائل خاصة تتدثر بأغطية الجمال والبلاغة. وهذه الأنساق المضمرة التي يسعى النقدي الثقافي لفضحها، هي أساس الاستهلاك الثقافي الذي يحدد مدى جماهيرية نص ما واستمراريته.
وينظر الدكتور عبد الله الغذّامي في مشروعه النقدي هذا إلى الثقافة العربية كنص ضخم متنوع التكوينات والوجوه. ويرى أن السؤال الذي ينبغي على القارئ/الناقد الإجابة عنه هو: كيف يمكن داخل نص/الثقافة العربية أن نقرأ بعض الأنساق التي تشكلت عبر القرون وتكوّن السمات المميزة لهذه الثقافة؟
كما يؤكد الغذّامي أن على الناقد أن يميّز بين السمات الإيجابية والسمات السلبية التي ينبغي التركيز عليها لأن هذا يقودنا إلى التعرف على عيوبنا الحضارية والعراقيل التي اعترضت مسيرة النهضة